في رسالة أشبه بالنقطة آخر السطر، كتب الروائي الكبير فؤاد قنديل هذه المقالة ليختم بها سجالنا… وبعد أن أشكر أستاذي القنديل، أتمنى ألا يكون أحد منا قد تجنى على قبور الأموات.
وها هي المقالة المسك تعطروا بعبقها:
الكاتب القدير الأستاذ محمد، لك التحية القلبية، والأمنيات العطرة، والشكر الجزيل على تعليقاتك النبيلة، التي تبغي مخلصة بلوغ الحقيقة.
أما قبل – فإن العشاء يحق لك عليّ ليس لما تحسبه انتصاراً بلغته وأعلنته، بل لأسباب أخرى، منها:
أولاً: أن العشاء مستحق لك عليّ منذ سنوات تقديراً لمقالات مبدعة وفائقة الأدب، لها قدرة فريدة على تحليل المعاني والمباني… الألفاظ والمواقف، وقد اعتدت أن أتلقاها بتركيز ومحبة واستشراف للجمال الذي تشعه، وقد عبرت عن هذا في رسالة بعثت بها إليك قبل عام، ويبدو أنها لم تصل.
ثانياً: أنك استقبلت اختلافي معك استقبال الكريم الذي لا ينزعج من الآخر، ولا من رأيه، مهما بدا مناقضاً، أو على غير الهوى.
ثالثاً: أنك أقبلت تبحث وتنقب عن الأسانيد والأدلة التي ترجح رأيك وتؤكده، وهي سمات أثمنها غالياً، لأنها سمات العالم الجاد الذي لا يكتفي بتدبيج المقالات، وتسويد الصفحات، بقدر ما تعنيه دقة المعلومة، وصواب الرأي، متجنباً الظلم قدر الطاقة.
أما ردك الذي احتشدت له، فاسمح لي أن أعلق عليه بما يلي:
1 – ليكن ما ذكرته عن منح عبد الناصر أوسمة رفيعة للحكيم وإحسان وغيرهما جزءاً لا يتجزأ من محاولتنا المتواضعة لرصد موقفه من الأدباء.
2 – أنا لا أدافع عن عبد الناصر، ولكني لا أميل إلى إنكار حقائق ذات أهمية بالغة، ودور صعب تجاهله.
3 – كان عبد الناصر في عيد العلم يكرم عدداً من الأدباء، ويتم اختيار أحدهم ليلقي كلمة، ففي السنة الأولى ألقاها لطفي السيد، والتالية طه حسين، وكان عبد الناصر يقول ليوسف السباعي الذي يتولى المهمة بكاملها: ليتني أعرف أهم النقاط التي سيتناولها الكاتب لأعلق عليها، أو أبني عليها خطبتي. وفي العام الثالث اختير العقاد ليفوز ويلقي كلمة الكتاب، وطلب منه السباعي ملخصاً للكلمة فرفض العقاد، وقال السباعي ذلك للرئيس فضحك، وقال: إذا لم يفعل العقاد هذا فلن يكون العقاد.
4 – خاف ثروت عكاشة أن يعرف الرئيس بأمر فيلم «شيء من الخوف» الذي يصور عصابة تحكم قرية وتهدد أهلها، وطلب عدم عرض الفيلم من أساسه، وبلغ الأمر عبد الناصر فقال: أراه، وبعد أن شاهده صفق، وقال: هذا فيلم رائع، فقال له ثروت: يقال إنك أنت رئيس العصابة، فقال: وهل هذا يمنع عرض الفيلم، ولو كان الأمر كما يقال لحقّ للشعب إطلاق النار علينا جميعاً.
5 – خاف ثروت أيضا من فيلم «ميرامار» الذي يهاجم الاتحاد الاشتراكي والثورة والحراسات، وطلب وقف عرضه، ورآه عبد الناصر، وطلب عرضه لأن الأمور لا تستقيم بلا نقد، وحدث مثل ذلك مع مسرحية «الفتى مهران» للشرقاوي وغيرها.
6 – إذا سألنا النقاد والكتاب في كل أنحاء العالم العربي عن أزهى عصور الفن والأدب في مصر، فسوف يقول الجميع أو المنصفون على الأقل: إن عقديّ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لا نظير لهما في الإبداع الشعري والروائي، وكذلك في المسرحية والقصة القصيرة.
7 – تحدثت أستاذ محمد عن حاكم توقف عند كلمة هنا أو كلمة هناك، فهل لأنه قال تصبح على محبة بدلاً من تصبح على حب، يكون إحسان قد ذاق الأمرين علي يديه كما قلت في مقالك؟ وقال عبد الناصر لأنيس منصور: إن أسلوبك الصحافي بديع وجذاب، وفكرك متوقد، فلماذا تكتب عن تحضير الأرواح وعن أشياء خفيفة، مصر تحتاج منك إلى الكثير والأهم. فهل هو بهذا كان دكتاتوراً؟ وتحدثت عن تدخل عبد الناصر، هل التدخل يجعل الحاكم دكتاتوراً؟ فما هو موقف لينين وهتلر وستالين وخروشوف وصدام والقذافي وغيرهم.
8 – لا أنكر ولا أقبل ما حدث لبعض المفكرين الذين أمر عبد الناصر بسجنهم، وما زلت في غاية الدهشة من هذا السلوك، والأغرب أن كل من سجنهم تقريباً من مؤيدي فكره وتوجهاته.
9 – عبد الناصر زعيم كبير، ومن المؤثرين في التاريخ، ومن الإنصاف دراسته في إطار ما سبقه وفي إطار عصره، وهو في الوقت نفسه بشر له إيجابياته وسلبياته.
10 – أتذكر الآن رغماً عني حادثاً لا علاقة له بالموضوع، إنه موقف عبد الناصر من عبد الكريم قاسم الذي تأهب بجيشه عام 1963 ليحتل الكويت قائلاً إنها المحافظة العراقية رقم 19، وهنا أرسل إليه الزعيم برقية عاجلة يقول فيها: لو تحركت خطوة واحدة باتجاه الكويت فسوف أكون في مواجهتك بعد ساعات، ولن أسمح لك أن تلمس أرضها أبداً.
اليوم: 21 يونيو، 2011
طموحات الشيخ أحمد
ترشح حميد فرنجية في عام 1952 لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وكان حظه كبيرا، ولكن البرلمان، وخوفا من أن يستغل شقيقه سليمان، المتهم بقتل مجموعة من خصومه في إحدى الكنائس، منصب أخيه، اختار كميل شمعون للرئاسة. وتمر الايام وينتخب البرلمان اللبناني، ما غيره، الشقيق سليمان، ما غيره، لرئاسة الجمهورية اللبنانية!
***
لا يختلف اثنان على أن خروج الشيخ أحمد الفهد من الحكومة ليس إلا مقدمة لعودته لها بطريقة او بأخرى، فكما قال تشرشل: البشر يموتون مرة واحدة، أما السياسي فيموت عدة مرات، وأحمد الفهد لم يحن اوان موته، سياسيا – على الأقل – وهو سيكون عبئا على رئيس الوزراء، داخل الحكومة وخارجها.
يمتلك الشيخ الوزير السابق، أحمد الفهد، مؤهلات عدة يفتقد لها قطاع كبير من ابناء السلطة، ومنها كاريزما قيادية لافتة، وإن بسبب تواضع قدرات المجتمع الذي يعمل ضمنه! لكن بالرغم من كل هذه القدرات فإنه يشكو من نقاط ضعف أساسية ثلاث، على الأقل: منها طموحات أشقائه، وهذا موضوع مقال منفصل، وقلة المادة تحت يديه، وهو يعلم أن تحقيق مشروعه السياسي يتطلب الكثير منه لكسب الولاءات، وهذا أصبح اكثر صعوبة، وبالتالي تطلب الأمر اللجوء الى مصادر كسب مبتكرة كمشروع المجلس الأولمبي الآسيوي، الذي يمثل الدجاجة التي تبيض، او ستبيض ذهبا، ان مرت بسلام، وهو مشروع مخالف من العيار الثقيل، ما كان يجب أن يمر على ما يسمى المجلس البلدي واملاك الدولة وديوان المحاسبة. وبالتالي، فإن أي افشال للمشروع، وهذا ما سيدفع به معارضوه، داخل الأسرة والمجلس والحكومة وخارجهم، سيعني في النهاية تضعيفا لقدراته المادية وتأخيرا لتحقيق طموحاته السياسية!
أما مشكلته الثالثة، فتكمن في حلقة «المستشارين» التي تحيط به، والتي يعود تاريخ غالبيتها – كما يقال – الى أيام انغماسه في الرياضة! كما لم يعرف عنه تقريبه لأي من أصحاب الرأي أو الفكر!
وعلى الرغم مما يحاول البعض الترويج له من مميزات الرجل الشخصية من «طيبة قلب مع الجميع»، وانه «راعي نخوة وفزعة»، فان هذه ليست صفات السياسي العصري، فمثلها ينفع في مجالات أخرى كثيرة، فمن يحاول كسب الجميع يخسر عادة الجميع، او الأغلبية على الأقل، في نهاية الأمر، وأعتقد – بكل تواضع – أن المطلوب منه مراجعة كامل حساباته، وتغيير استراتيجياته، فهل يمتلك القدرة؟ لا شك لدي في ذلك!
أحمد الصراف
[email protected]