إذا لم يكن تحرير الكويت عام 91 سبب انقلاب وحش «القاعدة» على خالقه «فرانكشتين» الأميركي، فقد كان المناسبة كي تعلن القاعدة عداءها لصانعها وحلفائه، وكانت جريمة 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة الدولية والبنتاغون في نيويورك أظهر تجليات العداء، فقد سبق تلك الجريمة البشعة محاولة تفجير مركز التجارة عام 93 والاعتداء على مدمرة سفن أميركية في اليمن «التعيس»، بعدها تمت محاولة تفجير السفارة الأميركية بكينيا.
فقد أسامة بن لادن ما تبقى من عقله حين دخلت القوات الأميركية المملكة العربية السعودية، وتوهم بخبله الأصولي أن أقدام الجنود الأميركان ستدنس أرض الحرمين، وعرض أن يتولى تنظيمه من الأفغان العرب مهمة تحرير الكويت، ويمكننا أن نتصور حدوث التحرير، لكن بعد عشرة آلاف سنة من النضال مع جيوش أم المعارك.
يمكن عد جريمة 11 سبتمبر على أنها أبشع جرائم العصر الحديث حين لم يفرق الإرهابيون في أهدافهم بين المدنيين والعسكريين، فذبحهم كلهم «حلال» حسب الثقافة الدينية التي ترعرع عليها بن لادن ورفاقه، ووجد فيهم الغرب، أيام الحرب الباردة، أعظم أغبياء في التاريخ ليكونوا عونه ضد الملاحدة السوفيات الذين كانوا في أفغانستان بطلب من حكومتها في ذلك الوقت.
لم يكن في بشاعة تلك الجريمة وأكثر منها غير «هولوكوست» (المحرقة) لليهود في ألمانيا في الحرب الكونية الثانية، ثم تشريد الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه من قبل ضحايا الأمس اليهود.
جريمة 11 سبتمبر مهدت الأرض لسيادة اليمين الجديد، فنهض رفاق الراحل «ريغان» مثل بيرل (أمير الظلام) وولفوتز وغيرهما ليعلنوا ما ينبغي أن تكون عليه السياسة الأميركية في تقسيم العالم إما معنا أو ضدنا، وإن ضرورات الحرب على الإرهاب تملي نشر مبادئ الديمقراطية ولو بالقوة، وكان العراق أرض التجربة الخصبة لها كما تصوروا!
ورسخت كونداليزا رايس سياسة التخلص من الأنظمة التسلطية ونشر الديمقراطية بدولنا، فهذا، عندها، أجدى للمصلحة الأميركية، لكن على أرض الواقع ومع ارتفاع تكلفة تلك الحروب الممتدة في أفغانستان والعراق كان لابد، في ما بعد، من «تعديل» إخراج فيلم مذهب «نشر» الديمقراطية والحريات بما يتوافق طبعاً مع المصالح الغربية والأميركية، وهذا حكم السياسة وليس حكم الأخلاق والمبادئ السامية.
ولم يعد ذلك الشعار القائل «طالما ظل أنبوب النفط يضخ فلا شأن لنا مع النظام الحاكم مطلقاً»، وإنما يصبح انتقائياً، فما لا يمكن السكوت عنه في ليبيا، يمكن غض الطرف عنه في أماكن أخرى في دولنا، وتم في ما بعد إدخال تعديلات على فلسفة مثلث الشيطان وأدبيات «لماذا يكرهوننا»، أو «ما على العرب غير لوم أنفسهم» وهو ما كتبه الأميركي اللبناني فؤاد عجمي.
ماذا سيكون عليه الحال بعد اليوم، الذي نشهد فيه ربيع العالم العربي وترافقه أزمة اقتصادية تجتاح أوروبا وأميركا تكاد تنفخ الروح في كارل ماركس، وليست مجرد دعوات لإحياء الكينزية في عدم ترك القطاع الخاص يفعل ما يشاء حين استغل وشوه فكر رب الاقتصاد الكلاسيكي آدم سميث؟
ليست هي تمردات وثورات «كرامة» فقط كما في دولنا العربية، وإنما هي شرارات افتقار الطبقة الوسطى وضريبة غالية تدفعها تلك الطبقة بينما «النخب» المالية تحيا في بحبوحة ورغد العيش! ماذا عنا في دول الخليج وماذا سنفعل غير تكرار عبارات مثل «وين رايحين المعازيب احنا وياهم» و»نحن بخير طالما أسعار ذهبنا الأسود بعافية وألف خير»؟!
11 سبتمبر 2001 قد يكون بداية لانقلاب تاريخي لا نعرف فك رموزه، فلنكن على حذر من الغد القادم، ولنخطط لأسوأ الفروض، فالأمور لا تسير دائما على البركة كما يتوهم الكبار.