يأتيه وهو نائم ويضربه على أنفه، فيستيقظ المضروب ويأتيني مهرولاً شاكياً باكياً والدماء تنهمر من أنفه بسخاء: «طقني»، أي ضربني، فأستدعي الضارب فيقسم لي أنه هو المضروب، رغم أن الدماء شاهد عيان ودليل إثبات لا يحتاج إلى تحريات، فأحسم الأمر بكل مخزوني من الجدية: «سنشكل لجنة تحقيق في الموضوع»، ويتكرر الأمر، ويتكرر إعلاني: «سأشكل لجنة تحقيق في الموضوع».
المضروب هو «بو عنتر»، ابني سلمان ذو السنوات التسع العجاف، قضى الثلاث الأخيرة منها وهو ينتظر نتائج لجان تحقيقي، والضارب هو «بو عزوز»، ابني سعود ذو السنوات الثلاث المملوءة بالشر وذو الجبهة الممطوطة نتيجة تكرار الكر والفر.
وفي ليلة لا قمر فيها، ارتفع صراخ ذي الجبهة الممطوطة «بو عزوز» فهرولت مسرعاً لأستطلع الأمر، فإذا شقيقه الأكبر «بو عنتر» باركاً فوقه يخنقه، وما إن رآني «البارك» حتى صرخ: «شكل لجنة تحقيق»، فضحكت إلى أن شارفت على الموت بعد أن اكتشف خطتي وتحيزي لشقيقه الأصغر.
وفي السودان استيقظ الشعب على خبر طريف «سرقة خط الطيران بين الخرطوم وهيثرو»، أعقبه خبر أكثر طرافة «الحكومة ستشكل لجنة تحقيق في الموضوع»، فتندر السودانيون، وعلق أحدهم: «هوه الخت (الخط) كان لابس شنو آخر مرة شفتوهو فيها؟»، وعلق آخر: «الواد عبدالباري يسرق الكحل من العين.. هيا نفتش بيتو ابن الكلب»، وسخر ثالث: «يا جماعة انتبهوا لخط الاستواء قبل ما يشحلطوه هوه التاني»، وتندر رابع: «ما يهم عندنا ختوت غيرو.. عندنا خت الرقعة بالحفظ والصون»، وقهقه خامس بما معناه: «الحرامية ولاد الكلب سيفككونه ويبيعون قطعه في السكراب»…
وفي اليمن قبل سنوات سُرِقَ مخزون البلاد الاستراتيجي من القمح، وتم تشكيل لجنة تحقيق من المشتبه فيه الأول وبقية المشتبه فيهم، فسخر كاتب: «الحمد لله جات على القمح ما جات على القات»، وتهكم آخر: «لجنة التحقيق مشكلة من المشتبه فيهم بالسرقة، أظن اللجنة ستتفرغ لتقسيم السرقة بين أعضائها»، وعلق ثالث ورابع وخامس.
وفي الكويت، كشف ديوان المحاسبة عن بلاوي زرقاء في العقد الموقع بين شركتي «ِشل» ومؤسسة البترول الوطنية، فقرر البرلمان تشكيل لجنة تحقيق، وقررت الحكومة أيضاً تشكيل لجنة تحقيق، والسن بالسن واللجنة باللجنة والبادئ أظلم.
ومنذ أن علِمتُ بقرارَي تشكيل اللجنتين تمتمت: «بالهناء والشفاء»، لكنني بعد أن قرأت أسماء رئيسي اللجنتين وأعضائهما حمدت الله بكرة وأصيلاً، فمن جانبٍ ترأس وزير النفط د. محمد البصيري اللجنة الحكومية، ومن الجانب الآخر ترأس د. علي العمير اللجنة البرلمانية، واختيرت د. معصومة مبارك مقررة للجنة.
والدكاترة الثلاثة، كما تعلمون، من قبيلة النزاهة فخذ الحقانية، خصوصاً أن العمير والبصيري من رجال الدين الأنقياء الأتقياء الورعين… فابشروا بالخير، واحرصوا على خط الاستواء.
اليوم: 30 يونيو، 2011
اختبار الوزير النومس
منذ أكثر من عشر سنوات وبرنامج مركز الوسطية يستنزف ملايين الدنانير من المال العام سنوياً دون فائدة أو جدوى او هدف، ومع كل ذلك لم يحاسب أحد على هذا التسيب، ولم يرتفع صراخ نائب ليسأل عن سبب كل هذا العبث! وفي هذا الصدد وصلتني رسالة ممن يقول إنه «باحث دكتور» في مركز الوسطية، التابع لوزارة الأوقاف، والذي اخترع فكرته الوكيل الفلاح، يقول فيها: أرجو التكرم بنشر مقالي هذا في عمودكم. لقد تم إنشاء المركز العالمي للوسطية قبل سنوات، ومنذ ذلك الحين يا معالي وزير الأوقاف ونحن نعاني من امور عدة. فحتى كتابة هذه السطور لا يوجد هيكل تنظيمي للمركز، وكل وزير يأتي يعدنا خيرا ولكن لا نرى شيئا. كما أن هناك تأخرا شديدا في صرف رواتبنا، فحتى كتابة هذه السطور لم نتسلم رواتب آخر ثلاثة اشهر، بالرغم من أننا نعمل بصفة حقيقية وعلى فترتين، مع العلم أن الأخوة الذين يعملون في الفترة المسائية لدينا لديهم رواتب من جهات اخرى يتسلمونها بانتظام. وعليه يا معالي الوزير النومس، نرجو منكم إيجاد الحلول لأوضاعنا، خاصة ونحن نعيل أسرا وتم التعاقد معنا من خارج بلدنا وعلينا التزامات كثيرة ونحن مقبلون على شهر رمضان، ولا نطالب معاليكم بأكثر من حقوقنا، والعقد، لا يخفى على معاليكم، شريعة المتعاقدين! انتهى.
وهنا نطالب السيد وزير الأوقاف الجديد بالنظر ليس فقط في إنهاء معاناة هؤلاء، بل وإنهاء معاناة الوطن من مركز وبرنامج لم «يخترع» إلا ليكون وسيلة حلب للمستفيدين من مشاريعه واجتماعاته وبرامجه الوهمية، ومن ثم النظر بجدية في تصفية المركز، بعد إعطاء العاملين فيه كامل حقوقهم ومحاسبة الوكلاء المعنيين، الذين لوحظ في الفترة الأخيرة اختفاء صورهم وأخبارهم من الصحف، وعسى ألا يكون في الأمر خير لمن أضر بالكويت كل هذا الضرر غير المبرر.
أحمد الصراف