التاريخ يصرخ: «كلاكيت ثاني مرة»، فيهدأ الضجيج وتتوقف الضحكات في أفواه أصحابها… ويتقدم هذه المرة أحمدي نجاد ليقوم بدور البطل في النسخة الحديثة من الفيلم بدلاً من صدام حسين.
في الثمانينيات من القرن الفائت، كان العراقيون «يمونون» على البيت وأهل البيت، كانوا يبدّلون الديكور، ويحددون لون رصيف شارع الصحافة، وكانت السفارة العراقية تمثّل أكبر جالية في البلد، وكل من يحتج هو «خائن للعروبة» وضد «البوابة الشرقية» وعدو «سعد بن أبي وقاص» رضي الله عنه… فيستعين بالصمت ويتجرع «السم السِّقَطْري».
واليوم «يمون» الإيرانيون على البيت بمطبخه وغرف نومه، ويحددون لون رصيف شارع الصحافة، وتسيطر طائراتهم الورقية على الفضاء، وتمثل السفارة الإيرانية أكبر جالية في البلد، وكل من يحتج هو «طائفي» وضد «الممانعة» وعدو «الحسين بن علي» رضي الله عنهما… فيستعين بالصمت ويتجرع «السم السقطري».
الاختلاف في أسماء الصحابة فقط، والأيام دول، وشارع الصحافة نداوله بين الناس، ومن يتحدث عن إيران اليوم «مهوب عاقل» على رأي السعوديين… وعلينا، نحن الشعب الكويتي، أن نضع أيدينا على خدودنا الكريمة لسبعة أشهر من التشرد، وننتظر رقم قرار مجلس الأمن.
وسابقاً، أيام صدام، كانت حكومتنا مرتبكة ربكة من وقعت سيجارته في حضنه وهو يقود السيارة، فارتاع ونفض ثوبه، فوقعت السيجارة على الكرسي، فنفضها، فوقعت على أرضية السيارة، فداسَ على الفرامل، فصدمته السيارة التي خلفه… وكانت ليلة.
وهذه الأيام، أيام نجاد، تنام حكومتنا على الأريكة في الصالة بكل «أمان وطمان»، وتستيقظ فتخرج إلى مقر عملها وتترك «نجاد» في المنزل بمفرده مع عيالها وبناتها، فـ «نجاد» محرَم لها.
أيها السادة، اخلعوا نعالكم كي لا يتسخ السجاد الإيراني الذي يغطي أرض الكويت من المحيط إلى الخليج… وارفعوا أصواتكم: «بالروح بالدم نفديك يا نجاد»… وسلموا لي على إيران وبلّغوها تصفيقي.
اليوم: 23 يونيو، 2011
الكويت ليست إقطاعية خاصة بكم
فوضى وصراعات بيت الحكم وجدت صداها في بيت الأمة اليوم، وغداً سنحصد خراب الدولة زيادة على فساد إدارتها في الحاضر، ليس سراً أن عدداً من أبناء الشيوخ اشتروا لهم منصات إعلامية في الصحافة والتلفزيون لتوجيه معاركهم كل نحو الآخر، فلم يعد كافياً في إدارة صراع الشيوخ المنح والعطايا والتسهيلات التي تمنح لنواب الذمم الواسعة، وأصبح من الضرورة عند الطامحين من شيوخنا مد الاستقطابات السياسية إلى الشارع وإلى الناس الحائرين والتائهين في ما يحدث. وكأن هذا «اللي ناقصنا»!
خلط الأوراق أصبح ضرورة عند نواب يريدون رأس الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء بأي ثمن، وصراعات القصور توفر لهم أفضل الفرص، فإذا كان من الواجب نقد حكومة الشيخ ناصر لفشلها في قضايا كبرى، مثلما صرح النائب خالد السلطان بأن هذه الحكومة متهمة بالكثير من الأمور مثل ارتفاع ميزانية الدولة من 2006 إلى 2010 من عشرة مليارات إلى عشرين ملياراً، وتدمير القطاع الخاص، وتراجع مؤشر الحريات… (جريدة الراي عدد أمس) إلا أن هذا الفشل لحكومة الشيخ ناصر لا يبرر لزملاء النائب خالد السلطان تقديم استجواب ينضح بالروح الطائفية، فاستجواب الوعلان والطبطبائي وهايف يرمي إلى محاسبة الدولة كلها على موقف الحكومة في أحداث البحرين، فهل كان يفترض أن تعلن الكويت الحرب على إيران وأن يقمع شيعة الكويت ويتم «تخزيمهم» حتى يرضى مشايخ المجلس؟ إذا كان مثل هذا الاستجواب يرمي إلى محاولة الإطاحة بالشيخ ناصر المحمد فقد وقع طلابه في وهم كبير، وأصبح هؤلاء النواب بقصد أو بدون قصد مخلب القط لمعارك القصور.
واقع الدولة اليوم مزر، وأمورها تسير من سيئ إلى أسوأ، وليس لبيت الحكم المشغول بصراعاته الداخلية رؤية ولا منهج لحل صراعاتهم أو مشاكل الدولة المزمنة، فالعقلية التي تدار بها الأمور على حالها وعلى طمام المرحوم، ليت شيوخنا يمدون رقابهم إلى خارج حدود الدولة ويطالعون ما يجري الآن في دولنا العربية، ليت شيوخنا يقرأون التاريخ وعبره، فنحن لا نريد في النهاية غير الأمان لليوم والغد، وما يحدث بينكم الآن لا يخلق غير القلق والريبة، وتذكروا أن الكويت ليست إقطاعية خاصة بكم كي تتنازعوا على صكوك الملكية.
الشيشكلي والعرب
يعتبر حسني الزعيم أول من قام بانقلاب عسكري في تاريخ سوريا، وربما العرب، ففي مارس 1949 قام باعتقال الرئيس شكري القوتلي وعين نفسه مكانه. وتبعه في مسلسل الانقلابات أديب الشيشكلي، الذي أصبح رئيسا في ديسمبر 1949، وهذا فتح شهية عسكر بقية الدول العربية، حيث توالت انقلاباتهم في مصر والعراق وليبيا والجزائر والسودان وموريتانيا وتونس، وحتى لبنان والأردن والمغرب، وإن من دون نجاح يذكر. وتكررت الانقلابات بشكل غريب قبل ان يتعلم العسكر الدرس ويمسكوا بزمام الأمور، وليصبح الانقلاب عليهم صعبا، بعد أن تسلمت طوائفهم وأسرهم، بالتعاون مع الأجهزة السرية، الحكم، وهكذا انتهت مرحلة الانقلابات لتبدأ مرحلة دكتاتوريات الأسر! وفجأة غيرت انتفاضة تونس الشعبية الوضع لتتبعها مصر، ولتدخل ليبيا واليمن مرحلة الحرب الأهلية وتلحق بهما سوريا، وهذا دفع الناس للانتقال من بيوتهم إلى الشارع مطالبين بحريات أكبر وإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين من الأبرياء ومحاكمة المفسدين، وإجراء إصلاحات سياسية، وحتى الآن تبدو كل هذه الحركات وكأنها انتفاضات شابة وغير دينية نجحت في كسر حاجز الخوف وأظهرت، ولأول مرة، استعداد الكثيرين للتضحية بأرواحهم من أجل الكرامة والعزة (!!) وبالرغم من أن الغالبية مؤيدة لهذه الانتفاضات، قولا على الأقل، إلا أن بعض «المثقفين» شعروا أن الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة، فهذه الانتفاضات ستصاحبها فوضى وعدم استقرار، قبل ان تستقر بشكل نهائي، ان استقرت أصلا! كما أن هناك احتمالا كبيرا في أن تنجح القوى الدينية، والإخوان بالذات، في تسلم الحكم في أكثر من دولة، وهذا أخاف المثقفين والليبراليين، إلا أننا، كما يبدو، بحاجة لأن «نجرب» حكم الإخوان، حيث يبدو أننا لم نتعلم من فشل تجربة الملالي في إيران، وبالتالي نحن بحاجة لفشل «عربي» لنثبت خواء فكر المسيسين دينيا، وميلهم المخيف نحو الدكتاتورية. كما من الضروري كشف أسطورة الدولة الدينية، فما يصدر عن أعضائها من ضجة، إضافة لتواضع لغتهم المحنطة التي تحاول ترويج سوء أفكارهم وخططهم، سرعان ما سيبين أن ما لديهم من حلول للمشاكل الاقتصادية والتربوية والسكنية ليست باحسن من غيرهم. كما أن عجزهم عن محاسبة زعمائهم ومرشديهم سيؤدي بهم في النهاية للدكتاتورية! إضافة إلى ان احتماءهم بمجموعة من النصوص العتيقة والهلامية الخاوية التي لا تصلح لقيادة دولة عصرية بكل تعقيداتها، سيعجل بنهايتهم إلى الأبد، وفوق كل ذلك ليس امامها غير الديموقراطية طريقا، مما يعني أن عليهم القبول بـ«الآخر المختلف»، إن كان قبطيا او كاثوليكيا، وأن لهم ما للأغبية من حقوق في الإدارة والحكم، فإن قبلوا بذلك فسينسف ذلك كل سابق ادعاءاتهم، وإن رفضوها فالنتيجة أكثر سوءا!
أحمد الصراف
[email protected]