كان الله في عون بعض المسؤولين الكويتيين بعد انهمار سيل «ويكيليكس»، من أين خرج هذا الويكيليكس الله يلعن نصه والنص الثاني بعد أسبوع، على رأي ذلك اليمني الغاضب؟
وأجزم أن ما نشر من وثائق إلى الآن لا يعادل ربع جناح بعوضة مما سينشر لاحقاً، وما سينشر لاحقاً لا يعادل ربع جناح بعوضة من كمية الفساد المعروضة في السوق.
على أن أكثر ملف يهمني ويدفعني إلى تفتيش الأوراق ورفع السجاد وسحب الكنب بحثاً عنه هو «ملف الإعلام»، وآه يا ملف الإعلام، كم من إعلامي يشار إليه بالسبابة وبعد نشر الوثائق سيشار إليه بغيرها، وكم من إعلامي يشعر اليوم بالإسهال الشديد، وكم من منظّر سيضيع في الكازوزة، وكم من صحافي سيكنسه التاريخ بمكنسته إلى حيث «الدرامات الصفر»، وكم من صحيفة ترتدي قبعة «غيفارا» فإذا بويكيليكس يُسقط القبعة لنكتشف أنها من «شبيحة الفساد»، وكم من قناة تلفزيونية تدعي الشرف وبينها وبينه «بيدٌ دونها بيدُ» على رأي المتنبي.
وكنت قد كتبت قبل أكثر من سنتين عن الإعلاميين الذين يحظون برعاية بعض مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، إما من أجل مدحها أو على الأقل «كفّ الأذى عنها»، وكنت قد تلقيت اتصالاً (لم أقل من الخطوط الكويتية) من تلك الاتصالات التي تبدأ بجملة «شدعوه بو سلمان ما تمر علينا تشرب فنجان قهوة»، وما أكثر هذه الاتصالات، لكنني من عشاق الكابتشينو مع الأسف الأسيف.
وياااه كم من فنجان قهوة شربه الإعلاميون بالهناء والشفاء، وغالبية الإعلاميين من عشاق القهوة! والقهوة، تلك الفاتنة الشقراء، تستحق العشق، واسمعوا السعودي شاعر الحرب خلف بن هذال وهو يبدأ ملحمته منشداً: «سووا لي الكيف وارهوا لي من الدلة .. البن الأشقر يداوي الراس فنجاله / كيفٍ لنا نحرقه بالنار ونزلّه .. واليا انقطع لو ورى صنعا عنينا له»، فلا تلوموا عشاق الفاتنة يا أولي الألباب.
ودائماً وأبداً يكون مصدر القهوة المؤسسات الحكومية، إما لأن أسعارها «مدعومة» أو لأن غالبية قيادييها تم تعيينهم استناداً إلى مبدأ «هات وخذ» السائد هذه السنوات في الكويت، فتكون النتيجة مسؤولاً يشع هبلاً وغباءً، والهبل قسمة ونصيب.
وعجّل علينا يا ويكيليكس الله يلعن نصك…
قرأت أسماء المحامين المتطوعين للدفاع عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، فلم أجد من بينهم من تبنى قضية تعنى بالحريات في الكويت، ولا رأيت لهم أثراً على أرض الديمقراطية الكويتية ومكتسبات الشعب، ثم استمعت لتصريح رئيسهم فمددت رجليّ ودعوت بالرحمة على أبي حنيفة.
ولو كنت أنا مكان ذوي شهداء الثورة المصرية لحرصت على أن يتولى هؤلاء الدفاع عن مبارك، ويميناً بالله ليحذفنهم (مبارك) بكل ما تقع يده عليه وهو يصرخ في ابنيه: «حوشوا عني الدلوخ دول».
اليوم: 8 سبتمبر، 2011
نحن أكثر صبراً منه
«ديفد بلين» الأميركي لم يكن ساحراً ولا حاوياً، ولم تكن موسوعة ويكيبيديا منصفة معه حين صنفته كحاوٍ عظيم، كان ديفد بلين عملاقاً في ضبط نفسه، جباراً في صبره، زاهداً في حياته، وكان أكثر من ذلك بكثير. قضى ديفد 63 ساعة كاملة واقفاً من دون نوم في ساحة تايمز سكوير يحيط به قالب من الجليد، لم يكن يرتدي ما يقيه من صقيع البرد ولا يمكنه أن يتحرك ولو بمقدار شعرة واحدة في وقفته، وإلّا صعقه الجليد. وفي مخاطرة أخرى، تمدد ديفد بلين أسبوعاً كاملاً في تابوت ودفن تحت الأرض كجثة هامدة من دون حياة، ولم يكن لديه غير الماء ليشرب، وأيضا، وقبل أن أنسى الكثير من حكاياته العجيبة، أمضى ديفد أربعة وأربعين يوماً كاملة مستلقياً على ظهره في قالب زجاجي وتُرك طافياً فوق لجة نهر التيمز وفقد أربعة وخمسين رطلاً، وكان أشد الألم الذي عاناه هو أن يبدأ جسده يأكل من عضلاته كي يبقي على طاقة الحياة، وكتبت عن ذلك الخبر المدهش مجلة «نيوانغلند» للطب، وتلك من أعظم المجلات الطبية في العالم، ومن غير المعقول أن «تفبرك» تحليل الخبر تلك الجريدة العلمية الرصينة، وتبالغ فيه لإثارة شغف القراء مثل بعض جرائدنا المحلية، الله يستر عليهم، ويحميهم من العين.
وضرب ديفد بلين رقماً قياسياً جديداً في البقاء من دون تنفس حين غطس في الماء أمام المشاهدين في برنامج «أوبرا وينفيري» التلفزيوني، ولأنه كان متدرباً على الطفو دون حراك إلّا أنه في ذلك البرنامج وأمام الكاميرات الساطعة كان عليه أن يشد من عضلاته كي يبقى في العمق ويفقد بعضا من تركيزه الذهني، وإثر ذلك كاد يموت حين تزايدت نبضات قلبه، وشعر بألم شديد في صدره، إلّا أنه صبر وطفا قليلاً وسجل رقم سبع عشرة دقيقة من دون تنفس ونجا.
يقول ديفد: إنه لا معنى لحياتي إن لم أحطم قيود الراحة والسكينة، وهذه حياتي منذ أن وعيت على الدنيا، وكأنه يقرر بهذا، حسب رأي الباحث «بويمستر» فلسفة القديس الزاهد سينت سيمون الذي سكن في كوخ ضئيل فوق عمود لعقود طويلة في الصحراء السورية في القرن الخامس بعد الميلاد، وكانت حكمة القديس سيمون تقول إنه كلما تعذب الجسد ازدهرت الروح. لم تكن سورية في تلك الأيام تحت حكم الأسد!
تلك كانت ومضات سريعة سجلتها لكم بترجمتي المتواضعة من كتاب حديث للباحثين روي بوميستر وجون تيرني تحت عنوان «قوة الإرادة: إعادة كشف أعظم قوة للإنسان». الكتاب يحاول أن يعيد تفسير معنى الثبات والصبر والتغلب على المحن النفسية، مثل الإدمان والقلق والوسواس القهري بشتى أشكالها وأنواعها بمنهج علمي دقيق، ولا يهمني في هذا المقال كتاب الباحثين في حد ذاته، فالكتاب ضخم ويضم معلومات مفيدة وقيّمة، ما يثير تساؤلي الآن هو مقدار تحمل وصبر «ديفد بلين» الجسدي والنفسي، فهل تتصورون أن مثل ديفد بلين، وإن كان أسطورة للجلد وتحمل مشاق الأمور، يستطيع أن يعيش في الكويت أسبوعاً واحداً، يقرأ كل يوم أخبارنا المحلية، ويتابع نشاط حكومتنا الثابتة كالجبال ويلاحق تصريحات نوابنا، ويبتهج في ليالينا التي تزينها نجوم الفرح والحرية وتكحل عيونها كل أشكال الفنون والمعارض والمسرحيات الرائعة…؟ أشك في ذلك، فنحن الأساطير الخليجية، روتها للتاريخ حبابة بنت هوميروس!
جمل أبوسته البريطاني
قلة تعرف أن خدمة البريد في بريطانيا هي الأفضل في العالم. فالرسالة التي ترسل في التاسعة صباحا من مكتب في لندن، يصل الرد عليها للمرسل في اليوم نفسه، أو على الأكثر في صباح اليوم التالي!!
في الكويت، يحذر الجميع المتعاملين معهم في الخارج من استخدام خدمة البريد بسبب «سوء سمعتها»، والتي يستفيد منها البريد المستعجل، (الكورير)، ويحدث ذلك في دولة يعمل في جهازها الحكومي 286 ألف موظف واحتياطياتها النقدية تصل الى 200 مليار دولار، وتعتبر رواتب موظفي جهاز البريد فيها، على الأقل، الأعلى في العالم، اضافة الى أن طوبوغرافية الكويت وشوارعها وصغر حجمها تجعلها الأكثر سهولة في التنقل وايصال البريد فيها.
يقول صديقنا القارئ (أبوسته) الكبير، والذي عاصر البريد منذ الخمسينات، أنه يتذكر أن هذه الخدمة كان يديرها موظف من بومبي، من مركز شارع فهد السالم، يساعده اثنان من كيرالا، وكانت طوابع ذلك الوقت تحمل صورة ملكة بريطانيا، مطبوع عليها كلمة «كويت». ومع قلة الموظفين وشبه انعدام وسائل اتصال أخرى، كالفاكس والانترنت، لكن الخدمة كانت ممتازة، والرسائل تصل بانتظام وسرعة، رغم أن الطائرات آنذاك كانت بمراوح «DeHavillande» وليست نفاثة كما هي اليوم. وكانت رحلاتها أسبوعية. واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، والرحلات الجوية اليومية، وتقدم نوعية آلات فرز وتوزيع البريد الكترونيا، واستخدام الترميز في التوزيع والتصنيف والتعريف، «كود»، وبعد ان تم استبدال كومار ومساعديه رامشندراوسوجانا، بعدد مضاعف من العرب، الذين استبدلوا بمئات المواطنين مع مرور الوقت، والذين كلفوا بدورهم البنغالي للقيام بعمله، اصبحت الخدمة، بكل فخر، الأسوأ على الاطلاق، بالرغم، من سهولتها، فهي لا تحتاج الا لضمير في أدائها! ويقول «ابوسته» إن رسالة بريدية مؤرخة في أبريل 2011 وصلته الأسبوع الماضي فقط، أي بعد أربعة أشهر، ولو حملها جمل من بريطانيا لوصلت قبل ذلك!كما وردته دعوة زواج في 2011/8/22 تحمل تاريخ 2011/4/26 لحضور حفل زواج صديق انكليزي في 2011/4/26!! وقال إنه لم يتمكن بالطبع من حضور الزواج أو حتى ارسال تهنئة أو هدية لصديقه، أو مجرد اعتذار، وأنه يحتفظ بنصوص الرسالتين ومظاريفهما!
ومنا الى وزير المواصلات الجديد، ليقوم بشيء فشل جميع من سبقه، منذ التحرير وحتى اليوم، في فعل شيء بخصوصه، ونستثني وزير المواصلات السابق، الصديق سامي النصف، من قائمة الفاشلين، لقصر فترة توليه الوزارة.
أحمد الصراف