يا صلاة الزين… صدقاً احترت (أو حرت كما في الفصحى) هل أضحك أم أبكي، أم أقف على الحدود بين الضحك والبكاء، أم أعتلي الطاولة وأرقص رقصة السامبا، بعد أن قرأت عن رئيس إحدى الدول العربية (لم أقل الجزائر ولا غير الجزائر كي لا تغضب السفارة وترفع ضدي دعوى قضائية، وأنا لم يعد ينقصني قضايا، فلدي منها ما يكفي أجيالي القادمة، ولله الحمد من قبل ومن بعد)، المهم أقول إنني قرأت عن رئيس إحدى الدول العربية، سافر منذ 14 سبتمبر الجاري، أي قبل نحو أسبوعين، إلى فرنسا للعلاج والنقاهة.
وإلى هنا “لا شية فيها” ولا غرابة، لكن “الشية” والغرابة التي فيها وعليها هي أن فخامته سافر قبل أسبوعين ولم يعلم الشعب إلا أمس الأربعاء. هاهاها… أي والله، ولولا بعض الفعاليات التي تشترط حضور فخامته وتشريفه لها ما كان الديوان الرئاسي سرّب الخبر إلى الصحافة، وكان يمكن أن تستمر الرحلة ثلاثة أشهر أو أكثر دون أن يعلم الشعب.
وسبق أن قرأت، لعنة الله على القراءة، أنه في إحدى المقاطعات الألمانية، إن لم تخني ذاكرتي الخوانة، أصيب حاكم المقاطعة أثناء ممارسته الرياضة مع أبنائه وعائلته وأصدقائه في عطلة نهاية الأسبوع، فسقط على رجله وشعر بألم شديد استدعى نقله إلى المستشفى، الذي بدوره أمر بنقله إلى مستشفى آخر في مقاطعة أخرى، متطور في علاج العظام والمفاصل وما شابه…
فما الذي حدث بعد ذلك؟ هل سكت الشعب المؤزم (أكرر أظنه الشعب الألماني)؟ لا وحياتك، فهم ليسوا كالعربان التي تعيش كالقطعان. فتعال نشوف ماذا فعل الشعب.
لكن قبل ذلك، قولوا لي بذمتكم، ما المشكلة في سقوط حاكم المقاطعة وذهابه إلى مستشفى في مقاطعة أخرى؟ حنا عندنا يذهب المسؤول إلى قارة أخرى للعلاج فندعو له بالسلامة.
سأقول لكم كيف اختلق الشعب المشكلة… كان أول ما أغضبهم أن إعلان الحادثة تأخر نحو 48 ساعة، علماً أن مكتب الحاكم هو من أذاع الخبر ولم يسربه إلى أحد، لكن هذا لم يشفع للحاكم وموظفي مكتبه، فكتبت صحيفة: “لو كنا قطيعاً من الخنازير أو البقر ما غادرنا صاحب المزرعة دون أن يوكل مهمة رعايتنا إلى من يثق به”، وتجمهر الناس أمام مبنى المقاطعة، وتوافد السكان من كل فج عميق، فتركت ربة البيت مطبخها ودقوسها وهرولت مسرعة إلى مبنى المقاطعة، وأوقف سائقو الحافلات حافلاتهم وهرولوا مسرعين إلى مبنى المقاطعة، وتجمع الشبان، والكبار، ووو… وتحول الأمر إلى مولد، وفي رواية أخرى مناحة.
وفجأة، أو قل فجعة، فتح أحد الحاضرين شدقيه على آخرهما وصرخ: “بما أن الحادثة وقعت في عطلة نهاية الأسبوع وأثناء لعبه مع أقربائه، فهل تحملت المقاطعة تكاليف علاجه؟” ثم علق بكل نذالة: “لا أفهم سر التأخير في إعلان إصابته إلا أنه محاولة للعلاج على حسابنا”! يا ابن الجعص، مكتب المقاطعة هو “زاتو” الذي أعلن أنه سقط أثناء عطلة نهاية الأسبوع، أي أثناء الإجازة، ولم يقل “سقط على رصيف الحربش أو تزحلق على الزرع المبلول”، كما قالت إحدى الحكومات الخائبة، فما الذي تريده أكثر؟
وصرخ ثالث: “لماذا تفتقد مقاطعتنا مستشفى متطوراً في علاج العظام؟” وتوالت الصرخات على دماغ الحاكم…
هنا أصدر الحاكم بياناً، وهو على فراشه، جاء فيه ما معناه: “بالنسبة إلى تأخر إعلان الحادثة فسببه أنها وقعت في يوم عطلة، ولم أكن أتوقع أن أضطر إلى البقاء في المستشفى، أما من ناحية تكاليف العلاج فهو على حسابي الشخصي، وسأقدم ما يثبت ذلك حال خروجي من المستشفى، أما عدم تفوق مقاطعتنا في علاج العظام فمقاطعتنا تتفوق أيضاً على المقاطعات الأخرى بخدمات أخرى مثل كذا وكذا (ذكر بعض الخدمات)”.
لاحظ أنه أجاب عن الأسئلة كلها، لم يقفز على سؤال واحد، ومع ذا جاءه الرد المؤذي: “لماذا لم نقرأ في بيانك اعتذاراً عن التأخر في إذاعة الخبر؟ هل كانت وسائل الإعلام في عطلة أيضاً”، فجاء البيان الثاني للحاكم يحمل على رأسه اعتذاراً صريحاً واعترافاً سافراً بالخطأ.
فماذا نقول عن هذه الشعوب المغموسة في النذالة والتأزيم، التي تحمل أجندات خارجية وتزعج ولاة الأمر، حمانا الله وإياكم؟!
اليوم: 29 سبتمبر، 2011
دار عمان التي أخجلتنا
بسبب زحمة المقالات لدى المحرر، فقد سبق تحقيق القبس عن «دار الأوبرا السلطانية» في سلطنة عمان، مقالي هذا، ولأهمية الموضوع، فلا بأس من التطرق اليه ثانية.
بالرغم من أن دار الأوبرا السلطانية، في عمان، ستكون الأولى من نوعها في المنطقة، فإن المفترض أن نكون قد سبقنا عمان في بنائها بثلاثين عاماً على الأقل، لولا جراد التخلف الذي غزانا بدعم مادي ومعنوي من السلطة، ولا يسعنا إلا أن نبارك للسلطنة دارها الحضارية، ونتمنى أن نكون في حفلتها الأولى، ولا نستبعد أن نقابل هناك من كره وجودها في الكويت وعرقل مشروع بنائها، نقول ذلك ونشعر بالألم لعجزنا عن فعل شيء بسبب ما دار ويدور من صراع واختلاف حول بناء هذه الدار بين بعض الفعاليات! فقد كانت هناك فكرة لإقامة هذا الصرح على الأرض التي تشغلها حاليا مدرسة «عبدالله السالم»، والتي تقع على أجمل موقع مطل على مياه الخليج الرائعة، بمساحة 70 ألف متر، والتي تعتبر مثالية لإقامة مثل هذا المعلم الحضاري على مدخل الكويت البحري، لتكون منارة ثقافية جميلة لكل عين ترى ونفس تعشق وقلب يحب، ولكن الخلافات أماتت المشروع!
ولا نملك هنا إلا أن نتمنى على الجهات «المتنفذة»، والمتصارعة، المعنية بالمشروع، وضع خلافاتها جانباً، فالكويت أهم من الجميع، والسير في المشروع، ويمكنني شخصياً التعهد، من دون تردد، بترتيب أمر تغطية تكاليف البناء من التبرعات الخاصة، متى ما تمت الموافقة على المشروع، فليس، بعد كل هذا الخراب الذي نعيشه، سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً وحتى زراعياً، وبعد عقود ثلاثة من السطوة الدينية، من أمل في عودة الكويت لعزها السابق من دون بناء ورعاية مثل هذه المشاريع التي ستعيد لوجه الكويت بهجته ورونقه السابقين، ونتمنى أن يتحقق ذلك قبل أن يفنى بنا العمر.
أحمد الصراف