هل أصبح الدستور ضيقاً على جسد النظام السياسي في الكويت، أم أنه ما زال صالحاً ويتسع لحريات أكثر للأفراد، وضمانات أكبر للسيادة الشعبية، وعلى ذلك فالعيب ليس في مواد الدستور، وإنما في الممارسة السياسية للسلطة، بعد أن أفرغت الدستور من مضامينه وروحه!
د. أحمد الخطيب كرمز كبير، وأيقونة الحلم الدستوري، ينصح أهل الكويت في مقال افتتاحي في "القبس" بالتمسك بالدستور، كي لا يصبح مجلس الأمة حكومة في حكومة كاملة الدسم، في حين أن زملاء مثل أحمد الديين في "عالم اليوم" وحمد الجاسر في "الكويتية" يخالفان هذا التصور، فالدستور لم يعد صالحاً لضبط الانفراد بالسلطة، فحكم الدينار أضحى أقوى من حكم القانون والدستور، والحد الأدنى من الحقوق والحريات الديمقراطية التي تضمنها الدستور ضاعت وخنقت تحت واقع أن "الدينار مصدر السلطات"، والسلطة الحاكمة تحتكر مخازن الدينار تحت الأرض، ومن ثم، فإنها قد استأثرت بالحكم، وإما بضغوط القوى الدينية المتطرفة التي ولدت في الكويت وبقية دول الوطن العربي من رحم السلطات الحاكمة وتفردها بالحكم!
هل المشكلة في نصوص الدستور بعد أن شاخت ولم تعد تناسب الحاضر، أم أن العيب ليس في النصوص الدستورية بحد ذاتها، وإنما القصور في ممارسات السلطة! فالنصوص الدستورية واسعة وفضفاضة، لكن لم تأت تشريعات تعمق الممارسة الدستورية، أو قد يكون الأمر معكوساً، فتصدر تشريعات تنتهك روح الدستور، فالدستور، مثلا، لم يحرم تشريع الأحزاب وسكت عنها، والأصل أن السكوت يعني عدم الحظر، فأصل الأمور الإباحة، والدستور لم يحرم المرأة من حقوقها السياسية في السابق، ولكن القانون والممارسات "الفعلية" هي التي تصادر الحقوق والحريات للمرأة والمواطن والإنسان، والدستور أكد حق الإضراب والتجمعات وغيرها، ولكنه فوض الأمر في تنظميها إلى التشريع، فجاءت التشريعات لتأخذ باليد اليمنى ما منح الدستور باليد اليسرى!
لكن على الوجه الآخر للعملة ينص الدستور على أن الأمة مصدر السلطات، بينما يقرر قبل ذلك أن الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، وثلث أعضاء مجلس الأمة من الوزراء، وهم من تعينهم السلطة الحاكمة، وكان ذلك في النص الدستوري، وفي حقيقة "النص الواقعي" فإن الثلث الثاني من نواب الأمة يعينون أيضاً بطريق غير مباشر عبر تفويض "الدينار مصدر السلطات"، فماذا بقي للأمة والصوت الآخر!
لا توجد إجابة بنعم أو لا لتعديل الدستور، أو الإبقاء عليه، ولكن يقيناً الآن أصبح الدستور الكويتي، وبعد خمسين عاماً، نصوصاً في "دساتير من ورق"، وهذا عنوان كتاب لنيثان براون عن الدساتير العربية، لينتهي آخر الأمر إلى أن الإصلاح لا يأتي من النصوص ومن الشكل، بل من المعنى والمضمون، عبر إرادة وعزم الشباب ووعيهم بحاضرهم ومستقبلهم، وهناك ومضات أمل نشهدها في تجمعات ساحة الإرادة، إلا أن ضوءها ما زال خافتاً، ولم يسطع حتى الآن.
الشهر: أكتوبر 2011
زكرتي رمضان
دعاني صديق «زكرتي» لتناول الافطار معه في شهر رمضان الماضي. دخلت البيت واذ بصوت مقرئ القرآن يملأ أرجاءه. ما ان حل الافطار حتى تناول الجميع بضع تمرات وأردفوا شفة من كوب لبن وراءها، وترك المضيف طاولة الطعام ليؤدي الصلاة، فاضطررنا، احتراما له لانتظاره، ولكنه عاد في الوقت المناسب، وقبل أن نموت من الجوع. بعد انتهاء الافطار جلسنا بعدها جميعا، أنا واهله، في صالة رحبة، وكان صوت مقرئ القرآن لا يزال يملأ المكان رهبة وخشوعا، وان بدرجة أخف. ثم جاءت الحلويات والشاي والقهوة، فتناولنا منها ما لذ وطاب وتبادلنا، وأيضا ما لذ وطاب من حديث، وتطرقنا لأحداث الساعة وجاء عرضا ذكر كتاب «الأمير» للداهية الايطالي «مكيافيللي» وكيف أنه نصح أميره، وولي نعمته، ضمن ما نصح، بأن يكون كرمه مع شعبه قليلا ومتقطعا، ليستمر شكرهم على نعمه، وان يتعامل معهم عكس ذلك عندما يريد انزال الشدائد بهم، وهنا نظر الي صديقي المضيف وقال انه لم يقرأ كتاب مكيافيللي من قبل، ولكنه يطبق سياسته بحذافيرها في عمله. فهو مثلا «مجبر» في أحيان كثيرة على دفع رشى لهذه الجهة أو تلك، ولكنه يصر دائما ألا يدفع الرشوة مرة واحدة، بل على دفعات أو أقساط، لكي يستمر ولاء تلك الجهة له واستعدادها لتقديم الخدمة التي يريدها منها. وهنا حان وقت المغادرة، فودعنا الصديق الزكرتي جدا، بمثل ما استقبلنا به من حفاوة وتكريم وترحاب وترحال، وهرول داخلا بيته ليؤدي صلاة العشاء، قبل فوات أوانها.
أحمد الصراف
مُنع من تقلّد الوزارات.. فكيف يحاسب عليها؟!
حسنا فعلت الحكومة بإحالة الاستجواب الأخير للمحكمة الدستورية التي أتى حكمها مطابقا للمنطق ولصحيح القانون والدستور ومتناسبا مع حكمها السابق عام 2006 الذي جعل الاستجواب حقا لا يجوز التعسف فيه كي لا يفقد مقاصده الخيّرة، كما جعل مساءلة رئيس الوزراء مختصة بالسياسات العامة للحكومة ولا يجوز معها استجواب رئيس الحكومة ـ أي حكومة حاضرا او مستقبلا ـ على أعمال يقوم بها وزراء آخرون كي لا يعصموا من المساءلة السياسية فيفسدوا حيث إن السلطة المطلقة مفسدة ما بعدها مفسدة!
***
وواضح ان ذلك الحكم يتماشى كذلك مع العقل والمنطق فكيف لرئيس وزراء ان يعلم ما يدور في كل ساعة وكل دقيقة من اعمال وقرارات للوزراء المختلفين حتى يحاسب عليها؟! وهل يعتقد احد للحظة ان الوزراء لن يمارسوا اعمالهم اليومية الا بعد ان يتصلوا برئيسهم أولا بأول قبل اصدار القرارات اللازمة كي يحاسب بعد ذلك على أخطائهم؟ وهل من العدل ان يحاسب انسان على اعمال انسان آخر لا يعلم عنها؟! الإجابة واضحة!
***
ان السماح باستجواب رئيس الوزراء بسبب أخطاء الوزراء الآخرين يعني ابتكار ممارسات سيئة جديدة تضاف للممارسات السيئة السابقة التي شوهت وجه الديموقراطية الكويتية، ومن ذلك انها ستسمح لمن يريد من الوزراء بأن يسقط من يريد من رؤساء الوزارات عبر تسريب أخطاء وزارته لبعض النواب وكوسيلة لحماية ذاته وفي ذلك توسعة وتكرار لاستجواب وطرح الثقة في الوزراء بسبب تآمر بعض إداريي وزاراتهم عليهم، ان محاسبة الرئيس على أخطاء الوزير تعني قلب الهرم السياسي، حيث سيصبح الإداري أقوى من الوزير والوزير أقوى من الرئيس وبقاء القلاقل السياسية وعدم الاستقرار الحكومي الى أبد الآبدين، ناهيك عن الخطأ الحسابي الشنيع فيه، فبدلا من ان يستجوب 15 وزيرا على 15 خطأ في وزاراتهم سيستجوب الرئيس 15 مرة على أخطاء لم يرتكبها، وكم رئيس سيبقى ضمن تلك المعادلة المدمرة التي أبطلها حكم المحكمة الدستورية الأخير؟!
***
ولو عدنا للآباء المؤسسين وهم بالقطع الأكثر فهما للدستور ومعانيه فسنجدهم قد قاموا بتحصين رئيس الوزراء ايا كان شخصه من المساءلة البرلمانية حفاظا على الاستقرار السياسي في البلد عبر عدم طرح الثقة فيه وعدم توليه أي وزارة كحال جميع الديموقراطيات الأخرى التي تجيز لرئيس الوزراء ان يتقلد ما يشاء من الوزارات فكيف يقوم البعض هذه الأيام بمحاولة محاسبة رئيس الوزراء على أعمال الوزارات التي منع من تقلدها في الأساس حماية له من المحاسبة؟! لست أدري!
***
آخر محطة: حتى لا يزايد أحد على أحد إليكم بعض ما جاء في محاضر المجلس التأسيسي ـ التي لا يقرأها أحد ـ حول ضرورة النأي برئيس مجلس الوزراء عن المحاسبة البرلمانية حفاظا على الاستقرار السياسي وعلى لسان الخبير الدستوري «الشعبي» د.عثمان خليل عثمان وليس الخبير «الحكومي» محسن عبدالحافظ: ص172 «الكتل السياسية تسعى جهدها لإسقاط الوزارة القائمة لا للمصلحة العامة، ويبطل مفعول مناوراتها وخطرها إذا ما اقتصرت المسؤولية البرلمانية على «الوزير» دون رئيس الوزراء»، وص173 «النظام الأكثر كفالة للاستقرار هو بأن يكون رئيس الوزراء غير مسؤول عن اي موضوع تنفيذي أمام مجلس الأمة دون تولي وزارة».
هل سنقبض من دبش(*)؟
أتاحت الحرية السياسية والصحفية النسبية في العراق والكويت الفرصة لأطراف عدة للتربح من تأجيج الخلافات بين البلدين، إن بكتابات حاقدة أو تظاهرات فاسدة، بغية ادامة الخلاف بين الطرفين، وبالتالي تحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية أو طائفية من وراء ذلك! ولو علم هؤلاء، ولا شك يعلمون، بأنهم في نهاية الأمر لا يتسببون إلا في ادامة تخلف المنطقة والإضرار بمصالح الشعبين وتهديد أمنهما ورخائهما، اللذين لا يمكن أن يتحققا ويستمرا من دون تحقيق السلام بينهما، من خلال نبذ الخلافات وتنمية موارد البلدين الطبيعية والبشرية، في المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية كافة، والدخول بقوة في مشاريع استثمارية توفر فرص العمل لمئات الآلاف! ولكن جميع هذه الأمور تلقى من فئة محددة معارضة شديدة، وخاصة في العراق، ولكل بطبيعة الحال أسبابه، فرفع مستوى معيشة الشعب العراقي سيصب في نهاية الأمر في رفع مستواه التعليمي، وهذا ليس في مصلحة زعامات محددة، فهؤلاء، ووراءهم عشرات الآلاف من المشتغلين بالتجارة الدينية، من المستفيدين من بقاء الجهل واستمراره، فتسيير الملايين كل عام في مواكب دينية أصبح سهلا ومصدر دخل كبير للبعض، ولكن ما الذي جناه العراق من كل هذه المسيرات غير تعطيل أعمال الناس وتأخير كل تقدم؟ إن مستقبل العراق والكويت يكمن في تعاونهما، وليس هناك جار للعراق أفضل من الكويت، التي يمكن أن يستفيد منها سلميا لأقصى درجة، وليس هناك من طريقة أفضل للعيش بتآخٍ وسلام من إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة، فالحرب العالمية الثانية التي قتلت اربعين مليون أوروبي نتج عنها أكبر اتحاد سياسي، بعد ان أتعظ هؤلاء أن الكراهية والخوف لن ينتج عنهما سوى الخراب! وعلينا بالتالي أن نضع شكوكنا جانبا، ونبعد الشك ونبدأ بالتخطيط للمستقبل، فالعراق مثلا بحاجة لخمسة موانئ بحجم ميناء مبارك، ومعارضة البعض لإقامة الكويت لمشروعها لا تستند إلى أي حجج قوية. كما أن البلدين بحاجة لإنشاء منطقة حرة بينهما، ومناطق خدمية وصناعية مشتركة، ومشاريع مياه ومد خطوط حديدية، وتوليد الكهرباء وإنشاء السدود لري أكبر قدر من الأراضي الزراعية التي يمكن أن يعمل بها مئات الآلاف من العاطلين عن العمل الآن، والمشاركة في انتاج مختلف المواد السهلة الصنع وغير ذلك! قد يجد الكثيرون أن كل هذه مجرد أحلام لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، ولكنها احتمال قابل للتطبيق، ولا يحتاج لغير الإرادة، فليس هناك من وسيلة لرأب الصدع بين البلدين واسكات أصحاب النوايا السيئة وخنق الفتن في مهدها من إقامة مثل هذه المشاريع الكبيرة التي ستعود بالفائدة على شعبي البلدين.
***
ملاحظة: (*) يشترك العراقيون والكويتيون في استخدام المثل «اقبض من دبش»، للدلالة على صعوبة أو استحالة الحصول على الأجر أو الدين. وقد فسرت سيدة المثل بقولها ان «دبش» كان يهوديا عراقيا أسمه «عزرا ساسون دبش»، وكان يعمل مديرا لميناء البصرة، ويقوم بالأعمال كافة، ومنها دفع الأجور. وبعد انتشار حوادث سلب ونهب بيوت وممتلكات اليهود (الفرهود)، بعد إعلان قيام دولة إسرائيل بفترة قصيرة، هاجر «دبش» الى إسرائيل، وأصبح مديرا لميناء حيفا حتى وفاته في 1962. وبعد أن ترك العراق صار العمال في ميناء البصرة يسألون عن أجورهم، وكان الجواب دائما «أقبض من دبش»، كناية عن عدم وجود أي أجور، لأن الذي كان يدفعها قد رحل ولا أحد يقوم بما كان يقوم به!
***
فهل سيقول لنا اعداء التعايش بين البلدين: اقبض من دبش؟!
أحمد الصراف
أول الغيث من تونس
عندما تعطي الناس الحرية في الاختيار من دون ترهيب أو ترغيب.. فانهم يختارون الفطرة. وعندما تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم.. فانهم يعبرون عنها بالفطرة. وعندما تطلب منهم ان يحددوا اتجاهاتهم.. فانهم يتجهون إلى الإسلام.
هذا بالضبط ما حدث في تونس أمس الأول عندما سُمح للناس أن يختاروا.. من دون قيود.. وبحرية كاملة.. فاختاروا راية الدين.. راية الإسلام.
ثمانون عاماً من فصل الدين عن الحياة اليومية.. أكثر من نصف قرن من تربية الناس على العلمانية.. أكثر من نصف قرن من تشويه صورة المسلم الملتزم بوسائل اعلام رسمية وغير رسمية.. أجيال تعاقبت ونشأت في هذه الأجواء المعادية لكل ما يمت للدين بصلة.. غيروا المناهج الإسلامية.. ألغوا مفاهيم شرعية ثابتة.. أصّلوا لعادات غربية ليس لها علاقة بالدين الإسلامي.. ومع هذا.. ومع أول فرصة للتعبير عن الرأي بحرية.. أظهر الناس المارد المختبئ في وجدانهم طوال تلك السنين من الكبت والقهر.. وأعلنوا للعالم أنهم شعب مسلم يعتز بإسلامه ويتشرف بانتمائه للدين.
فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس هو أول الغيث.. فعندما توجد الحرية يختار الناس الفطرة.. ويعودون إلى أصالتهم.. «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه».
وما حدث بالأمس في تونس روّع خصوم الدين من أجانب وعرب.. لانهم كانوا يتوقعون ان يكون الزمن أثر على شعب تونس وغير من آرائه، خصوصاً أن تونس دولة أقرب ما تكون إلى أوروبا في انفتاحها وحضارتها وثقافتها طوال عقود مضت. ولكن السؤال الآن: هل سيستمر الغرب وأعوانهم في بلادنا في مدح التجربة الديموقراطية في تونس ام ان نجاح الاسلاميين سيعتبرونه وأداً للديموقراطية، كما حدث في الجزائر عندما اسقط الشعب حقبة من الدكتاتورية وجرت اول انتخابات حرة ونزيهة، ولكن عندما أظهرت النتائج فوز جبهة الانقاذ الاسلامية انقلب الباطل على الحق، ودعم الغرب المتحضر تدخل الجيش والغاء الانتخابات وهلل علمانيو العرب لهذا الاجراء وظهر الوجه البشع لمدعي الديموقراطية والحرية؟!
اذاً هم يريدون ديموقراطية وفقاً لمقاسهم وتتناسب مع توجهاتهم، وعذرهم ان الاسلاميين يلغون الآخر! لذلك هم ألغوا الاسلاميين! وها هي الجزائر منذ ذلك التاريخ لم نجد هذا «الآخر» ولم نسمع عنه.
أول الغيث من تونس..
ها هو رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي يعلن الشريعة الاسلامية مصدر التشريع في المرحلة المقبلة.. وهذا الاعلان لم يكن من فراغ، بل لانه يدرك ان هذا الاعلان يتفق مع ما يريده الشعب الليبي.
وها هم الاخوان المسلمون في مصر يستعدون لحصد %30 من مقاعد مجلس الشعب ليؤكدوا ما ذهبنا اليه في اول هذا المقال، من ان الشعب مع الاسلام اذا سُم.ح له بالتعبير عن رأيه بحرية، وها هم زعماء العلمانية والانظمة الليبرالية اعداء الدين يتساقطون واحدا تلو الاخر غير مأسوف عليهم وبلا رجعة باذن الله.
انهم الاخوان المسلمون..
هذا الاسم الذي تم تشويهه بوسائل الاعلام الغربي والعربي طوال نصف قرن.. وألبسوه تهما وجرائم هو منها براء.. وألصقوا به العذاريب وخوفوا الناس من الاقتراب منه! ها هو المارد يعود اليوم بقوة ليعلن للعالم «ويمكرون ويمكر الله».. «والله غالب على أمره».
وفعلا.. ما يصح.. الا الصحيح.
الصفراء أم شطفة
الذاكرة ما الذاكرة؟ تتساقط منها أحداث لا حصر لها، وتحتفظ ببعض الكراكيب… وكنت طفلاً عندما قيّض لي الحظ أن أشتري حذاءً أصفر، فردته اليمنى مشطوفة، شكله غريب مريب، اشتريته بفلوس مكافأتي من والدي لحفظي "سورة عبس وتولى" من القرآن الكريم، وكانت مكانة الحذاء في قلبي تفوق مكانة الألماس البلجيكي، وكنت وأنا أحمله في يدي لا أغبط السلطان بلقيه في قصره، ولم أخش شيئاً إلا تدافع المعجبين إذا انتعلته وخرجت به إلى الشارع، وأسئلتهم التي لن تنتهي: "من أين حصلت عليه؟ وما هو شعورك؟ وهل تسمح لي بتجربته؟ ووو"، كان الله في العون، هذه هي ضريبة بو شطفة.
وخرجتُ بالحذاء الكريم… ومضت دقيقة، تبعتها دقيقتان، وعشر، وكرّت مسبحة الدقائق، ويا للهول، لم يتدافع المعجبون، ولا حتى معجب واحد ولو بالمصادفة، سحقاً لهم، ولم يسألني أحد ما هو شعورك، وخنقتني العبرة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقررت أن أبادر أنا بعرض "الأصفر أبو شطفة" على المارة وعابري السبيل، فانتظرت أول عابر، وكانت عجوزاً تسكن في آخر الشارع، وجهها هو المصدر الرئيسي للتجعيد، فيه سبعون خطاً ويزيد، ورحت أمشي بالقرب منها، علّها ولعلها تسألني عن شعوري أو تستجديني تجربته، لكنها لم تلحظ شيئاً، فاضطررت إلى رفع طرف دشداشتي كي يظهر الحذاء وتظهر الشطفة، لكنها "ولا في البال"، فلم أجد مناصاً من لفت انتباهها بالتصريح بعد أن فشل التلميح: "ما رأيك بشطفة حذائي؟" وأشرت إليه، فأجابتني بأدب: "إذا لم تحمل شطفتك وتبتعد عن طريقي فسأقطعها على دماغك"، فابتعدت عن طريقها، لا خوفاً على دماغي بل على حذائي.
وانتظرتُ مرور غيرها من أهل الخير وذوي القلوب الرحيمة، علّ أحدهم يقدّر قيمة هذه الشطفة المباركة، لكن بادرة أمل واحدة لم تلح في الأفق، فلم يعد أمامي إلا أن أطرق الأبواب لأستعرض حذائي أمام أقراني الذين ناموا استعداداً للمدرسة صباح غد. وبدأت حملة طرق الأبواب، ففتح لي والد أحدهم، وما إن رآني حتى تجهم وصرخ: "نعم؟"، فأعطيته جانبي الأيمن وأنا أتبسم بزهو، ورفعت رجلي وكأنني مضطر إلى حك قدمي، عسى أن يرى الشطفة فينبهر فيفتح معي حديثاً مطولاً مليئاً بالأسئلة التي تبدأ من: "ما هو شعورك؟" ولا تنتهي إلا بطلب تجربته، وكنت سأسمح له بتجربته، لكن المثل يقول "خيراً تعمل شراً تلقى"، فبدلاً من الانبهار بحذائي، شدني من ياقة ثوبي فخنقني فبكيت، وراح يشتم ويسأل: "ابن مَن أنت؟ اعترف… ماذا تريد من ابني؟" ودون أن ينتظر إجابتي ركلني بكعب رجله على ظهري ففقدت أنفاسي وكدت أموت.
ولا يأس مع "الأصفر أبو شطفة"، لكنني خفت من فكرة طرق الأبواب، فقررت أن أوقظ صديقي من دون أن يستيقظ والده، فرميت شباكه بحجر كما كان يفعل عبدالحليم حافظ مع شادية، لكن صديقي ليس شادية، لذا انكسر شباكه لعنه الله، فولولتُ ولطمت رأسي، وحملت أبوشطفة في يدي وأطلقت لساقيّ العنان، ولم أتوقف إلا على مشارف الفحيحيل لشدة الهلع.
وجلست مستنداً إلى سور إحدى المدارس أستجمع ما بقي من أنفاسي وأعيد ترتيبها وأوقف نزيف الدم من قدميّ الحافيتين… وتوالت المحاولات، لكنّ أحداً لا يريد أن يعطي أبوشطفة مكانته التي تليق به، إلى أن علمتُ لاحقاً أن الشطفة ليست إلا عيباً مصنعياً، بدليل أن الفردة الأخرى تخلو من الشطفة.
ويخرج الشعب الكويتي بديمقراطيته الصفراء أم شطفة، يستعرض بها أمام المارة من الأوروبيين والدول المحترمة، عل أحداً يسأله عن شعوره، ولا أمل، فيطرق الأبواب ويكسر الشبابيك ويهرب إلى مشارف الفحيحيل، ويكتشف لاحقاً أن ديمقراطيته بشكلها هذا ليست إلا عيباً مصنعياً، بدليل أن حريته مرتبطة بمزاج السلطة، وحكومته التي تقرر مصيره لا يختارها.
سلع للبيع
إذا لم تكن هذه المحسوبية بجسدها وروحها النتنة، فماذا تكون إذن؟! الخبر الذي جاء بالصحافة أن عدداً من الذين رفضتهم إدارة الفتوى رفعوا دعاوى أمام المحكمة الإدارية طالبوا فيها بإلغاء قرار تعيين 22 قانونياً بإدارة الفتوى والتشريع على سند أنهم حصلوا على شهادات من جامعات غير معترف بها من الحكومة وبمعدل أقل من المطلوب! طبعاً، هي الحكومة ذاتها الوصية على روح العدل والمساواة في الدولة، والتي يتنطع أربابها وحواشيهم دائماً بالاستقامة السياسية في إدارة الدولة ورسم "سياستها العامة".
وأياً يكون الرأي الذي ستنتهي إليه المحكمة في تلك الدعاوى، فإن هذا الواقع المخجل يشهد كيف تدير السلطة أمور الدولة، وكيف ينبض بالحياة على أرض الواقع مفهوم "السياسة العامة" لمجلس الوزراء الذي تحصنت سلطاته إزاء مجلس الأمة بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير.
المحسوبية هي الواسطة، وهي الفساد يمشي على قدمين، وليت القضية حصرت في جماعة محددة من المجتمع مثل الذين رفضت طلباتهم إدارة الفتوى، أو جماعة أخرى غيرهم لمسوا الظلم باليدين ورفعوا أمرهم إلى القضاء، فعندها سنقول إنها واقعة أو وقائع محددة لا يمكن القياس عليها وسينتهي أمرها حين تطرق أبواب قصر العدل، لكنها ليست كذلك، هي ممارسة عامة للسلطة في جل شؤونها، وهي عرف وأعراف السلطة و"سياساتها العامة".
هي السياسة العامة للسلطة التنفيذية ليست فقط في التعيينات بجهازها الكسلان والمترهل، بل بكل صغيرة وكبيرة في دولة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر"، وما أكثر الذين عشقتهم عيون السلطة، هم من المعارف والمقربين، هم شعراء المديح وكتاب التبرير، وهم الذين لا يتنازلون أبداً عن شعارهم القديم المقدس الذي كان بالأمس تحت عنوان "الشيوخ أبخص"، واليوم بشعار "الحكومة أبخص". فهي أبخص حين تفصل المناقصات والمزايدات على مقاس "ربعها"، وهي "أبخص" حين تعين أقارب ومعارف "اربيعها" في الوظيفة العامة، وهي أبخص حين تشرع كوادر الهدر المالي وحرق المستقبل لجماعتها وتتناسى غيرهم ومن هم أحق، هي حكومة "البخاصة" المسكينة التي لا تعلم (وحسن النية مفترض) كيف قفزت أرصدة نوابها إلى خانة الملايين بين يوم وليلة، وكيف تفجرت منابع الثروة بالأمس ـ وحتى اليوم- فجأة للعارفين بدروب الخير ومسالك الصالحين في أرض النفط وزمن "من سبق لبق".
هل هناك أي أمل بالإصلاح! وهل ستخيم على أحلامنا كوابيس "البوعزيزي" بتعبير "الشال"، ونضع أيدينا على قلوبنا كلما امتد بنا العمر ونظرنا إلى أطفالنا وماذا يخبئ لهم قدرهم في دولة "سيروا على البركة"! الاجابة غير متفائلة، فمادام سعر برميل النفط ظل مرتفعاً فستبقى معه ضمائر الكثيرين سلعاً للبيع في مزادات السلطة.
ليس حباً في معاوية.. ولكن!
يقول المثل: «كثر الدق يفك اللحام»، فعندما صرح وكتب كل ذلك العدد من الكتاب والمعلقين ببراءة إيران من تهمة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وتصويره وكأنه مؤامرة أميركية للوقيعة بين إيران والسعودية، حتى «كدت» أؤيد رأيهم، وأتفق بأن في التهمة شيئاً ما، خاصة بعد أن شارك في حملة الدفع ببراءة النظام الإيراني من عرف عنهم شديد عدائهم له، ولكل ما يمثله من ثقل ديني، مع علمي بأن منطلقاتهم ليس حباً في علي بقدر ما هو كره في معاوية! أقول انني وبسبب استمرار ذلك الدق المركز والمستمر ببراءة إيران، وهو ما لا يمكن استبعاده تماما، إلا تصريح علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني لرئيس مجلس الامة جاسم الخرافي في لقائهما الأخير، جاء ليعيد لي صوابي، فقد صرح بأن المتهم الأميركي بمحاولة الاغتيال، الإيراني الأصل، كان شخصاً معتوهاً، عندما كان يعيش في إيران، وبسبب عتهه ذاك تم ابعاده منها قبل 30 عاما! ولو صح ذلك لادعى نصف سكان إيران بالعته ليتم استبعادهم إلى أميركا وأوروبا! إضافة إلى أن هذا التصريح هو إقرار من أعلى سلطة تشريعية في إيران بأن كل من يشك في عتهه يبعد عن البلاد، ويعني كذلك أن الجمهورية الإسلامية شبه خالية الآن من المعتوهين!
من جانب آخر، نرى أن الكثير من الأنظمة العربية، والإسلامية المتشددة بالذات، لا تجد وسيلة أفضل لاشغال شعوبها والهائهم عن مشاكلهم اليومية وقضاياهم الإنسانية ومطالباتهم بالحريات والحقوق المدنية، لا تجد أفضل من القضية الطائفية والتلويح بقميصها وبخطورتها بين الفترة والأخرى، ليبقى هاجسا يقظا في النفوس! ويعتقد البعض أن هذه الأنظمة تقوم بتصوير إيران ومذهبها الشيعي، كفزاعة، وتقول لهم بصراحة إن البديل يعني في جميع الأحوال «دولة شيعية كبرى»! وهذا النوع من التهديد كفيل بإسكات أعلى الأصوات المطالبة بالتغيير! والغريب أن إيران، بتصرفاتها وتصريحاتها، تزيد من تخوف هذه الشعوب منها ومن طموحاتها بسبب شديد تركيزها على القضية الطائفية، فهل من مخرج من هذا المأزق؟
لا تزال قضية الاتهام في بداياتها وستتطور بشكل كبير خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد تكون كافية لقيام إسرائيل بضربة استباقية لمشاريع إيران النووية، وسيقربها ذلك كثيرا لقلوب بعض القيادات والشعوب العربية المعادية لنوايا إيران وطموحاتها!
أحمد الصراف
إحنا مو مال دولة
تنقلب الكويت رأسا على عقب لأن خطيبا في مسجد يحلل ويحرم ويضيف كبائر كما يهوى، فهذا الخطيب وصف زيارة كربلاء كأحد المزارات الدينية بأنها أكبر وأعظم من الزنى!! فيخرج بعض الكويتيين ممن يعتنقون زيارة كربلاء رفضا لما يقوله هذا الخطيب مطالبين السلطة بمعاقبة من اعتدى على عقائدهم ووصفهم بأنهم أشد جرما من الزناة، فينتصر بعض الكويتيين الآخرين ممن لا يزورون كربلاء انتصارا لهذا الخطيب وما قاله، وتملأ الصحف بتعليقات تثبت مدى حماسنا للتفرقة ووهن وحدتنا المزعومة، فلتحترق الكويت من أجل أن نثبت أن مؤرخا قبل 1400 سنة انتصر على مؤرخ آخر.
***
ننتظر يوما بعد يوم وساعة بعد الأخرى لكي يفجر لنا نائب مفاجآت فساد من العيار الثقيل كما يدّعي، فيدفعنا الفضول والشغف، وليس الخوف قطعا، إلى معرفة هذه المفاجآت، وكأننا نشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل، فنفاجأ حقا بما يكشف من أدلة مزعومة على قضايا فساد مالي يعود تاريخها إلى خمس سنوات سابقة، وأقرت في ميزانيات الدولة المتعاقبة دون أن يتحدث عنها أحد طيل السنوات السابقة (هذا إن كانت صحيحة)، ونفس النائب موجود في كل تلك السنوات السابقة، بل أكثر منها دون أن نسمع منه شيئا عن مفاجآته المزعومة، ولكننا نصفق ونهلل ونرمي “العقل”.
***
يطعنون بنواب وتيارات سياسية لأنها تخالفهم بالسلوك والتعاطي مع القضايا، وينعتونهم بالمتواطئين وأصحاب الصفقات على الرغم من أن الطاعنين هم من يعملون لدى سراق المال العام، وهم من تخلص الحكومة معاملاتهم، وهم من باتوا أبطالا لقناة أحمد الفهد الجديدة، وهم أيضا من سكتت الحكومة عن فرعياتهم!!
***
كل الطرق والسبل والأدلة والقضايا تؤدي إلى طريق واحد، وهو أن هناك نوابا فاسدين، ولكن لا يذكر أحد أسماءهم، ويذكر فقط من حدد واكتشف أسعارهم فقط، لأن أي ذكر لأسمائهم سيقر بفسادنا نحن كمجتمع وفساد اختياراتنا.
باختصار نحن لا نستحق الدولة فكل أمورنا لا نديرها من أجل الدولة، بل من أجل مصالحنا الخاصة، فهذا سعره يتمثل بأموال تدفع له، وآخر سعره يتمثل بإقصاء المذهب المخالف له، وثالث سعره يتمثل بأن يحتل هو موقع المعارضة وحيدا، ولا يجوز لأحد أن يعارض معارضته، وأخير يعتبر أن الفاسد هو من يتعارض فساده مع فساد غيره فقط.
ديموقراطيتنا.. سمكة بين الأشجار
الديموقراطية في بلدنا هي ـ للأسف ـ أشبه بمشاهدة سمكة بين الأشجار حيث تشعر منذ الوهلة الأولى بأنها في غير مكانها الطبيعي، كما أن حالها يظهر عدم قدرتها على العيش والبقاء حيث إنها متجهة لا محالة للموت والفناء، إن ديموقراطيتنا حالها حال السمكة في حاجة ماسة إلى بيئة حاضنة وحانية وراعية كي تعيش وتنمو وتصبح القدوة الحسنة بين الأمم لا القدوة السيئة للشعوب كما هو الحال الآن حيث ترفع كفزاعة مخيفة ومدمرة بعد أن أصبح شعار لاعبيها.. كلنا يا عزيزي رابحون ومستفيدون والخاسر الوحيد هو.. الوطن ومستقبل شعبه!
*****
يحق لمن يريد أن يختلف مع أي وزير أو مع رئيس الوزراء بشرط ألا يفجر بالخصومة وألا يدمر الدستور واللعبة الديموقراطية في سبيل الوصول لذلك الهدف، فالدستور هو أعراف وممارسات قبل أن يكون نصوصا جامدة فما نرتضيه هذه الأيام من ممارسات كوسيلة للوصول للغاية يعني القبول باستخدام نفس الأدوات في الغد حتى لو سخر لنا يوما رئيس يجمع بين دهاء بسمارك وحكمة درزائلي وحنكة تشرشل وقدرة مهاتير وذكاء لي كوان.. أي سنبقى ضمن دائرة الأزمات الطاحنة كائنا من كان الرئيس وشخوص وزرائه.
*****
وواضح استمرار ممارسات سياسية مدمرة تقتل الديموقراطية كما يقتل الهواء السمك كاستجواب رئيس الوزراء ـ أي رئيس وزراء ـ على أعمال الوزراء الآخرين ممن سينضمون حسب هذا الفهم العقيم للنواب المعصومين ومن ثم سيفسدون كحالهم حيث إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ومن الممارسات القاتلة للعملية الديموقراطية التعسف باستخدام الأدوات الدستورية وعلى رأسها الاستجواب رغم ضوابط المحكمة الدستورية المنظمة لها (حكم عام 2006)، وإضفاء قدسية الكتب السماوية المنزلة على الدستور البشري الوضعي وتكفير من يدعو لتعديله وتطويره وعلى رأس هؤلاء بالطبع الآباء المؤسسون له ممن قاموا بكتابته ودعوا لتنقيحه بعد مرور خمس ـ لا خمسين سنة من تجربته.
*****
ومن الممارسات الخانقة للديموقراطية والمدمرة للعبة السياسية الارتضاء بحكم الأغلبية عندما تكون لصالح طرف ما ورفضها في الوقت ذاته عندما لا تكون لصالحه واللجوء عندها للفوضى والتجمهر بقصد فرض «دكتاتورية» الأقلية التي تعكس الجهل الشديد بأبسط معاني الديموقراطية، ومن الممارسات الخاطئة إعطاء النائب مرتبة من لا يحاسب قط عما يفعله عبر رفض إنشاء «لجان قيم» والعمل بمبدأ غريب مضمونه إن أخطأت الحكومة فهي مخطئة وإن أخطأ النواب بسبب غياب آلية الحساب والعقاب.. فالحكومة هي المخطئة كذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل.
*****
ومن الممارسات المدمرة استخدام أحد طرفي اللعبة السياسية ـ التي هي أقرب للعبة الرياضية ـ لكل أدواته الدستورية بل وحتى التعسف بها في الوقت الذي يرفض فيه استخدام الطرف الآخر لنفس الأدوات التي أعطاه إياها نفس الدستور، كإحالة المواضيع للجان المختصة أو للمحكمة الدستورية وآخر ما سمعناه في هذا الصدد بعض الآراء التي تتسبب في ضحك كالبكاء كالقول إن قرارات المحكمة الدستورية غير ملزمة(!) فلماذا إذن إنشاء المحكمة والصرف عليها ما دامت أحكامها غير ملزمة ولا يستمع إليها؟!
*****
آخر محطة:
1 ـ وصلنا مؤخرا كتاب قيم جدا من تأليف الزميل البرلماني عبداللطيف الراضي حول «العلاقة بين الحكومة والمجلس وفق أحكام المحكمة الدستورية» ومما جاء في ص 23 «في حال تقرير المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأنه لم يكن»، وص 36 «القضاء الدستوري هو حامي الدستور من تعسف السلطات المختلفة»، وقول للدكتورة المختصة عزيزة شريف «كلما ارتفع المستوى الثقافي والفكري لأعضاء البرلمان زاد تفهمهم لدور المحكمة الدستورية وكلما انخفض مالت العلاقة مع المحكمة نحو العداء السافر والتحدي الواضح» وهناك عشرات الأمثلة الأخرى.
2 ـ ضمن كتاب نظام الحكم في أميركا دعوى ماربوري ضد ماديسون عام 1803 وحكم المحكمة الدستورية العليا الذي جاء ضمنه «أي ممارسة تشريعية مناقضة للدستور لا تجوز ولا تصبح قانونا».