هو حكم العدل أن يقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك أمام «محكمة قانون»، ويحاكم حضورياً لا غيابياً مثل زين العابدين بن علي – وعساها أن تكون محكمة قانون إن شاء الله، لا محكمة شعب تحل فيها مشاعر الغضب والثأر الجماهيريين مكان النص القانوني، هي سابقة تعد الأولى أن يحاكم رئيس عربي في محكمة تتم تحت ظلال حكم مصري وطني، لا تحت حراسة ورقابة قوات احتلال أجنبية مثلما حدث مع صدام حسين.
نتمنى أن تنتهي المحكمة الخاصة بالرئيس حسني مبارك ونجليه ومن سار معهم على دروب الفساد وسرقة قوت الشعب بحكم العدل، والعدل هنا هو الإنصاف، هو إنصاف حين يتساوى تحت حكم القانون الكبير مع الصغير والوضيع، فلا فرق بين من قتل بدافع سرقة مال خاص ومَن قتل الأبرياء كي ينهب المال العام، ويدوم سلطان حكمه إلى يوم غير معلوم.
لنقف هنا متسائلين… إذا كان هذا هو حكم العدل للمصريين أولاً وأخيراً، فلنتحفظ بعض الشيء بشأن ما إذا كانت المحاكمة عادلة، بمعنى أنه لم يقدم حسني مبارك ومن معه إلى المقصلة قرباناً للثورة وتمويهاً لحقيقة أن النظام في واقع أمره لم يتغير، فتمت التضحية ببعض الرؤوس الكبيرة والصغيرة لتبقى مرتفعة عالياً رؤوس أخرى بعيدة عن الشبهات، كأنها حركات حاوٍ يشغلنا بيده اليمنى كي نسهو عما تهبشه يده اليسرى! تلك كانت مسألة أولى في الإنصاف. المسألة الثانية: أين هو الإنصاف «العربي» الآن، وليس الإنصاف المصري؟ فأين المساواة تحت حكم العدالة العربية، إن كان هناك ما يسمى عدالة أو «ربما» خرافة عربية! لماذا الرئيس المصري تحديداً؟ هل كان وحيداً في دنيا الاستبداد والفساد واستغلال النفوذ العربي؟! أم أن له أشقاء في القيادات العربية مازالوا يجثمون كالبعير على صدور شعوبهم؟ فلماذا يحاكم حسني مبارك (وفق منهج الإنصاف العروبي) ويترك غيره؟ فهناك قيادات عربية يظهر معها حسني مبارك نسبياً أشبه بالمهاتما غاندي في تسامحه وعفوه، وهناك من أشقائه في القيادات العربية من يبدو الرئيس مبارك معهم كأنه احتذى في حكمه بالخليفة عمر بن الخطاب في أمانته وعدله، فلماذا فقط زج بحسني مبارك في قفص الاتهام وتركت بقية الشعوب العربية وشأنها مع نماذج كصدام حسين ومن هم على شاكلته؟!
بودي أن أذكر بقية كل أسماء الدول العربية وقياداتها الصدامية… لكن قانون المطبوعات والنشر الكويتي يحظر ذلك… وهذا الأخير من بركات «أشقائنا»العرب!
اليوم: 4 أغسطس، 2011
ثلاثية لبنان
يتميز الشعب اللبناني بفرديته، وعدم ميله لأي عمل جماعي، وهذا، ربما، ما جعله ينجح خارج بلاده، حيث هو مقابل الآخرين، أكبر من نجاحه داخل وطنه.
وكان قدر لبنان أن يتخصص أهله منذ عقود طويلة في بيع الآخرين كل ما لا يفتقدوه في أوطانهم، وخاصة العرب. فقد برع اللبناني في تسويق ثلاثة أمور اساسية، إضافة لأخرى لا تقل أهمية، وهذه الثلاثة هي الهواء، أو الطقس المعتدل، الذي يتمثل في الموسم السياحي صيفا وشتاء، بعد ان اصبح الوصول للمشاتي الأوروبية أكثر صعوبة وتكلفة، وما يتبع ذلك من صناعة فندقية مميزة، ولو أنها لا تزال فقيرة في كمها، إضافة للطعام، الذي اشتهر اللبناني، فردا ومؤسسة غذائية، بالكرم في تقديمه، مع الجودة والتنوع. ويمكن القول أن لا دولة في الشرق الأوسط تجاري لبنان في براعة الخدمة «الغذائية» وفي ما يتوفر من أنشطة ثقافية وأدبية وترفيهية متعددة. وهناك التعليم، حيث بإمكان لبنان، كما كان دأبه في الستينات والسبعينات، تقديم أعلى مستوياته وبكل المجالات وبثلاث لغات، العربية والإنكليزية والفرنسية، وهذا ما لا توفره اية دولة في المنطقة، إن لم يكن في العالم. ثم أخيرا هناك الخدمة الطبية، فلا يزال لبنان، بالرغم من كل ما لحق به من دمار خلال سنوات حربه الأهلية، الأخيرة، المكان الأكثر تميزا، عربيا على الأقل، في تقديم هذه الخدمة المتقدمة، ولا تجاريها في المنطقة وتتفوق عليها «طبيا» غير «إسرائيل» التي تقارب نسبة أطبائها 4 لكل ألف مواطن، في الوقت الذي لا تزيد فيه على 3 وربع في لبنان، ومع هذا يتفوق لبنان على دول أوربية غربية عديدة مثل إسبانيا ومالطا والنرويج في عدد الأطباء فقط.
الغريب أن كوبا، التي يتعالج فيها رئيس فنزويلا شافيز من إصابته بمرض سرطان التشبث بــ «السلطة»، تتصدر قائمة الدول في عدد اطبائها، حيث تبلغ النسبة 6 أطباء لكل الف تقريبا! أما الكويت، يا حبة عيني، فلا يزيد العدد على طبيب ونصف طبيب لكل ألف، تسبقها الإمارات والأردن وحتى رومانيا، ولكنها تسبق كل الدول الأفريقية!!
أحمد الصراف