هل أصبح الدستور ضيقاً على جسد النظام السياسي في الكويت، أم أنه ما زال صالحاً ويتسع لحريات أكثر للأفراد، وضمانات أكبر للسيادة الشعبية، وعلى ذلك فالعيب ليس في مواد الدستور، وإنما في الممارسة السياسية للسلطة، بعد أن أفرغت الدستور من مضامينه وروحه!
د. أحمد الخطيب كرمز كبير، وأيقونة الحلم الدستوري، ينصح أهل الكويت في مقال افتتاحي في "القبس" بالتمسك بالدستور، كي لا يصبح مجلس الأمة حكومة في حكومة كاملة الدسم، في حين أن زملاء مثل أحمد الديين في "عالم اليوم" وحمد الجاسر في "الكويتية" يخالفان هذا التصور، فالدستور لم يعد صالحاً لضبط الانفراد بالسلطة، فحكم الدينار أضحى أقوى من حكم القانون والدستور، والحد الأدنى من الحقوق والحريات الديمقراطية التي تضمنها الدستور ضاعت وخنقت تحت واقع أن "الدينار مصدر السلطات"، والسلطة الحاكمة تحتكر مخازن الدينار تحت الأرض، ومن ثم، فإنها قد استأثرت بالحكم، وإما بضغوط القوى الدينية المتطرفة التي ولدت في الكويت وبقية دول الوطن العربي من رحم السلطات الحاكمة وتفردها بالحكم!
هل المشكلة في نصوص الدستور بعد أن شاخت ولم تعد تناسب الحاضر، أم أن العيب ليس في النصوص الدستورية بحد ذاتها، وإنما القصور في ممارسات السلطة! فالنصوص الدستورية واسعة وفضفاضة، لكن لم تأت تشريعات تعمق الممارسة الدستورية، أو قد يكون الأمر معكوساً، فتصدر تشريعات تنتهك روح الدستور، فالدستور، مثلا، لم يحرم تشريع الأحزاب وسكت عنها، والأصل أن السكوت يعني عدم الحظر، فأصل الأمور الإباحة، والدستور لم يحرم المرأة من حقوقها السياسية في السابق، ولكن القانون والممارسات "الفعلية" هي التي تصادر الحقوق والحريات للمرأة والمواطن والإنسان، والدستور أكد حق الإضراب والتجمعات وغيرها، ولكنه فوض الأمر في تنظميها إلى التشريع، فجاءت التشريعات لتأخذ باليد اليمنى ما منح الدستور باليد اليسرى!
لكن على الوجه الآخر للعملة ينص الدستور على أن الأمة مصدر السلطات، بينما يقرر قبل ذلك أن الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، وثلث أعضاء مجلس الأمة من الوزراء، وهم من تعينهم السلطة الحاكمة، وكان ذلك في النص الدستوري، وفي حقيقة "النص الواقعي" فإن الثلث الثاني من نواب الأمة يعينون أيضاً بطريق غير مباشر عبر تفويض "الدينار مصدر السلطات"، فماذا بقي للأمة والصوت الآخر!
لا توجد إجابة بنعم أو لا لتعديل الدستور، أو الإبقاء عليه، ولكن يقيناً الآن أصبح الدستور الكويتي، وبعد خمسين عاماً، نصوصاً في "دساتير من ورق"، وهذا عنوان كتاب لنيثان براون عن الدساتير العربية، لينتهي آخر الأمر إلى أن الإصلاح لا يأتي من النصوص ومن الشكل، بل من المعنى والمضمون، عبر إرادة وعزم الشباب ووعيهم بحاضرهم ومستقبلهم، وهناك ومضات أمل نشهدها في تجمعات ساحة الإرادة، إلا أن ضوءها ما زال خافتاً، ولم يسطع حتى الآن.