كل خواجة بروفيسور ما لم يثبت العكس، وكل أشقر عالِم، وكل أسمر جاهل، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وكان الأفارقة السود في القرون السابقة يظنون أن البحارة الأوروبيين «أولاد الله» جل شأنه، ويركعون على ركبهم كلما شاهدوهم، خصوصاً بعد أن رأوا بأعينهم كيف يحتجز الأوروبيون مجموعات من النمور والأسود والفهود حية سليمة في أسيجة (بالفصحى أسوجة). وكان الأوروبيون قد اكتشفوا طريقة لتخدير السباع والقبض عليها سليمة لا إصابات فيها. إذاً خلاص، هؤلاء هم «أولاد الله» لا محالة. وطبعاً الأوروبيون الأتقياء لم يفوّتوا الفرصة، بل راحوا يمسحون رأس كل من يركع أمامهم ويشفطون خيرات أرضه ويستعبدونه.
حتى أجدادنا في جزيرة العرب، كانوا في ذهول مهول من هؤلاء «الشقران»، تحديداً بعد أن شاهدوا الطائرات البريطانية فوقهم تطلق القنابل، ورسخ في أذهان بعضهم أن هذه هي «الطير الأبابيل»، وازدادت جرعة الدين عندهم، فالخوف يقرّب الخائف من ربه، وراح «الشيبان» يقرأون سورة الفيل: «ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل…»، وظنوا أنهم هم أنفسهم أصحاب الفيل، والدليل هذه الحجارة من سجيل التي أحرقتهم، فأكثروا الاستغفار، وتواصوا بالتوبة إلى الله، وأيقنوا أن هؤلاء الشقران ليسوا بشراً، بل في مرتبة أعلى.
وفي السنوات التي تلت التحرير، تعاقدت إحدى الوزارات الكويتية مع شركة تدريب بريطانية، وجاء الخواجات بعنطزتهم وغطرستهم الطاووسية، وبدأت المحاضرات، وكل الأمور تمام التمام وسنجة عشرة، إلى أن أوقعت إدارة الشركة عقاباً على أحد «الأساتذة» الإنكليز بعد أن سرق بعض المعدات باهظة الثمن، فغضب السارق وكشف اللعبة أمام الكويتيين: «لسنا أساتذة ولم يسبق لنا التدريس في بريطانيا، فقط رؤساء الأقسام هم الأساتذة، والأستاذ البريطاني فلان كان حمّالاً (عتّالاً) في الميناء، والأستاذ فلان كان حداداً قضى جل حياته في السجن، والأستاذ فلان مساعد ميكانيكي قضبان حديدية، ووو، أما أنا فكنت أنظف زجاج البنايات… أتوا بنا لتدريب أبنائكم كأساتذة معاهد، بعد أن دربونا ثلاثة أشهر فقط، وليس منا من أكمل تعليمه، ونتقاضى منكم مبالغ طائلة»! ومع كل هذه الاعترافات استمرت الشركة واستأنف الخواجات تدريبهم، وكأن شيئاً لم يكن. أليسوا خواجات؟ إذاً كيف يخطئون ويكذبون ويغشون؟ معاذ الله.
وقبل أسبوعين، تلقيت رسالة: «السيد الوشيحي، نحن مجلة فوربس، وقد رأينا أنك من الشخصيات العربية المئة الأكثر حضوراً على تويتر – هكذا كانت صياغتهم للجملة – نرجو تزويدنا برقم هاتفك»، أنعم وأكرم، هاكم رقم هاتفي، وهاتفوني، ثم وضعوا قبل يومين قائمة الشخصيات العربية المئة الأكثر حضوراً، فاطّلعت عليها وكانت الكارثة.
السيطرة على القائمة كانت للكويتيين، يليهم المصريون، وليست هنا المشكلة… المشكلة هي أن العزيزة «نوارة نجم» باعتراف كثير من أهل تويتر هي الأكثر تأثيراً وحضوراً ونشاطاً في تويتر، حتى وصل الأمر إلى مهاجمتها من قبل مرتضى منصور وآخرين من كبار الساسة في مصر، وتطور الأمر بعد ذلك إلى أن هُدّدت بتحويلها إلى النيابة بصفتها «المحرضة الأولى» على التظاهر في ميدان التحرير، وهي كذلك بالفعل، ورغم ذا لم يظهر اسمها في القائمة (بالمناسبة، لم يظهر من المئة إلا 61 اسماً ولا أدري أين اختفت البقية)، وجاء وائل غنيم وفيصل القاسم ومحمد الرطيان وآخرون لا يقلون عنهم شهرة وحضوراً في مراتب متأخرة!
يبدو أن أختنا «فوربس» تلعب لعبة تسويقية جميلة، أو أن شيئاً ما في داخل القفص… عذراً خواجات فوربس لستم «أولاد الله»، ولا أصدقكم.