عمرك شفت حيواناً يتزلف إلى حيوان مثله؟ هل شاهدت، مثلاً، أسداً يقبل يد أسد؟ أو شاهدت ثوراً يجري أمام ثور ليفسح له الطريق؟ أو بومة تنهض من مكانها لتجلس فيه بومة أخرى أصغر منها سناً؟ أو نعامة تضحك لنكتة سخيفة أطلقتها نعامة أخرى، دمها يشبه دم المسؤولين العرب وهم يطلقون نكاتهم؟ أو شاهدت سنجاباً يمتدح، كاذباً، نتانة سنجاب آخر؟
وكنت في دبي عندما سألني مدير المبيعات وهو يروج للمنتجع: "حضرتك من فين"؟ فأجبته: "من الكويت حيث يكثر النفط والتزلف". فعلق ضاحكاً: "كلنا في التزلف شرق".
وما تعيشه الكويت هذه الأيام، يشبه إلى حد التطابق والتلاصق ما كانت تعيشه مصر في السبعينيات، عندما جرى تفريغ الإنسان المصري من مبادئه الشامخة لتوضع بدلاً منها مبادئ الكذب والتزلف وعدم الإتقان والغش وسرعة الاستسلام ووو، وستحتاج مصر المحررة إلى عقود ودهور قبل أن تستعيد "مصريتها" المسروقة.
ويوم أمس تبجّح المتبجح الأكبر السيد عمرو موسى: "أجريت اتصالات عدة مع الجهات الدولية لاستعادة أموال مصر المسروقة"، دون أن يعي أنه هو نفسه ساهم في سرقة ما هو أثمن وأغلى من أموال مصر، مبادئ مصر، عندما زرع حوله مجموعة من المتزلفين والمتلحوسين والمتنهوصين، يتراكضون أمامه وخلفه ليوهموا الأرض بهيبته.
وفي الكويت، يتحدث أحد المواطنين عن ذلك المسؤول السابق الذي كان مديراً عاماً لإحدى الهيئات الحكومية بدرجة وكيل وزارة، وسكرتيره الذي كان يقول للمواطنين قبل الدخول إليه: "إذا خاطبتموه فخاطبوه بلقب (يا طويل العمر) ولا تقولوا يا بو فلان"، ويكمل المواطن: "كانت حاجاتنا عنده مرهونة بتوقيعه، وكنا نضطر إلى مخاطبته بما يشتهي رغم احتقارنا لأنفسنا، لكنها الحاجة لعنها الله، وكنا نقيم له مناسبات العشاء والغداء لنكسب وده، فأنت تعلم أن الكويت لا تسير بالقوانين بل بمزاجية المسؤول".
يتحدث هذا المواطن وأنا أنظر إليه مشدوهاً وأغمغم: "إذا كان هذا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل وهو يملك كل هذه المزارع والمؤسسات والشركات والأموال، فماذا بقي للبسطاء الذين تزوجوا الأقساط زواجاً كاثوليكياً؟ ليس لهم إلا أن يدخلوا يحبون على ركبهم".
ويقسم أحد معارفي أن مسؤولاً كبيراً يتعرض للسخرية والتهزيء المغلف بالمزاح من رئيسه، أمام كل الموجودين والزوار، بشكل يومي، ويضطر المسؤول "المتهزئ" إلى الكركرة وتحمل الإهانة ولسان حاله يقول: "زلفتك نفسي من أجل الترقية والتقارير".
وآآآآه كم طنٍّ من الديتول نحتاج لتطهير هذه الديرة.