انتهى آخر استجوابات الرئيس في دور الانعقاد الحالي، الذي سينتهي هو الآخر نهاية هذا الأسبوع لنبدأ إجازة صيفية حارة وقصيرة، حيث سيحل علينا شهر رمضان الكريم في منتصفها، ورمضان حلاته في الديرة إذا كنت ممن يرغبون في استشعار الصوم وعادات الصوم وطبايع أهل الكويت.
ولكن ماذا بعد الاستجواب الأخير؟
استطاع رئيس الحكومة أن يثبت سعة صدره بالممارسة الديموقراطية ويتحمل ما قيل وما يقال وما قد يقال من تعنيف وتوبيخ ونقد لاذع وغير لاذع واتهامات في ذمته المالية واستغلال النفوذ.. الخ من اتهامات تقبلها بطريقة يحسد عليها وغير مسبوقة، مع انني شخصيا ما زلت اعتقد ان ادارته للحكومة سبب مشاكلنا اليوم.
المهم على الطرف الآخر الآن ان يتقبل ما آلت اليه الأمور وانه مارس دوره بالكامل من دون تضييق و«بيض الله وجهه»!! وقد حان الوقت ليرفع ملاحقة رئيس الحكومة من أجندته انتظارا لحكم المحكمة الدستورية المقبل مع بداية دور الانعقاد التالي. كل خوفنا أن يشعر الناس أن مساءلة سمو الرئيس أضحت شخصية وليست إصلاحية! كل خوفنا ان يكفر الناس بالممارسة الديموقراطية عندما يتابعون كيف يمارس النواب صلاحياتهم. لذلك حان الوقت للتفرغ لإصلاح الأوضاع الخربانة ـــ وما أكثرها ـــ وإقناع ولي الأمر ان هذا الخراب سببه سوء الإدارة. هنا سيمارس ولي الأمر صلاحياته لتحقيق ما تصبون اليه بدلا من أن يمارس معكم أسلوب العناد وتكسير الروس.
أثبتوا يا نواب الأمة حرصكم ـــ وانتم كذلك بلا شك ـــ على إنجاز الإصلاحات الموعودة، وبيّنوا ان أساس المشكلة في الأداء الحكومي وانتم ما قصرتم في التشريع الإصلاحي، واثبتوا أن الشق عود، عندها لن يلومكم أحد اذا استجوبتم الرئيس، لكن أن تبدأوا مشواركم من أول يوم باستجواب وتختموا آخر يوم باستجواب فهذا أمر أصبح طوق نجاة للحكومة لتواجه به الشعب كدليل على الشخصانية.
• • •
(ثورة الجمعة)…
المتظاهرون يهتفون: الله أكبر.. الله أكبر.
المتظاهرات.. نساء محجبات ومنقبات.
التظاهرات.. تبدأ من المساجد في يوم الجمعة المبارك.
المُتظاهَر ضده.. أنظمة عربية فاسدة وإرهابية أذاقت شعوبها الذل والهوان طوال عقود من الزمن.
إنها العودة الى الله.. شئتم أم أبيتم!!
الشهر: يونيو 2011
مؤشرا الحياة (2/1)
هناك مؤشران يمكن ملاحظتهما في ما يتعلق بتطور الشعور الديني ونموه لدى مختلف المجتمعات، فالأول يبين زيادة الاهتمام الديني لدى بعضها والحرص على الانتصار للدين والدعوة له ومقاومة المخالفين له، والآخر يبين اهتماما أقل بالموضوع نفسه. وقد تطور المؤشران بصورة تدريجية، ولكن الثاني تسارع في المائة سنة الأخيرة بشكل واضح، وخاصة في المجتمعات الغربية الأوروبية المتقدمة علميا، فنسبة عدم الاكتراث بالمؤسسة الدينية في دول كالسويد وصلت إلى %64 وفي الدانمرك %48 وفرنسا %44 أما في مجتمعات صحراء أفريقيا مثلا فلم تتجاوز الــ %1. وطالما حيرت هذه الظاهرة علماء الإنسان لعقود إلى أن جاء جيمس فريزر وافترض أن التنبؤ العلمي، وما توصل له الإنسان من قدرة على التحكم في الطبيعة أدى أو ساعد في استئصال، أو تقليل أهمية المعتقد الديني ودوره كوسيلة لمعرفة غير المنظور أو التحكم فيه وفي حياتنا. وقال انه كلما ازداد انتشار التعليم قل انتشار التدين! كما لاحظ فريزر وجود علاقة متبادلة بين ضعف الاعتقاد والذكاء، فغالبية هؤلاء من خريجي الجامعات وأهل المدن والأكثر ثراء والذين لديهم شعور أقوى بالأمن المادي والمعيشي. أما غيرهم فأكثر لجوءا للمعتقد لمواجهة مشاكلهم وغير المعروف في حياتهم. كما نجد أن برامج الرعاية والضمان الاجتماعي في المجتمعات المتقدمة قد أزالت الخوف من المجهول من فكرهم. كما ساهم ما يتمتعون به من تأمين صحي، وفي الشيخوخة في جعلهم أكثر قدرة على مواجهة قوى الطبيعة ومتطلبات الحياة، مقارنة بغيرهم الأقل حظا والأكثر إيمانا بالغيبيات التي تلعب دورا اكبر في حياتهم.
***
ملاحظة: لفت الزميل صالح الشايجي نظرنا الى حقيقة أن بكر صدقي هو أول عسكري في التاريخ العربي المعاصر يقوم بانقلاب وكان ذلك في العراق في أكتوبر عام 1936 في عهد الملك غازي، واغتيل بعد أقل من عام.
أحمد الصراف
بالروح بالدم نفديك يا نجاد
التاريخ يصرخ: «كلاكيت ثاني مرة»، فيهدأ الضجيج وتتوقف الضحكات في أفواه أصحابها… ويتقدم هذه المرة أحمدي نجاد ليقوم بدور البطل في النسخة الحديثة من الفيلم بدلاً من صدام حسين.
في الثمانينيات من القرن الفائت، كان العراقيون «يمونون» على البيت وأهل البيت، كانوا يبدّلون الديكور، ويحددون لون رصيف شارع الصحافة، وكانت السفارة العراقية تمثّل أكبر جالية في البلد، وكل من يحتج هو «خائن للعروبة» وضد «البوابة الشرقية» وعدو «سعد بن أبي وقاص» رضي الله عنه… فيستعين بالصمت ويتجرع «السم السِّقَطْري».
واليوم «يمون» الإيرانيون على البيت بمطبخه وغرف نومه، ويحددون لون رصيف شارع الصحافة، وتسيطر طائراتهم الورقية على الفضاء، وتمثل السفارة الإيرانية أكبر جالية في البلد، وكل من يحتج هو «طائفي» وضد «الممانعة» وعدو «الحسين بن علي» رضي الله عنهما… فيستعين بالصمت ويتجرع «السم السقطري».
الاختلاف في أسماء الصحابة فقط، والأيام دول، وشارع الصحافة نداوله بين الناس، ومن يتحدث عن إيران اليوم «مهوب عاقل» على رأي السعوديين… وعلينا، نحن الشعب الكويتي، أن نضع أيدينا على خدودنا الكريمة لسبعة أشهر من التشرد، وننتظر رقم قرار مجلس الأمن.
وسابقاً، أيام صدام، كانت حكومتنا مرتبكة ربكة من وقعت سيجارته في حضنه وهو يقود السيارة، فارتاع ونفض ثوبه، فوقعت السيجارة على الكرسي، فنفضها، فوقعت على أرضية السيارة، فداسَ على الفرامل، فصدمته السيارة التي خلفه… وكانت ليلة.
وهذه الأيام، أيام نجاد، تنام حكومتنا على الأريكة في الصالة بكل «أمان وطمان»، وتستيقظ فتخرج إلى مقر عملها وتترك «نجاد» في المنزل بمفرده مع عيالها وبناتها، فـ «نجاد» محرَم لها.
أيها السادة، اخلعوا نعالكم كي لا يتسخ السجاد الإيراني الذي يغطي أرض الكويت من المحيط إلى الخليج… وارفعوا أصواتكم: «بالروح بالدم نفديك يا نجاد»… وسلموا لي على إيران وبلّغوها تصفيقي.
الكويت ليست إقطاعية خاصة بكم
فوضى وصراعات بيت الحكم وجدت صداها في بيت الأمة اليوم، وغداً سنحصد خراب الدولة زيادة على فساد إدارتها في الحاضر، ليس سراً أن عدداً من أبناء الشيوخ اشتروا لهم منصات إعلامية في الصحافة والتلفزيون لتوجيه معاركهم كل نحو الآخر، فلم يعد كافياً في إدارة صراع الشيوخ المنح والعطايا والتسهيلات التي تمنح لنواب الذمم الواسعة، وأصبح من الضرورة عند الطامحين من شيوخنا مد الاستقطابات السياسية إلى الشارع وإلى الناس الحائرين والتائهين في ما يحدث. وكأن هذا «اللي ناقصنا»!
خلط الأوراق أصبح ضرورة عند نواب يريدون رأس الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء بأي ثمن، وصراعات القصور توفر لهم أفضل الفرص، فإذا كان من الواجب نقد حكومة الشيخ ناصر لفشلها في قضايا كبرى، مثلما صرح النائب خالد السلطان بأن هذه الحكومة متهمة بالكثير من الأمور مثل ارتفاع ميزانية الدولة من 2006 إلى 2010 من عشرة مليارات إلى عشرين ملياراً، وتدمير القطاع الخاص، وتراجع مؤشر الحريات… (جريدة الراي عدد أمس) إلا أن هذا الفشل لحكومة الشيخ ناصر لا يبرر لزملاء النائب خالد السلطان تقديم استجواب ينضح بالروح الطائفية، فاستجواب الوعلان والطبطبائي وهايف يرمي إلى محاسبة الدولة كلها على موقف الحكومة في أحداث البحرين، فهل كان يفترض أن تعلن الكويت الحرب على إيران وأن يقمع شيعة الكويت ويتم «تخزيمهم» حتى يرضى مشايخ المجلس؟ إذا كان مثل هذا الاستجواب يرمي إلى محاولة الإطاحة بالشيخ ناصر المحمد فقد وقع طلابه في وهم كبير، وأصبح هؤلاء النواب بقصد أو بدون قصد مخلب القط لمعارك القصور.
واقع الدولة اليوم مزر، وأمورها تسير من سيئ إلى أسوأ، وليس لبيت الحكم المشغول بصراعاته الداخلية رؤية ولا منهج لحل صراعاتهم أو مشاكل الدولة المزمنة، فالعقلية التي تدار بها الأمور على حالها وعلى طمام المرحوم، ليت شيوخنا يمدون رقابهم إلى خارج حدود الدولة ويطالعون ما يجري الآن في دولنا العربية، ليت شيوخنا يقرأون التاريخ وعبره، فنحن لا نريد في النهاية غير الأمان لليوم والغد، وما يحدث بينكم الآن لا يخلق غير القلق والريبة، وتذكروا أن الكويت ليست إقطاعية خاصة بكم كي تتنازعوا على صكوك الملكية.
الشيشكلي والعرب
يعتبر حسني الزعيم أول من قام بانقلاب عسكري في تاريخ سوريا، وربما العرب، ففي مارس 1949 قام باعتقال الرئيس شكري القوتلي وعين نفسه مكانه. وتبعه في مسلسل الانقلابات أديب الشيشكلي، الذي أصبح رئيسا في ديسمبر 1949، وهذا فتح شهية عسكر بقية الدول العربية، حيث توالت انقلاباتهم في مصر والعراق وليبيا والجزائر والسودان وموريتانيا وتونس، وحتى لبنان والأردن والمغرب، وإن من دون نجاح يذكر. وتكررت الانقلابات بشكل غريب قبل ان يتعلم العسكر الدرس ويمسكوا بزمام الأمور، وليصبح الانقلاب عليهم صعبا، بعد أن تسلمت طوائفهم وأسرهم، بالتعاون مع الأجهزة السرية، الحكم، وهكذا انتهت مرحلة الانقلابات لتبدأ مرحلة دكتاتوريات الأسر! وفجأة غيرت انتفاضة تونس الشعبية الوضع لتتبعها مصر، ولتدخل ليبيا واليمن مرحلة الحرب الأهلية وتلحق بهما سوريا، وهذا دفع الناس للانتقال من بيوتهم إلى الشارع مطالبين بحريات أكبر وإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين من الأبرياء ومحاكمة المفسدين، وإجراء إصلاحات سياسية، وحتى الآن تبدو كل هذه الحركات وكأنها انتفاضات شابة وغير دينية نجحت في كسر حاجز الخوف وأظهرت، ولأول مرة، استعداد الكثيرين للتضحية بأرواحهم من أجل الكرامة والعزة (!!) وبالرغم من أن الغالبية مؤيدة لهذه الانتفاضات، قولا على الأقل، إلا أن بعض «المثقفين» شعروا أن الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة، فهذه الانتفاضات ستصاحبها فوضى وعدم استقرار، قبل ان تستقر بشكل نهائي، ان استقرت أصلا! كما أن هناك احتمالا كبيرا في أن تنجح القوى الدينية، والإخوان بالذات، في تسلم الحكم في أكثر من دولة، وهذا أخاف المثقفين والليبراليين، إلا أننا، كما يبدو، بحاجة لأن «نجرب» حكم الإخوان، حيث يبدو أننا لم نتعلم من فشل تجربة الملالي في إيران، وبالتالي نحن بحاجة لفشل «عربي» لنثبت خواء فكر المسيسين دينيا، وميلهم المخيف نحو الدكتاتورية. كما من الضروري كشف أسطورة الدولة الدينية، فما يصدر عن أعضائها من ضجة، إضافة لتواضع لغتهم المحنطة التي تحاول ترويج سوء أفكارهم وخططهم، سرعان ما سيبين أن ما لديهم من حلول للمشاكل الاقتصادية والتربوية والسكنية ليست باحسن من غيرهم. كما أن عجزهم عن محاسبة زعمائهم ومرشديهم سيؤدي بهم في النهاية للدكتاتورية! إضافة إلى ان احتماءهم بمجموعة من النصوص العتيقة والهلامية الخاوية التي لا تصلح لقيادة دولة عصرية بكل تعقيداتها، سيعجل بنهايتهم إلى الأبد، وفوق كل ذلك ليس امامها غير الديموقراطية طريقا، مما يعني أن عليهم القبول بـ«الآخر المختلف»، إن كان قبطيا او كاثوليكيا، وأن لهم ما للأغبية من حقوق في الإدارة والحكم، فإن قبلوا بذلك فسينسف ذلك كل سابق ادعاءاتهم، وإن رفضوها فالنتيجة أكثر سوءا!
أحمد الصراف
[email protected]
نحن وجزيرة الغنى
وصلت قبل يومين لجزيرة «بورتوريكو» الخلابة في وسط البحر الكاريبي، ويعني اسمها بالعربية «ميناء الغنى او الثراء». اكتشف كريستوفر كولمبوس «بورتوريكو» عام 1493 وضمها إلى اسبانيا، وكان يقطنها شعب الأبوريجينيس الذين انقطع نسلهم تقريبا نتيجة التعذيب في أعمال السخرة والقتل والأمراض المعدية من الأوروبيين، ولكنهم تحرروا في عام 1520، وبقيت الجزيرة بأيدي الاسبان إلى أن غزتها أميركا في 1898، وهي السنة نفسها التي تخلت فيها اسبانيا عن استعمارها للفلبين وجزيرة كوام. أصبحت بعدها «بورتوريكو» مستعمرة أميركية قبل ان تنال الحكم الذاتي في 1947 وتنتخب حاكمها ومجلسي نوابها في انتخابات حرة مباشرة، مع بقائها ضمن الكومونولث الأميركي، ولتبقى الاسبانية لغتها الرئيسية، بجانب الإنكليزية التي تتقنها الغالبية. تبلغ مساحة الجزيرة 10 آلاف كيلومتر، ويقل عدد سكانها عن الأربعة ملايين، يوجد ما يماثلهم عددا في المهجر، وهي تعتمد في اقتصادها على مساعدات الحكومة الأميركية وما يرسله أهلها في الخارج.
بالرغم من بعد الجزيرة عن عالمنا وقلة اهتمام أهلها بأوضاعنا وقضايانا، إضافة إلى تدني عدد العرب والمسلمين فيها، فإن النشرة التي يقوم الفندق الذي اقيم فيه بإصدارها يوميا، والتي تتضمن ملخصا لأخبار العالم، تكاد تقتصر، في جانبها الدولي، على اخبار العرب والمسلمين ومشاكلهم وقضاياهم، وكأن «ليس في البلد غير هالولد»! ففي نشرة اليوم هناك خبر عن فشل عقد مؤتمر القاهرة الذي كان سيضم السلطة الفلسطينية و«حماس»، وخبر آخر عن ليبيا وموقف القذافي من قوى المعارضة، وثالث عن قيام بعض قادة فصائل «طالبان» في افغانستان بتغيير مواقفهم، والانضمام إلى الجانب الحكومي المدعوم من اميركا، وخبر رابع عن زيادة عدد اللاجئين السوريين إلى تركيا والهاربين من بطش السلطة، وآخر يتعلق بضغط العسكريين الأميركيين على حكومتهم للتفاوض مع حركة طالبان، وسادس عن استمرار عدم استقرار الأوضاع في اليمن الذي لم يكن سعيدا يوما، حسبما نتذكر، والخبر الأخير عن زيادة فرص حركة الإخوان المسلمين في حكم مصر في المرحلة المقبلة!
فمتى يستريح العالم من مشاكلنا وقضايانا؟
أحمد الصراف
[email protected]
حصاد السنين .. ويبقى الإسلام شامخاً
عظمة هذا الدين انه من عند الله..
وعظمة هذا الدين انه خاتم الأديان.. وأكملها.. وأتمها.. وأصلحها للعباد.
ودليل هذه العظمة انه منذ أربعة عشر قرناً.. وكل يوم تتأكد صلاحية هذه العقيدة وكمالها.. وكلما اكتشف العلم حقيقة قاطعة وجدناها في القرآن، منذ ذلك الوقت البعيد كانوا أعراباً.. حفاة عراة.. لا يعرفون غير السلب والنهب وتسود فيهم شريعة الغاب.. فأكرمهم الله بالإسلام.. وحدد الحقوق والواجبات الفردية والجماعية.. ونظم العلاقات الإنسانية والاجتماعية.. فأصبحوا بنعمة الله اخوانا.. فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
وكانوا ضعافا اذلاء.. تغزوهم الفرس وتسلبهم الروم وتذلهم.. حتى أصبح المناذرة حاشية للفرس والغساسنة حاشية وحماة للروم، وعندما انتصر العرب في ذي قار سجلها التاريخ لندرة المعارك التي ينتصر فيها العرب قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام أعزهم الله.. وأصبح الروم إذا سمعوا بجيش المسلمين تحرك من المدينة يرتعبون ويعلنون استسلامهم قبل وصول الجيش لما رأوا من بأسه وقوته، («نصرت بالرعب مسيرة شهر» حديث شريف).
لقد أسس محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ نظاما شرعيا قانونيا.. وحدد الأطر الرئيسية لنظام اقتصادي فريد.. وأعطى للنفس البشرية قيمتها («من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».. صدق الله العظيم). وأصّل للعلاقات الاجتماعية («المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله»، «وبحسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم»، «ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»). ولما استمر الخلفاء يحكمون بشرع الله ويطبقونه.. فتحت لهم الأمصار ودانت لهم الأرض بشرقها وغربها وتطور العلم والبحث العلمي بشكل كبير، لكنهم عندما تركوا ذلك وانغمسوا بالشهوات والملذات وأصبحوا (تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) انطبق عليهم قوله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فصدوا عن الله.. وصد الله عنهم.. ورجعوا كما كانوا قبل أربعة عشر قرنا شتاتا هنا وهناك.. بعضهم ولاؤه للغرب.. وبعضهم ولاؤه للشرق.. وبعضهم ولاؤه لشهواته.. وأصبح الدين تهمة.. والتدين شبهة.. والعمل الخيري جناية.. فنشأ التطرف بكل اتجاهاته.. واختلط الحابل بالنابل.. والتبس الأمر على جيل هذا اليوم ولم يعد يعرف الحق من الباطل.. واستغل دعاة التطرف الليبرالي هذا الظرف فأخذوا يطعنون بأصول الدين ومفاهيمه، ولم يوضحوا للناس ان العلة ليست في الدين بل في ترك الناس لتعاليم الدين.. وكثرت الشبهات وانتشر عبدة الدينار في كل مجال وتشوه العمل الخيري وتشوه الدعاة وما زال البعض يحاول تشويه الدين.. لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. والحمد لله انتبه الناس الى ما آلت اليه أحوالهم وهاهم يعودون الى الله من جديد وهاهم يرفعون الراية الإسلامية بعد ان هجروها.. وها هي «الجمعة» تحيي في النفوس معاني العزة وتعيد للعقل كرامته.
ختامها عبق
في رسالة أشبه بالنقطة آخر السطر، كتب الروائي الكبير فؤاد قنديل هذه المقالة ليختم بها سجالنا… وبعد أن أشكر أستاذي القنديل، أتمنى ألا يكون أحد منا قد تجنى على قبور الأموات.
وها هي المقالة المسك تعطروا بعبقها:
الكاتب القدير الأستاذ محمد، لك التحية القلبية، والأمنيات العطرة، والشكر الجزيل على تعليقاتك النبيلة، التي تبغي مخلصة بلوغ الحقيقة.
أما قبل – فإن العشاء يحق لك عليّ ليس لما تحسبه انتصاراً بلغته وأعلنته، بل لأسباب أخرى، منها:
أولاً: أن العشاء مستحق لك عليّ منذ سنوات تقديراً لمقالات مبدعة وفائقة الأدب، لها قدرة فريدة على تحليل المعاني والمباني… الألفاظ والمواقف، وقد اعتدت أن أتلقاها بتركيز ومحبة واستشراف للجمال الذي تشعه، وقد عبرت عن هذا في رسالة بعثت بها إليك قبل عام، ويبدو أنها لم تصل.
ثانياً: أنك استقبلت اختلافي معك استقبال الكريم الذي لا ينزعج من الآخر، ولا من رأيه، مهما بدا مناقضاً، أو على غير الهوى.
ثالثاً: أنك أقبلت تبحث وتنقب عن الأسانيد والأدلة التي ترجح رأيك وتؤكده، وهي سمات أثمنها غالياً، لأنها سمات العالم الجاد الذي لا يكتفي بتدبيج المقالات، وتسويد الصفحات، بقدر ما تعنيه دقة المعلومة، وصواب الرأي، متجنباً الظلم قدر الطاقة.
أما ردك الذي احتشدت له، فاسمح لي أن أعلق عليه بما يلي:
1 – ليكن ما ذكرته عن منح عبد الناصر أوسمة رفيعة للحكيم وإحسان وغيرهما جزءاً لا يتجزأ من محاولتنا المتواضعة لرصد موقفه من الأدباء.
2 – أنا لا أدافع عن عبد الناصر، ولكني لا أميل إلى إنكار حقائق ذات أهمية بالغة، ودور صعب تجاهله.
3 – كان عبد الناصر في عيد العلم يكرم عدداً من الأدباء، ويتم اختيار أحدهم ليلقي كلمة، ففي السنة الأولى ألقاها لطفي السيد، والتالية طه حسين، وكان عبد الناصر يقول ليوسف السباعي الذي يتولى المهمة بكاملها: ليتني أعرف أهم النقاط التي سيتناولها الكاتب لأعلق عليها، أو أبني عليها خطبتي. وفي العام الثالث اختير العقاد ليفوز ويلقي كلمة الكتاب، وطلب منه السباعي ملخصاً للكلمة فرفض العقاد، وقال السباعي ذلك للرئيس فضحك، وقال: إذا لم يفعل العقاد هذا فلن يكون العقاد.
4 – خاف ثروت عكاشة أن يعرف الرئيس بأمر فيلم «شيء من الخوف» الذي يصور عصابة تحكم قرية وتهدد أهلها، وطلب عدم عرض الفيلم من أساسه، وبلغ الأمر عبد الناصر فقال: أراه، وبعد أن شاهده صفق، وقال: هذا فيلم رائع، فقال له ثروت: يقال إنك أنت رئيس العصابة، فقال: وهل هذا يمنع عرض الفيلم، ولو كان الأمر كما يقال لحقّ للشعب إطلاق النار علينا جميعاً.
5 – خاف ثروت أيضا من فيلم «ميرامار» الذي يهاجم الاتحاد الاشتراكي والثورة والحراسات، وطلب وقف عرضه، ورآه عبد الناصر، وطلب عرضه لأن الأمور لا تستقيم بلا نقد، وحدث مثل ذلك مع مسرحية «الفتى مهران» للشرقاوي وغيرها.
6 – إذا سألنا النقاد والكتاب في كل أنحاء العالم العربي عن أزهى عصور الفن والأدب في مصر، فسوف يقول الجميع أو المنصفون على الأقل: إن عقديّ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لا نظير لهما في الإبداع الشعري والروائي، وكذلك في المسرحية والقصة القصيرة.
7 – تحدثت أستاذ محمد عن حاكم توقف عند كلمة هنا أو كلمة هناك، فهل لأنه قال تصبح على محبة بدلاً من تصبح على حب، يكون إحسان قد ذاق الأمرين علي يديه كما قلت في مقالك؟ وقال عبد الناصر لأنيس منصور: إن أسلوبك الصحافي بديع وجذاب، وفكرك متوقد، فلماذا تكتب عن تحضير الأرواح وعن أشياء خفيفة، مصر تحتاج منك إلى الكثير والأهم. فهل هو بهذا كان دكتاتوراً؟ وتحدثت عن تدخل عبد الناصر، هل التدخل يجعل الحاكم دكتاتوراً؟ فما هو موقف لينين وهتلر وستالين وخروشوف وصدام والقذافي وغيرهم.
8 – لا أنكر ولا أقبل ما حدث لبعض المفكرين الذين أمر عبد الناصر بسجنهم، وما زلت في غاية الدهشة من هذا السلوك، والأغرب أن كل من سجنهم تقريباً من مؤيدي فكره وتوجهاته.
9 – عبد الناصر زعيم كبير، ومن المؤثرين في التاريخ، ومن الإنصاف دراسته في إطار ما سبقه وفي إطار عصره، وهو في الوقت نفسه بشر له إيجابياته وسلبياته.
10 – أتذكر الآن رغماً عني حادثاً لا علاقة له بالموضوع، إنه موقف عبد الناصر من عبد الكريم قاسم الذي تأهب بجيشه عام 1963 ليحتل الكويت قائلاً إنها المحافظة العراقية رقم 19، وهنا أرسل إليه الزعيم برقية عاجلة يقول فيها: لو تحركت خطوة واحدة باتجاه الكويت فسوف أكون في مواجهتك بعد ساعات، ولن أسمح لك أن تلمس أرضها أبداً.
طموحات الشيخ أحمد
ترشح حميد فرنجية في عام 1952 لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وكان حظه كبيرا، ولكن البرلمان، وخوفا من أن يستغل شقيقه سليمان، المتهم بقتل مجموعة من خصومه في إحدى الكنائس، منصب أخيه، اختار كميل شمعون للرئاسة. وتمر الايام وينتخب البرلمان اللبناني، ما غيره، الشقيق سليمان، ما غيره، لرئاسة الجمهورية اللبنانية!
***
لا يختلف اثنان على أن خروج الشيخ أحمد الفهد من الحكومة ليس إلا مقدمة لعودته لها بطريقة او بأخرى، فكما قال تشرشل: البشر يموتون مرة واحدة، أما السياسي فيموت عدة مرات، وأحمد الفهد لم يحن اوان موته، سياسيا – على الأقل – وهو سيكون عبئا على رئيس الوزراء، داخل الحكومة وخارجها.
يمتلك الشيخ الوزير السابق، أحمد الفهد، مؤهلات عدة يفتقد لها قطاع كبير من ابناء السلطة، ومنها كاريزما قيادية لافتة، وإن بسبب تواضع قدرات المجتمع الذي يعمل ضمنه! لكن بالرغم من كل هذه القدرات فإنه يشكو من نقاط ضعف أساسية ثلاث، على الأقل: منها طموحات أشقائه، وهذا موضوع مقال منفصل، وقلة المادة تحت يديه، وهو يعلم أن تحقيق مشروعه السياسي يتطلب الكثير منه لكسب الولاءات، وهذا أصبح اكثر صعوبة، وبالتالي تطلب الأمر اللجوء الى مصادر كسب مبتكرة كمشروع المجلس الأولمبي الآسيوي، الذي يمثل الدجاجة التي تبيض، او ستبيض ذهبا، ان مرت بسلام، وهو مشروع مخالف من العيار الثقيل، ما كان يجب أن يمر على ما يسمى المجلس البلدي واملاك الدولة وديوان المحاسبة. وبالتالي، فإن أي افشال للمشروع، وهذا ما سيدفع به معارضوه، داخل الأسرة والمجلس والحكومة وخارجهم، سيعني في النهاية تضعيفا لقدراته المادية وتأخيرا لتحقيق طموحاته السياسية!
أما مشكلته الثالثة، فتكمن في حلقة «المستشارين» التي تحيط به، والتي يعود تاريخ غالبيتها – كما يقال – الى أيام انغماسه في الرياضة! كما لم يعرف عنه تقريبه لأي من أصحاب الرأي أو الفكر!
وعلى الرغم مما يحاول البعض الترويج له من مميزات الرجل الشخصية من «طيبة قلب مع الجميع»، وانه «راعي نخوة وفزعة»، فان هذه ليست صفات السياسي العصري، فمثلها ينفع في مجالات أخرى كثيرة، فمن يحاول كسب الجميع يخسر عادة الجميع، او الأغلبية على الأقل، في نهاية الأمر، وأعتقد – بكل تواضع – أن المطلوب منه مراجعة كامل حساباته، وتغيير استراتيجياته، فهل يمتلك القدرة؟ لا شك لدي في ذلك!
أحمد الصراف
[email protected]
مع الرئيس وأمرنا لله
لا أرغب في استمرار سمو الرئيس، ولا أعتقد أن مشاكل البلد ستحل بطريقة إدارته التي ترضخ، وأحيانا تقترح من نفسها، صرف الأموال في كل جهة دون حل جذري منطقي وموضوعي.
فغلاء الأسعار لا يحل بزيادة الرواتب بل بتقنين الأسعار، وارتفاع أسعار العقار لا يحل بزيادة البدلات بل بتحرير المزيد من أراضي الدولة، وزيادة الأمراض لا تحل برحلات العلاج إلى الخارج بل بتوفير العلاج المناسب في البلد، وتردي الخدمات التعليمية لا يحل بالبعثات الخارجية أو الداخلية في المؤسسات التعليمية الخاصة بل من خلال تطوير المدارس والجامعات والهيئات التعليمية الحكومية، وهلم جرا على كل القطاعات المتردية وهي كل القطاعات تقريبا.
وكل الأمور السابق ذكرها لم تُعالج بل استمر نهج المحاصصة والمجاملة وأحيانا التخوف من بعض الحناجر النيابية من قبل الحكومات المتعاقبة، فكان الضحية المجتمع بشكل عام، والمستفيد بعض الأفراد من هنا وهناك، ولا ألتمس إلى اليوم أي خطوة تجعلنا نتفاءل بالمستقبل الإداري للحكومة الجديدة القديمة، وعليه فأنا لا أرغب في استمرار سموه كرئيس للسلطة التنفيذية.
لكن دعونا نتوقف قليلا، ونفكر كيف لنا أن نبعد تلك الإدارة بالأطر الدستورية، أو على الأقل نحاول أن نقومها في عمر المجلس المتبقي قبل أن نعود إلى الاختيار على أمل أن نحسنه فعلا.
فالحل المنتهج اليوم من قبل بعض النواب، وهو تقديم استجواب تلو الآخر إلى سمو الرئيس حل خاوٍ فارغ ضعيف لا داعي له أبدا، فالمجلس كما هو واضح للجميع لا يملك من أمره شيئا، والأصوات محسومة مهما عظم الفساد وكبر وأحسن الظروف، أقول أحسنها، لن تحقق أكثر من 22 صوتا نيابيا لعدم التعاون، وكل جلسة استجواب تتحول إلى سرية بإرادة مجلسنا المنتخب منا، وهو ما يعني أننا لا نتمكن حتى من سماع المرافعات كي نشكل الضغط الكافي للتغيير.
وهذا ما ينتج البطالة المقنعة للمجلس حتما، فالاستجوابات المتتالية التي لا فائدة منها حسبما أرى تأخذ جلسات كاملة من عمر مجلس الأمة، وبالتالي فإن الدور التشريعي يختفي لأن الاستجواب يسبق كل بنود جدول الأعمال، ويلغيها من جلساتها المخصصة.
لقد أسأنا الاختيار، وعلينا أن نسلم بهذا الواقع، فلا «جمعة وثيقة» ولا « جمعة غضب» ولا «جمعة رحيل» ستجدي نفعا أبدا، وسيطرة الحكومة على المجلس هي صنيعة أيدينا، وسمو الأمير صاحب الحق الدستوري الوحيد بحل مجلس الأمة، فدعونا نستثمر ما يمكن استثماره من هذا المجلس بدلا من تكرار الأسطوانة دون جدوى أبدا، وعندما يحين الاختيار مجددا سيكون لنا كلمة أخرى ستجعل سمو الرئيس يرحل إن رغبنا فعلا في ذلك، وانعكست رغبتنا على اختيارنا.
بقاء سمو الرئيس مدة سنتين لحين الانتخابات المقبلة واقع صنعناه بأيدينا واختيارنا، وليس من المنطقي أن نحاسب سموه على كعكة الاستسلام النيابي للحكومة التي قدمناها له على طبق من ذهب، ونلوم الحكومة على التهامها تلك الكعكة!!
ضمن نطاق التغطية:
من خلال متابعتي لنوّاب الحكومة لاحظت أن أغلبيتهم العظمى هي ممن فازوا بسبب الفرز القبلي «الفرعيات» أو الفرز الطائفي «الدائرة الأولى» أو من التيارات الدينية… والقبيلة والعائلة والطائفة والدين تأتي في أعلى سلم أولويات الكثير من أبناء المجتمع، وبالتالي لن يتغير أو تنصلح الحال ما دامت الأولويات بهذا الشكل.