نحن أجيال تستلم وتسلّم من دون أي إضافة ولا تعديل، وإذا عدّلنا أو أضفنا فإلى الأسوأ.. نحن أجيال جبانة، رعديدة، دجاجة صقعاء، لا تملك القدرة على المبادرة، حتى في تغيير بعض العادات الغبية.
فالعادات والتقاليد ليست إلا تصرفات قام بها الأولون بناء على طبيعة حياتهم واحتياجاتهم وما كان متوافراً عندهم، فنقلناها نحن منهم بالحرف، تماماً كما يفعل التلميذ البليد في الامتحانات وهو يمد رقبته إلى ورقة الجالس إلى جواره… لذا اعتمد رجال الماضي «الذبيحة»، وهي في منطقة الخليج تعني ذبح الكبش للضيف، رمزاً للكرم، ولأن غيمة الجوع كانت تغطي الجميع، فقد قرر الأولون دعوة الجيران والأقارب إلى الوليمة. وجاءت أجيال اليوم لتنقل حرفياً تلك العادة، واعتبرت أن من لا يذبح كبشاً لضيفه بخيل لا يعرف «المراجل».
ويحدثني صديق: «أبلغني اثنان من أقربائي في السعودية رغبتهما في زيارة الكويت، فحجزت لهما غرفتين في فندق فاخر، واستقبلتهما ووضعت سيارتي الحديثة وسائق منزلي تحت تصرفهما، واستأجرت لنفسي سيارة صغيرة، وتفرغت لهما تفرغاً تاماً، وتنقلت بهما بين أفضل مطاعم الكويت، على سوئها، إلى أن غادرا، فبلغني أن أحدهما غاضب لأنني لم أقم بواجب الضيافة كما يجب، ولم أذبح لهما كبشاً كما فعلا عندما زرتهما»، ويوضّح صديقي: «عندما زرتهما لم يتكفلا إلا بذبح الكبش، فيما تكفلت أنا باستئجار السيارة والفندق، أي أن تكلفة استضافتهما لي لم تتجاوز المئة دينار، في حين كلفتني ضيافتهما أكثر من ألف دينار… فعن أي كرم يتحدثان؟».
قلت له: «يا سيدي، هي هكذا، إكرام الضيف بذبح الكبش، نقطة على السطر… ليش؟ لأن آباءنا كانوا يفعلون ذلك، ونحن نحمل أسفاراً لا نقرأها، كالحمير».
حتى لباسنا… يشبّ الواحد منا فيرغمه المجتمع على ارتداء الغترة والعقال، أو فليحسب حسابه أنه خارج دائرة «المرجلة»، ببساطة، رغم أن ارتداء الغترة لا ذوق فيه، وفوق ذلك يعوق الحركة… لكن عدم ارتدائها يُسقط عنك أحد أركان المرجلة، أما الجلوس عند رُكب المسؤولين والشيوخ وتقبيل أنوفهم وشفط أيديهم شفطاً مبيناً وتدبيج قصائد النفاق فيهم فشطارة ما بعدها شطارة.
ولا نكتفي بعادات الأكل والشرب واللبس، بل حتى الأفكار ننقلها كما هي بعد أن أرحنا عقولنا من التفكير ورقابنا من التلفّت حولنا لرؤية الشعوب الأخرى، فاليهود جبناء رعاديد، كما يقول أجدادنا، ينفخ عليهم العربي «هوووف» فيهربون وهم يولولون ويختبئون خلف أمهاتهم… لولا أميركا، آه بس لولا أميركا التي تساعد أولاد القردة، لكنّا فعلنا فيهم وعملنا… في حين تتندر شعوب الأرض على جُبن العربي وخوفه من حكامه وتكيّفه مع الذل والعبودية، وهو ما يثبته الواقع، لكننا لن نصدق الواقع الملعون، لأن آباءنا لم يحدثونا عن ذلك.
يا سيدي، المراجل «باكيج» كامل، والعادات مرتبطة بتفوقك أو تخلفك اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً ورياضياً ووو… لا تقل لي من أي دولة أنت، فقط حدثني عن عاداتك وسأبلغك إن كنت تنتمي إلى دولة محترمة أم لا، فإذا كنت من شعب يحترم من يدبج قصائد المديح في كبار المسؤولين، وإذا كان الكرم له لائحة تنفيذية وطريقة تناول كتبها لك الأولون لا تحيد عنها، وإذا كنت تدعي الشموخ وتحصل على حقوقك بالتذلل للآخرين… فأنت للأسف تنتمي إلى شعب «مهوب رجال»… اللي بعده.
عاداتكم فاشلة يا قوم، فثوروا عليها لا رحم أبوكم… ثوروا تكفون يا عيال.