توالت الإضرابات وأبرزها برأيي هو إضراب الجمارك في الأسبوع الماضي، هذه الإضرابات ما هي إلا نتيجة حتمية لتخبط الحكومة في التعامل مع العصيان من أجل المادة سواء كانت الزيادة مستحقة أم لا.
وبغض النظر عن عدالة مطلب موظفي الجمارك من عدمه، إلا أن الأسلوب الذي مورس في سبيل تحقيق المطلب أسلوب سيئ ولا يمت لا للقانون ولا للدستور بأي صلة، فالنص الدستوري صريح وواضح في المادة (26): “الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة”، وبإضراب الجمارك تحديدا لم يراع المضربون واجبهم الوطني ولا الحفاظ على المصلحة العامة.
ولم يأت هذا الإضراب دون دراية بتوابعه، فزعيم المضربين ذكر وكرر أن خسائر إضراب الجمارك يوميا تقدر بـ30 مليون دينار!
عموما، فأنا أتمنى محاسبة المتسبب في هذه الخسائر اليومية بأسرع وقت كي يكون ذلك رادعا لأي تصرف مشين في المستقبل.
لكن العلة لا تكمن في إضراب الجمارك وموظفيه فحسب، بل العلة كل العلة هي في من يسمى بضمير الأمة، وأقصد هنا النائب مسلم البراك الذي يسعى جاهدا إلى تصوير نفسه كحامٍ للمال العام والمدافع الأول عنه، وقد يكون هذا الكلام صحيحا في بعض القضايا، إلا أن ما صرح به البراك عشية إضراب الجمارك ينسف كل موقف له في سبيل حماية الأموال العامة.
فقد حيّا البراك موظفي وموظفات الجمارك على التزامهم النقابي والتفافهم حول نقابتهم لتحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة!
وهو ما يعني أن ضمير الأمة يحيي إهدار 30 مليون دينار يوميا، إضافة إلى سمعة الكويت وتعطيل مصالح الناس، وما زال جمهوره يصفق للبراك ويهلل له. عن أي مال عام تتحدث يا “بوحمود” وأنت من يعزز الهدر لمجرد أنه تحرك ضد الحكومة؟ عن أي دولة دستور تتحدث وأنت تشجع الأعمال التي تضر بالاقتصاد الوطني والمصلحة العامة كما جاء في دستور الدولة الذي تدعي دفاعك عنه؟
لقد كانت هناك تصرفات حاول البعض من مريدي البراك أن يبرروها كوجود الفرعيين في التكتل الشعبي أو عدم احترامه لدستور الدولة في قضايا كحقوق المرأة والتعليم المشترك وحرية التعبير.
إلا أن ما ورد في تصريح البراك الأخير حول الجمارك لا يبرر أبدا ولن يجدي معه أي رد أو ترقيع.
للأسف فقد باتت المعارضة اليوم، التي يعتبر البراك أحد رموزها، لا تسير حسب المصلحة العامة وسمعة الوطن أو الحفاظ على ثرواته بل بات ما يسيّرها هو مدى تعارض الفرد أو الجماعة مع الحكومة بالصواب أو بالخطأ، لا يهم أي شيء المهم أن تكون ضد الحكومة حتى لو كان موقف الضد هذا يسيء للدولة ولثرواتها وسمعتها.
اليوم: 17 أكتوبر، 2011
GOOD ARAB IS A DEAD ARAB
انقرضت قبائل الهنود الحمر بسبب شعار ساد في حينه يقول «إن الهندي الجيد هو الهندي الميت»، هل ما نشهده في منطقتنا هو نسخة مطورة ومعدلة من ذلك الشعار تنص على أن العربي الجيد هو العربي المنحور والمقتول بيد.. شقيقه العربي أو المسلم؟ ومن ثم فإن المنطقة بأكملها قادمة تدرجا على اضطرابات وحروب أهلية؟
* * *
هناك من يتخوف من قيام حروب أهلية في بلدان المنطقة (يا سلام)، إذا لم يكن ما يحدث في العراق من تفجير العراقي للعراقي، وفي سورية من قتل السوري للسوري وليبيا من نحر الليببي لليبي واليمن والسودان والصومال.. إلخ، هي حروب أهلية فما الحروب الأهلية إذن؟ لست أدري.
* * *
منذ 60 عاما والدم العربي يجري انهارا بسبب القضية الفلسطينية التي تسببت في أشكالنا مع إسرائيل مما جعل منطقة الشرق الأوسط تصبح المصنع الرئيسي للأحداث السيئة في العالم الذي تفرغت دوله للإنماء والرفاه، ألم يحن الوقت لإنهاء ذلك الصراع كي تحقن الدماء وتنعم شعوبنا بالسلام الدائم وتتجه ـ كنوع من التغيير ـ للأمام وللمستقبل المشرق للأبناء..؟
* * *
عبقرية في التخطيط والتنفيذ، منظمة سياسية تخطف أسيرا إسرائيليا يدعى شاليط، إسرائيل تدمر غزة وتأسر ألف فلسطيني تأخذهم معها لسجونها ليبقوا سنوات عدة تمكنها من تجنيد وتدريب بعض الأسرى ممن يصبحون بسبب طول الأسر في أوج ضعفهم الإنساني، الإشكال الوحيد هو كيفية إيجاد المبرر المنطقي لاطلاق سراحهم كي تتم الاستفادة منهم؟ الحل الأفضل والأمثل ان يتم الأمر بشكل طبيعي وعبر مفاوضات طويلة شاقة ومضنية ترجع الأسير الإسرائيلي سالما غانما إلى أهله ويرجع مقابله ألف أسير كان أغلبهم من الطلقاء قبل أسره وبعد أن يتم تجنيد العديد منهم ويتم توقيت الاطلاق لإعطاء دفعة انتخابية ووطنية للطرف الذي خطف.. وانتظروا العملية البطولية القادمة لخطف شاليط جديد.. وياللذكاء!
* * *
أسئلة كثيرة تطرح هذه الأيام حول ما يحدث حولنا مثل هل ستنجح الثورة في سورية؟ واعتقد أن الإجابة غير حاسمة في جزء منها حيث إن نسبة تغيير النظام لا تتجاوز 55% مقابل 45% لسقوطه على أن تتبعه حرب أهلية وتفكيك لسورية أي إن هناك نسبة 100% بتحول الأوضاع في بلدان الربيع العربي كافة من سيئ إلى أسوء وعدم تحقيق تطلعات ورغبات الشعوب، وفي هذا السياق لا اعتقد ان القذافي وأبناءه سيتم القبض عليهم لأنني لا اعتقد رغم كل ما يقال ـ عن وجودهم في ليبيا بل هم على الأرجح على بعد آلاف الأميال عنها يعيشون حياة أقرب للأحلام ويستمتعون بمئات المليارات التي سرقوها من ثروات الشعب الليبي تحت دعاوى الثورية والقومية والإسلامية الزائفة.. وياللذكاء!
* * *
آخر محطة: معجزة كبرى حدثت في عام 2011 وهي تأثر شعوبنا العربية بعضها ببعض فثورة تونس ينتج عنها ثورة في مصر، وثورة اليمن تتسبب في ثورة في سورية وليبيا، طول عمرنا يناكف بعضنا بعضا ولا نتأثر فديموقراطية الكويت ولبنان لم تؤثر في العراق وسورية وملكية المغرب لم تؤثر في ثورية الجزائر.. إلخ، فما الذي حدث؟!
أأنا العاشق الوحيد؟ (3/2)
بالرغم من أن طوائف لبنان تزيد على العشرين، فإن الحكومة لا تعترف رسميا إلا بـ 18، وهؤلاء يمثلهم حكما أعضاء في البرلمان اللبناني، فهناك مسلمون سنة، ويتركزون في سواحل بيروت وصيدا وطرابلس، والشيعة ويتركزون في الجنوب وبعلبك والهرمل والضاحية الجنوبية، وهناك الدروز، ويتركزون في الشوف وعالية والبقاع الغربي، وتضاف إليهم طائفتا العلويين والاسماعيليين. وفي الجانب الآخر هناك مسيحيون موارنة، وروم ارثوذكس وروم كاثوليك، وارمن أرثوذكس وكاثوليك، وسريان أرثوذكس وكاثوليك، وكلدان ولاتين وانجيليون، وحتى اقباط أرثوذكس وكاثوليك، وأخيرا اشوريون. وبالرغم من كل الدماء التي سالت بين الفريقين، المسيحي والمسلم، على مدى قرون نتيجة حروب ومذابح ذهب ضحيتها مئات آلاف الأبرياء، والتي فقد ما يماثلها من أرواح في حروب أشد بين ابناء الديانة الواحدة، واحيانا كثيرة بين ابناء الطائفة الواحدة، الا ان براغماتية اللبنانيين لم توقفهم يوما عن تعايشهم معا، والأهم من ذلك تزاوجهم، فقد رسخت تقاليد الماضي زواج «الخطيفة»، الذي عادة ما يتم بين طرفين من ديانتين مختلفتين، وبغير قبول أهل أحدهما أو كليهما، وهي عادة أو تسمية قديمة تعود ربما الى أيام الفروسية، عندما كان الشاب يخطف عروسه من «ضيعتها» ومن بين أهلها، ويردفها خلفه على الحصان ويجري بها الى قريته، وليحدث بعدها ما يحدث! أما في أيامنا فالخطيفة أكثر قبولا وسهولة! والغريب، أو ربما من الطريف أن الدولة اللبنانية، لأسباب تتعلق غالبا بمصالح المرجعيات الدينية وصلاحياتها، لا تقبل بالزواج المختلط دينيا، ولكنها لا تتردد في الاعتراف به وتوثيقه، ان عقد «مدنيا» خارج لبنان!
وفي ظل غياب أي احصائيات رسمية فإن النسبة في عدد السكان بين من يصنفون بالمسلمين وغيرهم هي %60 الى %40 للمسيحيين، بعد أن كانت قبل عقود ثلاثة أقرب لبعضها، وسبب ذلك يعود للهجرة المسيحية باتجاه واحد، التي قابلتها عودة الكثير من المهاجرين المسلمين، وخاصة أفريقيا، الى لبنان! ولا ننسى التكاثر الطبيعي الأكثر تسارعا لدى المسلمين مقارنة بغيرهم. والى مقال الغد.
أحمد الصراف