لفتت انتباهي هذه الفقرة للزميل محمد الجاسم في «الكويتية» من مقال بعنوان «وين اللي يقتنع عاد»، وكتب فيها: «… ويستفاد من ذلك (يقصد نص المادة ٤ من الدستور) أن أسرة الصباح ليست جزءاً من المؤسسات الدستورية، ولم يمنحها الدستور أي اختصاص، بما ذلك تزكية ولي العهد، فهذا الأمر منوط بالأمير». انتهت فقرة محمد. وهذا صحيح فليس هناك أي وضع دستوري لأسرة الصباح ككل، وإنما حدد الدستور فرع ذرية مبارك تعييناً بعبارة «الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح». ولا يعني ذلك غير أن المشرِّع الدستوري كانت له في ذلك الوقت التأسيسي للدولة رؤية مستقبلية ثاقبة النظر تقرر أنه ليس هناك في الدستور ما يمنع أن تكون الكويت ملكية دستورية، وعزز المشرع هذا الرأي حين قرر في المادة السادسة أن «نظام الحكم ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات…». وعلى هذا فلا تعارض بين المادة الرابعة المقررة أن الكويت «إمارة وراثية في ذرية مبارك»، والمادة السادسة التي تنص على أن «الأمة مصدر السلطات»، فعبارة «إمارة وراثية» تضع الأساس «لشكل الدولة»، أو ما يفترض أن تكون عليه، بينما المادة السادسة تحدد بصفة قاطعة «مضمون الدولة» أي محتواها الذي لا يجوز انتهاكه بأي حال.
كان ذلك ما يجب أن يكون is ought to be، وما يفترض أن تتطور عليه الأمور، لكن الممارسة الواقعية مختلفة، فالشيوخ أصبحت لهم شرعية عرفية بحكم الواقع، تتمثل في حصة الأسد من التشكيلات الوزارية الأولى، إلا أن الممارسة «المشيخية» لهذه الحصة الأسدية كانت مقيدة بأمرين، أولهما حكمة وقوة رجل الدولة المؤسس عبدالله السالم، وثانيهما، مجموعة الرجال التي كانت محيطة بدائرة الحكم، فلم يكونوا في أغلبيتهم ما يطلق عليهم بلفظ انتهازي استغلالي اسمه «بطانة»، بل كانوا بطانة للحق ولروح الدستور، كانوا يحملون إرثاً تجارياً كان مصدر الدخل العام للسلطة قبل عصر البترول. بقية الحكاية معروفة حين تقلص دور التجار بعد النفط، وأصبحوا «وكلاء» تجاريين لبضائع وسلع هي «مفاتيح» صناديق الثراء، ولكن أقفالها عند الدولة (الحكومة ) التي تماهت تماماً مع الشيوخ ككل، لا مع «ذرية مبارك» فقط. والأمر الآخر أن جيل المناضلين التجار قد تقلص ومات، وأصبح من الصعب خلافة تراثهم، لأن «أقفال» صناديق الأرزاق في النهاية ـ كما ذكرت ـ ليست معهم.
في الوزارات التالية لسنوات «البندروسا» السياسية والاجتماعية لعبدالله السالم تقلص عدد الشيوخ في التشكيلات الوزارية من ذرية مبارك ومن غير ذريته، وإن ظل سلطان الذرية (وأيضاً بحكم العرف الممارس) مهيمناً، وبقي ما يسمى وزارات السيادة بيد الشيوخ من ذرية مبارك في الأغلب الأعم. لنختصر وننتهي بحاضر يقرر أنه ليست هناك ديمقراطية حقيقية في الدولة، فالشيوخ وعلى غير «مضمون» الدستور يمسكون بمفاصل الدولة من ألفها إلى يائها، وبالتأكيد «اللي يبونه يصير». إلا أن المسألة لم تقف عند ذلك الحد، وتطورت الأمور إلى صراع قصور، وضلع بعض الطامحين من ذرية مبارك في الصراع مع أبناء عمومتهم كي تبسط أرض الحكم لهم ولذريتهم الخاصة من بعدهم، واستعان المتصارعون، كما نعرف بالإعلام مكتوباً أو مرئياً، فتلك جريدة أو قناة تلفزيونية إن لم يكن الشيخ يملكهما على عين عينك، فإنه يمولهما من «خيرات بلدي» على عين عينك، وتمتد يد الخير إلى كتاب وصحافيين أجراء وغيرهم، وقبلهم وأهم منهم، كان الكثير من النواب هم طائرات «الستليث» الشبحية الأمضى حسماً في صراعات القصر. بعد كل ذلك، أليس من الأنسب أن يفكر أهل التدبير اليوم، وبعد المخاضات التي تمر بها المنطقة العربية، في الملكية الدستورية؟ على أن يسبق ذلك تشريع ينظم الأحزاب السياسية، ثم تشكيلات حكومية من حزب الأغلبية أو حكومات ائتلافية. كي ننتهي من هذا الصداع المزمن وتلك الفوضى السياسية المدمرة، ولنفكر جيداً في الغد، ولنا في المغرب أولاً، ثم الأردن ثانياً، مثالان ليسا كاملين، ولكنهما أفضل من حالنا «المايع».