تبين لي، بعد أن كتبت مقالات عدة عن لبنان، أن حجم المهتمين بأوضاع هذا البلد الجميل، والمغرمين به وبتاريخه وتعقيداته الاثنية والطائفية، ليس بالقليل. كما ذكرتني طلباتهم باستمرار الكتابة في الموضوع ومحاولة الاجابة عن بعض ما طرحت من أسئلة من خلال تلك المقالات، ذكرتني بقصيدة «الهوى والشباب» التي يغنيها عبدالوهاب للأخطل الصغير، والتي يقول فيها: أأنا العاشق الوحيد لتلقي تبعات الهوى على كتفي؟ فمهمة الاجابة عن تلك الأسئلة، خاصة ما تعلق منها بالجانب الطائفي، في كل جنون التطرف الذي تعيشه مجتمعاتنا، نتيجة قرون من الجهل والتجهيل، ليس بالأمر السهل.
من الواضح أن عشاق لبنان ومحبيه، والهائمين به وبغرائب أحواله كثر، كما أن من يعرفوا أحواله بشكل جيد، من لبنانيين وغيرهم، ليسوا بالقلة، فهذا البلد، الذي بالكاد تزيد مساحته على عشرة آلاف كلم2، والذي بالكاد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين، يعيش في المهجر ثلاثة أضعافهم، لا يزال يشكل لغزا للكثيرين ومصدر الهام لغيرهم وفضولا للبقية، ففسيفساء سكانه وخلفياتهم الاثنية والطائفية والدينية كانت وستبقى مثيرة، حتى مقارنة بدولة بحجم الولايات المتحدة مثلا.
كما ذكرنا، فان لبنان يتميز بتعدد طوائف وديانات أفراد الأسرة أو العائلة نفسها، ولا نقصد هنا تلك التي تشترك بالتسمية أو المهنة نفسها، كعائلة النجار أو الخوري أو اللحام أو الشيخ أو الحاج، بل تلك التي تشترك برابطة دم واضحة وتتحدر من الجد نفسه، مثل معلوف وفواز ورحال والخازن وشهاب وغيرهم، فهذه العائلات، على سبيل المثال فقط، تتعدد مذاهب وديانات أبناء العمومة فيها نتيجة عوامل قلما توجد في دولة اخرى، وهذا ما سنحاول تغطيته في مقال الغد.
أحمد الصراف