مبارك الدويلة

الحل بالأحزاب

يعتب علي البعض انني لم أكتب رأيا حول الأرصدة المتضخمة عند بعض النواب، والحقيقة انني لست عاجزا عن ذلك، فمن السهل تكرار ما كتب عن هذا الموضوع من انه مصيبة وجريمة لا تغتفر! لكن ما منعني أن كل ما ذكر بهذا الشأن لا يخرج عن «كلام جرايد»! وأخبار تتناولها الصحف، صحيح لا دخان من دون نار، لكن الانتظار قليلا حتى نتأكد من الخبر أفضل من الردح في ذمم الناس والطعن في مصداقيتهم، خصوصا لوجود من كنا وما زلنا نظن بأنهم أفاضل من بين الأسماء التي تناولتها وسائل الإعلام، كذلك لإنكار معظم هؤلاء ما ذكر عنهم، وكما قيل «يا خبر اليوم بفلوس بكره ببلاش» أما ان ثبتت فسأضم صوتي إلى صوت «شبان 16 سبتمبر» بضرورة حل المجلسين «الأمة والوزراء» لأن وجودهما في هذه الحال.. حرام!
وما دمنا تطرقنا الى الحديث عن «شباب 16 سبتمبر» فأنا أؤيد كل تحرك سلمي ما دام يحافظ على النظام ويحترم الرأي الآخر، ويبتعد في خطبه عن التجريح، لكن الدعوة الى حكومة شعبية فهذا مطلب مشروع ولا يحتاج الى تعديل دستوري، لكن أتمنى ألا يكون هذا المطلب هدفا نتوقف عنده، لأنه ليس بالضرورة كل ما هو شعبي يكون أفضل وكاملا ومصونا! فإذا كان منصب نائب شعبي، ووزير شعبي أثبت أنه معرض للافساد والفساد، فلا نستغرب ان يكون منصب رئيس وزراء شعبي أكثر تعرضا للفساد! هذا لا يعني أنني معارض لشعبية منصب رئيس الوزراء، بل العكس لا يمنع من تجربة هذا التغيير، لكن لا نجزم بأن هذا أفضل! صحيح أن غياب البديل الواضح والمناسب من أبناء الأسرة هو ما دعا الى طرح البديل الشعبي، لكن اعتقد ان الحل الناجع بوجود أحزاب سياسية تعمل بوضوح وشفافية، وببرامج حزبية معلنة وإدارة معلنة وتمويل معلن وتحت إشراف جهات رقابية، أما ما عدا ذلك فهو ترقيع وليس اصلاحا سياسيا.
كلمة أخيرة: تصريح النائب وليد طبطبائي عن الربيع العربي في الكويت جاء معبرا عن ضمير العديد من المواطنين الذين يتمنون إصلاح الأمور في هذا البلد، مع المحافظة على النظام الحاكم، لذلك جاءت دعوة أبو مساعد لتعبر عن ضمير كثير من الكويتيين الذين يريدون الإصلاح ويكرهون الفساد، مع المحافظة على أهم عناصر الاستقرار في البلد، وهي أسرة الصباح كحكام وفقا للدستور.

***
بدر مرشد
• بدر مرشد نابي الدويله.. ابن عمي الذي فقدته بالأمس القريب في عز شبابه، لم يمهله المرض، أخذه بإرادة الله بسرعة، بدر كان نموذجا للقلب الصافي النظيف الخالي من الأحقاد، يذكرني دائما بحديث الرسول (ص): «يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة»، وكان رجل من الصحابة ميزته انه كان ينام وليس في قلبه حقد على أحد. هكذا كان أبو محمد، قلب صاف كصفاء السماء المشمسة. حزن عليه الجميع لانه فعلا «فقيده».
رحمك الله رحمة واسعة واسكنك فسيح جناته. «انا لله وانا اليه راجعون».

عادل عبدالله المطيري

الحكومة المرتدة بالعشرة

يبدو أن حكومتنا الرشيدة فقدت رشدها، وإلا لماذا العودة الى مقترح الدوائر الانتخابية العشر، والتي كانت سببا في حل مجلس الأمة فيما عرف بأزمة الدوائر والتي رافقتها حملة «نبيها 5» التي قادتها المعارضة ولاقت قبولا عند الشارع السياسي، تعتقد الحكومة بالعودة إلى مقترح الدوائر العشر أن بإمكانها التعامل مع المخرجات النيابية، ونسيت أن المعارضة الغاضبة والمتربصة ستقوم بتأجيج الشارع ضدها، مما سيعجل بسقوط الحكومة او إدخال البلد في دوامة أزمة سياسية كبرى نحن في غنى عنها، خاصة أن المواطنين غير راضين عن مخرجات الدوائر الـ 5.

وأصبح المطلب الشعبي هو تحويل الكويت لدائرة انتخابية واحدة وإشهار الأحزاب لتكتمل ديموقراطيتنا، ولن يقبل أحد بمشروع الحكومة وسيعتبر ردة سياسية وتخلفا عن ركب الربيع العربي، حيث تضحي الشعوب بأرواحها من اجل الحرية والديموقراطية، وتتمنى الحكومات بعد خروج شعوبها عليها، لو ان لها كرة أخرى لتمنحهم ما يريدون.

مازالت حكوماتنا تمارس حالة الترف السياسي، المتمثل في معالجة المشكلات السياسية بمشكلات أخرى، ومقارعة مجلس الامة ونوابه وكأنهم أعداؤها وليسوا شركاءها، ونسيت ان الأوضاع تتغير من حولها، وأنه يجب عليها أن تتخلى عن كبريائها السياسي لصالح شريكها بالحياة السياسية «البرلمان».

سامي النصف

مخطط التحول من «دولة» إلى «ساحة»!

 لا مجاملة في أمن الأوطان والشعوب، لذا نحذر من ان الإضرابات والاعتصامات التي يدفع بها بعض مخضرمي السياسة من أصحاب «ربيع 90» الذي انتهى بالغزو، ومن يروجون لأجندات خارجية مشبوهة مدفوعة الأثمان (تضاف إلى أرصدتهم الخارجية والداخلية بالطبع) تستهدف التحول بالكويت من مشروع «دولة» مستقلة متقدمة الى مشروع «ساحة» أخرى للصراع الإقليمي والاحتراب الأهلي الذي تنعدم خلاله نعمة الأمن بعد تكرار التعدي على رجاله وضرب هيبته، وتسيل بالتبعية دماء شعبنا أنهارا كحال بعض دول المنطقة الأخرى.

***

إن الحديث عن «ربيع كويتي» كحال «الربيع العربي» يقصد منه خداع الشباب الصغار بمعسول الكلام والذي يلغى من خلاله الدستور المتباكى عليه من قبل من يدعي التدثر به زيفا وبهتانا، فقد قام ربيع العرب للعلم على معطى غياب «الخبز والحرية» في وقت تنفرد فيه الكويت بأنها الدولة الوحيدة في العالم بل والتاريخ التي تقوم بتوفير الغذاء مجانا لشعبها عبر مبادرة صاحب السمو الأمير الأخيرة.

***

أما الحريات فلا توجد دولة أخرى بها من الحريات ما يملكه بلدنا الذي لا يوجد به سجين رأي واحد وقد أخذ بالنهج الديموقراطي والحريات الإعلامية قبل ان تأخذ بها الدول الأخرى، وقد كانت البطولة كل البطولة لو أن القيادات السياسية الثورية المخضرمة قامت بذلك النزول وتصدرته وخطبت به إبان الحكم الصدامي لبلدنا ولم تول الأدبار منذ الساعات الأولى للغزو ولم نسمع بأصواتها العالية تدافع عن الكويت وشعبها أمام فيالق صدام الإعلامية طوال اثني عشر عاما.

ولنا أن نتصور في الختام ما سيفعله البعض ممن يملأ الحقد والكراهية قلبه تجاه مخالفيه في الرأي فيما لو وصل الى الحكم عبر أطروحة أو أكذوبة «الملكية الدستورية» غير الدستورية! والله لأصبحت الكويت كلها سجنا كبيرا ولاستبيحت الدماء والأموال والحرمات فيها ولسمعنا للمرة الأولى بمصطلح المهاجرين والمهجرين الكويتيين، فكم من معمر وصدام مخفي تحت ثياب ثوريينا، ولا نحتاج لأن نذكر بأن أسرة الصباح الكريمة امتازت عبر تاريخها الطويل بالتسامح وسعة الصدر والبعد عن الأحقاد ووقوفها على مسافة واحدة من جميع ألوان الطيف الكويتي.

***

آخر محطة: (1) قامت الإعلامية جيهان سليمان وجمع من الشباب المصري بالتظاهر أمام قصر النائب «الثوري» المعروف مصطفى بكري الذي يزيد ثمنه على 20 مليون جنيه (مليون دينار) رافعين شعار من «من أين لك هذا؟» فتعدى عليهم وزبانيته بالسلاح.

(2) نقترح المثل على شبابنا وان يتبعوا بعض نوابنا المخضرمين بعد انتهاء خطبهم في الساحات العامة الى قصورهم ودواوينهم فاحشة الأثمان متظاهرين ورافعين نفس الشعار وليجربوا طول بال هؤلاء الثوريين وردود أفعالهم وليذوقوا جزءا مما سيحدث عند تطبيق شعار «الملكية الدستورية»! ولنا عودة.

 

احمد الصراف

مردوخ.. المجني عليه!

يعتبر البليونير الاسترالي الاصل، روبرت مردوخ، اكبر مالك صحف في العالم، ويتحكم في شبكتي «فوكس» وسكاي وتوابعهما. ولم يحاول مردوخ يوما إخفاء يمينيته وتطرفه الصهيوني وولائه لإسرائيل التي يحمل جنسيتها، إضافة الى جنسيته الأميركية، التي منحت له من الرئيس ريغان، لخدماته النقدية والإعلامية للحزب الجمهوري. يضرب بمردوخ المثل في قدرة الصهيونية على التحكم بوسائل الإعلام العالمية، فصحفه وتلفزيوناته قادرة على تشكيل الرأي العام في بريطانيا واستراليا وأميركا وغيرها، وكسب التعاطف الدولي لأي جهة يريدها! وهو لم يستعمل السلاح ولا الإرهاب في الاستحواذ على وسائل إعلامه، بل قام بشرائها من أمواله ومساهميه، وكانت تلك الصحف، ولا تزال معروضة للبيع لمن يدفع أكثر. ويقول المثل: من حكم في ماله ما ظلم! فهل كنا نريده أن يدفع ماله لنصرة قضايانا؟ ومن الذي منع العرب والمسلمين من شراء ما اشترى من صحف، أو ما هو معروض الآن منها؟
أن قصة شبه انهيار سمعة إمبراطورية روبرت مردوخ المالية والإعلامية، بعد أن استجوب، هو وابنه، بقسوة شديدة أمام اكثر من لجنة تحقيق برلمانية في انكلترا، التي كشفت أجهزتها الأمنية حجم تورطهما في الفساد الإعلامي، وتعدد دسائسهما وألاعيبهما، وطرق الاحتيال والابتزاز والرشوة والتنصت على مخابرات الآخرين الهاتفية التي لجآ اليها، للحصول على مواد مثيرة لصحفهما وخدمه أغراضهما، التي اضطرتهما في النهاية الى إغلاق«نيوز أوف ذي وورلد»، الأقدم والأعرق بين صحفهما، والتي قارب عمرها 170عاما، بسبب ما لحق بهما وبها من فضائح، وكيف اضطر مردوخ لطرد مساعدته الرئيسية، كل هذه أثبتت خطأ نظرية المؤامرة، أو على الأقل المبالغة في حجمها، وما يشاع عن تحكم الحركة الصهيونية في العالم، فلماذا لم تتقدم هذه الحركة لإنقاذ إمبراطورية مردوخ وما لحق به من عار وخسائر مالية بالمليارات ؟ إن الإعلام الدولي كان ولا يزال يخضع لمن يمتلكه، عربيا كان ام إسرائيليا، وإذا كنا اعجز من أن نمتلك أو ندير، باقتدار ومهنية، مثل هذه الصحف والمحطات التلفزيونية، فهل كنا لو امتلكناها سنسخرها لغيرنا، او حتى نجعلها حيادية؟ وعليه لماذا يستكثر العرب على غيرهم ما يسمحون به لأنفسهم؟ فقد تحكمنا، كدول نفطية، في الإنتاج العالمي للبترول عن طريق «أوبك»، ولكننا فشلنا في أن نخضع هذا السلاح لتحقيق مصالحنا، حتى عن طريق صرف عوائده على غير أنشطة المخابرات والرشى والانقلابات وتمويل ثورات أو «ثوارة» الآخرين!
***
ملاحظة: أكدت «الكهرباء» انها تلقت في ثلاثة أشهر من الصيف الماضي 17 ألف بلاغ عن اعطال كهربائية، بعد استبعاد المكرر منها!! وهذا يعني 200 عطل كهربائي في اليوم الواحد! فهل يجوز ذلك في دولة الرفاهية؟ وألا يستحي من قبضوا الملايين على سكوتهم عن مثل هذا التسيب؟ أو ربما قبضوا ليسكتوا!!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الخطة وغطاها

إذا أردت معرفة أسماء النواب المرتشين فابحث في أوراق البنوك، وإذا أردت معرفة أسماء الإعلاميين المرتشين فابحث في أوراق المرور. هناك أرصدة وهنا “بورشيه بانيميرا”.
ومهمة النواب العقلاء (لغير الكويتيين… العقلاء لقب أطلقه نواب الحكومة على أنفسهم) هي دعم الحكومة في الأفراح والأتراح، ومهمة إعلامييها الشخبطة بالفحم على وجه المعارضة. هكذا هي التقسيمة وهكذا هي الخطة، تماماً كما في كرة القدم، وكما يفعل “مورينيو” مدرب نادي ريال مدريد، أنت تجري من هنا وأنت تتجه إلى هناك، وسنكسب درع الدوري.
اللافت أن الناس بعد شيوع خبر الرشاوى أشاروا بأصابعهم مباشرة إلى النواب العقلاء، ولم يشك أحد ولو “ببنت شفة” في نظافة النواب المؤزمين (المؤزمون لقب أطلقه نواب الحكومة وإعلامها على النواب المعارضين)، ولم يساور أحد الشك في ذمة الرئيس أحمد السعدون ولا الفذ مسلم البراك ولا النقي د. حسن جوهر ولا د. جمعان الحربش ولا د. فيصل المسلم ولا محمد هايف ولا غيرهم من المؤزمين، ولم يتهمهم أحد ولو ضمنياً لا بالرشاوى “الكاش” والشيكات ولا حتى بالمناقصات والمشاريع، فالناس تعرف الفرق بين جساس والزير.
ويوم أمس، بلغني أن وسائل إعلام العقلاء ستبحث عن قضية، أو تخلقها إذا تطلب الأمر، وستنفخها إلى أن تغطي على فضيحة الرشاوى! وبعد أن اتصل بي زميلي الذي أبلغني بالخبر، النقي الذي أجبرته الغربة على “التواجد في غرزة صحافية”، والذي لا ينفك يردد: “أوف لو يعلمون عن علاقة الصداقة التي تجمعني بك لن يكتفوا بتعليقي على برج التحرير”، قلت له: “بسيطة، سأساعدكم في إيجاد قضية تشغل الناس، أعلنوا عن حفل ستحييه نانسي عجرم وميريام فارس وهيفاء وهبي، وبعدها بأسبوع أعلنوا عن نية مجموعة من الليبراليين الضغط على الحكومة من أجل السماح بفتح حانات للخمور والاختلاط في المدارس، واطلبوا من النواب المرتشين الاعتراض على الحفل والحانات، بحجة مخالفتها الشريعة الإسلامية، قبل أن يطالبوا بعقد جلسة طارئة لمناقشة الأمر حفاظاً على تقاليدنا، ويميناً بالله لينصرفنَّ الناس عن فضيحة الرشاوى ولَيَنْسُنَّ المرتشين، بل سترتفع أسهم المرتشين، وبس، يتزوج ابن الحارس من محبوبته بنت السلطان، وتعم الأفراح القرية”.
قلت له ذلك فلم يتوقف عن ترديد جملة “يا نهار أزرق، كورة في الجون… يا نهار أزرق”.
وبما أنني ساهمت في تشكيل خطة الفريق الخصم، فسأسعى إلى تعويض فريقي عن طريق كشف الخطة، وأنبّه إلى أنهم سيعلنون قريباً عن حفل غنائي مختلط، وعن قرارات لها علاقة “بالكيف”. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

حسن العيسى

النهار ولى وليل يجر وراءه ليلاً

اليوم مستنسخ من الأمس، وغداً سيكون مستنسخاً من اليوم، اللون الرمادي هو لون الحياة، هو لون غبار عالق في الهواء ودق بمسمار الجو الساخن، لا يريد أن يغادر ويتحدى بعناد مثير قانون تبدل الفصول.
تمضي في الصباح إلى عملك أو اللاعمل والفراغ ولا فرق بين الأمرين، فلا تشاهد غير سيارات وسيارات وخطوط من طوابير ممتدة من السيارات، تسير في دوائر مغلقة ببطء السلاحف، سيارات يقودها بشر غطوا رؤوسهم بملاءات بيضاء فوقها عُقُل يمضون في طريقهم، وقد يزجرك أحدهم بطريقة قيادته قائلاً: أنا مالك الطريق فتنحَّ جانباً، وسيارات مثلها، وأكثر منها يقودها بشر من بلاد الهند والسند رؤوسهم تلمع من دهن ثقيل حين تعكس أشعة شمس ملتهبة نفسها على مرآة رأس داكن تلاصقت خصلاته ببريل كريم، واختلط بعرق الكادحين المهاجرين.
لاحظ أن كثيرين منهم يقودون سياراتهم بخوف ووجل حين يرون سيارة شرطة من بعيد، وحين ثقل سير المرور، فتح أحدهم الباب بزاوية حادة، وبصق على الأسفلت بصقة بمسافة متر أولها في فمه وآخرها تهاوى على الأرض.
لا جمال ولا ألوان غير اللون الرمادي يسود الوجوه والوجود، ووجودنا لحظة لا يمكن حسابها من زمن هو المكان، هو مساحة فراغ بكون وأكوان بلا بداية ولا نهاية.
رجال يقودون سيارات ورجال يسيرون في الشوارع، لا أنثى، لا جسد رشيقا، لا كائن حيا يرطب حياة الصحراء، وهي صحراء جرداء وستظل صحراء خاوية ولو نطحت قرون عماراتها بطن السماء…
ملل أو “ملال” بالجمع وليس اكتئاباً، فالاكتئاب حالة “شخصية” ومرض يصيب فرداً أو أفراداً، والملل حالة “موضوعية” تخيم على الوجود الراكد، وتصيبك فجأة وأنت ساهم في اللاشيء طلقة ذكرى من عمر الشباب، تهمس بلوعة النوستالوجيا عن أيام مضت ولا تعود، تتذكر أغنية روسية قديمة، تأمركت، مطلعها يقول:
those were the days my friend
we thought they would never end
we would sing and dance forever and a day we would
live the life we choose
وتترجم معانيها بنثر “كانت تلك الأيام يا صديقي التي تصورنا أنها لن تنتهي، غنينا ورقصنا على طول المدى وعشنا الحياة التي اخترناها… أو قد تترجم “لوعة” الذكريات بكلمات الشاعر عبدالمحسن الرفاعي وغناء عبدالله الفضالة “أحط خدي على ايدي واحاسب روحي بروحي…”، ثم تتسلسل إلى وعيك التائه عبارات “كراب” في مسرحية “شرائط كراب” لصموئيل بيكت “…الآن اختتم هذا الشريط، ربما تكون أجمل سنوات عمري قد مضت، لكني لا أريدها أن تعود، على الرغم من النار المتأرجحة داخلي الآن، لا أريدها أن تعود” ( ترجمة د. نادية البهناوي).
رأى بيكت عبثية الحياة وأقسم على ألا معناها، وصاغ مع كامو وجان جينيه وغيرهما أدب اللامعقول، وقبلهم كان أبو العلاء المعري في “غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادِ، وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل نادِ”. شبه المعري هو شبهنا حين لا تفترق حالة العزاء عن حالة مباركة زواج، بغير عبارة “عظم الله أجركم” في الأولى، ومبروك في الحالة الثانية مع مصاحبة عشاء دسم يجثم على صدرك في ليل طويل.
جوعى الصومال وإثيوبيا لا يعانون “الملل” الذي نتجرعه هنا في الكويت، فالجائع والفقير فرحتهما في لقمة أكل ترد الروح وليس لقمة بهجة أجهضت من جوف الفراغ. الجوع يقتل الجسد، والفراغ يقتل الروح، وبلدنا من غير روح، ولننته مترنمين مع “كراب”… “النهار ولى، وليل يجر وراءه ليلا” لكن، لحظة، فأنت لست مثل “كراب”، فأنت تشتاق إلى أيام العمر الجميل، وبالتأكيد، تتمني أن تعود وتتوسل للزمن: “ارجع يا زمان”، إلا أن الزمن لن يعود، وسيمضي بلا نهاية، وتتذكر أن عمرك نقطة ضئيلة تبقى في مساحة من غير حدود.

احمد الصراف

تطعيم الدول

لا يمكن التعلل بالخصوصية أو الحرية الشخصية عند تعلق الأمر بصحة الطفل وسلامته عقليا أو بدنيا، فتعليمه وتطعيمه ضد الأمراض فرض اجباري لا خيار للوالدين فيه. كما منع القانون، في المجتمعات المتقدمة، ضرب الأطفال، كطريقة تربية، وللسلطة حق التدخل لمنع حدوث ذلك، ولو بالقوة، فالطفل في نهاية الأمر مسؤولية الدولة، ويصبح عالة عليها ان لم تهتم برفاهيته وهو صغير، فقد ثبت أن الطفل الذي تساء معاملته جسديا في صغره اكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب المميت في كبره، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول، فلا يعقل أن يتصرف حاكم مع شعبه فتكا وتنكيلا، ويترك لحاله. فهنا يحق لـ «الشرعية الدولية» التدخل لانقاذ هذا الشعب من هذا الدكتاتور او تلك الأسرة، نقول ذلك بصرف النظر عن حقيقة نوايا الدول التي قد تساهم أو تخاطر بالتدخل في الدول الأخرى، فلم يسبق لهذه الشرعية أن فكرت مثلا في التدخل في السويد أو النرويج أو سويسرا، لتخليص شعوبها من بطش حكامهم. وبالتالي على الرئيس أو الحاكم، الذي لا يريد من الآخرين التدخل في شؤونه وشؤون دولته، احترام نفسه والتقيد بالمواثيق الدولية وحقوق مواطنيه الانسانية! وهنا لا يمكن الاعتراض أو الاحتجاج بالقول، ان تدخل الشرعية الدولية في دول مثل ليبيا أو أفغانستان أو العراق والكويت وغيرها، هو تعد على سيادة هذه الدول، ونوع من الاستعمار، فتطور الأحداث استوجب تدخل العالم الحر، لانقاذ المواطن من بطش الدكتاتور، ولا مبرر هنا للتردد في تأييد هذا التدخل بحجة أن جهة متطرفة أخرى ستستولي على الحكم، فهذا مبرر غير مقبول، وما يعطي اي حكومة الحق أو الشرعية في اجبار الاب على تعليم ابنه او تطعيمه ضد الشلل أو الامتناع عن ضربه، هي الشرعية نفسها التي تعطي المجتمع الدولي الحق في التدخل بشؤون الدول الأخرى وتخليص شعوبها من حكامها الفاسدين، سواء تعلق الأمر بحكم في سوريا، ليبيا، مصر أو ايران أو غيرها، فالخيط الذي كان يربط حبات السبحة قد «انفرط» ولن يتوقف تساقطها، الواحدة تلو الأخرى!.

أحمد الصراف

سامي النصف

زمن الهوان العربي

يسعد البعض بما يحدث في الوطن العربي من ثورات شعبية تستهدف الطغاة ويرون في ذلك امرا حسنا سيتلوه بدء مرحلة العنفوان العربي وانطلاق النهضة العربية الشاملة التي ستلحق العرب بركب الامم المتقدمة في مشارق الارض ومغاربها.

***

ونسعد معهم بسقوط الطغاة ولا نشاركهم على الاطلاق التفاؤل، بل نعتقد جازمين بأننا مقبلون على زمن الهوان والسبي والدمار العربي الشامل الذي باتت ملامحه واضحة جلية فيما نراه من فوضى سياسية وخراب اقتصادي واجتماعي وانعدام للأمن في مرحلة ما بعد الثورات «الإسلامية» الحالية وهو تكرار لما رأيناه من دمار سابق بعد حقبة الثورات «القومية واليسارية» الحالمة بالأمس التي تحولت الى كوابيس مرعبة مازلنا نعيش تداعياتها حتى اليوم.

***

لقد تسبب حكم الثوريات العسكرية العربية في خلق صورة نمطية مؤسفة عن العرب يؤمن بها الاصدقاء والحلفاء قبل الأعداء وهي اننا امة متوحشة من الغوغاء لا تنفع في سلم او حرب، او في تنمية اوطانها، وان اسلام شعوبنا بعكس اسلام الآخرين من اندونيسيين وافارقة وبنغاليين وغيرهم، لا ينتج عنه ود وحب وتسامح بل تطرف وارهاب تسفك من خلاله دماء الابرياء من الشعوب الأخرى ويستكمل تنظيم القاعدة العربي هذه الأيام ترسيخ تلك المفاهيم السيئة.

***

إن مرحلة الهوان والسبي العربي قد بدأت تحت شعارات براقة جميلة ـ كالعادة ـ فالعرب وعبر تاريخهم المديد يقيسون ويقيّمون الاحداث بعواطفهم لا عقولهم، لذا يسهل تكرار خداعهم والتغرير بهم ولا نبالغ إذا ما قلنا ان مرحلة خداعنا السابقة وإعادة رسم خرائطنا وتوزيعنا سرا كغنائم حرب بين الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية على يد سايكس وبيكو بداية القرن الماضي، تتكرر بداية القرن الحالي عبر توزيع دولنا واراضينا بين الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية الجديدتين، حيث سيكون العراق وغرب الخليج من نصيب الأولى وسورية ومصر وليبيا من نصيب الثانية، فالإسلامية العربية السائدة شعوبنا هذه الأيام من سنية وشيعية لا ترى غضاضة في ذلك الأمر ولا عزاء في النهاية للضعفاء أو.. الأغبياء.

***

آخر محطة: (1) أول الدروس التي على دولنا الخليجية تعلمها مما يحدث حولنا هو ان عهد وزمن تبني الدول والشعوب العربية لقضايا تخص دولا عربية اخرى كقضية فلسطين او اشكالات دول الخليج مع جيرانها، قد انتهى الى الابد، فالانشغال بالداخل هو الشغل الشاغل لها، لذا علينا البدء بخلق حلف عسكري خليجي فاعل يمنع توسع الآخرين على حساب اراضينا ودولنا، ومن يصدق مقولة بعض أحزاب الجيران المؤدلجة بأن عهد العدوان العسكري قد انتهى.. فلا عقل له.

(2) الأمين العام الجديد للجامعة العربية ينطبق عليه مثل الترحم على الحجاج عند ولده ولن يحل السيد العربي مشكلة عربية او خليجية قط، بل سيساهم بفكره المنغلق ونفوذ عديله فاحش الثراء الثوري محمد حسنين هيكل في تعقيدها حتى درجة الغليان ثم الانفجار.

 

احمد الصراف

انظر إلى الإبل

في الطريق إلى العبدلي تطالعك لافتات تبين مدى تحضرنا ورقينا، فقد قامت الدولة، من خلالها برسم خريطة حددت فيها مناطق رعي الماشية وتلك التي يمنع القانون تواجد الماشية فيها. ومن الطبيعي أن تكون مناطق المنع اكثر اخضرارا، ولهذا يتجه الرعاة لها في دولة اللاقانون، تاركين «الحلال»، الذي تحول لعكس ذلك بسبب سوء استخدامه في حلب الدولة، ليسرح فيها! وقد تطور الأمر، مع استمرار السكوت عن مخالفاتهم فأصبح للراعي البنغالي غرفة مكيفة يتنقل معها حيث الكلأ والماء، وهو يعلم أن عددا من نواب المجلس سيقف كالسد الشامخ لحمايته عند الضرورة. ويحدث كل ذلك أمام أعين الدوريات الأمنية وأجهزة رقابة المحميات وبقية الجهات الحكومية من دون ان يحرك احد إصبعا لوقف هذا التعدي الصارخ. وقد يقول قائل: يا أخي أنت تارك سرقات ورشى بالملايين، وقاعد تركز على بضعة رعاة تركوا إبلهم وخرافهم ترعى حشيش الله في أرضه! والحقيقة التي طالما آمن بها كل مصلحي التاريخ، ولست أحدهم، ان مجرم اليوم الكبير هو مجرم الأمس الصغير الذي تساهلت الدولة معه وغضت النظر عن مخالفاته، فهذا الذي ترك ابله تسرح في منطقة محظورة ولم يعاقب سيتجرأ على فعل مخالفة أكبر مستقبلا وهكذا، فنواب رشى ملايي الدنانير اليوم، كانوا هم الذين سكتت الدولة عنهم عندما سرقوا أنصاف الدنانير بالأمس، فهو يبدأ بمخالفات الرعي لينتهي نائبا على الكرسي الأخضر وفي حسابه ملايين الدنانير، مارا مرور غير الكرام بمخالفات الجواخير وبيع العلف المدعوم، وسرقة المعاقين وتزوير عقود الزواج للحصول على المنح وغير ذلك من «توافه الأمور»! وقد قمت شخصيا بسؤال صاحب جمال ترعى في العبدلي عما إذا كان يستفيد ماديا من ابله، فقال ان لا علاقة للأمر بالمال، فهو يقتنيها للتسلية، كما يقتني غيره كلبا أو قطة، وانه لولا الدعم الحكومي لتخلص من إبله! وهنا بدا واضحا، أن حكومتنا هي الوحيدة في العالم التي صرفت وتصرف مئات ملايين الدنانير، في صورة مساعدات ضخمة مخصصة كزرائب مجانية ودعم علف وعمالة، من دون عائد يذكر! وهنا يكمن جمال حضارتنا!.

• • •
• ملاحظة: ورد في النطق السامي الأخير بمناسبة العشر الأواخر: «.. ان الحكمة تقتضي منا ان نراقب ونستوعب ما يدور في عالمنا من متغيرات، ونستشعر مخاطر الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها وآثارها السلبية في اقتصادنا الوطني، وأن نعمل جميعا يدا واحدة لإصلاح الخلل في وضعنا الاقتصادي..»! وبعد هذا النطق بـ 20 يوما فقط أقرت الحكومة حزمة زيادات رواتب ومكافآت سخية لبعض موظفي الدولة. عاشت التنمية، وعاشت الكويت حرة أبية!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

«إيدي على قلبي»

لم يحصل أن «حطيت إيدي على قلبي» خوفا على البلد من الضياع مثل هذه الأيام، وليس لذلك علاقة بتقرير السفيرة الأميركية عن زوال الكويت في عام 2020، بل لتسارع الأحداث في الفترة الأخيرة نحو الانزلاق بشكل سريع الى المجهول!
اليوم فعلا ضاعت الطاسة!
اليوم فعلا ما ندري.. ولا نفهم.. ولا نعي.. ما الذي يحدث؟!
أحيانا أشعر بأنني فهمت لماذا الناس «يتحلطمون» ويتذمرون! لكنني أجهل لماذا نترك الناس يستمرون في تحلطمهم وتذمرهم!
الشيخ موراضي عن الأوضاع.. والوزير يتحسر على اللي يصير.. والموظف مقهور من شعوره بالظلم.. والمواطن العادي (اللي ماله شغل) مسبل ومشتت الذهن.. وما هو عارف شاللي قاعد يصير!
أنا اعتقد ان العلة في الطريقة التي يدار فيها البلد فترك الحبل على الغارب لسمو رئيس مجلس الوزراء جعله يتخذ قراراته بشكل انفرادي من دون رؤية شاملة للأمور بل بشعور أنه مسنود ومدعوم. كذلك قرارات الحكومة تسبب الأزمات في كثير من الأحيان، خذ مثلا كادر المعلمين. عندما أصرت الحكومة على رفضه بحجة كلفته المالية، ثم جاءت بعد ذلك وأيدت كادر القطاع النفطي مع كلفته العالية! السبب الظاهر للناس ان العاملين في القطاع النفطي هددوا بالاضراب، بينما المعلمون لم يهددوا بالاضراب، والنتيجة سيقوم المعلمون باضرابهم وستتعطل المسيرة التربوية وستعاند الحكومة ويطغى عليها كبرياؤها، وستظهر هنا دعوات المحافظة على المال العام، والمحافظة على هيبة الحكم، وكلها دعوات صحيحة، لكن من المتسبب في هذا الوضع المزري؟ انه قرارات الحكومة نفسها!
مثال آخر يبرر لنا الخوف من القادم، بيان {ثوابت الشيعة} ودعوتهم لكل ابناء الطائفة الذين يشعرون بالظلم للكتابة لهم بمظلوميتهم على عنوانهم البريدي! ووصل بنا الأمر الى ان كل واحد يعيش في النظام الاداري الذي يناسبه وليس تحت مظلة حكومة دولة الكويت! من أوصلنا الى هذا الوضع؟! لو راجعنا سياسة سمو رئيس الوزراء مع نواب الدائرة الأولى لعرفنا انها سبب كل هذا التأزيم الطائفي، الذي جعل البعض يشعر بقوته أكثر من الواقع ويطالب بحقوق لها سقف عال، حتى وصل بهم الأمر الى احراجنا مع جيراننا من دون اعتبار للوضع الأمني الذي يعيشه البلد.
أليس لي الحق في ان «احط ايدي على قلبي وانا اشوف هذا الانحدار؟!}.. الساتر الله.