بالحوار الهادئ لا بالتصريحات العنترية يمكن الوصول إلى اتفاق بين الكويت والعراق حول أزمة ميناء مبارك.
ليس من مصلحة الكويت أن تتبنى سياسة متصلبة مع الدولة العراقية الآن بشأن موضوع الميناء، وفي المقابل ليست للعراق مصلحة في خلق أزمة بناء الميناء حين تمارس الدولة الكويتية سيادتها على إقليمها.
مسألة سيادة الكويت وحقها في استغلال أرضها مسألة غير قابلة للنقاش، إلا أن ممارسة تلك السيادة الإقليمية يجب أن تكون من دون تعسف ومن دون الإضرار بالغير، والغير هو العراق اليوم، فالعراقيون – أو على الأقل فئة فاعلة ومؤثرة منهم – يرون أن بناء الميناء سيعني خنق العراق، وغلق المنافذ البحرية المحدودة المطلة على الخليج، وهو بالتالي يجعل إقامة موانئ عراقية غير ذات جدوى.
هذا التصور العراقي، سواء كان حقيقياً أو وهماً، ينطلق أساساً من رفض العراقيين لواقع تقسيم الحدود بين الدولتين في أعقاب حرب تحرير الكويت، وهم يرون أن مثل هذا التقسيم حرمهم العمق البحري لسواحل الخليج، مع أن مثل ذلك التقسيم الذي فرض على نظام صدام المهزوم يتفق مع الاتفاقيات الدولية التي تقسم المنطقة بين الدولتين، إلا أنه في المحصلة الأخيرة تظل الحدود بين جميع دول المنطقة – وحتى العالم العربي الخارج من الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى – مجرد «خطوط على الرمال « رسمتها بريطانيا وفرنسا الدولتان اللتان ورثتا التركة العثمانية.
وحتى إن قبلنا مثل هذا الحقيقة التاريخية وما نتج عنها من أزمات متواترة بين دول المنطقة، والتي كانت قبائل متنقلة لا تعرف لها حدوداً في صحارى الجفاف والقحط، يظل هناك واقع مستقر كُرِّس كحق تاريخي أكيد للدولة على إقليمها.
على سبيل المثال منطقة الإلزاس واللورين بين فرنسا وألمانيا ظلت لعقود أرضاً ملتهبة للصراع بين الدولتين، وانتهت بعد الحرب الكونية الثانية بإقرار ألمانيا المهزومة بالسيادة الفرنسية عليها، والآن تكاد تمحى الحدود بين الدولتين وبقية الدول الأوروبية، والسبب هو سيادة روح الديمقراطية والحوار العقلي بين الدول الأوروبية في حل نزاعاتها التاريخية.
العراق اليوم ديمقراطي رغم علله الطائفية والقبلية، والكويت أفضل من غيرها تقريباً من بقية دول الخليج على الدرب الديمقراطي، فما الذي يمنع أن تشرع أبواب الحوار بين الدولتين حول الميناء وبقية القضايا العالقة بينهما؟ فليس هناك أي مبرر لاستمرارها، فلتكن الديمقراطية وسيلة ارتقاء الحوار أولاً ثم الاتفاق ثانياً، وليست سبباً للنزاعات المدمرة.