عندما أنظر الى مساهمة اللبناني الفرد في التراث الثقافي والفني والإنساني، محليا وعالميا، بخلاف منجزات، وأيضا كأفراد، في عالم المال والأعمال، أجد أن هناك طغياناً للمسيحيين بينهم مقارنة بغيرهم! أكتب ذلك بمناسبة انتخاب الروائي اللبناني الفرنسي أمين معلوف عضوا في الأكاديمية الفرنسية، وهي الهيئة الثقافية الأكثر رفعة في العالم، إضافة إلى حالات كثيرة مماثلة سبقتها في أكثر من مجال، مثل ادوار خراط ود. مدور والأخطل الصغير وشارل مالك، وتوفيق الهبري ومايكل دبغي، هذا غير دور جبران خليل جبران، الأميركي – اللبناني، في الثقافة الأميركية والعالمية بالتالي. ولكون غالبية هؤلاء من المسيحيين لم يأت مصادفة أو عبثا، فقد كان لمؤسسات العلم والثقافة الحرة، التي نهل منها هؤلاء، وبالذات من المؤسسات التعليمية العريقة، الدور الأكبر في تنشئتهم وتهيئتهم للعالمية، حدث ويحدث ذلك في الوقت الذي انشغلت فيه قوى و«زعامات» الأطراف الأخرى، بأمور أبعد ما تكون عن العلم والتعليم الجاد والمثمر.
أكتب ذلك تعليقا على ملاحظة أوردتها صديقة لبنانية بخصوص ما ابديته من آراء عن «حزب الله»، حيث ذكرت بأن مصالح شيعة لبنان ستتأثر كثيرا، إن تخلى الحزب عن سلاحه، وان مصير الشيعة سيكون مظلما وقتها، وسيتكالب عليهم أعداؤهم وتضعف شوكتهم!
قد يكون في كلام صديقتنا الكثير من الصحة، وقد يتعرض الشيعة للاضطهاد وربما لأكثر من ذلك، في حال فقد الحزب سلاحه، ولكن هذا سبب واهٍ لاستمرار الحزب في تحدي الدولة والتهديد بشل الحياة السياسية والاقتصادية إن لم تلب الحكومة، بين الفترة والأخرى، مطالبه، هذا إضافة إلى أن هذا الخوف من تعرض مصالحهم ومكانتهم للخطر لم يأت من فراغ، فهناك من أجج العداوة بين الشيعة وغيرهم، وأشعرهم بأنهم بغير سلاح الحزب سيكونون عرضة للاهانة، وبما أن هذا السلاح لا يمكن أن يستمر للأبد في يد الحزب، فما الذي سيحدث ان اضطر مستقبلا، لأي سبب كان، للتخلي عنه؟
ومن جانب آخر، نرى أن محاولات بعض «المتمولين» من المسلمين تجسير أو تضييق، الهوة التعليمية والثقافية بينهم وبين المسيحيين، من خلال خلق كيانات تعليمية جامعية، ستكون محاولات لن تزيد على كونها مراكز تفريخ «خريجين»، إن لم تلتزم هذه المؤسسات بمبادئ حرية البحث والدرس الكاملين، من دون قيود دينية مذهبية أو عرقية، فقد خسر لبنان، والشيعة بالذات والمسلمون بشكل عام، ما يكفي نتيجة عدم اكتراث الزعامات والسياسيين المسلمين، في المائة سنة الأخيرة، ببناء صروح تعليمية تنافس غيرها علميا، وفشل «حزب الله» في هذا المجال أكبر من غيره، على الرغم من كم المبالغ الهائلة التي «سالت» بين ايديه خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل، ولا يزال الجنوب ومناطق بعلبك وغيرها تعاني نقصا مخيفا في الخدمات التعليمية والطبية والثقافية العالية. وأخيرا من الضروري التخلي عن «مبدأ» ربط رفاهية وسلامة الشيعي اللبناني باستمرار وجود فوهة «الكلاشن» في خاصرة الطرف الآخر، فهذا «الكلشن» سيصدأ يوما ويصبح غير ذي قيمة، فمن سيحمي اللبناني الشيعي وقتها غير ما يمكن أن يمثله من ثقل ثقافي واقتصادي وعلمي ناتج عن مؤسسات تعليمية عالية الأهمية؟!
أحمد الصراف