لم أشعر بالحزن والإحباط منذ فترة طويلة كما شعرت وأنا أقلب صفحات «إيران تستيقظ»، وهي عبارة عن مذكرات الإيرانية شيرين عبادي، المدافعة الصلبة عن حقوق الإنسان في وطنها، والقاضية السابقة والفائزة بجائزة نوبل للسلام لعام 2003، والتي روت فيها نشأتها وتوليها القضاء في عهد الشاه، وكيف وقفت ضده وضد عهده، وساهمت، بشبه وعي ونصف إدراك، في وصول الخميني إلى السلطة، ليقوم بإقصائها من منصبها الرفيع، وهو ما تم تحذيرها من مغبة وقوعه، حيث قالوا لها إن «الإسلام لا يجيز للمرأة تولي القضاء»!
تقول «شيرين» إنها عاشت عام 2000، وبعد عقد من بداية عملها في مجال الدفاع عن ضحايا العنف في محاكم إيران، عشرة أيام هي الأشد هولاً في حياتها المهنية، فأوضاع الأطفال الذين يتعرضون للضرب، والنساء اللواتي يصبحن رهائن نتيجة زيجات مفروضة، واوضاع السجناء السياسيين، كلها وضعتها في احتكاك يومي مع القسوة البشرية، وكيف اضطرت الحكومة، التي يسيطر عليها رجال الدين الملالي، إلى الاعتراف أخيراً بأنها متواطئة جزئياً في مجموعة كبيرة من عمليات القتل المتعمد التي وقعت في أواخر التسعينات وقضت على حياة العشرات من المثقفين، وقد خنق بعضهم بينما كان يعيش في الخارج مهتماً بشؤونه، وكيف قطّع آخرون إرباً إرباً في بيوتهم! وما جرى من عمليات انتحار غامضة في السجن لمتهمين، وكان الكثير منهم، أو أغلبيتهم قد ساهموا في قيام الثورة، وتعذبوا في سجون الشاه! وتقول إنها واجهت كماً من الفتاوى التي أمرت بعمليات القتل، من دون محاكمة، أو حتى سماع وجهة نظر المتهمين، وكيف أن كل ذلك كان يشكل رهانات غاية في الجسامة، فهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها «الجمهورية الإسلامية» بأنها ارتكبت جرائم قتل في حق منتقديها! بينت لي قراءة الكتاب بصورة جلية أن الاهتمام بحقوق الإنسان هو المدخل الأساسي للعدالة، وأن العدالة لا يمكن أن تعمل بصورة جيدة من غير ديموقراطية، وهذه لا يمكن أن تعمل في مناخ ديني، مهما كان صادقاً مع نفسه! ويمكن القول بالتالي إن استقرار المنطقة وازدهارها مرتبطان بتحول كل من العرق وإيران بالذات إلى دولة مدنية ديموقراطية وحرة تهتم في المقام الأول بحقوق الإنسان، داخلها وخارجها، وبرفاهية شعوبها، وبغير ذلك فإن مقطوعات «ثلاثية الفقر والجهل والمرض» ستستمر في عزفها المبكي لعقود طويلة قادمة!
* شيرين تعني بالإيرانية: «حلو»
أحمد الصراف