هم فقط أرادوا أن يجيبوا عن سؤاله المنطقي «من أنتم؟» لذا جاءوا وتكبدوا وعثاء السفر وكآبة المنظر حاملين بطاقاتهم الشخصية الملأى بالذخائر على أكتافهم وأرواحهم على أكفهم، لكنهم لم يجدوه.
وتحررت ليبيا، يا الله يا الله، وصرّحت بريطانيا، وعلقت أميركا، وأصدرت فرنسا بياناً، وتكلم حلف الناتو، ونطقت الشعب المرجانية في قيعان المحيطات، وتحدثت قبائل النمل في جحورها، ووو، إلا العربان الغربان لم يعلقوا، ليش؟ لأن سقوط شيطان طرابلس كان فجراً، والغربان تنام مبكراً.
واليوم بعد تحرر تونس ثم مصر ثم ليبيا، وقريباً سورية واليمن، يبرز السؤال الأكبر: متى تتحرر جامعة الدول العربية من محتليها الحاليين بمن فيهم أمينها المصري الجديد الذي لا يتابع الفضائيات ولا الصحف ربما… متى تتحرر الجامعة ويرقص الثوار في ساحاتها؟ متى تهب عليها نسائم الربيع العربي؟
في علوم كرة القدم تسيطر مدرستان تدريبيتان، برازيلية وإنكليزية، الأولى تعتمد على التقدم بالكرة عبر تناقلها في مسافات قصيرة، والمدرسة الثانية تعتمد على نقل الكرة من المرمى إلى المرمى الآخر بأقل عدد من الركلات، من لاعب الدفاع إلى الهجوم مباشرة بركلة طويلة… فإذا اعتبرنا الجامعة العربية هي مرمى الخصم، فإن ما يحدث الآن في الربيع العربي هو تطبيق للخطة البرازيلية، عبر نقل الثورة من دولة إلى دولة، وأظن أن وقت اللعب بالخطة الإنكليزية قد حان، وأرى أن تحتشد مئات الألوف من الثوار العرب في القاهرة لتحرير الجامعة العربية وطرد قيادييها الحاليين، لتحل محلها جامعة أخرى تحمل اسماً آخر ومفهوماً آخر هي «جامعة الشعوب العربية».
وقتذاك ستحصل جامعتنا على تفويض من الشعوب العربية مباشرة، وسنقطع الحبل الذي يربط الحكام ووزراء خارجياتهم وحكوماتهم بها.
وقتذاك، فقط وقتذاك، سنجد أن جامعتنا هي أول من يعلق على الأحداث، بل هي من يرسم الأحداث، فتشكِّل «لجنة حقوق الإنسان العربي»، وتفتح ملف الحريات، ثم تخطو خطوة إلى الأمام فتنشئ محكمة لمجرمي الحرب وسفاحي وزارات الداخلية والمخابرات على غرار «محكمة لاهاي» وليكن اسمها «محكمة الدقي» مثلاً أو «محكمة العجوزة»، بحسب موقعها.
ويستيقظ الحكام العرب من نومهم فإذا بأوامر جامعة الشعوب العربية تصل إليهم عبر الفاكس: «اسمعني أنت وياه… من اليوم ورايح يجب أن تتوقف كذبة مجلس الشورى مرة وإلى الأبد، وبلاش برلمانات زفة العروس، وبلاش الدساتير الصورية، أو المفرغة من محتواها، والانتخابات البرلمانية ستتم تحت مراقبتنا، وقسماً عظماً إذا رأيت تلاعباً أو بربسة لأفعلن وأفعلن»… على أن تُختَم الرسالة بسؤال واحد موجز في كلمة واحدة: «مفهوم؟»، فأقسم أنا أن يصل جواب الحاكم قبل أن يرتد إليك طرفك: «مفهوم».
هل أنا أحلم؟ إذا كان الجواب نعم فبالله عليكم قولوا لي ماذا تسمون مَن حلمَ قبل سنة بما حدث ويحدث في هذا الربيع الزاخر الفاخر؟
اليوم: 23 أغسطس، 2011
معذرة يا صديقي
أخبرني صديق أن مجلس الأمة سبق أن اصدر قبل ثلاث سنوات تقريبا قانونا فرض فيه رسم 10 دنانير على كل م2 من الأراضي الفضاء التي تزيد مساحتها على 5000م2، والتي تكون بحوزة فرد أو شركة. كما فرض رسما مماثلا على الشركات التي لديها ملكيات عقارية في السكن الخاص، وذلك لدفع هؤلاء جميعا للتخلص مما بحوزتهم، وأن هذا سيخفض أسعار بيوت السكن.
بعد انتهاء المهلة القانونية قام التسجيل العقاري برفض ايجار اي عملية بيع او شراء عقارية لمن ينطبق عليه القانون، من أفراد وشركات، قبل احضار شهادة براءة ذمة من المالية تفيد دفع الرسوم، وعند قيام هؤلاء بمراجعة للمالية، وجدوا الرفض منها بسبب عدم توافر آلية لتحصيل الرسوم! فاسقط بيد هؤلاء وتوقفت معاملاتهم!
قمت، فور سماعي بذلك، بالاتصال بوزير المالية السيد مصطفى الشمالي، على هاتفه النقال، فلم يرد. اتصلت بمكتبه 3 مرات على مدى يومين، فلم يرد. تركت له رسائل نصية على هاتفه، فلم يرد. اعدت الاتصال به بعدها، فلم يرد!!
وهنا اتضح حجم الورطة التي وضع صديقي «عبدالوهاب الهارون»، وزير التخطيط والتنمية، نفسه فيها. فكيف يمكن تنفيذ خطة تنمية عملاقة ووزير المالية، على سبيل المثال فقط، لا آلية لديه لتطبيق قانون صدر قبل 3 سنوات؟ وكيف لحكومة أن تنجح في تنفيذ خطة مليارية وبها مثل هؤلاء الوزراء الفاشلين؟ وهل يصدق عاقل أن هذه الإدارة الهرمة، التي يناكف وزراؤها بعضهم بعضا، ولا يتواصلون مع غيرهم، ولا يتقابلون بغالبيتهم مع بعضهم إلا في مجلس الوزراء، يمكن أن ينجحوا في القيام بنقلة نوعية كهذه، ويحققوا احلام الشعب وآمال أميره؟ وكيف يعقل ان المسؤول الأول عن الصرف على الخطة لا يود أو لا يعرف كيف يطبق القانون؟ ولا كيف يوجد آلية لتحصيل الرسوم، في الوقت الذي طالب فيه الخبراء الحكومة بزيادة دخلها من غير الموارد النفطية؟ وكيف سيكون لهذه الجهة الصرف على خطة بالمليارات، وهي تخاف من أن تطبيق قانون الرسوم سيضر بالبعض أو يكدر خاطرهم؟
أتمنى أن يكون تشاؤمي في غير محله، وأن اكون على خطأ، حينها سأجني الخير الكثير.
أحمد الصراف