العلم سلامتكم، كما يقول كبار السن قبل بدء حديثهم…
الشعب الإيطالي، هذه الأيام، لا حديث له إلا عن محاكمة علماء الزلازل الستة المتهمين بالتقصير في أعمالهم.
وكل حكاية لها أصل، وأصل هذه الحكاية أن زلزالاً وقع في إحدى المدن الإيطالية قبل عامين، سقط بسببه أكثر من ثلاثمئة قتيل وأضعافهم من الجرحى، فتقدم أهالي المنطقة وبعض الناشطين ببلاغ إلى القضاء الإيطالي يشكون فيه علماء الزلازل الستة لأنهم "لم يبلغوا الأهالي قبل الزلزال كي يتسنى لهم الهرب من المدينة والابتعاد عن الخطر، كما يحدث في أميركا وبقية بلدان أوروبا، بل طمأنوا الناس فصدقوهم فهلكوا، لذلك نحن نتهمهم بالتقصير الشديد في عملهم وعدم تحملهم المسؤولية".
والأدهى أن العلماء الستة المتهمين كانوا قد كتبوا في تقريرهم: "لا نظن (ضع ثلاثة خطوط تحت كلمة لا نظن) أن زلزالاً مدمراً سيضرب المدينة"، ثم إن زملاء هؤلاء العلماء، وعددهم زهاء خمسة آلاف عالم، كتبوا وثيقة يطالبون فيها ببراءة زملائهم، بحجة أن أحداً لا يمكنه على وجه التحديد تقدير قوة الزلازل… وما زال التحقيق مع "المتهمين" مستمراً.
وإذا التفتنا برقابنا إلى حيث مشرق الشمس، وتحديداً اليابان، سقى الله اليابان "بالمزون العقربية"، حيث الشعب الأقل تفاخراً في العالم (تندر في الثقافة اليابانية قصائد الفخر، وبالمناسبة، أكثر قصائد الفخر في الثقافة العربية المعاصرة ينظمها قليلو التعليم والمغيّبون دينياً وعرقياً، في حين تجد قصائد المثقفين مملوءة بالهجاء والقدح والتذمر احتجاجاً على حال العرب)، فسنجد علماء الجيولوجيا اليابانيين قد تقدموا باستقالاتهم من أعمالهم فور تشكيل لجنة التحقيق، التي لم يكد يجف حبر توصياتها حتى تم تنفيذها بالحرف والفاصلة والنقطة.
لكن ما الذي حدث فور تشكيل لجنة التحقيق، وفور صدور أمر استدعاء رئيس الوزراء الياباني؟ الذي حدث هو أن مجاميع يابانية خرجت وهي ترفع صور رئيس الوزراء، ورددت مجاميع أخرى "غير آل اكيهيتو ما نبي" كللللللوش (يزغردون بالياباني)، وتطوع نائب ياباني متدين- بوذي محكحك – بالسير على أقدامه إلى قصر رئيس الوزراء، على رأس جموع غفيرة قدّر عددها باثني عشر يابانياً بينهم خمسة مصورين وستة من سكرتاريته وواحد مجهول الهوية.
سحقاً لليابانيين وللطليان الذين ينفذون أجندات خارجية، ولم يراعوا خصوصية اليابان وإيطاليا… وانتو شلونكم؟
اليوم: 18 أكتوبر، 2011
أأنا العاشق الوحيد؟ (3/3)
يبدو ان من السهل التشعب عند الكتابة عن لبنان، وهذا ما حدث معنا في المقالين السابقين، وحل أن نعود لموضوعنا الأصلي، ونقول إن تعدد الديانات والطوائف ضمن العائلة الواحدة، أو ابناء العمومة، فيها يعود لاسباب بعضها قديم واخرى أكثر حداثة. وقد يكون أفضل مثال هنا تاريخ الأمراء الشهابيين، الذين كان منهم الرئيس فؤاد شهاب، فهذه الأسرة الحاكمة تقلبت بين الدرزية والإسلام السني والمسيحية، قبل أن ينتهي بها الحال وتصبح كاثوليكية مارونية في أواخر عهد الأمير بشير الثاني، أهم حكام آل شهاب، وباني قصر بيت الدين في الشوف. ويقال ان سبب تحولهم هو وجودهم الدائم في بيئة متسامحة دينيا، وهذا ما يحذرنا منه رجال الدين المتزمتون. ويقال كذلك أن الأمير بشير وقع في غرام امرأة درزية اشترطت عليه، خوفا من أن يستخدم حقه الشرعي كمسلم ويتزوج عليها، ان يتحولا للمسيحية ليستحيل طلاقها، أو أن يتزوج بغيرها، وكان ذلك في ثلاثينات القرن السابع عشر، ومنها كرّت السبحة!
كما غيّرت الكثير من الأسر ديانتها أو مذهبها نتيجة خسارتها لمعارك في هذه المدينة أو تلك القرية، وكان يطلب منها في هذه الحالة إما الرحيل، وترك بيوتها ومزارعها، مصدر رزقها الوحيد، خلفها، وإما البقاء مع التحول لمذهب أو دين المنتصر، وغالبا ما كان يحدث التحول، دون تردد كبير.
كما كان الزواج المختلط أحد اكبر الاسباب، فيحدث أن يتزوج شخص من أسرة معروفة فتاة من غير دينه، ويتوفى عنها تاركا ابناءه لها، فتقوم هذه بتنشئتهم على مذهبها ودينها. وقد يحدث أن يقوم غير المسلم، والراغب في الاقتران بمسلمة إلى التحول لدينها لكي يتسنى له الزواج بها، وغالبية هؤلاء يعودون بعدها لدينهم، والبعض الآخر يبقى على دينه الجديد، المخالف لدين او طائفة بقية اخوته واخواته! كما يحدث أن يغضب خوري أو قس أو مطران طائفة مسيحية محددة ممن هو اعلى منه كنسيا، لرفض طلب حيوي له فيقوم بالتحول لمذهب آخر وينقل «رعيته» معه للدين الجديد. وبسبب تسامح المجتمع اللبناني ازاء مثل هذه التصرفات، وإن على مضض، فإن ذلك خلق مجتمعا متعدد الأعراق والمذاهب والطوائف، ولكنه متداخل أيضاً بصورة أو باخرى بعضه مع بعض. وقد تسنى لي خلال الأسابيع القليلة الماضية في لبنان حضور ثلاث حفلات زواج، اقترن في الأولى سني بيروتي بمارونية جبلية، وفي الثانية تزوج درزي جبلي بمارونية ساحلية، وفي الثالثة تزوج ارثوذكسي جبلي من شيعية جنوبية، وبقي كل منهم على دينه. وعاش لبنان حرا سيدا.
أحمد الصراف