يمتلك صديقي يوسف شركة إعلامية كبيرة، وقد فازت شركته بعقد كبير تطلب منه الاستعانة بخبرات فنية من الخارج، فباشر من فوره بالاتصال بالشركات التي يتعامل معها، ولكن لم يرد أحد عليه في لندن ولا باريس، فاتصل بفرانكفورت، وهو الكاره للتعامل مع الالمان، ولكن لا رد حتى من استوكهولم ولا من غلاسكو. هنا اعتقد يوسف أن أوروبا جميعها في عطلة تشبه «الكريسماس»، ولم يكن أمامه غير انتظار أن تفتح شركات أميركا بعدها بخمس ساعات. وبالفعل قام بالاتصال بنيويورك، لكن لم يكن هناك رد، ولا من واشنطن أو حتى ميامي، الفقيرة بتقنياتها. واضطر للانتظار أكثر لكي يبدأ العمل في شيكاغو، وبعدها بساعات في لوس انجلوس، ولكن دون جدوى، فلا هاتف يرد، ولا خطوط إنترنت تعمل ولا فاكسات تجيب!
جلس يوسف يفكر في الأمر ساهما، ولكن رنين هاتفه أخرجه من سرحانه، فالتقطه متلهفا وإذ بزوجته على الطرف الآخر تطلب منه بلهفة تشغيل جهاز التلفزيون في مكتبه لسماع الخبر. قفز يوسف من كرسيه وفتح الجهاز وإذ بصوت المذيع يعلن بأن بعض زعماء دول العالم الثالث الكبرى قد وردتهم إشارات لاسلكية من مصدر غريب تعلمهم بأن كل شعوب دول أوروبا الغربية واستراليا وكندا والولايات المتحدة قد انتقلت للعيش في كوكب جديد يشبه الكرة الأرضية في طبيعته، وأنهم تركوا دولهم بكاملها لبقية سكان الأرض، بعد ان نقلوا معهم مكتباتهم ومختبراتهم! وقالوا في إشارتهم إن على الدول الأفريقية، التي اعتادت الاعتماد عليهم في كل شيء تقريبا، تدبير أمور حياتها من غيرهم. أما النمور الآسيوية فعليها أن تجد من يشتري ما تنتجه من ملابس داخلية وخارجية رخيصة والعاب أطفال مصنوعة من مواد خطرة، وكل ما تنتجه من مأكولات ملوثة. وخصت الإشارة اللاسلكية الدول النفطية، والعربية بالذات، بتوصيتها بشرب نفطها، فقد اكتشف النفط أصلا في أراضيها مصادفة عندما كان جيولوجيو الغرب يبحثون عن مصادر للمياه لديهم في الجزيرة العربية. كما تضمنت الإشارة اعتذار الدول الغربية على النقص الذي سيحدث في الأدوية التي كانت تنتجها مصانعهم، والتي كان مئات الملايين يعتمدون عليها في البقاء على قيد الحياة، مثل الإنسولين وأدوية القلب والضغط والكوليسترول المهمة. ولم تنس الرسالة التنويه بأن تسعى الدول المتخلفة كذلك الى إنتاج بديل للفياغرا والسيالس.
إن حدث مثل هذا السيناريو فما هي نسبة من سيبقى على قيد الحياة منا؟ وهل سنستمر في دعائنا بــ«..قطع نسلهم وحرق زرعهم وتيتم أولادهم وترمل نسائهم»؟
أحمد الصراف