في الطريق إلى العبدلي تطالعك لافتات تبين مدى تحضرنا ورقينا، فقد قامت الدولة، من خلالها برسم خريطة حددت فيها مناطق رعي الماشية وتلك التي يمنع القانون تواجد الماشية فيها. ومن الطبيعي أن تكون مناطق المنع اكثر اخضرارا، ولهذا يتجه الرعاة لها في دولة اللاقانون، تاركين «الحلال»، الذي تحول لعكس ذلك بسبب سوء استخدامه في حلب الدولة، ليسرح فيها! وقد تطور الأمر، مع استمرار السكوت عن مخالفاتهم فأصبح للراعي البنغالي غرفة مكيفة يتنقل معها حيث الكلأ والماء، وهو يعلم أن عددا من نواب المجلس سيقف كالسد الشامخ لحمايته عند الضرورة. ويحدث كل ذلك أمام أعين الدوريات الأمنية وأجهزة رقابة المحميات وبقية الجهات الحكومية من دون ان يحرك احد إصبعا لوقف هذا التعدي الصارخ. وقد يقول قائل: يا أخي أنت تارك سرقات ورشى بالملايين، وقاعد تركز على بضعة رعاة تركوا إبلهم وخرافهم ترعى حشيش الله في أرضه! والحقيقة التي طالما آمن بها كل مصلحي التاريخ، ولست أحدهم، ان مجرم اليوم الكبير هو مجرم الأمس الصغير الذي تساهلت الدولة معه وغضت النظر عن مخالفاته، فهذا الذي ترك ابله تسرح في منطقة محظورة ولم يعاقب سيتجرأ على فعل مخالفة أكبر مستقبلا وهكذا، فنواب رشى ملايي الدنانير اليوم، كانوا هم الذين سكتت الدولة عنهم عندما سرقوا أنصاف الدنانير بالأمس، فهو يبدأ بمخالفات الرعي لينتهي نائبا على الكرسي الأخضر وفي حسابه ملايين الدنانير، مارا مرور غير الكرام بمخالفات الجواخير وبيع العلف المدعوم، وسرقة المعاقين وتزوير عقود الزواج للحصول على المنح وغير ذلك من «توافه الأمور»! وقد قمت شخصيا بسؤال صاحب جمال ترعى في العبدلي عما إذا كان يستفيد ماديا من ابله، فقال ان لا علاقة للأمر بالمال، فهو يقتنيها للتسلية، كما يقتني غيره كلبا أو قطة، وانه لولا الدعم الحكومي لتخلص من إبله! وهنا بدا واضحا، أن حكومتنا هي الوحيدة في العالم التي صرفت وتصرف مئات ملايين الدنانير، في صورة مساعدات ضخمة مخصصة كزرائب مجانية ودعم علف وعمالة، من دون عائد يذكر! وهنا يكمن جمال حضارتنا!.
• • •
• ملاحظة: ورد في النطق السامي الأخير بمناسبة العشر الأواخر: «.. ان الحكمة تقتضي منا ان نراقب ونستوعب ما يدور في عالمنا من متغيرات، ونستشعر مخاطر الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها وآثارها السلبية في اقتصادنا الوطني، وأن نعمل جميعا يدا واحدة لإصلاح الخلل في وضعنا الاقتصادي..»! وبعد هذا النطق بـ 20 يوما فقط أقرت الحكومة حزمة زيادات رواتب ومكافآت سخية لبعض موظفي الدولة. عاشت التنمية، وعاشت الكويت حرة أبية!
أحمد الصراف