الله على فناني فرنسا في الماضي، عندما تصدروا المظاهرات المطالبة بالانسحاب من الجزائر ومنحها استقلالها، الله عليهم عندما اتُّهموا بالتخوين وحوربوا في أرزاقهم ولم يتراجعوا عن صيحاتهم ومنشوراتهم: «احتلال الجزائر سطو مسلح تقوم به دولة تدعي التمدن»، «الفرنسيون ليسوا شعباً من اللصوص ولا مجاميع من العجزة كي ينهبوا خيرات الشعوب الضعيفة»، «بدلاً من استعباد العرب والأفارقة وإذلالهم، لماذا لا ترفع فرنسا مستواهم الثقافي وتنشر بينهم العلمانية وتوضح لهم حقوقهم وطريقة تطوير بلدهم؟»، وغير ذلك من مطالباتهم المرفوضة شعبياً قبل أن تكون مرفوضة رسمياً.
خلت المسارح الفرنسية، آنذاك، من الفنانين الأحرار بعد أن رفضتهم الجماهير، وخلا الفضاء للفنانين المرتزقة والنص كم، وجماعة «غير ديغول ما نبي»…
وقبل ذا برز الأديب العظيم «سارتر»، جان بول سارتر، وارتفع صوته عالياً مطالباً بالحرية للجزائريين، فهوجمت شقته من الدهماء والغوغاء، فهرب، فأحرقوا شقته وتركوها رماداً، وتكرر الأمر وأُحرِقت شقته للمرة الثانية، ولم يتوقف، بل كتب مهاجماً الجيش الفرنسي وفظاعاته في الجزائر، فحوكم عسكرياً وتقرر سجنه لولا تدخل ديغول، واستمر بمطالباته إلى أن استقلت الجزائر.
وفي مصر، تسابق الفنانون الأحرار لدعم ثورة الشعب، فبرز خالد الصاوي وعمرو واكد ومحمد منير وآخرون، وتهاوى المرتزقة عشاق دفء القصور الرئاسية، عادل إمام وتامر حسني وإلهام شاهين (هذه الممثلة تحديداً خير من يلتصق بالجدران الدافئة) وطلعت زكريا وغادة عبدالرازق وغيرهم.
وفي سورية، ارتفع احتجاج أميرة الفن العربي الممثلة كندة علوش ضد ما يتعرض له أحرار سورية، وساندتها المطربة أصالة من خارج البلد، وغنى المطرب إبراهيم قاشوش للثورة فانتُزعت حنجرته ونُكّل به بعد قتله، وساندهم قلة من الفنانين، في حين التصق دريد لحام بجدران القصور الرئاسية، متلذذاً بمذاق الدم السوري، وطأطأ «قبضايات الحارة» وبركوا على ركبهم ذلاً ومهانة وكالوا المديح للنظام وتمنوا له الدوام، فـ«لا إله – لهم – إلا بشار»…
وفي الكويت، حيث لا ثورة على النظام بل على الحكومة، يصمت كبار الممثلين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وسعاد عبدالله وحياة الفهد، ويهزون أكتاف اللامبالاة، بل يقف أشهرهم عبدالحسين عبدالرضا في صف الحكومة، ويطالب بأن تتشكل الحكومة من ستة عشر وزيراً من الأسرة الحاكمة فقط، ويختفي سعد الفرج في زحام السوق، ويستمر طارق العلي في السخرية من «خشمك اللي يشبه دعامية نيسان» و«صلعتك اللي تكسر الليت» وتقهقه الجماهير ويقهقه الفساد! وتغرق حياة الفهد وسعاد عبدالله في التنافس على فضائيات «إم بي سي» و«دبي»، وتتفرغان لموسم الحصاد، شهر رمضان، وتصمتان عن الفساد الذي أغرق الكويت، وتغرقاننا بدموعهما، وكأن الغرق هو ما ينقصنا.
وتتلثم رابطة الأدباء كي لا يعرفها أحد، وتغلق الباب على نفسها، ويستمر عبدالله الرويشد يترنم بأغنياته الغزلية، ويتلذذ بعصير البرتقال، وكأن عنزاً لم تعطس، ووو…
حتى الرسامون والفنانون التشكيليون يشاهدون الكويت تُرسم بأيدٍ مرتجفة وبألوان باهتة، وتبلع ريقها وتستجدي قطرة ماء «فيعملوا نفسهم نائمين».
يا سيدي، أنا لا أطالب الفنانين والأدباء والرسامين بالوقوف في صفوف المعارضة ورفض الفساد، ولا أجبرهم على الصلاة في اتجاه قبلتي، بل على الأقل أريد أن أعرف موقف كل فنان مما يحدث في الكويت.
أقول ذلك، وأنا لا أنكر محبتي لصوت الرويشد ولا إعجابي بأداء الفرج وعبدالحسين وحياة وسعاد، بل وطارق أيضاً… ولن أتجنّى لو قلت إن فناني الكويت، بشكل عام، أقرب إلى مبنى رئاسة الوزراء من ساحة الإرادة، فسحقاً لهذا الزمن.
اليوم: 25 سبتمبر، 2011
أن تحارب الفساد وأنت فاسد!
الكويت ام البدع، ومن ذلك ما نلحظه هذه الايام من ظاهرة فريدة للغاية وهي محاربة الفساد من قبل كبار الفاسدين والراعين الحقيقيين والتاريخيين للفساد التشريعي، فكل العداء هو لفساد الآخر دون التعهد بمحاربة فساد الذات الذي غطى البر والبحر وردْع النفس الامارة بالسوء، ان ملة الفساد واحدة ولا فارق لدى الشعب الكويتي بين فساد موالاة وفساد معارضة.
من يقل ان الدستور والديموقراطية هما الضمان الحقيقي ضد الفساد فهو مخطئ حتى النخاع ويتسبب دون قصد في استمراره، وله ان يفسر لنا سبب تصدر قطر والامارات وعمان وسنغافورة مؤشرات النزاهة والشفافية على المستويين العربي والدولي رغم انها دول لا دستور ولا ديموقراطية فيها وان كان لديها عمليات رفاه وتعامل انساني وتنمية تسابق سرعة الضوء، كما تشتهر بالعدالة والحريات الشخصية وتكافؤ الفرص وعمليات النظام والانضباط الشديد التي تجعل زائرها يبهر ويسحر حيث لا نواب ولا واسطات مخربة هناك كحال بعض الدول الديموقراطية مثل لبنان والكويت.
وأكثر دول العالم فسادا هي العراق والسودان والصومال، وايران ليست بعيدة عنها، والاربع دول بها ديموقراطية وحريات اعلامية ويحكمها «التيار الاسلامي» بأشكاله المختلفة من تيارات سنية وشيعية، والذي يعتقد البسطاء والسذج انه المحارب الاول للفساد والظلم والرشاوى والسرقات، الا ان التجربة المعيشة تثبت بالمطلق انه على العكس من ذلك فأكثر دول العالم تقدما وعدالة ونزاهة وقوة واحتراما لحقوق الانسان هي الدول العلمانية والليبرالية لا الدول الدينية.
أخيرا دول مجلس التعاون ست منها ثلاث تقع في شمال الخليج هي السعودية والكويت والبحرين وثلاث في جنوب الخليج هي قطر والامارات وعمان، وواضح ان هناك من يستهدف دول شمال الخليج بالتهديدات والمؤامرات والمطامع بينما تنعم دول الجنوب بالأمن النسبي «المؤقت»، لذا فعلى دول الشمال الخليجي الدفع بمشاريع الأمن المشترك والاستعجال به قبل فوات الاوان حيث انها المستهدفة بالمخاطر الجمة هذه الايام.
آخر محطة:
1 – التهنئة القلبية للمملكة العربية السعودية قيادة وشعبا بمناسبة اعيادها الوطنية، وللعزيز د.عبدالعزيز الفايز سفير خادم الحرمين الشريفين في الكويت، مبروك وعقبال ألف عام.
2 – «حوبة الكويت» تتحرك وتصيب من انكر على شعبنا عام 90 الاستعانة بقوى التحالف الدولي، فهذه الايام يطالب الفلسطينيون والسوريون والليبيون واليمنيون بمثل ذلك التدخل الذي انكروه علينا ونقول عن تجربة: لقد عشنا 20 عاما مع تواجد القوى الأميركية والدولية على ارضنا فلم نر منها الا كل خير، فقد ارتفع خلالها سعر النفط من 10 دولارات الى مائة، بينما لم نر خلال 6 اشهر من تواجد قوى الجار على ارضنا الا الخراب والقتل والدمار فالاستعمار العربي لا الغربي هو الاسوأ على الاطلاق.
تحية لكم
شباب 16 سبتمبر وجماعة «نهج» الذين تجمعوا الأربعاء الماضي هم أمل الكويت للخروج من بئر الفساد العميقة، وبغير مثل تلك التجمعات وممارسة الرفض للسياسات الحكومية ستستمر الدولة في الغيبوبة وحالة اللااكتراث لما يحدث من فوضى الهبش والفساد المعمم في جل مرافق الدولة ومن غير استثناء.
حركة الشباب لم تطالب بميزات مادية من الدولة، ولم يدع الشباب إلى تحسين أوضاع فئات معينة في الدولة، كما حدث في الإضرابات الأخيرة، الشباب ارتفعوا بندائهم للتغيير في بنية السلطة وتركيبتها، فهي المسؤولة بداية ونهاية عن حالة فلتان الفساد في السنوات الأخيرة.
المطالبة بالإمارة الدستورية والدائرة الواحدة ونظام القوائم واستقلالية القضاء، يرى بعض النواب المخلصين أنها مُبالغ فيها، وأنها تتجاوز سقف التوافق السياسي بين السلطة الحاكمة والمعارضة، وربما في ذلك «بعض» الصحة (وليس كل الصحة) في ما يتعلق بالإمارة الدستورية، رغم أن دستور الدولة قد نص في المادة السادسة على «أن نظام الحكم ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات»، وبهذا وضع الأساس المفترض للإمارة الدستورية، ولبناء ديمقراطية حقيقية.
ولنقر الآن، أنه بعد خمسين عاماً على ولادة الدستور لم ترق الكويت لتصبح بلداً ديمقراطياً حقيقياً، ومنذ منتصف الستينيات، وإلى هذه اللحظة هناك تراجع واضح على صعيد الحريات، مع تغييب متعمد وجهل مركب لمفاهيم التنمية الحقيقية التي تدور وجوداً وعدماً حول تنمية الإنسان والفكر الإنساني، وليست هي مشروعات الأسمنت ومولات الاستهلاك، وأضحت الأسرة الحاكمة مع نخب تدور في فلكها تمسك بمفاصل الدولة من ألفها إلى يائها، وأضحى المال السياسي أداة استبداد وتشويه مرعب للوجه الديمقراطي، وبعض النواب اليوم وأيضا بالأمس وقبل التشكيلات الحكومية الأخيرة (كي نكون عادلين في أحكامنا) يمثلون الوجه الآخر للسلطة التنفيذية أو يعارضونها بالتافه من قضايا الدولة، وهم لا يقبضون دائماً من الداخل، فقد يدفع لهم من خارج حدود الدولة، فهم ليسوا نواب ضمير الأمة بل نواب فساد الذمة.
لم يكن هناك حاجة كي يتحرك شباب 16 سبتمبر لو أنهم وجدوا من ينصت لهم، ولما بالغوا مطالبين بشعبية منصب رئاسة الوزراء وهو أحد تجليات الإمارة الدستورية، لو أن السلطة سبقتهم وأصلحت من أمرها وأمر الناس الذين تحكمهم، لكنها لم تفعل، فلهم كل العذر في ذلك.
بين «الخارجية» و«الخيرية»
دأب بعض أصحاب الأقلام والأنفاس غير الطيبة على اتهامنا بمعارضة فعل الخير ومعاداة القائمين عليه، ولو علم هؤلاء بالخير الذي نفعله لشعروا بالخجل، ولكن هل يخجلون؟
ما يريده هؤلاء منا هو أن نتركهم لحالهم ليجمعوا ما يشاؤون ويصرفوا على هواهم ويخدموا اجنداتهم الحزبية الدينية من دون رقيب، هذا غير الاحتفاظ لأنفسهم بخمس ما يجمعون!
وفي هذا السياق، وجه النائب مسلم البراك سؤالا إلى وزير الخارجية بشأن ورود كتاب للوزارة من ديوان رئيس مجلس الوزراء، يطلب فيه تحويل مبلغ معين إلى إحدى سفارات الكويت، ودعا البراك لإفادته بإجمالي عدد مثل هذه الكتب ومبالغها منذ 2006 والأطراف المستفيدة من هذه المبالغ!
سؤال البراك قد يكون برلمانيا عاديا، أو نتيجة رفض طلبات له، وقد يكون اخطر من ذلك، ولكن كنا نتمنى أن يكون أكثر شمولا، فوزارة الخارجية، وفق علمي ان كانت المعلومة صحيحة، تقوم أيضا بمهمة الوسيط في نقل مبالغ كبيرة نسبيا لعدد من سفاراتنا، في 6 عواصم أوروبية وآسيوية على الأقل، نيابة عن جمعيات «خيرية»! ويتم النقل عن طريق الوزارة ربما لتلافي أوامر حظر دولي على الأنشطة المالية للجهات المحولة! ونعتقد، أو نتمنى، أن يؤدي سؤال النائب لفتح ملفات مثل هذه التحويلات.
وأيضا في السياق نفسه تقريبا، صرح السيد ناصر العمار مدير إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات في وزارة الشؤون، بأن تبرعات هذا العام ازدادت بكثير عما كانت عليه العام الماضي، حيث وصلت إلى 86 مليون دينار، وذلك لتزامنها مع تنفيذ المشروع الثامن لجمع التبرعات النقدية خلال شهر رمضان مع حملة التبرعات للشعب الصومالي، اضافة الى استخدام «الكي نت» و«الأون لاين» في عمليات التبرع. وقال انه لم يرصد هذا العام سوى مخالفات بسيطة غير متعمدة نتيجة لتعاون الجمعيات والمتبرعين مع تعليمات الوزارة، ومنها ضبط أشخاص غرباء قدموا الى البلاد بكروت زيارة وقاموا بجمع تبرعات نقدية من دون ترخيص ومن دون ان يكونوا منتمين الى أي من الجمعيات الخيرية، كما تم القبض على أشخاص غرباء يحملون تزكيات من شخصيات كويتية معروفة تسهل لهم عمليات جمع التبرعات بصورة مخالفة للقانون.
وهنا نشد على أيدي مسؤولي الوزارة ونشكر جهودهم المخلصة الساعية للحد من تنفيع بعض القائمين على العمل الخيري لأنفسهم من أموال الخيرات، وجهودهم للحد من تسرب هذه الأموال الطائلة للجهات الداعمة للإرهاب.
***
• تصحيح: ورد في مقال الخميس ان المناضل الايراني داريوش فروهار اغتيل وزوجته غدرا عام 1993، والصحيح انهما اغتيلا عام 1998، وتولت شيرين عبادي قضيتهما بناء على طلب من ابنتهما، ولكن قتل، أو انتحار شريف امامي نائب رئيس الاستخبارات وهو في السجن، والذي اتهم بعملية قتل فروهار وزوجته، أضاع كل الادلة.
أحمد الصراف
الفساد تجاوز الفرد
بعد الحشد الجماهيري يوم الأربعاء الماضي، ومشاركة جميع القوى السياسية المعتبرة في تلك التظاهرة، التي أجمعت على مطلب واحد وهو تغيير الحكومة كمدخل لإصلاح الفساد، أقول بعد كل ذلك أصبح التغيير أمراً مستحقاً!
صحيح، قد يكون الشخص أحياناً صالحا في نفسه، لكن عمله قد لا يكون كذلك، لهذا كانت القوة والأمانة أو بمعنى آخر الكفاءة والصلاح شرطين لكل قيادي يريد قيادة مجموعة، فكيف بمن يريد قيادة أمة ودولة!
قال الخليفة الصالح: آه من قوة الفاجر، وضعف التقي! فقوة الفاجر لا تكفي للاصلاح، وتقوى الضعيف كذلك لا تحقق المطلوب، فلا بد من اجتماع الصفتين.
قد يقول قائل، كذلك المعارضة فيها فساد! ويضربون أمثلة فردية من هنا وهناك. ونقول ان فساد جزء من المعارضة لا يعني فساد المعارضة، وكذلك فساد الشخص الفرد لا يعني بطلان أهداف المجموعة ونواياها، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وهذا لا يجوز ان يقارن بمطالب المعارضة، حيث الفساد في الطرف الآخر تجاوز الفرد وتجاوز الجسد!
***
حصرياً
يقال إن التغيير سيتم قبل افتتاح دور الانعقاد الجديد، وسيطول رئيس الحكومة، وسيعين نائبه الأول مكانه حتى نهاية مدة الفصل التشريعي الحالي، ثم تتم الانتخابات لمجلس الأمة، وقد تأتي حكومة بنهج جديد يتوافق مع متطلبات المرحلة التي اثبتت ان زمن الفساد قد ولى، وان الشفافية والعدل والمساواة واحترام القوانين هي التي تسود.
***
المملكة..
تعيش المملكة العربية السعودية أعياداً مجيدة هذه الأيام بمناسبة مرور 81 عاماً على توحيدها على يد صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز. وقد تزامن هذا اليوم مع بدء الحملة الانتخابية لمرشحي المجلس البلدي في عموم مناطق المملكة، وهذا مؤشر طيب يبين حكمة القيادة ورسالة منها الى الشعب، مفادها ان الاستقلال الحقيقي عندما يمارس الشعب دوره في بناء مملكته! فإلى المزيد من الانجازات، والى المزيد من الخطوات الرائدة لرفاهية الشعب، والى المزيد من الاستفادة من تجارب الآخرين وأخطائهم، فقطار الزمن يمر بسرعة ولا يتوقف.
فتهنئة خالصة الى المملكة مليكا وشعبا، والى العلا دائما بإذن الله.