أجبرتنا السياسة المحلية وشغلتنا تفاصيلها من استجواب إلى صراع أسرة إلى وثيقة وغيرها، فلم نتمكن من كتابة الأهم كي لا تكون الكتابة خارج السرب، ولكن لا بد لنا أن نعود إلى ما هو مهم، بل هو أساس قيام المجتمعات والنهوض بها. أعني هنا البشر وتحديداً الشباب ممن يذكرون في كل بيان وتصريح ولقاء من قبل قياديي الدولة، بل لم يكتفوا بذلك، فقمة هرم السلطة التنفيذية سمو رئيس الوزراء شمل برعايته أخيراً نشاطاً كويتياً تحت مسمى “كويتي وأفتخر”، ولم يقتصر الأمر على رعاية لنشاط، بل ألقى خطبة ارتجالية في حفل العشاء المقام على شرف المساهمين في مشروع “كويتي وأفتخر”. كان مضمون كلمة سموه أنه كويتي ويفتخر بالشباب ونشاطهم وحيويتهم وخوضهم غمار المنافسة في المجال التجاري، إلى الآن الكلام رائع ويشعر من لا يعلم بالواقع أن كل الأبواب مفتوحة لمشاريع الشباب، ولا عثرات أمامهم، وكل الدروب معبّدة. أما الواقع فإن الشاب الكويتي في الوضع الطبيعي يصرف أكثر من ثلثي راتبه شهرياً على مستلزمات الحياة الضرورية كالسكن والطعام والعمالة المنزلية والمصاريف الأخرى الطبيعية، وإن أراد هذا الشاب أن يجمع القليل من المال ليشتري بيتاً بدلاً من بيوت الحكومة التي وصلت إلى حدودنا الجنوبية، أقول إنه لو أراد أن يشتري بيتاً دون مصدر دخل آخر سوى راتبه، فإن الأمر ومع القروض التي ستلقى على كاهله سيتطلب منه أن يجمع الأموال مدة 20 عاماً، هذا على اعتبار أن أسعار العقار تظل ثابتة لا تتغير وهو افتراض خيالي طبعاً. الحل الطبيعي للكسب المشروع كي يبتعد الشاب الكويتي عن شبح الكهولة للحصول على المسكن المناسب والحياة المتوسطة الكريمة له ولأسرته، هو أن يلجأ إلى تكوين عمله الخاص كي يضيف مصدر رزق يضاف إلى أمواله ويتمكن على الأقل من تقليص أمد الانتظار لتحقيق الاستقرار. فيذهب إلى المناطق الصناعية، كما تسمى في الكويت، فيجدها ذهبت جميعها منذ زمن بعيد دون أن تخلق الدولة مناطق جديدة تستوعب الزيادة السكانية، ويجد متنفسه في المنطقة الحرة ويصرف الآلاف لتكوين مشروعه في تلك المنطقة وبعد الجهد والتعب تمنع المنطقة الحرة معظم النشاطات التجارية هناك، ليجبر أخيراً على النزوح إلى أسواق القرين ويصرف الآلاف مجدداً فيصدر قرار حكومي جديد بطرد مزاولي التجارة من تلك الأسواق رغم تراخيصهم السليمة! هذه هي حال من تفتخر بطموحهم يا سمو الرئيس بينما الحكومة تقتل كل بصيص أمل في مخيلتهم للوصول إلى حياة أفضل. إن الكلمات وحدها لن تكفي في تغيير الواقع البائس الذي يعيشه شباب الكويت لدرجة جعلتهم يتشبثون بالمعقول واللامعقول من أجل التغيير، فهذه الحال لا ترضيهم ولا ترضي أي عاقل قطعاً. خارج نطاق التغطية: رحل الفهد دون مواجهة كما توقعنا، ولن يعفيه ذلك من المساءلة القضائية الواجبة على كل التساؤلات المطروحة في الاستجواب وأي قضايا حامت حولها الشبهات في عهده، كما أنه يستلزم أيضا إصلاح تجاوزات عهده من أي وزير يحل محله وإلا فإن المساءلة يجب أن تكون قائمة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
الشهر: يونيو 2011
إشكالية المثلية الجنسية
كتبت الباحثة والمحللة النفسية التونسية، رجاء بن سلامة، التعريف التالي للمثلية الجنسية: «هي البديل العلمي الحيادي لتسميات أخرى ذات خلفية أخلاقية قديمة كاللواط والسحاق، أو حديثة كالشذوذ الجنسي. فالمثلية اتجاه جنسي يتمثل في اتخاذ موضوع من الجنس المماثل، مع عدم وجود أي التباس بيولوجي جنسي، ومع وعي الذات في الغالب بأنها تنتمي إلى جنسها البيولوجي، أي مع وعي الرجل المثلي بأنه رجل، ووعي المرأة المثلية بأنها امرأة» (انتهى). وبالرغم من عدم اهتمامي بهذا الموضوع فإنني، ومن منطلقات إنسانية بحتة، ابدي اهتماما ما بهذه الفئة لما تتعرض له من اضطهاد اجتماعي وامني واخلاقي غير مبرر. وتستطرد بن سلامة في الشرح بالقول ان عدم وضوح الهوية الجنسية نتيجة غموض في الأعضاء الجنسية في حالات «البين جنسية» هو ما يطابق مفهوم الخنثى قديما. وعلاج هذه الحالات بالجراحة قد يكون ضروريا في صورة تعارض وعي الذات مع هويتها الجندرية، أو الجنسية، التي أرادها لها الأبوان بالتسمية وأرادتها السلطات العامة بالحالة المدنية. ولكننا نشهد في السنوات الأخيرة مطالبة بعدم اعتبار «البين جنسية» عاهة أو تشوها، بل اختلافا يجب احترامه. كما أن هناك حالات من إنكار الهوية الجنسية مع عدم وجود أي خلل بيولوجي أو تشوه عضوي. وهذا هو مجال تبديل الجنس transexualisme، وهو مجال مربك فرض نفسه حديثا على الطب وعلى التحليل النفسي. فالذات في هذه الحالة تنكر واقع جنسها البيولوجي وترفضه وتريد تغيير جسدها وفقا لما توفره التقنيات الطبية الحديثة من عروض قد توهم بإمكان تغيير الجنس، رغم ما في الأمر من صعوبة، وما قد يؤدي إليه العلاج الهرموني والجراحي من خيبات ونتائج وخيمة. كما هناك أيضا الولع بالتنكر الجنسي، وخاصة لدى الرجال الذين يرغبون في التنكر في زي امرأة، لممارسة الجنس، على أن الممارسة الجنسية والوعي بالجنس لدى هؤلاء يظلان ذكوريين. وهذه الحالات ناجمة عن إنكار الاختلاف الجنسي، وإنكار افتقار الأم للعضو الذكوري.
المهم في مقالنا هذا ما ذكرته الباحثة بن سلامة من أن اغلب الأطباء والمحللين النفسيين توقفوا عن اعتبار المثلية الجنسية مرضا يمكن علاجه، وقد عبر فرويد في 1935بوضوح عن استحالة «علاج» المثلية الجنسية، وهي لا تمثل «جنسا ثالثا»، ولا جنسا بين بين، وليست مرضا، وليست شذوذا، وليست خللا بيولوجيا، وليست في حد ذاتها بنية نفسية، بحيث أن المثلي يمكن أن يكون عصابيا أو ذهانيا أو انحرافيا. إنها سلوك جنسي ناجم عن طريقة مخصوصة في عيش عقدة أوديب، وفي التماهي أو رفض التماهي مع الأم أو الأب. وختمت بأنها لم تفتح هذا الملف للإثارة أو الاستفزاز، بل لمحاولة التفكير معا في هذه المسألة لمزيد من التعريف بالمثلية والتعاطف الإنساني معها.
أحمد الصراف
[email protected]
سارقو الألم
الشعراء يتبعهم الغاوون، وأنا من عتاة الغاوين، إذ حتى وأنا مشغول أترك الباب موارباً للشعر كي أبقى على قيد الحياة، فلا حياة بلا شعر.
ويقول الفيزيائيون والكيميائيون إن هطول المطر سببه «عملية التكاثف»، ويقول الشعراء وعشاق الحرف إن المطر ما هو إلا دموع غيمة تشارك شاعراً آلامه.
وأنا هنا أتحدث عن «الشعر الشعر»… دعك من الأمسيات الشعرية في الفنادق الفاخرة وأصبوحات كليات الجامعة الفاجرة (الفجور يعود إلى الأصبوحات لا إلى الجامعة)، وتمتم لنفسك: «يفتح الله» إذا سمعت شاعراً ذا أنامل مترفة يتصنع المعاناة في شعره، واحمل مزودتك على ظهرك واهرب مغيب شمس، فلا شعر في القصور والفلل، إلا ما ندر.
أقول هذا وأنا أشاهد الآن على إحدى الفضائيات «شاعراً» خليجياً كالزبدة التي ستذوب بعد قليل، ابتسامته خجلى، وعيونه تُسلهم حياءً وخفراً، يحكي معاناته وهو يرتدي «البشت»، وعلى معصمه تلتمع ساعة أغلى من مهر «كيت» زوجة وليام، وفي الصف الأول من الحضور يتزاحم مسؤولون يشع من أعينهم نفاق يُخجل عبد الله بن سلول، ومن أفواههم تفوح ابتسامات الرقيق، ويقاطعون أبياته بالتصفيق الصفيق، وهناك تتزاحم «معجبات» ترتدي كل منهن «النقاب الكذاب»، يطلقن آهات كالنعيق والنهيق.
لا أنكر أن ما يقوله هذا المترف «شعر»، بل هو شعر فاخر يسقي غرس القلوب، وأشهد أن الحمام على الأغصان القريبة ترك ما في يديه وأرخى آذانه وفغر أفواهه لعظمة هذا الشعر… نعم أشهد أنه شعر ويشهد عشاق الحرف قبلي على جزالته، لكنني أقسم يميناً ويساراً أن من أراه أمامي سارق للألم، وأقسم بأغلظ الأيمان وأطولها أنه لا يشعر بما يقوله ولا يفهمه أصلاً… هذا الإبداع، جزماً، لشاعر تعرّض للسموم والعواصف و»لواهيب الشمس» فخرجت منه هذه الأحرف الفاخرة، فالشعر كاللؤلؤ، إذا عانت المحارة الألم بكت فكانت دمعتها لؤلؤاً، ولا لؤلؤ من دون ألم، وصاحبنا «الشاعر المترف» كان آخر بكائه عندما خرج إلى هذه الدنيا من بطن أمه، قبل أن يبدأ «معاناته» مع العسل.
الشاعر المترف المتصنع أمامي على الشاشة اعتاد تناول إفطاره «بالهناء والشفاء» في حين أن القصيدة التي يقرأها أمام «الجمهور» هي لشاعر تناول آلامه «بالعناء والشقاء».
ستقول: «أعذب الشعر أكذبه، وليس شرطاً أن تحترق بالنار لتصف قسوة الحرق» فأرد عليك: «ويل أمك وأم أمك… هذا المترف لا يفهم ما هو مكتوب له، هذا يقرأ قراءة خاطئة كاذبة باهتة، لا يعرف «الوقفات والحركات»، ولا يعرف متى يتساءل في وقت التساؤل، ولا كيف يبدي السخرية في وقت السخرية… هو يقرأ كما يقرأ التلميذ أمام موجّه اللغة العربية (حافظ ويسمّع)… هو شوّه القصيدة وبقرَ بطنها وجعل أعزة حروفها أذلة… سحقاً له ولجمهوره وللفضائيات التي تنقل غثاءه… وتباً للجوع الذي أرغم شاعراً حقيقياً على الانحناء كي يُسكت صراخ بطنه».
كلمات النوري
عندما بدأت في قراءة كتاب «في مرابع الذكرى» للأستاذ أنور النوري وجدت فيه رتابة، فقررت التخلي عن قراءته، فقد تعلمت، ولو متأخرا، أن أتخلى عن قراءة اي كتاب، بصرف النظر عما قيل فيه من مدح وما فاز به من جوائز، فالعالم يزخر بملايين الروايات والدراسات والسير الشخصية والتجارب الرائعة التي تستحق القراءة، وبالتالي يجب عدم تضييع الوقت في قراءة ما يجعلنا نشعر بالملل، ولكن لا ادري لماذا اصررت هذه المرة على مخالفة انطباعاتي الأولية، بالرغم من أن لا شيء تقريبا يربطني بالمؤلف غير لقاء أو لقاءين قصيرين، إضافة الى اختلاف فكري لا يمكن تجاهله، مع فارق العمر بطبيعة الحال، ولكني سعدت لعدم تسرعي، فقد بدأت صفحاته التالية تشعرني بالاستمتاع والفائدة، وبدأت تجارب الكاتب وأسلوبه الواضح والصريح يظهران حقيقة معدنه، وما يود إيصاله لأكثر من طرف، وبدأت معارفه وتجاربه التي اكتسبها على مدى سنوات تظهر، وخاصة في العمل الحكومي ومع «السلطة» وخارجها، في مجالي التربية والتعليم والصحة. وبيّن، بقصد أو بغيره، أن الوزير في الكويت «موظف كبير»، في ظل رئيس وزراء مهيمن، وهذا ما دفعه ربما، في مرحلة تالية، للزهد في العمل الحكومي السياسي!
أعتقد أن أفضل ما تضمنه الكتاب كم الرسائل المباشرة التي قام إما بإرسالها، مواربة أو بصراحة ووضوح تامين، لمن يعنيهم الأمر، على قلتهم وكبر أهميتهم.
كما تبين لي، من مجمل ذكرياته وتجاربه الدراسية وغيره، أن سياسة وزارة التربية والتعليم المتعلقة بالابتعاث إلى الخارج لتلقي التحصيل العلمي، كانت ولا تزال، على مدى نصف قرن، تشبه قصة صاحب المصنع الذي أرسل مجموعة من أبنائه للخارج لتعلم حرف الصنع المتعددة وتولي إدارة المصنع من بعده، ليتخلص من العمالة غير الماهرة لديه، ولكن بعد مرور سنوات الدراسة وعودتهم إلى وطنهم اكتشفوا أن والدهم، الذي أصبح كهلا، نسي سبب إرسالهم لتلقي الدراسة، وهنا ذهب كل ابن ليعمل في المجال الذي يناسبه، وبقي المصنع على وضعه البائس السابق، وبعمالته المتواضعة المهارات نفسها.
كتاب أنور النوري جدير بالقراءة، ليس من الجيل الجديد فقط بل ومن الإدارة الحكومية «العليا» بالذات. ويكفي مؤلفه فخرا أنه وضع تجاربه الواسعة ضمن دفتي كتاب قيم، وهذا ما فشل فيه الكثيرون الذين غادرونا من دون أن نتعلم أو نعرف شيئا مما مروا به من تجارب.
أحمد الصراف
[email protected]
جعلوني شريطياً!
كل الشعوب والحكومات تكرم الشهداء وترعى اسرهم وتقدم لهم كل ما يريدونه وتعطيهم الاولوية من دون منّة وتعالٍ إلا في الكويت.. وانا هنا اتحدث عن الشهداء «البدون» وليس الكويتيين، فمكتب الشهيد، الذي انشئ بهدف تكريم الشهداء واسرهم، كان عليهم اشد ممن قتل اباءهم، فمسؤولوه في ابراج عالية يعطون من يشاؤون ويمنعون عمن يشاؤون! والشهيد عندهم مجرد تصنيفات تبدأ بالجهاد وتنتهي بالواجب، ست مراتب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
هذه رسالة وصلتني من المهندس الكيميائي عبدالعزيز الشمري، وانا اعرف ان له اختا طبيبة وعددا من الاخوة اقلهم يحمل شهادة جامعية، يقول عبدالعزيز: «انا ابن شهيد واجب من شهداء وزارة الداخلية، قضى نحبه اثناء ادائه الواجب في حادث دورية عسكرية في أمن المنشآت، وهو يحمل الكويت في قلبه وعلى صدره، واسمه معتمد في مكتب الشهيد على الترميز السادس، اي انه شهيد بالاسم فقط، من دون خدمات، وان قدموا لنا الخدمات يقولوا لنا جملتهم المشهورة: «نحن يجب الا نقدم لكم هذه الخدمات ولكنها مساعدة منا لكم». مشكورين يا من تمنون علينا شهادة ابينا.
واما انا فابن شهيد «بدون» لم أرَ تكريما في حياتي من مسؤول او من شرطي مرور، فالكل يعاملني كمتهم، لاني «بدون»، وانا احمل شهادة الهندسة الكيميائية من جامعة الكويت منذ اربعة عشر عاما، ولم اعمل يوما كمهندس، بل حاليا ادرس الماجستير في حراج السيارات، فهو المكان الوحيد الذي يحترم «البدون» ويراعي ظروفه، وهكذا جعلوني شريطيا.
ملاحظة مهمة: انا «بدون» من عرب احصاء 65، ووالدي شهيد معتمد في مكتب الشهيد، اريد وظيفة كريمة تناسب مؤهلاتي، اسد بها جوع اطفالي، واريد وطنا يكرم ابي، واريد مسؤولا يخاف من الله اكثر من خوفه من الفئة التي تحارب «البدون»، يسمح لي بمقابلته وشرح معاناتي امامه».. انتهى.
ومنا الى الشيخ جابر المبارك الصباح، صاحب القلب الكبير، والاب الرحوم، الذي عليه يعقد الامل بعد الله عز وجل في تخفيف معاناة عبدالعزيز هذا وأمثاله.
أذكر بعد التحرير، اي قبل عشرين عاما، كانوا يقولون «لا تعطون «البدون» خدمات بل ضيقوا عليهم علشان يطلعون جوازاتهم او يرحلون»! واليوم بعد كل هذه المدة يطلع علينا من يتكلم عن الحقوق المدنية لـ«البدون» وما هي الا إبر تخدير لمزيد من المعاناة.. واتمنى من احد النواب ان يوجه سؤالا عن عدد شهادات الميلاد التي صدرت لـ«البدون» بعد هذا الاعلان!.. وعن عقود الزواج التي تم توثيقها، لنعرف مدى التضليل الذي يمارس ضد هذه الفئة! انه الحسد والنظرة الضيقة للحياة التي يحتضنها هذا البعض.. انه الخوف من ان يشاطرنا لقمتنا اناس غرباء لم نعرفهم الا منذ اربعين او خمسين سنة فقط! انه والله المرض الذي اعمى قلوبنا واصابها في مقتل.. نسأل الله العفو والمغفرة.
قصة نجاح كويتية
بعد ان فشل في الحصول على شهادة الثانوية العامة، قرر أن يحمل نجوما على كتفيه واستغلال ذلك في الحصول على ما يريد، ولكنه فشل في الشرطة فاتجه للجيش، ومع الأقدمية ترقى، وحقق حلمه واصبح ضابطا، ولكن قصة نجاحه كانت قصيرة، حيث اتهم بسرقة قطع سجاد من أحد الاحتفالات، ووقتها قرر الوزير المعني الموافقة على التوصية بتسريحه. عاد للدراسة وحصل على الثانوية، والتحق بالجامعة وحصل على شهادة حقوق بتقدير متواضع، وأصبح محاميا ثم أستاذا ثم مستشارا قانونيا يشار اليه بالبنان!
أثناء فترة الاحتلال العراقي اتهمه جيرانه في الحي بسرقة سياراتهم، ورفعت قضايا ضده بعد التحرير، وصدر عليه حكم قاس، ولظروف رأها القاضي تقرر عدم النطق بالعقوبة.
قام في مرحلة لاحقة، وبعد التحرير، بالترشح للانتخابات النيابية، ولكنه اضطر للانسحاب من السباق بعد أن فشل في الحصول على شهادة «لا حكم عليه»، ولكنه نجح مع الوقت في تكوين ثروة كبيرة من الاتجار بالبشر من خلال شركة مقاولات نظافة تخصصت في الحصول على عقود تنظيف بأسعار متهاودة، وجلب عمال التنظيف مقابل مبالغ كبيرة، وعدم دفع رواتبهم والطلب منهم «تدبير معيشتهم»، بالعمل بعد انتهاء دوام الوزارة بأي وسيلة ممكنة، ولم تكن صعبة مشاهدة عماله، بــ«أزيائهم الصفراء» اللافتة وهم «يسرحون» في أسواق السمك والخضار من دون عمل، أو غالبا يتسولون!
حالف الحظ الكبير صاحبنا عندما التقى باحدى القيادات العربية الفاسدة، وما اكثرها، ودخل معه في كل عمل غير مشروع وحقق من ذلك ثروة هائلة…. فهل عرفتموه؟
انظروا حولكم فستجدوا أن الكثير مما ذكر أعلاه ينطبق على عدد لا بأس به من كبار مسؤولينا ومشرعينا!
أحمد الصراف
[email protected]
أعمامنا
الكاتب الفرنسي الخالد «بلزاك»، وهو بلزاك على سن ورمح، كان يُتهم في حياته بتشويه الثقافة الفرنسية والدعوة إلى الإلحاد ومعاداة الكنيسة ووو، إذ كانت رواياته تتحدث عن فساد بعض الرهبان والراهبات، عن مجونهم ومجونهن، عن تكسبهم وتكسبهن، عما يدور في غرف النوم… وكذلك حال مواطنه «سارتر»، وحال الأميركي «همنغواي» الذي سل سيفه وسنّ سكينه ضد العادات الغبية في المجتمع الأميركي، فسنّ المجتمع مقصلته لهمنغواي، ونصب له أعواد المشانق بعد كل عمل أدبي يكتبه هذا العظيم الخالد… هؤلاء وغيرهم كانوا يتعرضون لقذائف المجتمع الخارقة الحارقة، لكنهم تجاهلوها ولم يتوقفوا عندها، فأثروا الأدب العالمي.
وفي مصر، أرسل عبدالناصر أفّاقه الأكبر ودجّاله الأعظم محمد حسنين هيكل إلى كل من إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم يبلغهم «غَضَبَ الرئيسِ بسبب المجون في رواياتكم»، فخضع الحكيم وأذعن محفوظ ورفض عبدالقدوس الانصياع للأوامر، وكتب رسالة وجهها إلى الرئيس من خمس عشرة صفحة يعلن فيها أن رواياته هي مرآة للمجتمع تعكس ما يدور فيه بكل صدق، فذاق عبدالقدوس الأمرّين، ولعن الساعة التي رفض فيها إملاءات المتدين الأكبر عبد الناصر (كان من ضمن أوامر عبدالناصر لعبدالقدوس إيقاف مقالات مصطفى محمود في مجلة روز اليوسف «لأنها تدعو إلى الإلحاد»، وكان عبدالقدوس قد سمح لمصطفى محمود بالكتابة «الإلحادية» بعد أن دعا كبار رجال الدين للرد عليه ما أثرى النقاش وفتح الآفاق).
واليوم، يحتفل الفرنسيون بيوم ميلاد «بلزاك» ويوم مماته، وكذلك يفعل الأميركان بصاحبهم «همنغواي»، والمصريون بعبدالقدوس، وبَقِيَت أسماؤهم خالدة، وتلاشت أسماء منتقديهم دعاة المحافظة المزعومة وتطايرت كالدخان أسماء دعاة التدين المزعوم غير الحقيقي… فلا تهن ولا تحزن يا صديقي، فلن يصيبك ربع ما أصاب أعمامنا كبار الأدباء والكتّاب.
قلت هذا الكلام لزميل هاجم تجار الدين والعادات الكاذبة، فثارت عليه جموع من النوع الذي يصنفك بناء على المقالة التي أمامه، فأنت اليوم قبليّ ولا عامر بن الطفيل، وأنت غداً منسلخ عن القبيلة وأعرافها وأميرها ولا عروة بن الورد، وبعد غد أنت مع رئيس الحكومة، وبعده أنت مع الشيخ أحمد الفهد، واليوم الذي يليه أنت ضد الدين، والذي يليه أنت متدين طائفي، وهكذا… هؤلاء القراء لا يتذكرون كل ما كتبته، ولا يقيمون وزناً لكل الحبر الذي سكبه قلمك في مقالاتك السابقة، هم «عيال اليوم» فذاكرتهم لا تتسع إلا للمقالة المنظورة أمامهم.
والمصيبة الكبرى عندما يرتدي أحدهم جبة لقمان الحكيم وهو يحدثك بعد أن كتبت مقالة انتقدت فيها تجار الدين، أكرر، تجار الدين لا الدين: «لا تقترب من حمى الدين وأنت ابن تلك الحمولة التي والتي… إني لك من الناصحين»، فتجيبه بحروف الحزن: «أخشى أن ينفر الناس من الدين ويكرهوا الحمايل بسببك وأمثالك»، وتتمتم بصوت لا يسمعه إلا قلبك: «ملعون أبو الحمايل، أنصاف الليال وأطراف القوايل».
يا صديقي الكاتب… ليس أسهل من تكديس الرمل تحت السجادة كي يرضى عنك مجتمع الحمايل، لكن الصعوبة يعرفها من يرفع السجادة ويضربها بعصاه ليتطاير غبارها… فاغمض عينيك عن غبار سجادهم.
***
كتلة العمل الوطني تلعب بالطريقة البرازيلية، هات وخذ، وتتفاوض مع «الحَكَم»، وتتفاهم مع حاملي الراية، وتنسّق مع لجنة البطولة، فتفوز بدرع الدوري وكأس اللعب النظيف، قبل أن ترفع شعار «الرياضة… أخلاق».
نصيحة سفير
«..نعم، إن العالم كبير، إن العالم ضخم، وهو كذلك في النهار أيضاً ، حين يشتعل وادي فيشيغراد بالحرارة، وحين يكاد يسمع المرء صوت نضج سنابل القمح التي تغطي الوادي، وحين تتراءى المدينة بيضاء ناصعة منتشرة حول النهر الأخضر، مسدودة بالروابي السوداء، وبذلك الخط المستقيم، الجس. ولكن في الليل، في الليل وحده، حين تحيا السماوات مرة أخرى وتتوهج، إنما تنكشف اللانهاية والقوة الجبارة في هذا العالم، الذي يضيع فيه الإنسان الحي، ولا يستطيع أن يدرك نفسه ولا المكان الذي يمضي إليه، ولا ما يريد ولا ما الذي يجب عليه أن يفعله، في الليل وحده إنما يحيا المرء حقاً، حياة هادئة طويلة: في الليل، ما من كلمات تربط الإنسان ربطاً ثقيلاً مدى الحياة، ما من وعود قاتلة، ما من ظروف لا مخرج منها، ما من مهلة قصيرة تجري وتنقضي بغير رحمة، من دون أن تفضي إلى غير الموت أو العار مخرجاً، أجل ليست حياة الليل كحياة النهار، ففي الليل كل شيء حر لا نهائي غفل أخرس». فقرة جميلة، بنظري، من رواية «جسر على نهر الدرينا» لليوغوسلافي إيفو أندريتش، الحائز على «نوبل للأدب»1961، وهي الرائعة التي سبق أن قرأتها عام 1958 ، ولكن السفير، المتعدد المهارات والمواهب، محمد خلف نصحني بإعادة قراءتها بطبعتها الجديدة الصادرة عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وكانت نصيحة في محلها، فقد استمتعت بالرواية بشكل غير عادي، وعرفتني أكثر بخلفية ما يدور في تلك المنطقة من صراع قاس وطويل، الذي سوف يستمر طالما بقي التعصب الديني الأحمق هو المسيطر على أفكار الكثيرين منا!
أحمد الصراف
[email protected]
مقال شوفيني
لا أدري من كتب هذا النص على الإنترنت، ولكني وجدته يستحق النشر بتصرف. سألني صديقي ونحن على شاطئ البحر عند الغروب، لماذا تحب القهوة وتتذوقها بمتعة تُحسد عليها؟ أجبته: ربما لأن في القهوة الكثير من المرأة والحب، قال: كيف؟ قلت: تعال نستعرض الأمر واحدة واحدة، شفة شفة، فبعضنا يحبها حلوة، وبعضنا يحبها مُرّة، وبعضنا يحبها خفيفة وبعضنا يحبها ثقيلة، بعضنا يحبها وسطا، وبعضنا يحبها عالريحة، البعض يحبها مغلية والبعض يحبها «مزبوطة»، آخر يحبها رائقة، وآخر يحبها وعليها قشوة، وواحد يحبها ساخنة، والثاني يحبها فاترة، الثالث يشربها بجرعة، والرابع يشربها شفطا، والخامس يسمع صوته وهو يشفها. وناس يشربونها بفنجان كبير، وناس يشربونها بفنجان صغير، وناس يمسكون الفنجان من وسطه، وناس يمسكونه من أذنه، وناس يشربون الفنجان كاملاً، وناس لا يشربون إلاّ نصف الفنجان، وناس يشربون القهوة ويكتفون، وناس يحملونها معهم في «الترمس»، وناس يشربونها في كل مكان، وناس لا يشربونها إلاّ في بيوتهم، ورجل يحب القهوة افرنجية، وآخر يحبها عربية، وثالث نسكافيه، وآخر يحبها كافي وبس. واحد يحبها مع حب الهيل، وآخر يحبها كلها حب هيل، وغيرهم لا حب ولا هيل. البعض يحبها فرنسية وآخر تركية، الباقي يحبها عربية، فالدنيا أمزجة، فهناك من لا يشرب القهوة إلاّ إذا عرف نوع البن، وهناك من يشربها كيفما كان البن، وهناك من يبحث في البن عن ماركته، وهناك من لا يهمه من البن إلاّ نكهته الأصلية. هناك من يشتري البن ليحمصه على يده، وهناك من يشتريه مطحوناً خالصاً، وبعد أن يشربوا القهوة ينقسمون إلى قسمين، قسم يهوى قراءة الفنجان ليعرف الأسرار ويفك الرموز، وقسم يضحك على القارئين!
قاطعني وقال: ولكن هناك نساء يدّع.ين معرفتهن بقراءة الفنجان؟ قلت: طبعا، لأنه لا يفهم المرأة إلاّ المرأة، ولا تنس يا صديقي أنه وعلى الرغم من حبنا للقهوة فإن الإفراط فيها ضار، إلاّ في الحب، فالإنسان كلما أفرط فيه أحس بجمال الدنيا وروعة العمر وخفايا نفسه! وسألني: وأنت يا عاشق القهوة كيف تحب القهوة؟ قلت: أحبها «مزبوطة» لا حلوة كالقطر ولا مُرّة كالحنظل. سألني: مغلية أم عكرة؟ قلت: مغلية جداً. سألني: رائقة أم على وجهها قشوة؟ قلت: رائقة جدا. سألني: وإذا جاءتك وعلى وجهها قشوة؟ قلت: انفخ أو أمسح القشوة عنها حتى يعود إليها صفاؤها، وهل يسمع الناس صوتك وأنت ترشف القهوة؟ قلت: كانوا يسمعون صوتي عندما كنت صغيراً أما الآن فلا يسمع حفيف فمي إلاّ فنجاني وحده. سألني وأين تشرب قهوتك، أينما كان، أم تشربها في بيتك وحده؟ قلت: قد لا أشربها في بيتي وحده، ولكنني لا أشربها في كل مكان. قال: أين تشربها إذاً؟ قلت: حيث يكون فنجان. قال: وكيف تفضل القهوة: عربية أم افرنجية؟ قلت: أفضلها حيث أحبها، فالوطن هو الحبيب والحبيب هو الوطن! قال: ها وبعدين؟ قلت: القهوة هي المرأة والمرأة هي الحب والحب هو المرأة!!
أحمد الصراف
[email protected]
قصة وتعليق
القصة: كنا في حفل عشاء خصص لجمع التبرعات لمدرسة ذوي الإعاقة، عندما قام والد أحدهم وألقى كلمة قال فيها: مررت يوما بملعب بيسبول، وسألني ابني إن سيسمح له الأولاد باللعب معهم، وكنت أعلم أن غالبيتهم لا يرغبون في وجود معاق بينهم، وكأب شعرت بأنهم إن سمحوا له باللعب، فسيمنحه ذلك سعادة وثقة في أن الآخرين يتقبلونه كما هو، فاقتربت من أحدهم متردداً وسألته إن كان يمكن لبيتر أن يلعب معهم. ودار الولد ببصره وقال نحن نخسر بست جولات، واللعبة في دورتها الثامنة، يمكننا أن ندخله في التاسعة ونعطيه المضرب! تهادى ابني بمشيته المعوقة ولبس الفانيلة بابتسامة واسعة، وراقبته بدمعة وفرح، ولاحظ الأولاد ذلك. تحسنت فرصة فريق ابني خلال الجولة 8، ولكن بقي الخصم متفوقاً، ومع بدء الجولة التاسعة اعطوا ابني قفازاً ولعب على يمين الملعب، ورغم أن الكرة لم تأت عنده فإن سعادته وحماسه كانا واضحين لمجرد وجوده بينهم، واتسعت ابتسامته لأقصى حد وأنا ألوّح له، ثم أحرز فريقنا نقاطا إضافية وتقلص الفارق، مما جعل الفوز ممكنا، وكان الدور على ابني ليمسك بالمضرب، فهل سيعطونه إياه ويخسرون؟ لدهشتي حدث ذلك، رغم أن الكل يعرف أن من المستحيل أن يحرز أي نقاط، حيث لا يمكنه أن يمسك بشيء بصورة سليمة، ولكن مع تقدمه للدائرة وإدراك الخصم أن فريق ابني سيضحي بالفوز لهدف أسمى، هو إسعاد وإثراء حياة بيتر في لحظة قد لا تتكرر. حدثت المفاجأة، حيث تقدم اللاعب خطوات عدة وألقى الكرة برفق لابني حتى يتمكن من لمسها بمضربه، ولكن بيتر فشل، وخطا مدافع الخصم خطوات اضافية مقترباً من ابني أكثر ورمى الكرة له، وهنا ردها بيتر بضعف فتلقفها الخصم وتوقعنا أن هذه النهاية، ولكن المدافع تلقفها بحركة بطيئة، وكان يمكنه أن يمررها لزميله في النقطة الأولى، وكان ذلك سيجعل ابني يخرج من المباراة وتنتهي اللعبة بهزيمة فريقه، وبدلاً من ذلك رمى المدافع الكرة فوق رأس زميله بعيداً، وبدأ الكل يصيح مشجعاً: أجر يا بيتر، اجر إلى النقطة الاولى، وكانت هذه أبعد مسافة يجريها ابني، واستطاع أن يصل إليها، وترنح في طريقه، وعيناه واسعتان حماساً وارتباكاً، وصرخ كل من كان في الملعب: اجر إلى النقطة الثانية، ووصل إليها لأن لاعب الخصم بدلاً من أن يعيقه كان يعدل اتجاهه ويشجعه ليصل إلى النقطة الثانية، وهنا وصل إليها! وتعالى صراخ الجميع: اجر اجر يا بطل للنقطة الثالثة، والتقط ابني أنفاسه وجرى بترنح أكثر نحو الثالثة ووجهه يشع بأمل تحقيق فوز لفريقه، وحين اقترب من الثالثة كانت الكرة مع الخصم، ولديه فرصة الفوز بسهولة، ولكنه ألقى بالكرة لزميله، ففهم نواياه وقام بدوره بإلقاء الكرة عالياً بحيث تخطت المدافع عند النقطة الثالثة، وجرى ابني نحو الثالثة وهو مرتبك تماما، في حين أحاطه الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز، وكان الجميع يصرخ: اجر اجر يا بطل، فجرى للنقطة الرابعة التي بدأ منها وداس على الموقع المحدد ووقف الجميع مصفقا وصارخا لتحيته باعتباره البطل الذي أحرز النقطة الكبرى وحقق لفريقه الفوز!
في ذلك اليوم، أضاف الأب، والدموع تنساب على وجنتيه: ساعد فتيان كلا الفريقين في إضافة قبسة نور من الحب الصادق والإنسانية إلى هذا العالم. لم ير ابني الصيف التالي، حيث وافاه الأجل في ذلك الشتاء، ولكن لم ينس حتى آخر يوم في حياته أنه كان بطل المباراة.
***
التعليق: لو علمنا أن تحضّر اي مجتمع يقاس بمدى الرقي في تعامله مع الأقل حظا من أبنائه، وليس في اسلوب التحفيظ والدعاء والبكاء المستمر في مناهجنا وعاداتنا والبالي من تقاليدنا، لعلمنا بأن علينا التخلي عن كل ذلك إلى الأبد، فهل سنفعل ذلك يوما؟
أحمد الصراف
[email protected]