ما بين كلمة وشقيقتها، وجملة وأخرى، ينفش العربي ريشه ويؤكد للمرة المليون: «إذا كان الرجل الغربي أكثر تفوقاً اقتصادياً وعسكرياً، فإن الرجل العربي هو الأكثر فحولة في العالم»… يا سلام! حتى هذه – أقصد الفحولة – مجرد كلام بلا ختم ولا طابع ولا شهود، من يقطع ويجزم بأن العربي هو الأكثر فحولة؟ هذا إذا اعتبرنا أن الفحولة صفة إنسانية تستحق التفاخر.
ماشي يا سيدي العربي سنزوّر التصويت وننتخبك الأكثر فحولة في العالم، مبروك، طيب وبعدين؟ تسأله فيصعقك: «الفحولة مرتبطة بالرجولة»! إنا لله وإنا إليه راجعون.
يا سيدي الفحل، زادك الله صحة وعافية، إذا وافقناك على ربط الفحولة بالرجولة فهل توافقنا على أن السفيرين الأميركي والفرنسي اللذين شاركا في مظاهرة حماة ضد الطغيان السوري أكثر فحولة ورجولة من غيرهما من العربان؟ ألا توافقنا أنهما عرّضا نفسيهما للخطر رغم عدم وجود رابط دم يجمعهما بالسوريين؟ ألا توافقنا أن من مصلحة بلديهما أن يبقى نظام الفحل السوري جاثماً على صدر شعبه بدلاً من ظهور نظام بديل قد يخربش وجه دلوعة الغرب «إسرائيل»، ومع ذا شاركا في المظاهرة؟ هل تعلم لماذا؟ لأنهما يراعيان مشاعر شعبيهما.
وبعدين إذا كنت أيها العربي أكثر فحولة ورجولة من الرجل الغربي، فلماذا يجرؤ حكامك على دهسك بالجزمة القديمة ولا يجرؤ حكامهم على التفكير مجرد التفكير بدهس قطة صايعة في شارع فرعي؟ ثم هل تعلم أن النظام السوري اعتقل فنان الثورة «إبراهيم قاشوش» وانتزع حنجرته التي رددت الأغاني الثورية ثم تركه ينزف إلى أن مات؟ فأين فحولتك التي لم تستفزك لإجبار مسؤوليك على رفض هذا الفعل والاحتجاج، وذلك أضعف الإيمان؟
طيب إليك هذه الحكاية كي تفحص فحولتك على نار هادئة…
قبل سنوات استضاف السودان القمة الإفريقية، ولأن السودان بلد يشكو خواء البطن وضعف البنى التحتية، فقد تفتقت أذهان المسؤولين السودانيين عن فكرة مختصرها «دعونا نشتري يختاً بحرياً فخماً ونصحب الزعماء الأفارقة في جولة بحرية، كي لا يكتشفوا خلو الخرطوم من أساسيات الحياة، ففي البحر تتساوى الدول، إلى حد ما». وبالفعل تم ذلك، ووصل اليخت الفاره إلى بورسودان، وبدأت رحلة جرّ اليخت براً من الميناء إلى الخرطوم، فماذا حدث؟
لا شيء خارج المألوف العربي… ضاق الطريق، الضيق أصلاً، على اليخت، بسبب الأشجار على جانبيه، وبسبب أعمدة الكهرباء، فقرر المسؤولون السودانيون الفحول إزالة كل العوائق، أشجاراً وأعمدة كهرباء، فغرقت القرى والمدن الواقعة، لسوء حظها، على الطريق في ظلام دامس، استمر فترة ليست بالقصيرة، فالتزم البسطاء الصمت خوفاً على حياتهم وفحولتهم التي قد تُخصى تحت شعار «الإخلال بالأمن».
هذان مثالان سريعان على فحولتك أيها العربي، فـ»شد حيلك» بارك الله فيك وتذكر أن السرير هو ميدان المعركة الحقيقي.
***
أعتذر عن غياب مقالة الخميس والسبب «مجلة فوربس»، فقد تلقيت اتصالاً من القائمين عليها، يبدون فيه اعتراضهم على ما ورد في مقالتي ليوم الثلاثاء «عذراً فوربس»، ووعدوا بالرد في اليوم نفسه، وهو حقهم، لكنهم تأخروا، فطلبت منهم الاستعجال، فوافقوا لكنهم تأخروا أيضاً، إلى أن لملمَت الجريدة صفحاتها وذهبَت إلى المطبعة خالية من مقالتي.
وفي اليوم التالي وصلني ردهم فإذا هو دعاية صريحة سافرة، مسبوقة ببعض المعلومات التي تم نشرها بعد احتجاج الناس واستغرابهم. ولأن العمود هذا ليس عمود إنارة في شوارع الكويت الفوضوية كي يتم تعليق الدعايات عليه، فإنني أعتذر إلى «فوربس» مرة أخرى عن عدم النشر.
اليوم: 10 يوليو، 2011
الله اكبر… عليكم
عسى الزميل الوزير المحامي أحمد المليفي ألا يكون جالسا على كرسي الوزارة وعيناه على صندوق الانتخابات! وعساه لم يكن قد أصدر قراراً خطيراً يسكب الملح على جروح التعليم ودقات قلبه تنتظر رجع الصدى من نواب «الشعبويات» والاتحاد الوطني لطلبة الكويت! أو لربما كان الصديق أحمد يأمل ابتهالات وأدعية أهل الطلاب والطالبات ترتفع عاليا في السماء لتزيد من كفة ميزان حسناته (إن كان في ذلك حسنات). هل لبس أحمد ثوب الخلفاء والملوك والأمراء وقعد متكئاً على كرسي الرئاسة في مجلس الجامعة ليصرح آمراً أعضاء المجلس: «أنا هنا لرفع أعداد المقبولين في الجامعة… عجبكم أهلاً وسهلاً… ما عجبكم باب الاستقالة يتسع للجمال»…!
عدا العضو د. مثنى الرفاعي ( وفق رواية القبس) الذي اعترض على هذه الممارسة التسلطية لاجتماع تحديد نسبة المقبولين في الجامعة فإن بقية الأعضاء سكتوا (خاموش) ولم ينبس أي منهم بكلمة رفض واعية «لأوامر» الوزير. خسارة وألف خسارة عليكم وعلينا… فأنتم يا أعضاء مجلس الجامعة يا من يفترض بكم أن تكونوا قدوة ونبراساً لإصلاح «روضة» الكويت الجامعية قد أضحيتم «خيال المآتة» في عملكم، وجلست الغربان فوق رؤوسكم تسرح وتمرح فى مزرعة الجامعة.
نعلم يقينا أن الطاقة الاستيعابية للجامعة لا تستوعب 8000 طالب وطالبة من المقبولين، فالحد الأقصى بالكاد يستوعب نصف هذا العدد، فماذا سيحدث (وقد حدث) للتعليم الجامعي في «روضة ماما وبابا بيحبوني وأنا أحبهم مثل عيوني»!
يدري الوزير أن الجامعة ليس لديها العدد اللازم من المدرسين لأعداد جيوش الموظفين (الطلبة) القادمين إلى أسواق التوقيعات في امبراطورية الموظف العام الكويتية، ويدرك العالمون بمخرجات التعليم أن الجامعة لا تملك الأدوات التعليمية من مختبرات ومكتبات وغيرها لقبول تلك الأعداد الرهيبة من الطلاب والطالبات، فأين قضيتك يا أحمد لتكدس كل المقبولين في علبة سردين جامعة «روضة الأطفال» الكويتية!
وقبل ذلك، يفترض أن للجامعة استقلالها العلمي والإداري، فماذا فعلت بهذا الاستقلال وتلك الحرية الجامعية، بعد أن أضحت جامعة الكويت انعكاسا بشعا لواقعنا السياسي بدلاً من أن تكون منارة لهدي وتقدم المجتمع والدولة. قبل أن أنسى، أود أن أسأل صديقنا الوزير ورفاقه البصامين في مجلسه، كم طالباً وطالبة أنهوا دراستهم في أربع سنوات فقط! هل أعيد السؤال كي تستوعبوا كارثتنا التعليمية وتدني التعليم العام في الدولة وأنت و(أنتم) تعلمون أن معظم الطلبة لا يستطيعون إنهاء الدراسة في مدة الأربع سنوات المفترضة، والسبب هو عدم كفاية الشُّعب الدراسية بروضتكم الجامعية، فهل كان فتح معسكرات الجيش الشعبي بالجامعة هو الحل؟
يا خسارة وألف خسارة حين يصبح الكم قبل النوع في التعليم، ويا خسارة وألف خسارة حين أصبحت سياسة الترضيات تقضم بشراهة من لحم التنمية والتقدم في الجامعة وبقية مؤسسات الدولة! لا فائدة اليوم من الكتابة… فنحن نؤذن في مالطا… الله اكبر… الله اكبر!
***
ملاحظة: التدخين مضر بالصحة، إلا أن بعض الجمعيات التعاونية مثل جمعية مشرف يبدو أنها حرمت بيعها، أخشى ان يصبح سعر كرتون السجائر 500 دينار أو أكثر بالسوق السوداء… حاله من حال بقية «الكراتين» المحرمة… متى يأتي دور المنع على «الدندرمة» (الآيس كريم)، أو نطالع على صفحات الجرائد بلدوزورات البلدية تسحق كراتين التتن وجهاز النيابة العامة يشرف على عملية إعدامها، او نقرأ عن ضبط باكيت سجائر في جيب قادم من باكستان… وتمت إحالته إلى الجهات المختصة بوزارة الداخلية!
القيد الأمني
مصطلح «القيد الأمني» تعرفه جيدا شريحة «البدون»، وقد ظهر هذا المصطلح بعد التحرير مباشرة لتحديد من تعاون مع العدوان العراقي على الكويت، وبالذات من انخرط بالجيش الشعبي العراقي. لكن هذا المصطلح اتسع نطاقه في عهد من تسلم ادارة اللجنة التنفيذية للبدون في منتصف التسعينات من القرن الماضي ليشمل شرائح اخرى مثل من تسلم راتبا او راتبين من عمله اثناء فترة الاحتلال، حتى وان لم يذهب للدوام! وكذلك من وجدوا احد اقاربه مسجلا في كشوف الجيش الشعبي، واخيرا اضيف إليه بند جديد تفتقت عنه ذهنية القائمين على هذه اللجنة المنكوبة، وهو من ثبت لدى اللجنة ان اصوله عراقية!
وأعتقد جازما ان هذه الافكار العقيمة والتي تنتج عنها قرارات جائرة هي السبب في تأخر حل ازمة البدون التي وصلت الى مرحلة الخطر وتنذر بالانفجار في اي لحظة.
بعد التحرير مباشرة طالبنا بإعطاء الحقوق المدنية والانسانية للبدون، ولو بحدها الادنى! وكان رد المسؤولين علينا: لو فعلنا ذلك لما استخرجوا جناسيهم الاصلية! وكانت النتيجة مزيدا من التضييق والحرمان ومزيدا من الاحتقان. اليوم وبعد عشرين عاما يأتون ليتحدثوا عن الحقوق المدنية بعد ان فشلوا في تحقيق مرادهم، لكنهم جعلوا العصا في الدولاب عندما اشترطوا على الاغلبية العودة الى اصولهم واستخراج جوازاتهم العراقية!
هذه العبارة قيلت لعائلتين اعرفهما جيدا عندما ذهب افرادهما لتجديد بطاقاتهم الامنية.
اما الاولى فأسرة شهيد واجب قبل الغزو، ترك اولاده القصّر السبعة في حضن والدتهم التي سهرت عليهم وربطت الليل بالنهار كي ينشأوا نشأة صالحة.. فيتخرج منهم الطبيب والمهندس والجيولوجي وعالم الحاسوب، الابن الاكبر اليوم عمره 45 عاما وكلهم مواليد الكويت، واستشهاد والدهم لم يسعفهم لتجديد بطاقاتهم الامنية، وسجل احد الظالمين من العاملين باللجنة امام اسم العائلة: الاصل عراقي!
يقول الابن المهندس: كنا نتأمل يتصلون فينا في اي لحظة ليخبرونا بقرار منحنا الجنسية الكويتية، لكننا فوجئنا بقرار حرماننا من الحقوق المدنية المزعومة!
عائلة اخرى قدم والدهم للكويت في الثلاثينات وعمل في الاربعينات موظفا في KOC، وفي السبعينات ارادت الشركة ان ترسله دورة في الخارج تقديرا له، فاضطر إلى الذهاب للسفارة العراقية لاستخراج وثيقة سفر مزورة بعد ان دفع مبلغا من المال لموظف بالسفارة. تزوج وانجب اولادا وكبروا وتزوجوا كويتيات وعملوا في الجيش والشرطة وانجبوا اولادا الذين كبروا بدورهم وتزوجوا. وكان لهم دور مميز في حرب التحرير، توفي رب الاسرة وبقي اولاده على رأس عملهم وعندما تقدموا لطلب الحقوق المدنية قيل لهم: انتم عراقيون! استخرجوا جناسيكم الاصلية والا فلا حقوق لكم! قال كبيرهم الذي بلغ 55 عاما لكنني لا اعرف غير الكويت وطنا لي!
لو اردنا ان نطبق بدعة «ارجع لأصلك» لسحبنا الجنسية من ثلث سكان الكويت، وكلنا نعرف المجاميع التي وفدت على الكويت في الخمسينات والستينات وحصلت على الجنسية الاولى. وكلنا يدرك ان اهل الكويت اما من اصول سعودية او ايرانية او عراقية، وكلنا يعرف من تم تجنيسه وهو في العراق لم تطأ قدمه الكويت، وكلنا يعرف من تم تجنيسه لابداعه في الغناء او الرقص.
قانون الجنسية الكويتية يمنح الجنسية للعربي الذي امضى 15 سنة في الكويت دون مغادرتها. فكيف بمن امضى حياته كلها من الميلاد الى اكثر من نصف قرن؟!
القيد الامني سيعيدنا الى المربع الاول.. وقد تدخلت المزاجية والشخصانية فيه، فهل يفعلها السيد صالح الفضالة ويضع حدا للتلاعب فيه؟! حل مشكلة البدون لا يكون بالنظام والمسطرة، بل بالروح الانسانية التي تنظر بعيدا لمصلحة البلد.
الجائزة
يستضيف بنك الكويت الوطني كل عام تقريبا شخصية دولية مرموقة، وكان دانيال يرغن Daniel Howard Yergin، الذي يعتبر من أكبر خبراء استراتيجيات وتاريخ النفط في العالم، ضيف هذا العام. عمل يرغن مستشارا لأكثر من إدارة أميركية، وهو مؤلف كتاب الجائزة The Prize الذي سنكتب عنه عدداً من المقالات، والذي أهله للفوز بجائزة «بوليتزر» المرموقة.
ولد يرغن في 1947 وتخرج في جامعة «ييل»، وحصل في عام 1974على الدكتوراه في «العلاقات الدولية من جامعة كيمبردج، وله برنامج تلفزيوني استضاف خلاله شخصيات عالية الأهمية كالرئيس بيل كلينتون وديك تشيني وغيرهما. وعلى الرغم من كل ما قرأت وعرفت عن النفط، مصدر حياة الكويت ومنطقتنا ورفاهية شعوبها، طوال نصف القرن الماضي، فإنني لم اكن أعرف مدى جهلي بهذه المادة ومدى أهميتها الخارقة إلى أن قرأت كتاب «الجائزة»، وكيف أن معارك وكوارث عالمية عدة وقعت بسب النفط، ومنها هجوم اليابان على «بيرل هاربر»، والذي كان الكارثة والمفاجأة الأكبر في تاريخ اميركا، حتى «غزوة منهاتن»، التي تعتبر السخافة الأكبر في التاريخ. وكان الهدف من الهجوم الياباني على الأسطول الأميركي في هاواي هو تحطيمه ليتمكن الاسطول الياباني من الوصول لحقول نفط جنوب شرق آسيا من دون عائق او خوف.
كما يتضمن الكتاب، على مدى 900 صفحة من القطع الكبير، قصصاً مثيرة ومهمة عن الكيفية التي حصلت فيها شركات النفط الغربية، والأميركية والإنكليزية بالذات، على امتيازات التنقيب عن النفط في إيران والعراق والبحرين والسعودية والكويت.
لمزيد من المعلومات عن مراسم استسلام اليابان لأميركا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، يمكن الاطلاع على فيلم وثائقي نادر، على رابط القبس على الإنترنت، من خلال النقر على:
http://www.youtube.com/watch_popup?v=vcnH_kF1zXc&feature=player_embedded
أحمد الصراف