حسن العيسى

هل هي نهاية الأقليات؟

خوف المسيحيين وبقية الأقليات من الربيع العربي له ما يبرره، فأحداث أمس الأول بين الأقباط والجيش أمام مبنى ماسبيرو كانت بداية الشرور بين الربيع المصري والأقباط، وإذا كانت بيانات المجلس العسكري الحاكم قد شددت على ذكر وفاة اثنين أو ثلاثة عسكريين في هذه الأحداث، فإن الضحايا الأقباط كانوا أضعاف هذا العدد، حسب ما ذكره شاهد عيان لـ"بي بي سي".
وفي سورية ظهرت بعض أعراض جانبية مخيفة للثورة، حين تعرض بعض الأهالي العلويين لعمليات قتل وتصفيات طائفية في بعض المناطق. ربما، وليس لأحد أن يقطع بالجزم، كانت المخابرات والشبيحة وراء تلك الحوادث الطائفية كي يبيّض النظام وجهه، ويبرز نفسه على أنه الرابط الوحيد بين الطوائف السورية بمختلف أشكالها، لكن مهما كان المشتبه فيهم وراء تلك الجرائم، فمن المؤكد أن الربيع العربي لا يبشر بالخير للأقليات العربية، مسيحية وغير مسيحية، حتى بالنسبة للشيعة، فهم أقليات في المحيط العربي والإسلامي.
إذا كان المسيحيون في الماضي، وقبيل الاستقلال، رفعوا شعارات العروبة والقومية العربية كرفض للحكم العثماني، فهذا كان رابطهم للانصهار وتأكيد مطلب المساواة بين المواطنين حسب القومية العربية، لا حسب الدين والمذهب السني. وذُكِر في كتاب الباحثَين لورانت شابري وأني شابري تحت عنوان "سياسة وأقليات" أنه "… عندما تسعى أقلية إلى التكيف مع موقف بالتعديل الظاهر لهويتها فإنها لا تلجأ بالضرورة إلى وضع التشكل الذاتي للحرباء، أي التستر التام على هوية الأقلية (التقية)، وهذه الاستراتيجية الأخيرة السهلة المنال نسبياً على فرد ضائع في كتلة الأكثرية، ليست كذلك في المقابل على جماعة برمتها. وهذه الجماعة تتصرف بنحو آخر بهويتها لتخفيف تباينها، لمحاولة إزالة الحدود جزئياً، التي تفصلها عن جماعة الأكثرية…".
كيف للمسيحيين، والعلويين أو الأكراد (على الأقل في سورية) أن يجدوا الرابط الذي يوحدهم مع الثورات العربية اليوم، بعد أن زادت حوادث الاضطهاد ضدهم، ففي مصر نفهم غضب الأقباط، حين نعرف أنه منذ عام ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٠ تعرض الأقباط لـ٥٢ حالة اعتداء، ولم يقدم أي مشتبه فيه إلى المحاكمة، كما أن تمييز قانون الأحوال الشخصية ضدهم في مسائل التبني وبناء الكنائس ليس بالأمر السهل عندهم. وفي العراق أصبحت كنائس الآشوريين هي المكان الرخو لضربات "القاعدة" والأصوليين، وذكر أشور كيوا أركيس في جريدة "النهار" أن نسبة الآشوريين كانت ٨ في المئة من مجموع العراقيين أيام صدام، أما نسبتهم الآن فلا تتجاوز ٣ في المئة.
ولو اجتهدنا وبحثنا عن أعداد المسيحيين في الوطن العربي لوجدنا أنهم في حالة تناقص أو "انقراض"، وفي هذه الحالة تجد الأقليات هنا حمايتها من مشاعر الغضب الشعبي التي تتجه إليها بعد أن عجزت الشعوب عن مواجهة الآلة العسكرية للنظام المستبد في النظام المستبد ذاته، فهو، عند تلك الأقليات، أهون الشرَّين وأخف الضررين. من هنا علينا إن لم نقبل تصريحات البطريرك اللبناني الراعي بشأن الثورة في سورية، فإننا يمكن أن نتفهمها في ضوء التاريخ وواقع الحال العربي، فشباب الربيع العربي لم يرفعوا شعار "حرية، إخاء، مساواة" مثلما فعل الفرنسيون في الثورة الفرنسية، بل كانوا حركة رفض غاضبة لأنظمة مستبدة، ولم تكن أرض الفكر عندنا قد أنجبت فولتير وروسو ومونتيسكو كما حدث في عصر الأنوار في أوروبا، فالمستبدون هنا مهدوا أرضنا منذ السبعينيات لعمليات الاستنساخ لمشايخ الصحوة، وتلك فترة، طالت أو قصرت، سيزيلها حكم التاريخ.
***
ملاحظة: ختاماً يراودني شعور مطلق بأن "ليبراليي" الكويت أو بقاياهم حكمهم من حكم الأقليات العربية.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *