أعلن 36 نائبا في البرلمان العراقي قبل فترة عن تأييدهم لحملة وطنية تهدف إلى فصل الدين عن السياسة. وبالرغم من اتساع التأييد للحملة بسبب ما ستؤدي إليه من خلق عراق متحضر وديموقراطي، وهو حلم يراود مخيلة الكثيرين، إلا أن القيادات الدينية المسيطرة بقوة على عقول غالبية العامة وأفئدتهم لا يمكن أن تسمح بحدوث ذلك، فتأثير مثل هذا الفصل على سلطاتهم ونفوذهم سيكون قاتلا، وبالتالي لم يكن مستغربا قلة تعاطفهم مع هذا الاتجاه، الذي شارك فيه مسؤولون ومهنيون ومثقفون وكتاب وشيوخ عشائر. والحقيقة أن من الصعب تخيل وجود حل للكثير من مشاكلنا المستعصية بغير فصل الدين عن السياسة، ولكن ما الذي سيحدث لمكانة وسطوة وسيطرة مراكز الفتوى والحل والربط الدينية التي تستمد سلطتها وتترسخ مكانتها في بقاء الأوضاع على ما هي عليه، فقوتها تكمن في ذلك وفي التحذير المستمر من خطر الآخر، حتى لو كان ابن الوطن نفسه، وهم فوق هذا وذلك بحاجة إلى أموال أتباعهم وزكواتهم وأخماسهم وأسداسهم لتعينهم على استمرار التفريق.
إن مقترح الفصل هذا لا يمثل الحل الوحيد أمام دولة كالعراق، بل هو ما يجب أن تعمل كل دولة عربية، ومسلمة بالذات للوصول إليه. فقد عانت دولنا، طوال قرون، من التشابك الحاصل بين المؤسسة الدينية «الروحية»، والمؤسسة السياسية «الدنيوية»، وهذا ما ادركه الغرب قبل اكثر من قرنين وسعى إلى تلافيه، وكانت تلك بداية تقدمه وازدهاره.
إن رفض مبدأ فصل الدين عن السياسة يعني رفض الآخر كمواطن، ولو فرضنا اتفاق مسلمي العراق على التخلص من مسيحييه وصابئته وشبكه وغيرهم، وتحقق لهم ذلك لداروا بعدها على الأكراد وقضوا عليهم، ومن بعد سيدورون على بعضهم البعض، ويتقاتلون حتى تنتصر «الفرقة الناجية»!! ولكن عندها سيكتشف هؤلاء أن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف فقط، بعد أن أنهى التقاتل بينهم حياة الملايين منهم!
أحمد الصراف