احمد الصراف

… أهلاً بك في هولندا*

لكي أساعد غيري في تقبل الأمر والتعامل مع المشكلة بروح جديدة، فقد طلب مني الكثيرون أن أصف خبرتي في تربية طفل ذي اعاقة. فعندما نقرر انجاب طفل فاننا في الحقيقة «نخطط» للأمر بعناية فائقة وكأننا نخطط للقيام برحلة جميلة رائعة لربوع ايطاليا للاستمتاع بدفء شمسها وحيوية شعبها. من أجل ذلك، نقوم بقراءة كل ما تطاله ايدينا من معلومات عن ايطاليا، وتاريخها وآثارها، ونمني النفس برؤية روائع مايكل انجلو، وكوليزيوم روما، وركوب جندول فينيسيا، ونشعر بالبهجة ونحن نتعلم «بونجوري، ومولتوبيني، وكرازياس» وغيرها. وبعد اشهر من الانتظار المثير يأتي يوم السفر فنقوم بتحضير أنفسنا، وبعد ساعات تحط الطائرة على الأرض وترحب بنا المضيفة قائلة: أهلا بك في هولندا! ونرد باستغراب: هولندا؟ ماذا تعنين بذلك، لقد خططنا للسفر الى ايطاليا، وهذا هو المفترض، وهذا ما حلمنا به طوال حياتنا! فترد المضيفة قائلة: أعتذر عن ذلك، فقد اضطررنا لاجراء بعض التغيرات، والهبوط في هولندا، وعليكم تقبل ذلك!
علينا هنا أن ندرك أن الطائرة لم تأخذنا إلى مكان مرعب ومثير للاشمئزاز أو القرف ويمتلئ بالحشرات والجوع والمرض، بل فقط لمكان مختلف عما حلمنا به طوال حياتنا، وما علينا هنا سوى الذهاب للتعلم عن جغرافية هولندا وتاريخها وحفظ كلمات جديدة، لأننا سنقابل هنا أناساً مختلفين تماما عما سبق ان خططنا. كما أن حركة الهولنديين وردود أفعالهم أكثر بطئا من الايطاليين، وتصرفاتهم اقل بهرجة وصخبا! وما ان تستقر الأمور ونتمعن في ما حولنا، بعد التقاط أنفاسنا، سنكتشف أن في هولندا طواحين هواء رائعة وزهور توليب جميلة وأن هناك رامبرانت! ولكن مع هذا فجميع من نعرف مشغول بالذهاب إلى إيطاليا أو القدوم منها، والكل يتحدث عن مدى روعتها وجمالها، وهذا سيجعلنا نقضي بقية عمرنا نقول لهم: نعم، نعم، كان من المفترض أن نسافر الى ايطاليا، فتلك كانت خطتنا.
ان ألم فقد ذلك الحلم لن يذهب ويمحى أبدا أبدا أبدا، وستبقى الحقيقة المؤلمة ماثلة أمام أعيننا مدى الحياة، ولكن ان اضعنا وقتنا ونحن نتألم ونتحسر لعدم السفر الى ايطاليا، فسيحرمنا هذا من روعة التمتع بما في هولندا من اشياء وأماكن خلابة وتجارب جميلة.
فاذا كنت من اولئك الذين حطت طائرتهم في هولندا، وقررتم المعيشة فيها، بدلا من ايطاليا، وتشعرون بالحيرة والارتباك، فما عليكم، للتغلب على شعور الوحدة، سوى زيارة موقع Emily Perl Kingsley.

ترجمة عن مقال كتبته اميلي كنزلي، 1987.

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

العشاء أيها القنديل

تلك منازلهم وتلك رسومهم…
كنت قد تطرقت في مقالة سابقة إلى ما فعله عبدالناصر في بعض الأدباء، ومنهم إحسان عبدالقدوس، فكتب الأديب العربي فؤاد قنديل مقالة تدافع عن عبدالناصر وتنكر عليّ، مختصرها: «قل هاتوا برهانكم»، فاتصلت بمحمد إحسان عبدالقدوس أسأله فأجابني: «نعم، عبدالناصر هو من سجن والدي لا مجلس قيادة الثورة، وكان ذلك في عام 1954»… إذاً هذه واحدة يا قنديلنا الذي ينكر أن عبدالناصر دكتاتور تعسف مع الأدباء.
ثم استنجدت بمقاتلي «تويتر» ليعينوني في بحثي عن رسالة عبدالقدوس إلى عبدالناصر، التي لا أتذكر أين قرأتها، فدلوني على الرسالة الكنز، فوضعت الحبل في عنقها والقيد في يديها وأتيت بها هنا، لعلها تكون قنديلاً لقنديلنا فؤاد وبقية عشاق عبدالناصر. على أن أضع كلام عبدالقدوس بين مزدوجين، وأضع هلالين وبينهما نقاطاً – هكذا (…) – للجمل التي لا تعني موضوعنا، أما ما سأكتبه بين هلالين فهو تعليقي. وهاكم بعض ما كتبه إحسان في شرحه لرسالته:
«… لأن الثورة كانت تخطو خطوات ناجحة قوية وكان عبدالناصر في أزهى انتصاراته بعد تأميم القناة وفشل العدوان الثلاثي، حتى أصبح الكثيرون منا يعطونه الحق في كل شيء حتى في فرض الرقابة العنيفة (يقصد الرقابة على الصحف بحسب ما ساقه في الفقرات التي سبقت هذه)… إن النجاح يبرر كل الأخطاء».
وتعالوا نكمل القراءة: «وأصبحت آراؤه الخاصة (يتحدث عن عبدالناصر) في ما ينشر في روز اليوسف تصلني إما عن طريق الرقابة وإما عن طريق أصدقاء مشتركين»… لاحظ كلمتي «رقابة وآراؤه الخاصة»، ونكمل: «وعندما تعمدت إهمال السياسة والتفرغ للأدب لم أسلم من تزمت عبدالناصر»! هل قال «تزمت»؟… ثم تحدث عن أن عبدالناصر أراد منه أن يستبدل جملة «تصبحوا على حب» التي كان يختم بها برنامجه الإذاعي إلى «تصبحوا على محبة»، ويعلق إحسان: «فتوقفت أيامها عن حديث الإذاعة وإلى اليوم»… بالله عليكم كيف يكون التدخل إذا لم يكن هذا تدخلاً؟
وخذوا هذه الفقرة التي اقتطعتها من رسالته للزعيم: «أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيراً بعنوان «البنات والصيف»، وقد سبق أن أبلغني نفس الرأي السيد حسن صبري مدير الرقابة واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي»… سأعيد كتابة الفقرة «اتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي».
وتفضلوا وتفضل يا قنديلنا ما كتبه القنديل الأكبر إحسان عبدالقدوس في رسالته تلك دفاعاً عن نفسه: «يبقى بعد هذا ما حدثني به الزميل هيكل عن دعوة الإلحاد في صحف روز اليوسف والمقالات التي ينشرها مصطفى محمود… وقد أوقفتُ نشر مقالات مصطفى محمود الخاصة ببحث فلسفة الدين (طبعاً بناء على ضغوط من عبدالناصر) ولكنني أحب أن أرفع إلى سيادتكم رأيي في هذا الموضوع (…) إني مؤمن بالله يا سيدي (كتب هذا بعد أن بيّن أنه كان متهماً بالجنس والإلحاد)… لست ملحداً… ولعلك لا تعرف أني أصلي… ولا أصلي تظاهراً ولا نفاقاً، فإن جميع مظاهر حياتي لا تدل على أني أصلي… ولكني أصلي لأني أشعر بارتياح نفسي عندما أصلي، ورغم ذلك فإني أعتقد أن ديننا قد طغت عليه كثير من الخزعبلات والأتربة والتفسيرات السخيفة، التي يقصد بها رجال الدين إبقاء الناس في ظلام عقلي، حتى يسهل عليهم استغلالهم والسيطرة عليهم».
ويعلق إحسان على رسالته التي لا يتذكر هل بعثها إلى الزعيم أم لا: «هذه هي الرسالة التي كتبتها عام 55 لجمال عبدالناصر، وبين كلماتها ما يعبر عن مدى ثقتنا به وحبنا له في هذه الفترة (…) قبل أن تبدأ فترة الستينيات (…) التي أخذت منا كثيراً من الحب الذي كان يجمعنا بعدالناصر».
تلك منازلهم وتلك رسومهم أيها القنديل، لم نزيفها، وما حدث لعبدالقدوس ينسحب على غيره بالطبع ويؤكد تسلط «الزعيم». هذا بخلاف ما فعله مدير مخابرات عبدالناصر «صلاح نصر» في أهل الفن… أقول قولي هذا وأنا أنتظر رد أستاذي القنديل أو دعوته على العشاء البحري – كما نص الرهان – وهو يرفع راية بيضاء فاقعاً لونها تسر الناظرين، بعد أن ثبتت رؤية الهلال. وعهد ووعد بأن أتناول العشاء والرسالة في جيبي، وإذا أراد قنديلنا نسخة من الرسالة فستصله قبل أن يرتد إليه طرفه.
واللهم اسقِ قبور الأدباء القناديل، وارمِ عروش الطغاة بالطير الأبابيل… آمين.

احمد الصراف

القرب والبعد عن العقيدة

يقول صديقي الكاتب المصري غير الشهير انه كان ولا يزال مسلما مؤمنا، ولكن إسلامه معتدل ومحدّث يركز على الشعائر والعبادات وما يوافق مبادئ المحبة والرّفق والإحسان وحسن الخلق، وهو ما علمته إياه المناهج التعليمية. وقال انه كان في نعمة، وكان هذا قبل زيادة التعليم والسفر والاختلاط بالشعوب الأخرى، ومن بعدها ظهور الانترنت والمحطات الفضائية التي جعلت المعلومات والأخبار تنساب بين الناس بسرعة وغزارة غير مسبوقة، مبرزة بشكل فج الإنجازات العلمية لسكان دار الكفر وتحويل العالم لقرية صغيرة.
قبل هذه الثورة العلمية التي لا ناقة لدار الإسلام فيها ولا جمل، كان صديقي فرحا بدينه مباهيا به باقي الشعوب والأمم، فحتى الثمانينات تمّ تطعيم المناهج التعليمية بإسلام غير متطرف، وكان حتى أئمة المساجد يلقون خطبا تأتيهم من الوزارة، وحسب سياسات معينة. ويقول كنا فضلا عن ذلك شبه معزولين عن العالم ولم تكن للكثير من دولنا علاقات دينية عقائدية مع مراكز التشدد الديني، وإن كانت الشرارات الأولى لفكر الإخوان وليدة السلفية الوهابيّة، التي بدأت تقدح هنا وهناك مشعلة نيران صحوة مزعومة لم يكن يعلم أنها صحوة للتخريب والفوضى والكراهية والرعب والبشاعة ولإقامة مملكة الشَّعر (بالفتحة فوق حرف الشين) وليسود ذوو الوجوه العابسة المتجهّمة المرعبة، وأنها صحوة لإحياء فريضة الجهاد الغائبة بين المواطنين، بعد تقسيمهم لفئة ناجية وأخرى ضائعة يتطلب الأمر قتالها فهي موعودة بالنار! وهكذا انطلقت الحرب المقدّسة وظهرت فرق الموت والمفجّرين والانتحاريين وقاطعي الرؤوس في كل مكان، في الوقت الذي كانت البلاد تشهد مدّا جارفا لا مثيل له راح يجرف في طريقه كل ما عرفه وما انتقاه ونقحه من دين، وهو المدّ الذي تمثّل أساسا في كمّ هائل من دوريات وكتيبات وشرائط سمعية بدأت تصل الناس عبر البريد مجّانا لتعيد غربلة أفكارهم وتعليمهم على نهج السّلف الصّالح! ولعب البترودولار دوره في نشر المطبوعات وتجييش الدعاة والرّعاة الأجلاف بغير جهد بفضل منتجات شركات الكفر، وانتهى الحال بإغراق الأمّة من أقصاها إلى أقصاها بقنوات فضائيّة تمارس التجهيل والتّنويم والمتاجرة بالدّين عن طريق أرمادة من الجهّال والتّيوس والدجالين والمنافقين الذين لا يعنيهم غير حساباتهم البنكيّة وبطونهم وغيرها من متعهم. ويقول بأنه الآن، وبعد أن أتاح له غوغل ومكّنه من الإبحار بيسر وأمان كيفما شاء في التّراث ومصادره المختلفة والمتنوّعة واجتهادات مشايخه وتأويلاتهم أدرك أن الغالبية، العظمى، بعيدة جدا عن… الحقيقة!
أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

هل يكون الوزير مظلوماً؟

أحالت لجنة التحقيق في مشاريع طوارئ الكهرباء ثلاثة وزراء الى المحكمة الخاصة بالوزراء، هذا إجراء طبيعي ما دام اتبعت فيه وسائل طبيعية وإجراءات عادية، لكن ما يهمني في هذه المقالة هو إحالة المهندس محمد العليم وزير النفط وزير الكهرباء السابق الى هذه المحكمة من قبل تلك اللجنة البرلمانية، التي شكلها مجلس الأمة للبحث عن الحقيقة في اتهامات بشراء مولدات كهرباء سكراب وتحت ذريعة خطة الطوارئ لصيف 2007!
فكيف للجنة تحقيق تبحث عن الحقيقة وتتحراها توجه اتهاما لشخص من دون أن تطلبه أو تسمع منه وجهة نظره في ما توافر للجنة من معلومات؟!
أنا شخصيا استنكرت هذه الإحالة العرجاء، وبحثت شخصيا في الموضوع علّ وعسى أن أصل الى شيء، ويا لهول ما توصلت اليه! معلومات كثيرة لم تصل الى اللجنة لأنها لو وصلت وأصدرت اللجنة حكمها بإحالة الوزير العليم للمحكمة فستكون مصداقية اللجنة تحت المحك!
جاء محمد العليم الى الوزارة في نهاية مارس 2007، وكانت الوزارة قد انتهت في 2006 من وضع آلية لاعتماد مشاريع الطوارئ، وهذه الآلية تم اعتمادها من جميع الجهات الرقابية. وقد تم توقيع معظم مشاريع الطوارئ قبل مجيء العليم الذي أدرك فقط ثلاثة مشاريع (عقود) تم توقيعها وفقا للآلية خلال الستين يوما الأولى من توليه الوزارة. ولكن السؤال ماذا حدث خلال هذه الفترة التي سبقت اعتماد عقود طوارئ 2007؟! لقد تم بالضبط ما يلي:
ــ وافق القطاع الفني على العروض الفنية المقدمة وأصدر توصياته.
ــ وافق القطاع المالي بعد التدقيق على التوصيات.
ــ أحيلت العروض للجنة المناقصات للتدقيق واعتماد الممارسة المطابقة للمواصفات والشروط.
ــ تحال الممارسة المعتمدة من لجنة المناقصات الى ديوان المحاسبة للتدقيق والاعتماد والموافقة.
ــ بعد موافقة هذه الجهات يحال العقد بصيغته الى ادارة الفتوى والتشريع لاعتماده بشكل نهائي.
ــ بعد كل هذه الموافقات واعتمادها من وكيل الوزارة يعتمدها الوزير.
السؤال الآن: إذا كان الوزير نفذ فعليا كل هذه الإجراءات قبل الموافقة، فهل تلحقه ملامة أو مساءلة؟
للعلم، فقد تبين لي أن هذه المولدات الكهربائية تعمل اليوم بكل طاقتها الانتاجية وليس كما ادّعى البعض بانها سكراب!
ختاماً، أرجو أن اسمع نقاشا ونقدا موضوعيين لما كتبته، وألا نركز على انتماء الوزير المعني وكاتب المقال الى التنظيم السياسي نفسه، ونعلق عليه تاركين العقل والضمير يطرقان الأبواب فلا يفتح لهما.

احمد الصراف

من أسباب تخلفنا

يعتبر ماكس فيبر، (1920 1864- )، عالم الاقتصاد والسياسة الألماني المعروف ومؤلف «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية»، أول من استخدم كلمة البيروقراطية. وسبق أن قال ان الدين عامل غير حصري في تطور الثقافة في المجتمعات الغربية والشرقية، ووصف السياسة كمهنة، وعرف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية، وهو التعريف الذي أصبح محوريا بعدها. درس فيبر الأديان، وكان يرى أن الأخلاق البروتستانتية مثالية ومنها استقى نموذجه المثالي للبيروقراطية، الا أنه لم يطبق قط. كما اعتقد أن القاعدة الاقتصادية في الفكر الاسلامي غير صلبة بما يكفي لاي تطبيقات رأسمالية لمعارضته لمبدأ الفائدة، علما بأن غيره يرى أن الاسلام حابى الرأسمالية بأكثر مما حابتها اليهودية والمسيحية، فالتحالفات السياسية في صدر الاسلام مع طبقة التجار كانت أكثر وضوحا وقوة من علاقة اليهودية أو المسيحية بها والتي كانت تبغض المرابين وتعادي مبدأ الفوائد! كما كانت منطقة الشرق الأوسط، ولعقود طويلة، مركزا للتجارة العالمية، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا العداء الاسلامي للفوائد سببا للتخلف الاقتصادي. من جهة أخرى يعتقد البعض أن سبب تخلفنا اقتصاديا يعود للاستعمار! ولكن آخرين يعتبرون هذا تبريرا غير واقعي، فقد جلب الاستعمار معه الكثير الذي ساهم في تطور المنطقة وزادت في وقته نسبة المتعلمين، ولم يعرف عنه انه نشر الجهل بين المواطنين، بل حاول جلب المنافع لهم، كمثال حملة نابليون على مصر. وفي هذا الصدد قدم البروفيسور تيمور قوران المؤرخ والاقتصادي في جامعة دوك البريطانية في كتابة القيم «The Long Divergence: How Islamic Law Held Back the Middle East» شرحا مغايرا لتخلف الشرق الأوسط اقتصاديا، حيث ذكر أن ذلك يعود لأسباب ثانوية تتعلق بممارسات محددة كالوقف ونظام الارث! فالنظام الغربي مثلا يقوم في غالبه على مبدأ نقل الثروة، كما هي، للابن الأكبر، وهذا يحفظها من التفتت. وعلى نقيض ذلك قواعد الارث الاسلامية، التي بالرغم من عدالتها بين الورثة، فانها تؤدي لتفتيت الملكيات الكبيرة وضياعها بين الورثة واستمرار تفتتها مع الزمن، والنتيجة أن الثروات الخاصة تداعت ولم تستطع دعم أو خلق استثمارات قادرة على خلق أو مواكبة اي ثورة صناعية، كما لاحظ تيمور أن الكثير من الشركات الناجحة تلاشت مع وفاة أحد الشركاء، خاصة ان لم يكونوا من العائلة نفسها. وقد رأينا في الكويت كيف حصنت اسر كثيرة نفسها من هذا الوضع، بحيث نصت عقود تأسيس شركاتهم على استمراريتها وعدم تصفيتها في حال وفاة شريك او اكثر، والأمثلة أمامنا اكثر من ان تحصى.

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

الروائي المصري فؤاد قنديل يرد

يبدو أنني، وعلى غير قصد، اقتحمت عرين الأسد «عبدالناصر» فزأرَت أشباله في وجهي، وأنا من كان يتوقع، مخطئاً، أن جماهيرية عبدالناصر «دفترية» فقط، لا وجود لها في الحساب الختامي، خصوصاً بين المثقفين والكتّاب.
فطوال الأيام الماضية، وبعد نشر مقالتي «أعمامنا»، لم يتوقف سيل الرسائل من القراء المصريين، من داخل الكويت وخارجها، إن على بريدي الإلكتروني أو على «تويتر»… قليل منها يؤيدني وجلّها يخالفني، بل ويكذّبني… اخترت منها كلها هذه المقالة للروائي الجميل فؤاد قنديل، كنموذج ورأي آخر، مع الاعتذار لبقية المقالات والردود… ولضيق المساحة في الصفحة الأخيرة ستُنشر المقالة في صفحة «زوايا ورؤى»، على أن أكتب تعليقي في الأسفل.
——-
مقالة الروائي فؤاد قنديل بعنوان "سقطة كاتب أعتز به"… نشرها، أو سينشرها في "اليوم السابع":
"نشر الكاتب الساخر الأستاذ محمد الوشيحي في صحيفة "الجريدة" الكويتية يوم الخميس 9 يونيو مقالا مميزا عن حرية الكاتب، وكان ككل مقالاته متسماً بالثقافة العريضة وخفّة الظل والجسارة والبلاغة وحلاوة البيان إلا أن به بعض الثقوب في الثوب الأبيض، والثقوب خلفتها المعلومات التي اعتمد عليها وليست من بنات أفكاره، وإن طفت على سطحها رؤاه، ومن ذلك قوله: إن عبدالناصر أرسل هيكل إلى إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ليبلغهم عدم رضاه عن المجون في رواياتهم، وقد توقفت عند الفقرة المتخمة بالمعلومات المفتقدة لأية أسانيد، ولكنها اتهامات مرسلة في محاولة مجانية لمحو ملامح إنسانية رفيعة لزعيم عربي نادر.
أولا: ليس في روايات الحكيم أي مجون فكيف يمكن لعبدالناصر مدمن القراءة أن يلوم الحكيم على ما ليس فيه، بل على العكس فعندما تعرض الحكيم لهجوم بعض النقاد قرر عبدالناصر أن يمنحه عام 1957 "قلادة النيل" أعلى أوسمة الدولة، تعبيرا عن تقديره شخصيا وتقدير الثقافة المصرية بكل أطيافها لإبداع وفكر الحكيم، أما نجيب فقد اعترض الأزهر على رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" التي كانت تنشر منجمة أو مسلسلة في الأهرام عام 1959، وكتب فضيلة الشيخ محمد الغزالي تقريرا يدينها إدانة شديدة ويحتج على نشرها، وأرسل التقرير إلى عبدالناصر، الذي حوله إلى هيكل وطلب منه أن يوقف النشر، قائلا بالحرف: أنا لست مستعدا للخلاف مع الأزهر، هذا كلام الدكتاتور الذي لم يحتمل مجرد الخلاف مع السلطة الدينية، في حين كان غيره وأقل منه بمراحل لا يعبأ مطلقا بهذه السلطة، بل يغير في قادتها كما يشاء.
رد هيكل على عبدالناصر قائلا: إن للأهرام مصداقية مع القراء وسوف نستمر في النشر حتى انتهاء الرواية، وبالإمكان منع نشرها في كتاب أو غيره من وسائل النشر، ووافق عبدالناصر  (الديكتاتور!)، أما روايات إحسان فلم يعترض عليها عبدالناصر لأنه كان ذا أفق مفتوح ويؤمن بحرية الفنون بالذات، بدليل أن إحسان تعرض لهجوم عنيف من عدد من أعضاء مجلس الشعب (مجلس الأمة في ذلك الوقت) عام 1964 وطالبوا بوقف نشر رواية إحسان  "أنف وثلاث عيون" وروايات أخرى، فما كان من عبدالناصر (الديكتاتور!) إلا أن قرر منح إحسان وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، أما إشارة الوشيحي إلى أن إحسان ذاق الأمرّين على يد عبدالناصر فهذا غير صحيح؛ لأن الواقعة الوحيدة التي شهدت سجنه كانت عام 1953 بعد أن كتب إحسان عدة مقالات يهاجم فيها الضباط أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأشهرها مقالته "الحكومة السرية التي تحكم مصر"، أما من طالب باتخاذ موقف حاد مع إحسان فكانوا بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة وليس عبدالناصر لأن علاقته بإحسان كانت وطيدة، ولم يستطع عبدالناصر الوقوف ضد غضب الضباط (لأنه كان دكتاتورا!).
وما حدث مع مصطفى محمود هو بالضبط ما حدث مع نجيب في "أولاد حارتنا"، إذ وصلت إلى عبدالناصر خطابات كثيرة من شيوخ الأزهر ومن القراء، وبدا كأن هناك بوادر غضب واسع، فطلب من إحسان أن يتحدث إلى الدكتور مصطفى ويبلغه الاعتراضات الكثيرة، ورد إحسان على عبدالناصر موضحا أنه لا بأس على الإطلاق من النشر ومن له رأي فليرسله، ووافق عبدالناصر الدكتاتور على هذا الرأي، وانهالت الردود على "روز اليوسف" حول مقالات الدكتور مصطفى، وطرحت الكثير من الأفكار وتنوعت الرؤى وشاعت حالة من الثراء الفكري.
لقد أفضت كل هذه المعلومات المغلوطة إلى أن يصف الوشيحي عبدالناصر بالمتدين الأكبر، وقد كان عبدالناصر بالفعل متدينا مستنيرا ويحرص على علاقته مع الله، أما الحديث بغرض السخرية والإهانة فإن الأمر يتجاوز حدود حرية الكاتب، ويظل الوشيحي برغم ذلك أحد أهم كتّاب الأدب الساخر في العالم العربي".
***
هذه كانت مقالة أستاذنا فؤاد قنديل، ذي القامة الشاهقة، وتظهر فيها اتهامات واضحة بأنياب ومخالب، تشير إلى أنني سقت معلومات لا أسانيد لها، أي أنني "معطتها من جيبي" كما نقول في لهجتنا… لذلك سأطلب من أستاذي قنديل ومن غيره من محبي عبدالناصر ومريديه مهلة من الوقت، كي أبحث عن أسانيد لمعلوماتي التي زودتني بها ذاكرتي الخربة.
على أنني إن لم أجد الأسانيد، وهذا أغلب الظن، فسأعلن هنا أنني مدين للأستاذ قنديل بعشاء بحري على النيل، وإن وجدتها– قولوا يا رب– فهو المدين لي بالعشاء البحري… ويا معين.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

مشكلة الطب الوزاري

تعتبر الكويت أكثر دول العالم ثراء بما تمتلكه من أرصدة نقدية، مقارنة بعدد السكان، ولكنها في الوقت نفسه هي أقرب إلى الفقر في مجال الخدمات الأساسية كالطب والتعليم! ولو أخذنا مثلا ما تقدمه وزارة الصحة من خدمة في مجال التشخيص، وهو بداية كل علاج، وأهم طرقه الاستعانة بجهاز الرنين المغناطيسي MRI، لوجدنا أننا نفتقد مثل هذه الخدمة بشكل مخيف، حيث تمتد مواعيد الفحص على هذا الجهاز إلى أشهر عدة تمتد إلى سبعة او ثمانية أحيانا، وهذا يحدث في عهد وزير نشط ومخلص ونظيف خبر الوزارة وعركها لسنوات طوال وكان استاذا لعدد كبير من خيرة الأطباء، ولنا أن نتخيل الوضع في عهد من سبقه او من سيأتي بعده.
إضافة إلى ذلك فإن محبتنا واحترامنا للدكتور هلال قد يمنعانا من قول كل ما نعرف، أو نعتقد اننا نعرف، ولكن محبتنا لوطننا ولصحة ابنائنا تتطلب منا مصارحته، فإن لم يوفق هو بالذات في إصلاح الوزارة فإن الأمل في غيره صعب جدا، إن لم يكن من المستحيلات. ولهذا نقول له، بكل صراحة، وهو يعلم بصدق نوايانا، إن أكبر مشاكل الوزارة هو «عدم أمانة» من يعمل فيها من كويتيين وغيرهم، سواء من أطباء أو إداريين! نقول له ذلك وهو الذي عرف عنه، وقبل ان يصبح وزيرا، مدى حساسيته الشديدة من قضايا الرشى، وكيف أن الجميع تقريبا منغمس فيها، وربما لهذا السبب كان أول ما قام به عند توليه منصبه، ومن واقع قناعاته الخاصة، هو تقريب من توسم فيهم الخير، وابعاد من سبق ان حامت الاشاعات حولهم، ولكن قوة بعض شركات المعدات الطبية ووكلاء الأدوية كانت غالبا ما تتجاوز قوته، وكشوف الفائزين بالمناقصات سنة بعد اخرى خير دليل على ذلك!
كما أن فكرة الاستعانة بجامعة «ميجل» لتطوير بعض أنشطة الوزارة لم تكن موفقة، فمستوى من تمت الاستعانة بهم ليس أعلى مما هو موجود من مستويات طبية عالية في المستشفى الصدري، على سبيل المثال وليس الحصر، من أمثال فوزية الكندري وعلي الصايغ وابراهيم الرشدان ورياض طرزي وغيرهم.

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

القهوة والبار

خلال فترة عضويتي في مجلس أحد المصارف المحلية عارضت بشدة فكرة فتح فرع للتعاملات الإسلامية في البنك، وهي الفكرة التي سبق ان أقرها مجلس ادارة سابق، وكان موقفي، الذي لم يعجب «مستشار البنك» وقتها، مبنياً على مبدأ ايماننا بمشروعية ما كنا نقوم به من عمل مصرفي، وفتح فرع يعمل على أساس ديني مغاير يعني اعترافاً بأننا نعمل بطريقة غير مشروعة أو اخلاقية، ولا يعقل بالتالي ان نكون في تجارة حلال وحرام في وقت واحد! فلا أحد مثلا سيحترم من يدير محلين متجاورين الأول يبيع المشروبات الروحية والآخر يبيع الكتب الدينية، مع الفارق طبعاً بين البنوك التقليدية وتلك المسماة بالإسلامية! ومخطئ من يفتخر بما قامت به المصارف العالمية من فتح فروع او وحدات «اسلامية» والاستدلال بذلك على صحة الفكرة، فعمل هؤلاء ليس إلا محاولة لاستغلال سذاجة البعض منا والضحك على عقولنا بمساعدة بعض الملتحين بيننا!
أكتب ذلك بمناسبة الاضافة المفيدة التي وردتني من الاخت صفاء الهاشم، رئيسة «ادفانتج للاستشارات» تعليقاً على مقال سابق لنا عن المتاجرة بالدين من قبل المؤسسات الإسلامية، وما ورد في بداية الدراسة الجادة التي قامت بها وفريقها في شركة ادفانتج، نقلا عن السيد صالح كامل، رئيس غرفة التجارة في السعودية، ردا على سؤال عن سبب عدم سماح المملكة للبنوك الاسلامية، العربية وغيرها، بفتح فروع في السعودية، حيث ذكر بان السماح لها بذلك يعني اقرارا بان البنوك السعودية غير اسلامية وهذا يتناقض مع تأكيدات المسؤولين بأن جميع بنوك السعودية تعمل طبقا للشريعة! وكلام صالح كامل، على الرغم مما عليه من مآخذ، فإنه أكثر جدية وصدقا مع النفس من الآخرين.
أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

يطالب بالنظام وعينه على الشهوة!

بعض أبناء الإسلام ـــ مثل قلة من الزملاء الذين يكتبون في الصحافة المحلية ـــ يتمنى لو أنه لم يولد مسلماً! أو أنه لا يمت إلى هذا الدين بصلة! وهذا ليس تجنياً عليهم بقدر ما هو استنتاج مما يكتبه هؤلاء في زواياهم من مقالات تفوح منها رائحة الحسرة على الانتماء إلى هذا الدين!
كيف لا وهم يُحَمّلون كل مشاكل هذا الكون على الاسلام والمسلمين؟ ألم يكتب أحدهم عن مشاكل طبقة الأوزون ويرجع أسبابها إلى ما أسماه التخلف الفكري المسيطر على أذهان المتزمتين؟!
ألم يقل آخر إن ظاهرة انتشار الغبار بسبب انتشار اللحى في الشوارع؟!
ألم يكتب أحد هؤلاء المخبولين عن توقف قطار التنمية وتعطل المشاريع بسبب كتلة التنمية والاصلاح؟ أما قرأتم ما ذكره أحدهم من أن وجود كويتيين فقراء بسبب انتشار اللجان الخيرية في الكويت؟!
ألم يرددوا كثيرا ان من أسباب كساد الاقتصاد وضعف الموارد تحريم الخمور ومنع النوادي الليلية؟! حتى أن أحدهم تساءل: ليش تجيكم الناس اذا كل هذا ممنوع؟!
أشعر وأنا أقرأ لهؤلاء أن في صدورهم كتمة وضيقاً نتيجة وجودهم في هذا المجتمع المحافظ، والذي لو أمعنا النظر فيه جيدا لوجدناه مجتمعا منفتحا للاخر لولا قلة من المبادئ والموروث ما زلنا نتشبث بها.
ولأن ضيقة الخلق التي يعيشونها تجيب الذبحة الصدرية وتصلب الشرايين، فأقول لهؤلاء ناصحاً إن أفضل علاج لهذا المرض النفسي الذي يعانون منه هو أن يرجعوا بقلوبهم الى الله ويطلبوا ما عنده من خير ونعيم فهو الباقي والدائم وما يشاهدونه من مظاهر المتعة والوناسة في ديار الغرب هو صورة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فالذي يعيش في الغرب ويسبر أغواره يجد ويكتشف أنه مجتمع معقد مليء بالرعب النفسي والشقاء والتشتت الذهني.
مشكلة بني جلدتنا هؤلاء أنهم يرون النظام والبساطة والشفافية وعدم التفرقة على أنها السمة الغالبة على هذه المجتمعات، ونقول قد يكون هذا صحيحاً، لكن كل ذلك مما دعا إليه الإسلام، ولكن لم يلتزم به المسلمون، فالعلة فينا وليس في انتمائنا. كذلك لا بد من الاشارة الى ان هَمّ بني جلدتنا وغاية مرادهم هما الوناسة والمتعة ولو كانت محرمة!
لذلك معظم مطالباتهم بالتحلل من الضوابط الشرعية والسلوك الاخلاقي الملتزم، وما يهمهم بعد ذلك طبيعة الأنظمة التي تحكمهم، وهذا قصر نظر وبعد عن الواقع.
فرقوا بين ما فيه المسلمون اليوم من تخلف وفساد مالي وسلوكي وبين ما يجب ان يكونوا عليه وفقا لمبادئ الإسلام، وفرقوا بين ما في الغرب من مظاهر ايجابية في السلوك العام والإدارة العامة وبين ما تطالبون انتم به من استيراد التحلل والانفلات الأخلاقي.
قال تعالى: «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين» (آل عمران ـ الآية 85).

احمد الصراف

النكتة والنكبة

جلس الرجل أمام مستمعيه وأسمعهم نكتة جميلة فضحكوا منها بشكل جنوني. بعد لحظة صمت، وعندما استعاد الجمع هدوءه، كرر إلقاء النكتة نفسها مرة ثانية ولكن قلة فقط ضحكت هذه المرة. وبعد لحظة صمت اخرى كرر إلقاء النكتة نفسها المرة تلو الأخرى وعندما لم يضحك أحد من الحضور ابتسم وقال: أتفهم جديا سبب عدم ضحككم من نكتة سمعتموها المرة تلو الأخرى، ولكن ما لا أستطيع فهمه هو سبب استمراركم في البكاء على القضية أو الحالة أو المحنة أو المأساة نفسها شهرا وراء آخر وسنة بعد اخرى، ولعقود وقرون تالية! ولماذا لا تكون لنا القدرة على نسيان الماضي وجعله خلفنا، بعد التعلم منه، والمضي قدما في الحياة؟
ولو نظرنا إلى وضع شعوبنا، لوجدنا أن عددا لا بأس به وكأنه استمرأ عملية اجترار أحزان الماضي سنة بعد اخرى، وهو ربما يعتبر هذا نوعا من الوفاء، أو الصدق مع النفس أو نوعا من الحث على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل مبادئ أعظم وأعلى، ولكن ما فائدة هذا الوفاء وهذه التضحية والحزن إن لم تساهم في رفع مستوى تفكيرنا وتحسين معيشتنا وجعلنا بشرا افضل من غيرنا، فما جدوى الإيمان بوقائع ومواقع لا أحد بإمكانه الجزم بصحتها، إن لم تساهم في جعلنا اعزة، وماذا جنينا من كل هذا الحزن والبكاء واللطم وشق الجيوب؟ هل حلت مشاكلنا الحياتية والنفسية والمالية، أو أصبحنا أكثر تحملا لها، أو أصبحت أوضاعنا المعيشية أحسن أو استعدادنا للتضحية أكبر؟ لا شيء من ذلك، فتصرفات واحوال شعوب عدة خير دليل على ما نرى، فأحوالنا منذ الفي عام أو أكثر لم تزدد إلا سوءا، عاما بعد آخر، بخلاف فترات قصيرة من الزمن الضائع، ولو نظرنا إلى حال بقية دول العالم، من غير البكائين، لوجدنا شيئا آخر، فروح الفداء والتضحية لديهم ليست بأقل من عندنا، إن لم تكن أفضل، ومستواهم المعيشي في تقدم مستمر وعلومهم في ازدياد، وجامعاتهم تطفح بالدارسين ومختبرات لا تتوقف عن إخراج الأفضل ونحن لا نزال نعتقد ان البكاء على الماضي سيعيد لنا شيئا مما أضعناه من وقت وكرامة ومال؟
يقول ابن خلدون في مقدمته: فهل هي العصبية التي تقود تصرفاتنا اللاعقلانية أم أننا فقط كارهون لبعضنا البعض،ام ما هي إلا تجارة فيها خاسر ورابح فقط؟

أحمد الصراف
[email protected]