إذا أردت معرفة أسماء النواب المرتشين فابحث في أوراق البنوك، وإذا أردت معرفة أسماء الإعلاميين المرتشين فابحث في أوراق المرور. هناك أرصدة وهنا “بورشيه بانيميرا”.
ومهمة النواب العقلاء (لغير الكويتيين… العقلاء لقب أطلقه نواب الحكومة على أنفسهم) هي دعم الحكومة في الأفراح والأتراح، ومهمة إعلامييها الشخبطة بالفحم على وجه المعارضة. هكذا هي التقسيمة وهكذا هي الخطة، تماماً كما في كرة القدم، وكما يفعل “مورينيو” مدرب نادي ريال مدريد، أنت تجري من هنا وأنت تتجه إلى هناك، وسنكسب درع الدوري.
اللافت أن الناس بعد شيوع خبر الرشاوى أشاروا بأصابعهم مباشرة إلى النواب العقلاء، ولم يشك أحد ولو “ببنت شفة” في نظافة النواب المؤزمين (المؤزمون لقب أطلقه نواب الحكومة وإعلامها على النواب المعارضين)، ولم يساور أحد الشك في ذمة الرئيس أحمد السعدون ولا الفذ مسلم البراك ولا النقي د. حسن جوهر ولا د. جمعان الحربش ولا د. فيصل المسلم ولا محمد هايف ولا غيرهم من المؤزمين، ولم يتهمهم أحد ولو ضمنياً لا بالرشاوى “الكاش” والشيكات ولا حتى بالمناقصات والمشاريع، فالناس تعرف الفرق بين جساس والزير.
ويوم أمس، بلغني أن وسائل إعلام العقلاء ستبحث عن قضية، أو تخلقها إذا تطلب الأمر، وستنفخها إلى أن تغطي على فضيحة الرشاوى! وبعد أن اتصل بي زميلي الذي أبلغني بالخبر، النقي الذي أجبرته الغربة على “التواجد في غرزة صحافية”، والذي لا ينفك يردد: “أوف لو يعلمون عن علاقة الصداقة التي تجمعني بك لن يكتفوا بتعليقي على برج التحرير”، قلت له: “بسيطة، سأساعدكم في إيجاد قضية تشغل الناس، أعلنوا عن حفل ستحييه نانسي عجرم وميريام فارس وهيفاء وهبي، وبعدها بأسبوع أعلنوا عن نية مجموعة من الليبراليين الضغط على الحكومة من أجل السماح بفتح حانات للخمور والاختلاط في المدارس، واطلبوا من النواب المرتشين الاعتراض على الحفل والحانات، بحجة مخالفتها الشريعة الإسلامية، قبل أن يطالبوا بعقد جلسة طارئة لمناقشة الأمر حفاظاً على تقاليدنا، ويميناً بالله لينصرفنَّ الناس عن فضيحة الرشاوى ولَيَنْسُنَّ المرتشين، بل سترتفع أسهم المرتشين، وبس، يتزوج ابن الحارس من محبوبته بنت السلطان، وتعم الأفراح القرية”.
قلت له ذلك فلم يتوقف عن ترديد جملة “يا نهار أزرق، كورة في الجون… يا نهار أزرق”.
وبما أنني ساهمت في تشكيل خطة الفريق الخصم، فسأسعى إلى تعويض فريقي عن طريق كشف الخطة، وأنبّه إلى أنهم سيعلنون قريباً عن حفل غنائي مختلط، وعن قرارات لها علاقة “بالكيف”. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
اليوم: 15 سبتمبر، 2011
النهار ولى وليل يجر وراءه ليلاً
اليوم مستنسخ من الأمس، وغداً سيكون مستنسخاً من اليوم، اللون الرمادي هو لون الحياة، هو لون غبار عالق في الهواء ودق بمسمار الجو الساخن، لا يريد أن يغادر ويتحدى بعناد مثير قانون تبدل الفصول.
تمضي في الصباح إلى عملك أو اللاعمل والفراغ ولا فرق بين الأمرين، فلا تشاهد غير سيارات وسيارات وخطوط من طوابير ممتدة من السيارات، تسير في دوائر مغلقة ببطء السلاحف، سيارات يقودها بشر غطوا رؤوسهم بملاءات بيضاء فوقها عُقُل يمضون في طريقهم، وقد يزجرك أحدهم بطريقة قيادته قائلاً: أنا مالك الطريق فتنحَّ جانباً، وسيارات مثلها، وأكثر منها يقودها بشر من بلاد الهند والسند رؤوسهم تلمع من دهن ثقيل حين تعكس أشعة شمس ملتهبة نفسها على مرآة رأس داكن تلاصقت خصلاته ببريل كريم، واختلط بعرق الكادحين المهاجرين.
لاحظ أن كثيرين منهم يقودون سياراتهم بخوف ووجل حين يرون سيارة شرطة من بعيد، وحين ثقل سير المرور، فتح أحدهم الباب بزاوية حادة، وبصق على الأسفلت بصقة بمسافة متر أولها في فمه وآخرها تهاوى على الأرض.
لا جمال ولا ألوان غير اللون الرمادي يسود الوجوه والوجود، ووجودنا لحظة لا يمكن حسابها من زمن هو المكان، هو مساحة فراغ بكون وأكوان بلا بداية ولا نهاية.
رجال يقودون سيارات ورجال يسيرون في الشوارع، لا أنثى، لا جسد رشيقا، لا كائن حيا يرطب حياة الصحراء، وهي صحراء جرداء وستظل صحراء خاوية ولو نطحت قرون عماراتها بطن السماء…
ملل أو “ملال” بالجمع وليس اكتئاباً، فالاكتئاب حالة “شخصية” ومرض يصيب فرداً أو أفراداً، والملل حالة “موضوعية” تخيم على الوجود الراكد، وتصيبك فجأة وأنت ساهم في اللاشيء طلقة ذكرى من عمر الشباب، تهمس بلوعة النوستالوجيا عن أيام مضت ولا تعود، تتذكر أغنية روسية قديمة، تأمركت، مطلعها يقول:
those were the days my friend
we thought they would never end
we would sing and dance forever and a day we would
live the life we choose
وتترجم معانيها بنثر “كانت تلك الأيام يا صديقي التي تصورنا أنها لن تنتهي، غنينا ورقصنا على طول المدى وعشنا الحياة التي اخترناها… أو قد تترجم “لوعة” الذكريات بكلمات الشاعر عبدالمحسن الرفاعي وغناء عبدالله الفضالة “أحط خدي على ايدي واحاسب روحي بروحي…”، ثم تتسلسل إلى وعيك التائه عبارات “كراب” في مسرحية “شرائط كراب” لصموئيل بيكت “…الآن اختتم هذا الشريط، ربما تكون أجمل سنوات عمري قد مضت، لكني لا أريدها أن تعود، على الرغم من النار المتأرجحة داخلي الآن، لا أريدها أن تعود” ( ترجمة د. نادية البهناوي).
رأى بيكت عبثية الحياة وأقسم على ألا معناها، وصاغ مع كامو وجان جينيه وغيرهما أدب اللامعقول، وقبلهم كان أبو العلاء المعري في “غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادِ، وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل نادِ”. شبه المعري هو شبهنا حين لا تفترق حالة العزاء عن حالة مباركة زواج، بغير عبارة “عظم الله أجركم” في الأولى، ومبروك في الحالة الثانية مع مصاحبة عشاء دسم يجثم على صدرك في ليل طويل.
جوعى الصومال وإثيوبيا لا يعانون “الملل” الذي نتجرعه هنا في الكويت، فالجائع والفقير فرحتهما في لقمة أكل ترد الروح وليس لقمة بهجة أجهضت من جوف الفراغ. الجوع يقتل الجسد، والفراغ يقتل الروح، وبلدنا من غير روح، ولننته مترنمين مع “كراب”… “النهار ولى، وليل يجر وراءه ليلا” لكن، لحظة، فأنت لست مثل “كراب”، فأنت تشتاق إلى أيام العمر الجميل، وبالتأكيد، تتمني أن تعود وتتوسل للزمن: “ارجع يا زمان”، إلا أن الزمن لن يعود، وسيمضي بلا نهاية، وتتذكر أن عمرك نقطة ضئيلة تبقى في مساحة من غير حدود.
تطعيم الدول
لا يمكن التعلل بالخصوصية أو الحرية الشخصية عند تعلق الأمر بصحة الطفل وسلامته عقليا أو بدنيا، فتعليمه وتطعيمه ضد الأمراض فرض اجباري لا خيار للوالدين فيه. كما منع القانون، في المجتمعات المتقدمة، ضرب الأطفال، كطريقة تربية، وللسلطة حق التدخل لمنع حدوث ذلك، ولو بالقوة، فالطفل في نهاية الأمر مسؤولية الدولة، ويصبح عالة عليها ان لم تهتم برفاهيته وهو صغير، فقد ثبت أن الطفل الذي تساء معاملته جسديا في صغره اكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب المميت في كبره، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول، فلا يعقل أن يتصرف حاكم مع شعبه فتكا وتنكيلا، ويترك لحاله. فهنا يحق لـ «الشرعية الدولية» التدخل لانقاذ هذا الشعب من هذا الدكتاتور او تلك الأسرة، نقول ذلك بصرف النظر عن حقيقة نوايا الدول التي قد تساهم أو تخاطر بالتدخل في الدول الأخرى، فلم يسبق لهذه الشرعية أن فكرت مثلا في التدخل في السويد أو النرويج أو سويسرا، لتخليص شعوبها من بطش حكامهم. وبالتالي على الرئيس أو الحاكم، الذي لا يريد من الآخرين التدخل في شؤونه وشؤون دولته، احترام نفسه والتقيد بالمواثيق الدولية وحقوق مواطنيه الانسانية! وهنا لا يمكن الاعتراض أو الاحتجاج بالقول، ان تدخل الشرعية الدولية في دول مثل ليبيا أو أفغانستان أو العراق والكويت وغيرها، هو تعد على سيادة هذه الدول، ونوع من الاستعمار، فتطور الأحداث استوجب تدخل العالم الحر، لانقاذ المواطن من بطش الدكتاتور، ولا مبرر هنا للتردد في تأييد هذا التدخل بحجة أن جهة متطرفة أخرى ستستولي على الحكم، فهذا مبرر غير مقبول، وما يعطي اي حكومة الحق أو الشرعية في اجبار الاب على تعليم ابنه او تطعيمه ضد الشلل أو الامتناع عن ضربه، هي الشرعية نفسها التي تعطي المجتمع الدولي الحق في التدخل بشؤون الدول الأخرى وتخليص شعوبها من حكامها الفاسدين، سواء تعلق الأمر بحكم في سوريا، ليبيا، مصر أو ايران أو غيرها، فالخيط الذي كان يربط حبات السبحة قد «انفرط» ولن يتوقف تساقطها، الواحدة تلو الأخرى!.
أحمد الصراف