تلك منازلهم وتلك رسومهم…
كنت قد تطرقت في مقالة سابقة إلى ما فعله عبدالناصر في بعض الأدباء، ومنهم إحسان عبدالقدوس، فكتب الأديب العربي فؤاد قنديل مقالة تدافع عن عبدالناصر وتنكر عليّ، مختصرها: «قل هاتوا برهانكم»، فاتصلت بمحمد إحسان عبدالقدوس أسأله فأجابني: «نعم، عبدالناصر هو من سجن والدي لا مجلس قيادة الثورة، وكان ذلك في عام 1954»… إذاً هذه واحدة يا قنديلنا الذي ينكر أن عبدالناصر دكتاتور تعسف مع الأدباء.
ثم استنجدت بمقاتلي «تويتر» ليعينوني في بحثي عن رسالة عبدالقدوس إلى عبدالناصر، التي لا أتذكر أين قرأتها، فدلوني على الرسالة الكنز، فوضعت الحبل في عنقها والقيد في يديها وأتيت بها هنا، لعلها تكون قنديلاً لقنديلنا فؤاد وبقية عشاق عبدالناصر. على أن أضع كلام عبدالقدوس بين مزدوجين، وأضع هلالين وبينهما نقاطاً – هكذا (…) – للجمل التي لا تعني موضوعنا، أما ما سأكتبه بين هلالين فهو تعليقي. وهاكم بعض ما كتبه إحسان في شرحه لرسالته:
«… لأن الثورة كانت تخطو خطوات ناجحة قوية وكان عبدالناصر في أزهى انتصاراته بعد تأميم القناة وفشل العدوان الثلاثي، حتى أصبح الكثيرون منا يعطونه الحق في كل شيء حتى في فرض الرقابة العنيفة (يقصد الرقابة على الصحف بحسب ما ساقه في الفقرات التي سبقت هذه)… إن النجاح يبرر كل الأخطاء».
وتعالوا نكمل القراءة: «وأصبحت آراؤه الخاصة (يتحدث عن عبدالناصر) في ما ينشر في روز اليوسف تصلني إما عن طريق الرقابة وإما عن طريق أصدقاء مشتركين»… لاحظ كلمتي «رقابة وآراؤه الخاصة»، ونكمل: «وعندما تعمدت إهمال السياسة والتفرغ للأدب لم أسلم من تزمت عبدالناصر»! هل قال «تزمت»؟… ثم تحدث عن أن عبدالناصر أراد منه أن يستبدل جملة «تصبحوا على حب» التي كان يختم بها برنامجه الإذاعي إلى «تصبحوا على محبة»، ويعلق إحسان: «فتوقفت أيامها عن حديث الإذاعة وإلى اليوم»… بالله عليكم كيف يكون التدخل إذا لم يكن هذا تدخلاً؟
وخذوا هذه الفقرة التي اقتطعتها من رسالته للزعيم: «أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيراً بعنوان «البنات والصيف»، وقد سبق أن أبلغني نفس الرأي السيد حسن صبري مدير الرقابة واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي»… سأعيد كتابة الفقرة «اتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي».
وتفضلوا وتفضل يا قنديلنا ما كتبه القنديل الأكبر إحسان عبدالقدوس في رسالته تلك دفاعاً عن نفسه: «يبقى بعد هذا ما حدثني به الزميل هيكل عن دعوة الإلحاد في صحف روز اليوسف والمقالات التي ينشرها مصطفى محمود… وقد أوقفتُ نشر مقالات مصطفى محمود الخاصة ببحث فلسفة الدين (طبعاً بناء على ضغوط من عبدالناصر) ولكنني أحب أن أرفع إلى سيادتكم رأيي في هذا الموضوع (…) إني مؤمن بالله يا سيدي (كتب هذا بعد أن بيّن أنه كان متهماً بالجنس والإلحاد)… لست ملحداً… ولعلك لا تعرف أني أصلي… ولا أصلي تظاهراً ولا نفاقاً، فإن جميع مظاهر حياتي لا تدل على أني أصلي… ولكني أصلي لأني أشعر بارتياح نفسي عندما أصلي، ورغم ذلك فإني أعتقد أن ديننا قد طغت عليه كثير من الخزعبلات والأتربة والتفسيرات السخيفة، التي يقصد بها رجال الدين إبقاء الناس في ظلام عقلي، حتى يسهل عليهم استغلالهم والسيطرة عليهم».
ويعلق إحسان على رسالته التي لا يتذكر هل بعثها إلى الزعيم أم لا: «هذه هي الرسالة التي كتبتها عام 55 لجمال عبدالناصر، وبين كلماتها ما يعبر عن مدى ثقتنا به وحبنا له في هذه الفترة (…) قبل أن تبدأ فترة الستينيات (…) التي أخذت منا كثيراً من الحب الذي كان يجمعنا بعدالناصر».
تلك منازلهم وتلك رسومهم أيها القنديل، لم نزيفها، وما حدث لعبدالقدوس ينسحب على غيره بالطبع ويؤكد تسلط «الزعيم». هذا بخلاف ما فعله مدير مخابرات عبدالناصر «صلاح نصر» في أهل الفن… أقول قولي هذا وأنا أنتظر رد أستاذي القنديل أو دعوته على العشاء البحري – كما نص الرهان – وهو يرفع راية بيضاء فاقعاً لونها تسر الناظرين، بعد أن ثبتت رؤية الهلال. وعهد ووعد بأن أتناول العشاء والرسالة في جيبي، وإذا أراد قنديلنا نسخة من الرسالة فستصله قبل أن يرتد إليه طرفه.
واللهم اسقِ قبور الأدباء القناديل، وارمِ عروش الطغاة بالطير الأبابيل… آمين.
اليوم: 19 يونيو، 2011
القرب والبعد عن العقيدة
يقول صديقي الكاتب المصري غير الشهير انه كان ولا يزال مسلما مؤمنا، ولكن إسلامه معتدل ومحدّث يركز على الشعائر والعبادات وما يوافق مبادئ المحبة والرّفق والإحسان وحسن الخلق، وهو ما علمته إياه المناهج التعليمية. وقال انه كان في نعمة، وكان هذا قبل زيادة التعليم والسفر والاختلاط بالشعوب الأخرى، ومن بعدها ظهور الانترنت والمحطات الفضائية التي جعلت المعلومات والأخبار تنساب بين الناس بسرعة وغزارة غير مسبوقة، مبرزة بشكل فج الإنجازات العلمية لسكان دار الكفر وتحويل العالم لقرية صغيرة.
قبل هذه الثورة العلمية التي لا ناقة لدار الإسلام فيها ولا جمل، كان صديقي فرحا بدينه مباهيا به باقي الشعوب والأمم، فحتى الثمانينات تمّ تطعيم المناهج التعليمية بإسلام غير متطرف، وكان حتى أئمة المساجد يلقون خطبا تأتيهم من الوزارة، وحسب سياسات معينة. ويقول كنا فضلا عن ذلك شبه معزولين عن العالم ولم تكن للكثير من دولنا علاقات دينية عقائدية مع مراكز التشدد الديني، وإن كانت الشرارات الأولى لفكر الإخوان وليدة السلفية الوهابيّة، التي بدأت تقدح هنا وهناك مشعلة نيران صحوة مزعومة لم يكن يعلم أنها صحوة للتخريب والفوضى والكراهية والرعب والبشاعة ولإقامة مملكة الشَّعر (بالفتحة فوق حرف الشين) وليسود ذوو الوجوه العابسة المتجهّمة المرعبة، وأنها صحوة لإحياء فريضة الجهاد الغائبة بين المواطنين، بعد تقسيمهم لفئة ناجية وأخرى ضائعة يتطلب الأمر قتالها فهي موعودة بالنار! وهكذا انطلقت الحرب المقدّسة وظهرت فرق الموت والمفجّرين والانتحاريين وقاطعي الرؤوس في كل مكان، في الوقت الذي كانت البلاد تشهد مدّا جارفا لا مثيل له راح يجرف في طريقه كل ما عرفه وما انتقاه ونقحه من دين، وهو المدّ الذي تمثّل أساسا في كمّ هائل من دوريات وكتيبات وشرائط سمعية بدأت تصل الناس عبر البريد مجّانا لتعيد غربلة أفكارهم وتعليمهم على نهج السّلف الصّالح! ولعب البترودولار دوره في نشر المطبوعات وتجييش الدعاة والرّعاة الأجلاف بغير جهد بفضل منتجات شركات الكفر، وانتهى الحال بإغراق الأمّة من أقصاها إلى أقصاها بقنوات فضائيّة تمارس التجهيل والتّنويم والمتاجرة بالدّين عن طريق أرمادة من الجهّال والتّيوس والدجالين والمنافقين الذين لا يعنيهم غير حساباتهم البنكيّة وبطونهم وغيرها من متعهم. ويقول بأنه الآن، وبعد أن أتاح له غوغل ومكّنه من الإبحار بيسر وأمان كيفما شاء في التّراث ومصادره المختلفة والمتنوّعة واجتهادات مشايخه وتأويلاتهم أدرك أن الغالبية، العظمى، بعيدة جدا عن… الحقيقة!
أحمد الصراف
[email protected]
هل يكون الوزير مظلوماً؟
أحالت لجنة التحقيق في مشاريع طوارئ الكهرباء ثلاثة وزراء الى المحكمة الخاصة بالوزراء، هذا إجراء طبيعي ما دام اتبعت فيه وسائل طبيعية وإجراءات عادية، لكن ما يهمني في هذه المقالة هو إحالة المهندس محمد العليم وزير النفط وزير الكهرباء السابق الى هذه المحكمة من قبل تلك اللجنة البرلمانية، التي شكلها مجلس الأمة للبحث عن الحقيقة في اتهامات بشراء مولدات كهرباء سكراب وتحت ذريعة خطة الطوارئ لصيف 2007!
فكيف للجنة تحقيق تبحث عن الحقيقة وتتحراها توجه اتهاما لشخص من دون أن تطلبه أو تسمع منه وجهة نظره في ما توافر للجنة من معلومات؟!
أنا شخصيا استنكرت هذه الإحالة العرجاء، وبحثت شخصيا في الموضوع علّ وعسى أن أصل الى شيء، ويا لهول ما توصلت اليه! معلومات كثيرة لم تصل الى اللجنة لأنها لو وصلت وأصدرت اللجنة حكمها بإحالة الوزير العليم للمحكمة فستكون مصداقية اللجنة تحت المحك!
جاء محمد العليم الى الوزارة في نهاية مارس 2007، وكانت الوزارة قد انتهت في 2006 من وضع آلية لاعتماد مشاريع الطوارئ، وهذه الآلية تم اعتمادها من جميع الجهات الرقابية. وقد تم توقيع معظم مشاريع الطوارئ قبل مجيء العليم الذي أدرك فقط ثلاثة مشاريع (عقود) تم توقيعها وفقا للآلية خلال الستين يوما الأولى من توليه الوزارة. ولكن السؤال ماذا حدث خلال هذه الفترة التي سبقت اعتماد عقود طوارئ 2007؟! لقد تم بالضبط ما يلي:
ــ وافق القطاع الفني على العروض الفنية المقدمة وأصدر توصياته.
ــ وافق القطاع المالي بعد التدقيق على التوصيات.
ــ أحيلت العروض للجنة المناقصات للتدقيق واعتماد الممارسة المطابقة للمواصفات والشروط.
ــ تحال الممارسة المعتمدة من لجنة المناقصات الى ديوان المحاسبة للتدقيق والاعتماد والموافقة.
ــ بعد موافقة هذه الجهات يحال العقد بصيغته الى ادارة الفتوى والتشريع لاعتماده بشكل نهائي.
ــ بعد كل هذه الموافقات واعتمادها من وكيل الوزارة يعتمدها الوزير.
السؤال الآن: إذا كان الوزير نفذ فعليا كل هذه الإجراءات قبل الموافقة، فهل تلحقه ملامة أو مساءلة؟
للعلم، فقد تبين لي أن هذه المولدات الكهربائية تعمل اليوم بكل طاقتها الانتاجية وليس كما ادّعى البعض بانها سكراب!
ختاماً، أرجو أن اسمع نقاشا ونقدا موضوعيين لما كتبته، وألا نركز على انتماء الوزير المعني وكاتب المقال الى التنظيم السياسي نفسه، ونعلق عليه تاركين العقل والضمير يطرقان الأبواب فلا يفتح لهما.