تزايد عدد الجراء عند مزارع فقرر بيع البعض منها، ومن أجل ذلك قرر وضع لوحة إعلان بيع على سور مزرعته، وعندما كان يدق آخر مسمار فيها شعر بيد تسحب طرف معطفه، فنظر إلى الأسفل فرأى طفلا يقول له: يا سيدي، أريد شراء أحد كلابك. فقال له المزارع، وهو يمسح العرق عن جبينه: إن هذه الجراء ذات أصل طيب، وقد تكلفت الكثير في تربيتها! فطأطأ الصبي برأسه، والحزن باد عليه، ثم وضع يده في جيبه وأخرجها وبها بضع قطع نقدية، وقال: إن لدي 39 سنتا، فهل يكفي ذلك لكي ألعب قليلا معها؟ فقال المزارع بالتأكيد، وهنا أصدر صفيرا من فمه ونادى على كلب منها، فخرج كلب كبير تتبعه أربعة جراء صغيرة، فألصق الصبي وجهه على السياج الحديدي والفرحة تغطي محياه وانتبه، والكلاب تقترب منه، أن في القفص جرواً آخر يحاول بصعوبة الخروج، ولاحظ أنه يعاني من صعوبة في المشي نتيجة تشوّه واضح في احدى قدميه، ولكنه، وبجهد واضح، تمكّن من اللحاق بالبقية، وعندما اقترب من السور تبين واضحا صغر حجمه مقارنة بالبقية، وهنا قال الطفل للمزارع، وهو يشير إلى ذلك الجرو ذي القدم المعيبة: أريد شراء ذلك الجرو، فكم ثمنه؟ فانحنى المزارع نحو الطفل، وقال له: يا بني، لا أعتقد أنك جاد في رغبتك في شراء ذلك الجرو، فهو عاجز عن الجري واللعب معك، كالجراء الأخرى!
وهنا ابتعد الطفل عن السور، وشرع في رفع البنطال عن قدمه اليمنى وكشف عن رجل مصنوعة من قضيب من الحديد مرتبطة بطريقة خاصة بحذاء من الجلد، وقال: انظر يا سيدي، أنا أيضا لا أستطيع الجري بطريقة جيدة، فهذا الجرو بحاجة لمن هو في مثل حالتي ليتفهمه! وهنا قام المزارع، والدموع تملأ مقلتيه، برفع ذلك الجرو الصغير عن الأرض وأعطاه، عبر السور بكل عناية، للصبي الصغير الذي سأله باستغراب، كم ثمنه: فقال المزارع: إنه لك مجانا، فليس للحب ثمن!
إن العالم مليء بمن يريد أن يتفهمه الآخرون بطريقة أفضل.
أحمد الصراف