احمد الصراف

دموع شيرين* المرة

لم أشعر بالحزن والإحباط منذ فترة طويلة كما شعرت وأنا أقلب صفحات «إيران تستيقظ»، وهي عبارة عن مذكرات الإيرانية شيرين عبادي، المدافعة الصلبة عن حقوق الإنسان في وطنها، والقاضية السابقة والفائزة بجائزة نوبل للسلام لعام 2003، والتي روت فيها نشأتها وتوليها القضاء في عهد الشاه، وكيف وقفت ضده وضد عهده، وساهمت، بشبه وعي ونصف إدراك، في وصول الخميني إلى السلطة، ليقوم بإقصائها من منصبها الرفيع، وهو ما تم تحذيرها من مغبة وقوعه، حيث قالوا لها إن «الإسلام لا يجيز للمرأة تولي القضاء»!
تقول «شيرين» إنها عاشت عام 2000، وبعد عقد من بداية عملها في مجال الدفاع عن ضحايا العنف في محاكم إيران، عشرة أيام هي الأشد هولاً في حياتها المهنية، فأوضاع الأطفال الذين يتعرضون للضرب، والنساء اللواتي يصبحن رهائن نتيجة زيجات مفروضة، واوضاع السجناء السياسيين، كلها وضعتها في احتكاك يومي مع القسوة البشرية، وكيف اضطرت الحكومة، التي يسيطر عليها رجال الدين الملالي، إلى الاعتراف أخيراً بأنها متواطئة جزئياً في مجموعة كبيرة من عمليات القتل المتعمد التي وقعت في أواخر التسعينات وقضت على حياة العشرات من المثقفين، وقد خنق بعضهم بينما كان يعيش في الخارج مهتماً بشؤونه، وكيف قطّع آخرون إرباً إرباً في بيوتهم! وما جرى من عمليات انتحار غامضة في السجن لمتهمين، وكان الكثير منهم، أو أغلبيتهم قد ساهموا في قيام الثورة، وتعذبوا في سجون الشاه! وتقول إنها واجهت كماً من الفتاوى التي أمرت بعمليات القتل، من دون محاكمة، أو حتى سماع وجهة نظر المتهمين، وكيف أن كل ذلك كان يشكل رهانات غاية في الجسامة، فهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها «الجمهورية الإسلامية» بأنها ارتكبت جرائم قتل في حق منتقديها! بينت لي قراءة الكتاب بصورة جلية أن الاهتمام بحقوق الإنسان هو المدخل الأساسي للعدالة، وأن العدالة لا يمكن أن تعمل بصورة جيدة من غير ديموقراطية، وهذه لا يمكن أن تعمل في مناخ ديني، مهما كان صادقاً مع نفسه! ويمكن القول بالتالي إن استقرار المنطقة وازدهارها مرتبطان بتحول كل من العرق وإيران بالذات إلى دولة مدنية ديموقراطية وحرة تهتم في المقام الأول بحقوق الإنسان، داخلها وخارجها، وبرفاهية شعوبها، وبغير ذلك فإن مقطوعات «ثلاثية الفقر والجهل والمرض» ستستمر في عزفها المبكي لعقود طويلة قادمة!
* شيرين تعني بالإيرانية: «حلو»

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

نواب الدائرة الأولى

طوال الأسابيع الماضية والتي كان النظام السوري يمارس خلالها البطش والتنكيل في شعبه الأعزل.. لم نسمع صوتاً لنواب الدائرة الأولى يندد بهذه الجرائم اللا انسانية، بل العكس سمعنا من بعضهم، وبالأخص النائب حسين القلاف، مدحا وثناء للنظام وتحذيرا لوزارة الخارجية من سحب سفيرها من دمشق! بل ان وكيل المراجع ذهب بنفسه للاطمئنان على وضع النظام الطائفي هناك ليعلن من دمشق من دون حياء ولا استحياء أن الأمن مستتب وأن الأوضاع مستقرة!
وعندما زل لسان النائب محمد هايف وطالب بتوجيه سؤال للاستفتاء عن اهدار دم السفير السوري، انتقده الأصدقاء قبل الأعداء.. وتبرأ من تصريحه الصديق قبل العدو.. أقول عندما خرج علينا النائب هايف بهذا التصريح خرج علينا نواب الدائرة الأولى من القمقم وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها انتقادا لتصريح نائب مقهور مما يجري في بلد عربي شقيق!
هؤلاء النواب ثاروا لتصريح طالب بمعرفة فتوى اهدار دم سفير، ولم يحرك مشاعرهم مناظر القتل والبطش اللذين يمارسهما نظام هذا السفير يوميا ضد أبناء شعبه!
انزعج نواب الدائرة الأولى عندما طالب نائب زميل لهم بمعاقبة سوري يمثل النظام، ولم يزعجهم ما يعمله هذا النظام بآلاف السوريين من مجازر يندى له الجبين.
عندي معلومات حصرية ـــ على قول كاتب المعابيج والطرشي ـــ مفادها أن سياسة وزير الخارجية والمنسجمة مع توجهات مجلس التعاون وشعوب الخليج العربي، غير مقبولة عند نواب الدائرة الأولى لأنها تتعارض مع مواقف وسياسات بعض الجيران من الدول الصديقة! لذلك هدد بعض هؤلاء بتقديم استجواب لوزير الخارجية! ويتضح البعد الطائفي في هذه الخطوة، لذلك أدعو نواب كتلة العمل الشعبي أن ينتبهوا الى ظروف الحالة السياسية اذا ما قرروا مساءلة وزير الخارجية من منطلقات تختلف بكل تأكيد عن منطلقات الآخرين.
وقد لاحظت في الآونة الأخيرة تصريحات لبعض هؤلاء النواب يستنكرون حماسنا للشعب السوري ويقارنون ما يحدث له بما حدث للمحتجين في البحرين! وشتان بين هذا وذاك! في البحرين قام المتظاهرون بدهس الشرطة وقتلهم والاستيلاء على المستشفى وعملوا فيه الهوايل، بينما في سوريا الشعب أعزل وتحركاته سلمية والنظام هو الذي يبطش ويقتل ويدهس ويعمل كل الجرائم!
الخلاصة.. مما يجري على الساحة يتضح لنا في الكويت أهمية تلاحمنا أكثر وأكثر في منظومة مجلس التعاون والقفز الى المرحلة التالية.. الكونفدرالية الخليجية.. اذا أردنا أن نحفظ أمننا من العدوان الخارجي ومن الطابور الخامس الداخلي! حفظ الله شعبها من كل مكروه.

حسن العيسى

قف عند حدك يا حضرة النائب

واجب النائب أن يمثل الأمة ويدافع عن مصالحها وليس له أن يطالب بإصدار فتاوى حل دماء الغير، هذا الخطاب للنائب محمد هايف الذي طالب بهوج وطيش دينيين «العلماء» بحل دماء السفير السوري في الكويت! من تحسب نفسك يا حضرة النائب حتى تطرح مثل هذه المطالبة الرعناء؟ فلا أنت ولا «علماؤك» لا من سلطانهم ولا من حقهم حل دماء البشر سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فهل طرحت الآن جلباب ممثل الأمة جانباً ولبست عمامة الراحل آية الخميني، وتوهمت أن السفير السوري هو الكاتب الإنكليزي سلمان رشدي! هل اختلطت عليك الأمور وتخيلت أننا في مكان غابر في الصومال الجائع أو في قرية منسية من قرى باكستان تأتمر بأمة سفك الدماء الطالبانيين؟ نحن هنا في دولة يحكمها الدستور والقوانين الوضعية، وليس من حق أحد أن يغتصب ذلك السلطان القانوني ويمسخه لمصلحة رغبات وهوى المتطرفين الدينيين، والدولة تحكمها مبادئ القانون الدولي في علاقتها مع غيرها من الدول الأخرى ولا تسيرها تطلعات هذا أو ذاك النائب في برلمانها. وإذا كان حضرة النائب محمد هايف يريد الثأر لدماء المدنيين في القطر السوري والضغط على نظامه الحاكم فليست الوسيلة المناسبة هي التحريض على قتل ممثلي الدول الأجنبية وحل دمائهم وكأنهم أغنام أعدت للذبح وفق الشرع الديني.
الاعتصامات الشعبية والمسيرات الرافضة لنهج النظام السوري في تعامله مع مواطنيه هي مسألة مشروعة كأبسط تعبير عن التضامن مع الشعب السوري في خلافه ومطالبته بالحرية في سورية، وغير ذلك فنحن كمواطنين لا نملك أي أمر آخر نحو استعداء ذلك البلد أو أي بلد آخر تحكمنا معه أعراف ومبادئ القانون الدولي في احترام سيادة الدول. هنا لابد من كلمة بحق تجمع حدس السياسي كتنظيم للإخوان المسلمين في الكويت، فقد كان بيان التحالف الوطني في رفض دعوة النائب محمد هايف الدموية مسألة مفروغاً منها، إلا أن رفض كتلة حدس مطالبة النائب محمد هايف يجب أن تحسب لها حين احتكمت إلى العقل وحكم القانون، فشكراً لها.

احمد الصراف

نظرة خارجية إلى لبنان

عرفت لبنان في سن مبكرة، ورأيت دماء سياسييه ومفكريه تسال في حروب عبثية، ففي 1958 اغتيل الصحافي نسيب المتني، وتبعه، وربما انتقاما لمقتل الأول، النائب والوزير نعيم مغبغب! وتعودت من يومها على رؤية منظر الجنود المدججين بكامل أسلحتهم في شوارعه.
طبيعة لبنان الجميلة وغرابة تاريخه دفعتاني مبكرا الى التعلق به ومحاولة التعرف عليه، وبالتالي زيارة مناطقه، المتفردة بأسمائها، وقادتني الظروف الى قرى واحياء لا تعرف الدولة، ولا تعرفها الدولة، حتى يومنا هذا، فهي من دون كهرباء، ولا طرق، ولا أمن، ولا ماء، حتى الإرسال الإذاعي لا يصلها، والنقال يخرس فيها، بالرغم من ان مساحة لبنان لا تزيد كثيرا على نصف مساحة الكويت.
جولاتي تلك بينت لي أمرا غريبا يتعلق بتاريخ لبنان ودياناته وطوائفه وأعراقه، فقلة من اللبنانيين يعرفون تاريخ وطنهم، أو حتى يكترثون لمعرفته، فالمصادر الرسمية ومناهج المدارس شحيحة بمثل هذه المواد، فلا أحد تقريبا يعرف لم يسمى الدروز بـ«بني معروف»، أو يلقب الشيعة بأبناء جبل عامل أو بالمتاولة، أو المتوالين، ولمن؟ أو من أين جاء الموارنة، ولم اختاروا، مع آخرين، لبنان وطنا وقمم الجبال الوعرة مسكنا، حيث لا طعام ولا شراب؟ كما لا احد تقريبا يعلم لماذا تتعدد الديانات والطوائف ضمن ابناء الأسرة الواحدة؟ ولماذا هناك زعامات وأمراء سنة ودروز غيروا مذاهبهم ودياناتهم؟ وما هي حقيقة تاريخ الشيعة في لبنان؟ ولماذا كانوا مصدر الهام لصفوي ايران؟ ومن هو يوسف بك كرم؟ ولماذا كان أهالي «دوما» روما، وهي التي تقع في بحر ماروني؟ ومتى جاءت أولى موجات الأرمن والأكراد إلى لبنان؟ وما هي حقيقة الأحباش؟ أو من يعرف شيئا عن «عرب بني خالد»؟ ولماذا هناك مثلا قرى شيعية ضمن بحر مسيحي وعكس ذلك في الجانب الآخر؟
وما هي حقيقة حروب ابراهيم باشا؟ ودور الأتراك في تهجير الشيعة والمسيحيين وتقريبهم للسنة وتقريب الفرنسيين للموارنة على حساب غيرهم؟ ومئات الأسئلة الأخرى التي لا أحد يمتلك اجابات عليها، مما يعني ان هناك اتفاقا ضمنيا على ابقاء الكثير من أحداث التاريخ، خصوصا ما تعلق منها بالصراعات الطائفية والحروب الأهلية، طي الكتمان، وتجنب تدريسها في المدارس الحكومية، اما لحساسيتها، أو لعدم الاتفاق على تفاصيلها، فكيف يمكن كتابة تاريخ بلد بكل هذا التعدد الطائفي، والتعقيد الديني من دون الإساءة إلى طرف على حساب آخر؟ وعلى من يرغب في معرفة المزيد عن أي طائفة أو ديانة اللجوء إلى المكتبات. وقد ساهم هذا التجهيل الرسمي المتعمد، بالرغم من منطقيته، في إضعاف الشعور الوطني بين اللبنانيين الذين لم يشتهر عنهم وقوفهم، ولو لمرة واحدة، متحدين ازاء عدو أو قضية واحدة، فواقعيتهم، وليس وطنيتهم، هي التي أبقتهم في وطن واحد. وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

نظارتي ورؤى الدولة

قرأت قبل فترة بعض التعليقات الإيجابية على كتاب «صياغة رؤى وقيم الدول»، للأستاذ حسن غلوم عبدالله، وبعد الحصول على نسخة منه وتصفحه تمنيت أن يعود بي العمر لأستفيد ولو بنسبة %5 مما فيه من معلومات وإرشادات.
في البداية، شعرت وأنا أقلب صفحات الكتاب بعجالة، بأنني أقرأ كتيبا عن كيفية تشغيل السيارة! ولكن بعد التمعن أكبر وتغطية المقدمة والجزء الأول وبضعة فصول إضافية اكتشفت كم نحن في الكويت، كسلطة وحكومة ومشرعين ومخططين ومعلمين، وحتى كشركات وأفراد، بحاجة ليس لقراءة وفهم مضمون هذا الكتاب القيم، الذي قد لا يستسيغ موضوعه الكثيرون، بل فقط الاكتفاء بقراءة مقدمته وعناوين أجزائه والتمعن قليلا في فهرسه، لنعرف سبب كل المشاكل الإدارية والمصائب السياسية التي مرت بها الكويت في الخمسين سنة الأخيرة، ولا تزال.
في عام 1970 كنت أشكو، بعد اي قراءة مطولة، من صداع شديد، ولم أعرف السبب إلى أن نصحني صديق بفحص نظري، وبالفعل تبين أنني بحاجة لنظارة، وعندما وضعتها على عيني لأول مرة اكتشفت أنني لم أكن أميز بوضوح كاف اشياء كثيرة، وخاصة في فترة المساء أو عند مشاهدة التلفزيون او السينما. وقد انتابني الشعور نفسه وأنا أقرأ كتاب الأستاذ حسن عبدالله، فكأنني وضعت نظارة أزالت غشاوة عن عيني، فبالرغم من معرفتي افتقاد حكوماتنا، منذ ما بعد التحرير على الأقل، لأي رؤية استراتيجية، فإن التفاصيل، وهي الأكثر أهمية، كانت غائبة عني، ربما لاعتقادي بأنني كفرد، لست بحاجة لوضع استراتيجية لحياتي! ولو كنت وزيرا للتربية، وبالذات للتعليم العالي، لما ترددت في طلب دراسة فكرة تضمين هذا الكتاب او فصول منه على الأقل ضمن مناهج السنوات القادمة، في الجامعة والمعاهد التطبيقية وما دونها، وأعتقد أن حتى طالب الطب بحاجة للاطلاع على هذا الكتاب. كما أن من السهل توقع فشل خطة التنمية العملاقة، وهذا ما لا نتمناه، إن لم تكن لدى الجهات المناط بها تنفيذ الخطة والإشراف عليها، فكرة، ولو سريعة، عن مضامين هذا الكتاب القيم، ولو من مصادر أخرى. ولو كنت مكان السيد عبدالوهاب الهارون، وزير التخطيط والتنمية، لما ترددت في شراء مئات النسخ من هذا الكتاب القيم وتوزيعها على جهازي التخطيط والتنمية للاستفادة من معلومات المؤلف الدسمة، التي لا غنى عنها لأي مسؤول، مهما كبرت أو تواضعت مسؤولياته.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

سفك دم.. أم طرد سفير؟!

سعدت بحضور التجمع الذي عُقد في ساحة الإرادة يوم الجمعة، والمطالب بطرد سفير النظام السوري في الكويت، وسبب سعادتي أنني وجدت الشعب الكويتي بمعظم أطيافه – باستثناء طيف وكيل المراجع – يشارك في هذا المهرجان الخطابي، الذي عبّر بكل وضوح عن مشاعر أهل الكويت تجاه ما يجري من مذابح ضد أبناء الشعب السوري على يد جلاد حزب البعث بشار أسد!
كان من الضروري أن يرتفع صوت أهل الكويت بعد أن خفت صوت الكويت الدولة والحكومة مراعاة لخواطر الجيران في طهران وقم وبغداد!
كان من الضروري ان يعرف العالم أن شعب الكويت شعب عربيّ أبيّ لا يرضى بالظلم ولا بالقهر ولا بالكبت حتى وان اضطر الى أن يحرج حكومته في هذا الموقف الوطني القومي الإسلامي الإنساني!
كان من الضروري ان تعلم الحكومة أن مراعاتها لنظام متهالك ساقط إنسانيا ليس لها ما يبررها بعد اليوم، وأول ما على الحكومة ان تعمله هو استدعاء سفيرها في دمشق كنوع من التعبير عن الاستياء وكشكل من أشكال الضغط السياس على النظام الدموي، أما طرد السفير البعثي من الكويت فيكفي أن يعرف النظام أن الشعب لا يرحب به، وأنه قد حان الوقت لمغادرته الكويت. البلد الذي يرفض الظلم بكل أشكاله!
لقد ثار بعضنا على الظلم الذي وقع على فئة من «البدون»، الذين حرموا من حق المواطنة، فكيف لا نثور ونحن نشاهد اخواننا العرب والمسلمين يذبّحون ذبح النعاج كل يوم وكل ليلة؟! ومع الأسف، ما زال بعضنا يشعر بأن ما يجري هناك في بلاد الشام لا يعنينا هنا في الكويت! وأذكره بأننا عندما كنا تحت الاحتلال العراقي البعثي كنا نطالب كل دول العالم بالاهتمام بقضيتنا والمشاركة في رفع الظلم عنا!
أعتقد أن استدعاء سفيرنا في دمشق هو أمر مستحق اليوم، ناهيك عن طرد سفيرهم هنا.
* * *
يعذرني أخي النائب محمد هايف ان اقول له إن سؤالك عن شرعية إباحة دم السفير السوري لم يكن موقفا موفّقا، فمهما اختلفنا مع النظام السوري ومهما كان السفير ممثلا للنظام، فان سفك دمه أمر لا محل له في هذا السياق، وسيتم استغلاله للفت النظر عن مذابح النظام وهذا ما حصل مع سماحته وتابعيه.

احمد الصراف

لبنان الغريب الذي نحب

يعتبر غالبية اللبنانيين الطائفية سبب كل شرورهم! ولكن بالتمعن قليلا في الوضع اللبناني نجد أن الطائفية لم تكن دائما وبالا عليها، وبالتالي يجب قبولها والتعايش معها، كشر أو خير لا بد منه، فلا فكاك منها لا حاليا ولا مستقبلا، طالما بقيت دولنا على جهلها العقائدي. فالطائفية في لبنان كانت، وستبقى، المصدر الأكبر للدخل غير المنظور، وما أكثر تنوع دخل لبنان غير المنظور!
ينفرد لبنان بضعفه العسكري وفقر موارده الاستراتيجية والغذائية، وهذا ما يجعله، أو يجعل بعض مكوناته، بحاجة دائمة لمن يهتم بأمره ويوفر له الحماية العاطفية والأمنية!
تعدد طوائف لبنان، وهشاشة وضعه الأمني وجماله الأدبي والصحي والغذائي.. والبشري الأخاذ، أوقع الكثير من الدول، أو رؤسائها، في هواه، إما محبة خالصة أو عشقا، أو لسبب ديني أو مذهبي أو عقائدي سياسي، أو غالبا لاستخدامه كساحة لتسوية الحسابات، كما فعلت مصر عبدالناصر والسراج، واكثر منها إيران، هذا غير شبكات تجسس الدول الكبرى واعتداءات وتدخلات إسرائيل وغيرها!
وفي الماضي البعيد وقع الدروز في هوى لبنان، فهاجروا إليها من مصر ومن الشام، وكذلك فعل الموارنة وغيرهم، وكان لمحمد علي باشا، والي مصر، تعلق بها، حيث أرسل ابنه إبراهيم ليعيث فيها ما شاء من فساد، ثم جاء العثمانيون الأتراك، ففتكوا بمن بغضوا، وأعلوا شأن من أحبوا، ومن بعدهم جاء الفرنسيون، وعندما أجلتهم بريطانيا من سوريا تشبثوا بلبنان وموارنته، وفصلوا دستوره على قياسهم إلى أن نافسهم الإنكليز في «الهيام» بلبنان لفترة قبل أن يأتي الأميركان، وكان يا ما كان! وكان لروسيا ولع ما بأحوال لبنان وطوائفه، وكذلك فعلت الدول العربية النفطية وسبقتهما مصر، أما سوريا فلم تتوقف يوما عن دس أنفها، ومن بعد ذلك كامل جسدها، في الشأن اللبناني الكثير الإغراء والمطواع لكل غريب يحمل صرة تحت إبطه. وهكذا نجد أن البعد أو التعدد الطائفي، بمثل ما كان يمثل وبالا على لبنان، فإنه كان ولا يزال مصدر خير ونعمة عليه بسبب تعدد المهتمين والمتعلقين والهائمين به وبأرضه وشعبه المضياف والكريم.. في كل شيء. هكذا لبنان، وهكذا سيبقى وهكذا نحبه!

أحمد الصراف

حسن العيسى

لماذا حسني مبارك فقط؟

هو حكم العدل أن يقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك أمام «محكمة قانون»، ويحاكم حضورياً لا غيابياً مثل زين العابدين بن علي – وعساها أن تكون محكمة قانون إن شاء الله، لا محكمة شعب تحل فيها مشاعر الغضب والثأر الجماهيريين مكان النص القانوني، هي سابقة تعد الأولى أن يحاكم رئيس عربي في محكمة تتم تحت ظلال حكم مصري وطني، لا تحت حراسة ورقابة قوات احتلال أجنبية مثلما حدث مع صدام حسين.
نتمنى أن تنتهي المحكمة الخاصة بالرئيس حسني مبارك ونجليه ومن سار معهم على دروب الفساد وسرقة قوت الشعب بحكم العدل، والعدل هنا هو الإنصاف، هو إنصاف حين يتساوى تحت حكم القانون الكبير مع الصغير والوضيع، فلا فرق بين من قتل بدافع سرقة مال خاص ومَن قتل الأبرياء كي ينهب المال العام، ويدوم سلطان حكمه إلى يوم غير معلوم.
 لنقف هنا متسائلين… إذا كان هذا هو حكم العدل للمصريين أولاً وأخيراً، فلنتحفظ بعض الشيء بشأن ما إذا كانت المحاكمة عادلة، بمعنى أنه لم يقدم حسني مبارك ومن معه إلى المقصلة قرباناً للثورة وتمويهاً لحقيقة أن النظام في واقع أمره لم يتغير، فتمت التضحية ببعض الرؤوس الكبيرة والصغيرة لتبقى مرتفعة عالياً رؤوس أخرى بعيدة عن الشبهات، كأنها حركات حاوٍ يشغلنا بيده اليمنى كي نسهو عما تهبشه يده اليسرى! تلك كانت مسألة أولى في الإنصاف. المسألة الثانية: أين هو الإنصاف «العربي» الآن، وليس الإنصاف المصري؟ فأين المساواة تحت حكم العدالة العربية، إن كان هناك ما يسمى عدالة أو «ربما» خرافة عربية! لماذا الرئيس المصري تحديداً؟ هل كان وحيداً في دنيا الاستبداد والفساد واستغلال النفوذ العربي؟! أم أن له أشقاء في القيادات العربية مازالوا يجثمون كالبعير على صدور شعوبهم؟ فلماذا يحاكم حسني مبارك (وفق منهج الإنصاف العروبي) ويترك غيره؟ فهناك قيادات عربية يظهر معها حسني مبارك نسبياً أشبه بالمهاتما غاندي في تسامحه وعفوه، وهناك من أشقائه في القيادات العربية من يبدو الرئيس مبارك معهم كأنه احتذى في حكمه بالخليفة عمر بن الخطاب في أمانته وعدله، فلماذا فقط زج بحسني مبارك في قفص الاتهام وتركت بقية الشعوب العربية وشأنها مع نماذج كصدام حسين ومن هم على شاكلته؟!
بودي أن أذكر بقية كل أسماء الدول العربية وقياداتها الصدامية… لكن قانون المطبوعات والنشر الكويتي يحظر ذلك… وهذا الأخير من بركات «أشقائنا»العرب!

احمد الصراف

ثلاثية لبنان

يتميز الشعب اللبناني بفرديته، وعدم ميله لأي عمل جماعي، وهذا، ربما، ما جعله ينجح خارج بلاده، حيث هو مقابل الآخرين، أكبر من نجاحه داخل وطنه.
وكان قدر لبنان أن يتخصص أهله منذ عقود طويلة في بيع الآخرين كل ما لا يفتقدوه في أوطانهم، وخاصة العرب. فقد برع اللبناني في تسويق ثلاثة أمور اساسية، إضافة لأخرى لا تقل أهمية، وهذه الثلاثة هي الهواء، أو الطقس المعتدل، الذي يتمثل في الموسم السياحي صيفا وشتاء، بعد ان اصبح الوصول للمشاتي الأوروبية أكثر صعوبة وتكلفة، وما يتبع ذلك من صناعة فندقية مميزة، ولو أنها لا تزال فقيرة في كمها، إضافة للطعام، الذي اشتهر اللبناني، فردا ومؤسسة غذائية، بالكرم في تقديمه، مع الجودة والتنوع. ويمكن القول أن لا دولة في الشرق الأوسط تجاري لبنان في براعة الخدمة «الغذائية» وفي ما يتوفر من أنشطة ثقافية وأدبية وترفيهية متعددة. وهناك التعليم، حيث بإمكان لبنان، كما كان دأبه في الستينات والسبعينات، تقديم أعلى مستوياته وبكل المجالات وبثلاث لغات، العربية والإنكليزية والفرنسية، وهذا ما لا توفره اية دولة في المنطقة، إن لم يكن في العالم. ثم أخيرا هناك الخدمة الطبية، فلا يزال لبنان، بالرغم من كل ما لحق به من دمار خلال سنوات حربه الأهلية، الأخيرة، المكان الأكثر تميزا، عربيا على الأقل، في تقديم هذه الخدمة المتقدمة، ولا تجاريها في المنطقة وتتفوق عليها «طبيا» غير «إسرائيل» التي تقارب نسبة أطبائها 4 لكل ألف مواطن، في الوقت الذي لا تزيد فيه على 3 وربع في لبنان، ومع هذا يتفوق لبنان على دول أوربية غربية عديدة مثل إسبانيا ومالطا والنرويج في عدد الأطباء فقط.
الغريب أن كوبا، التي يتعالج فيها رئيس فنزويلا شافيز من إصابته بمرض سرطان التشبث بــ «السلطة»، تتصدر قائمة الدول في عدد اطبائها، حيث تبلغ النسبة 6 أطباء لكل الف تقريبا! أما الكويت، يا حبة عيني، فلا يزيد العدد على طبيب ونصف طبيب لكل ألف، تسبقها الإمارات والأردن وحتى رومانيا، ولكنها تسبق كل الدول الأفريقية!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

العاصفة الجديدة

يسير العمل قدماً في مشروع بناء ميناء كويتي ضخم على جزيرة بوبيان، المتاخمة للممرات البحرية العراقية، بالرغم من كل صيحات الاحتجاج الصادرة من أطراف داخل الحكومة والبرلمان العراقيين وخارجهما، والتي تدعي أن إقامة الميناء ستخنق العراق من ناحية عدم قدرته على استخدام ممراته للخليج! وتقول الكويت ان هذا المشروع، الذي سيكلف مليارات الدولارات، بدأ التفكير فيه والتحضير له وترسية أعماله قبل أكثر من عقد، ولم يُسْمَع خلاله صوت جدي واحد يعارض إقامته، علما بأنه سيخدم مصالح العراق وينشّط تجارته البحرية، لأنه سيمكن سفناً أكبر بكثير من عبور الممرات في طريقها لموانئه.
وبالرغم من مشروعية الشكوك العراقية التي تحتاج إلى توضيح من الكويت، وهذه يمكن ان تحل من خلال لجنة خبراء خارجية محايدة، فلا يمكن أن يكون الطرفان على حق، وكلما تأخر تشكيل هذه اللجنة زاد خلاف الطرفين، وزاد استغلال الجهات «الاثمة» له، وبالتالي تبرير ارتكاب حماقة أخرى، وهذه كسابقاتها لن تكون في مصلحة أحد، وبالذات الجانب العراقي الذي يئن تحت ضغوط هائلة ويواجه مشاكل لا حصر لها، إضافة إلى ما تعانيه الإدارة الحكومية العراقية من تدخل خارجي متعدد في شؤونها، وهذا ربما يجعلها مخلبا لتحقيق خطط ملالي طهران، كما كان الأمر مع حزب الله اللبناني، الذي استخدم كثيرا، خصوصا في بداية الثمانينات لتحقيق خطط طهران وغاياتها مع خصومها الكبار، ومن هذا المنظار يمكن تفسير تصريح وزير النقل العراقي الذي قال ان بناء الميناء يعني خنق العراق ويخالف قرارات الأمم المتحدة(!!) علما بان العراق يسعى منذ فترة لإقامة ميناء «الفاو» الكبير في الجانب المقابل للميناء الكويتي، ولم يعترض أحد على إقامته كونه حقاً من حقوقه السيادية.
يقال، ولا اعرف دقة ذلك، إن كل طرف يزمع لربط مينائه بخطوط سكك حديدية إلى الغرب واوروبا، وذلك في مسعى للاستغناء عن قناة السويس.
ولو تركنا جانبا ما يقال من أن اعتراض البعض على أن إقامة الميناء ستضر العراق، فإن من الواضح أن هذه الاعتراضات سياسية وليست عملية، وهي بالتالي نتيجة لما عشش ويعشش في صدور البعض من بغض لمواقف الكويت، فطرف يكرهها لدورها في إطالة عمر صدام اثناء الحرب العراقية ـــ الإيرانية، وطرف آخر يبغضها لدورها في الإطاحة بصدام في حرب أميركا والعراق!! وما يزيد الأمور تعقيدا ما يكتب في الصحافة الكويتية وما يصرح به بعض أعضاء البرلمان الكويتي، والتي تفتقد في مجملها الذوق والمصداقية والتكسب الانتخابي والتلاعب بعواطف العامة، وخاصة تلك التي طالبت بطرد السفير بحر العلوم الذي له دور مشرف وكبير في تمتين العلاقات بين البلدين.
إن المسألة حساسة وحقوق الكويت واضحة والأمر يتطلب أقصى درجات الحنكة السياسية، فهل نجدها لدى مسؤولينا؟

***
• ملاحظة: لقد دخلنا عالم التويتر الرحب، نكتب ذلك للتأكيد فقط، واسم الحساب هو: habibienta1

أحمد الصراف