لدينا من الأمية (عدم القدرة على القراءة والكتابة) ما يملأ الكفوف والجيوب. خيرٌ وفير. دع عنك الأمية السياسية والأمية البرلمانية والأمية الثقافية ووو…
ويقول أحد الأصدقاء: “في الانتخابات، لن تتردد والدتي، النقية البسيطة، في التصويت لكل ذي لحية يطالب بتقوى الله، حتى وإن كان من آكلي طعام اليتيم، فهي لا تعرف ما يدور في البرلمان ولا لجانه ولا الميزانيات ولا غير ذلك”.
قلت له: “كم من أم وأب وجدة وجد تسببوا في تدهور البلد دون قصد، رغم أنهم يرتدون ثياب الصدق ويتكئون على حب الخير لهذا البلد، لكنها البساطة المعجونة بالجهل أو النقاء المخلوط بالسذاجة أو كلاهما… بساطة بجهل ونقاء بسذاجة”.
ويقهقه صديق آخر وهو يحدثني عن والده المتحمس لأحد مرشحي المجلس البلدي، عندما استدعاه إلى بيته وأخذ عليه تعهداً: “سنمنحك أصواتنا، أنا وكل من لي كلمة عليهم، لكن قبل ذلك عليك أن تقسم أمامي أن تطبق الشريعة؛ فتقطع يد السارق وتلطم الكاذب على خشمه” وبالطبع أقسم المرشح على ذلك، لكنه للأسف سقط في الانتخابات فنجت أيادي اللصوص وخشوم الكذابين.
والله يرحم كاتبنا العظيم محمود السعدني، الذي قال ذات ندوة إن خالته كانت تلتبس عليها الأسماء والمصطلحات، فتسمّي أعضاء الاتحاد الاشتراكي “المشركين” وتلعنهم ليل نهار، وتدعو أن “يجيلهم البلا في ركبهم وأن تقف اللقمة في زورهم، قادر يا جبار، ومطرح ما يسري يهري يا مشركين يا كفرة يا ولاد الحرام”.
وخالة السعدني لها الحق في التصويت في الانتخابات واختيار من يرسم سياسات البلد، ووالد صديقي ومن في مستواه الثقافي كذلك، ووالدة صديقي الآخر وكل من يشبهنها بالفاصلة والنقطة لهن الحق أيضاً، والشايب الذي استدعاني ذات عتب وأنّبني: “يا ولدي أنت ابن أسرة طيبة، وابن رجل له سيرة محمودة، فما الذي جعلك تتحول إلى ريبراني، أي ليبرالي؟” ومن يلومه، هو يعتقد أن الليبراليين كفرة، بل يسميهم “جهود” أي يهوداً، على اعتبار أن صالح الملا يحتل الأقصى وأسيل العوضي تحاصر غزة. هذا الشايب النقي أيضاً له الحق في التصويت في الانتخابات.
والحكومات الفاسدة تروج لمثل هذه الأفكار والثقافات (إذا جازت تسميتها بالثقافات)، لأنها تعلم أن مصيبتها و”بلاها وجلاها” سببها الليبراليون، في الغالب الأعم.
ولو كان القرار في يدي، لمنعت كبار السن الأميين من التصويت في الانتخابات، بل وأكثر من ذلك، كنت منعت أيضاً محدودي التعليم ممن لا يحملون الشهادة المتوسطة (الإعدادية)، وقبل هؤلاء وأولئك، سأمنع كل من ثبتت عليه جريمة مخلة بالشرف، أقصد جرائم خيانة الأمانة أو السرقة أو شهادة الزور أو عقوق الوالدين والتعدي عليهما وما شابه… من التصويت، ولا أقصد من تم القبض عليه مع فتاة، سواء كانت حبيبته أو حتى حبيبة الشعب العربي كله، أو من تم القبض عليها مع حبيبها أو صديقها في أوضاع حرجة، أو في منعطف حرج على رأي جامعة الدول العربية الخائبة، فهذه من قضايا المجون ولا علاقة لها بالشرف، كما يظن العربان.
والخلاصة، تحتاج الصناديق الانتخابية في الوطن العربي إلى حمايتها من التزوير، ومن اللصوص والفاجرين والمرتشين، ومن الجهل والبساطة أيضاً.