احمد الصراف

لثتي وحسن البنا

اضطررت اخيراً للخضوع إلى مشرط جراح لزرع اسنان جديدة، وهذا تطلب ازالة قطع عظمية من الحنك، أو الذقن، باستخدام مطرقة ومنشار دقيقين، وزرعها في الجزء الأعلى من اللثة، وهذا تطلب قطع اللثة بطول 10 سنتيمرات، واستغرقت العملية أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، وتم كل ذلك من دون ألم يذكر، وانا في كامل وعيي، وكل ذلك بفضل فضيلة التخدير العجيبة، وهذا دفعني، فور العودة إلى البيت لأقرأ واكتب شيئا عنه وعن أولئك العظام الذين ساهموا في تخفيف آلام ومعاناة مليارات البشر الذين أجروا عملية أو اكثر، وتتبين المعجزة عندما نعرف حجم المعاناة الذي كان يتعرض له كل الماضي طوال آلاف السنين قبل توصل هؤلاء العظماء إلى التخدير الموضعي والكامل، حيث كان المريض يتعرض للخنق حتى يفقد وعيه ومن ثم اجراء العملية له أو بربطه ووضع قطعة جلد في فمه ليعض عليها وبعدها يبدأ النشر والتقطيع، أو يضرب في مكان من جمجمته فيفقد وعيه لساعات، أو ينوم مغناطيسيا، هذا غير اجباره على تناول الغريب من خليط الأعشاب المخدرة، أو تناول مخدر كالكوكايين أو المورفين لتخفيف آلامه، وهذه جميعا لم تكن تجدي نفعا، إما لضعف مفعولها وإما لخطورتها قبل واثناء وبعد العملية، الى أن جاء د. كراوفورد لونغ ليستخدم سائل الأثير، أو ether في 1842 في عملية جراحية لازالة ورم من مريض، وكررها على آخرين، ولم ينشر شيئا عن منجزاته الا عام 1849، أثناءها قام وليم مورتن باجراء أول عملية علنية باستخدام المخدر، من دون أن يعرف بتجارب زميله كراوفورد، وكان ذلك في بوسطن. وفي عام 1947 اكتشف جيمس يونغ فعالية سائل الكلوروفورم في التخدير، وانتشر بعد أن استخدم في مساعدة الملكة فكتوريا عام 1853 في ولادة صعبة، ولكن لم يكن استخدامه آمنا على اي حال فتم التخلي عنه، أما الآن فقد تقدم علم التخدير واصبح تخصصا عالي الأهمية، وتعددت أنواعه في التخدير العام، أما الموضعي فالأفضل حتى الآن هو الزايلوكايين xylocaine.
ما نود قوله هنا أن لا أحد من هؤلاء الأفذاذ الذين كان لهم حتماً فضل كبير في تخفيف آلام أعضاء «لجنة تسمية الشوارع» في المجلس البلدي وبقية زملائهم في المجلس ووزيرهم صفر وكل «طوافيهم»، استحق أن يطلق اسمه على سكة أو «زنقة» في الكويت، في الوقت الذي نجد أسماء لنكرات تطلق على شوارع ضخمة وواسعة لا يعرف أحد شيئا عن اصحابها. وكما سمي أحد شوارع الرميثية باسم حسن البنا، في الوقت الذي لا نجد فيه حتى سكة باسمه في وطنه مصر، هل لأن مصر تعتبره ارهابيا مثلا، ونحن لا نراه كذلك؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

إذا عُرف السبب..

استغربت ــــ كما استغرب غيري ــــ من هذا الهجوم النيابي المعترض على توزير هلال الساير مرة أخرى لوزارة الصحة! ومع أنني لست فرحاً بإعادة التوزير هذه، لأن ما بيننا وبينه ما صنع الحداد كما يقولون. لكن عبارات الاعتراض التي صدرت من بعض النواب عليه جعلتني أتوجه إلى أحد وكلاء الصحة، والذي قابلته في احدى المناسبات الاجتماعية، لأمطره بسيل من الاسئلة عن مكنون هذا الاعتراض وأسبابه.
وكانت المفاجأة عندما أجاب بالتفصيل عن أسئلتي وأزال الاستغراب الذي لدي. ولذلك، ولعلمي بأن الكثيرين مثلي كان وما زال لديهم هذا الاستغراب، فإنني أذكر لهم وأسطر ما سمعته من هذا الوكيل من باب اذا عرف السبب بطل العجب.
اما كبيرهم وسيدهم الذي أعلن أن توزير الساير هو سقوط لخط الدفاع الأول عن سمو رئيس الوزراء فقصته أنه تقدم بطلب علاج في الخارج لاحدى قريباته ــــ شافاها الله ــــ ولما كان العلاج متوافرا في الكويت رفضت اللجنة تحمل مصاريف علاجها، فطلب تدخل وزير الصحة الذي احترم قرار اللجنة، فيما اعتبر النائب ان هذا الموقف تجاهل لمكانته وعدم احترام له، فشن عليه هذا الهجوم الذي استغربه الكثير.
صاحبنا الآخر كان له دور في تشكيل قافلة وزارة الصحة التي انطلقت لمساعدة البحرين في مصيبتها التي ألمت بها، لكن المسؤولين البحرينيين ــــ ولأسباب أمنية ونفسية لم يعلنوها ــــ رفضوا دخول القافلة الكويتية واعتذروا من الحكومة الكويتية، عندها ثارت ثائرة صاحبنا وطالب وزير الصحة باتخاذ موقف قوي وارغام الاخوة في البحرين على قبول القافلة، وهذا ما لم يتمكن من عمله الوزير الساير، الذي اصبح في مرمى نيران صاحبنا النائب الذي عرف عنه اتزانه ووقاره، لكن الدوافع كانت أقوى من كل هذه المشاعر فكان هذا الموقف العدائي ضد الوزير.
اما ثالثة الأثافي فسببها «كوهين»، الذي اغرق وزارة الصحة بمناقصاته، الا ان واحدة منها كانت اسعارها عالية ولا تنطبق عليها شروط المناقصة، فما كان منه الا ان طلب من الوزير التدخل، وطبعا الوزير راجع الاوراق ولم يغير من النتيجة شيئا لعدم انطباق الشروط، فما كان من هذا الاعلامي التاجر الا ان سخّر بعض نواب المجلس وبعض منابره الاعلامية ضد إعادة توزير الساير.
انا بصراحة ما همني رجع ولا ما رجع، لكن يحز في نفسي ان يعتقد البعض انه يستطيع بما يملك من امكانات ان يغير الحقائق ويقلبها الى اباطيل او العكس ويستسهل هذه الممارسات مع هؤلاء المسؤولين. لكن لا نملك إلا ان نقدر للوزير الساير هذه المواقف.
للعلم.. تم حل الحكومة بعد ان قدم نواب استجوابات للشيخ ناصر المحمد والوزراء احمد الفهد ومحمد الصباح وهلال الساير، وكان الجميع قد ادرك ان سبب الحل هو تلافي هذه الاستجوابات!
السؤال الذي يطرح نفسه: رجعت الحكومة ورجع هؤلاء.. اذاً لماذا تم حل الحكومة؟!

احمد الصراف

تكرر التزوير بعد التوزير

«…ألقت السلطات الأمنية في البلاد القبض على 3 آسيويين بتهمة تزوير شهادات «لائق صحيا»، وبيعها للمقيمين لقاء مبالغ مالية كبيرة..» هذا ما ورد في أحد أعداد القبس قبل ايام، وورد ما يماثله عشرات المرات عن الجهة الحكومية نفسها، أو ما يماثل في وزارة الداخلية والشؤون، ما يعني أن عملية التزوير، في تلك الجهة وغيرها، لا تزال سارية حتى كتابة أحرف هذا المقال، وما يعني أيضا ان لا أحد مهتم فعلا بالقضاء على ظاهرة السماح للمئات من غير اللائقين صحيا، ومن المصابين بأمراض معدية وخطرة بالعمل بيننا وفي بيوتنا ومكاتبنا. والغريب أن المتهمين هم دائما «آسيويون»، وغالبا من جنسية محددة، كما يلاحظ أن «كفلاء» هؤلاء دائما غائبون أو أطراف وهميون، فلا ذكر لمن جلب أو كفل أو قبض من المواطنين، بل هم دائما وابدا «الآسيويون». ولم نسمع مرة أن شركة صناعة أختام قد عوقبت لصنعها أختاما تحمل شعار الدولة، علما بأن ليس من الصعب الاستدلال عليها، كما أن التعليمات الأمنية تمنعها من صنع أي ختم من دون ترخيص. فهذه النوعية من الجرائم، بالرغم من خطورتها، تبدأ بالقبض على العصابة ثم يلي ذلك خبر صغير في الصحف يتبعه إبعاد إداري بعد إلغاء الإقامة، ليعود المزورون للبلاد مرة اخرى عن طريق تزوير معاملات سفر جديدة، حتى لو تطلب الأمر تغيير بصماتهم أو رشوة من يعمل في البصمات ليغض النظر عن كونه ممنوعاً من دخول البلاد.
مسلسل خراب مستمر وعجز إداري فاحش وتسيب وتأخير معاملات وتدخلات نيابية، ولا نرى في الأفق غير ابتسامات كبار المسؤولين وهم يقصون اشرطة افتتاح سوق مركزي أو صالون حلاقه عصري، وأخذ أوضاع التصوير المناسبة لتنشر في ليالينا ومساوينا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

فيتوريو الطيب والجميل

في حواري غزة المنغلقة وأحياء مصر السلفية، كما في أفغانستان طالبان المتخلفة وأماكن أخرى، يؤمن الفكر المتشدد القادم من غياهب كهوف العصور الوسطى أن الذقون الطويلة والجلابيب الواسعة والجباه المفروكة بالأرض والأعين الغائرة المخفية وراء النقب أجدر بالاحترام والتبجيل من كل تراث الأمة وثقافتها، ولو كانت تعود لآلاف السنين! واننا أفضل الخلق وغيرنا لا يستحق غير القتل وتراثه لا يعني شيئا!!
***
ترك فيتوريو اريغوني، وطنه الجميل إيطاليا، بكل ما فيها من حضارة وتقدم ورفاهية وسعادة وحانات وصبايا ورفاق وسيارات سباق وحفلات وسواحل ومنتجعات وأهل وخلان ورحل إلى غزة، أكثر أماكن العالم اكتظاظا بالسكان وحرمانا من الأمن والغذاء، ليعيش في حواريها القلقة وشوارعها المضجرة التي يلبد الموت عند زواياها، ليشارك أهلها ما يأكلون من ابسط الطعام وأقله نفعا وليظهر تضامنه مع الشعب الفلسطيني بكل محبة وإخلاص وليدافع بجسارة عن حق هؤلاء في العيش بكرامة وليكافح معهم لكي يحصلوا على وطن مستقل، وليفضح انتهاكات سلطات الاحتلال ويعري وجه المحتل البشع ويفضح جرائمه، وبدلا من أن يموت برصاصة إسرائيلية، فإنه يختفي فجأة عن وجه الأرض ويعثر عليه مشنوقا على أيدي أكثر المتدثرين بعباءة الدين تشددا ومن يمين يمين السلف الأقرب للتلف!! لم يقتل لأنه جاسوس أو خائن أو عميل بل لأنه من ملة أخرى، ولم ينطق قط بالشهادتين، ولا يعرف اصول الدين فهو كافر وكل كافر مآله النار وبئس القرار، فوجوده بين شباب غزة مفسدة وطريقة عيشه مفسدة أكبر، ويجب أن يرحل عن هذه الدنيا، وهذا ما حدث له في نهاية المطاف، لأنه حاول أن يكون فلسطينيا أكثر من غيره، وهنا كان خطأه القاتل.
الوداع يا فيتوريو، الطيب والبريء، فشواطئ غزة ستبكيك كثيرا وسيندم قاتلوك يوما على فعلتهم، إن بقوا أحياء!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

لحظات السعادة القليلة

ربما من الصعب حصر اللحظات التعيسة أو المؤلمة التي مررت بها شخصيا على المستوى العام، وملايين غيري، في نصف القرن الماضي، بسبب كثرتها، ولكن أعتقد أن من السهل حصر اللحظات السعيدة أو المبهرة، لقلتها. وبالتالي أعتقد أن تحرير وطني من احتلال عراق صدام كان الخبر المفرح الأهم في حياتي وحياة الكثيرين غيري. كما كان العثور على صدام حسين وتنفيذ الحكم شنقا به كمجرم أمرا مفرحا جدا، وثالثا تتالي الثورات العربية التي رفعت من جرعة الأمل في نفوسنا المتعبة من كثرة الهزائم، والآن أتى خبر العثور على الهارب ابن لادن وقتله، فهذا الرجل لم يكتف بإلحاق أفدح الأضرار بممتلكات وأرواح شعوب الدول التي يعتقد بكفرها ولا يتردد في استخدام كل منتجاتها والتنعم بكل خيراتها، بل امتد شره لذويه فحطم السلام الداخلي والخارجي لملايين المسلمين في الغرب، واضر ببني وطنه وامتدت شروره لتشمل الكويت وأندونيسيا وقطر والأردن والصومال واليمن والعراق، التي قتل تنظيمه أكثر من عشرة آلاف من مواطنيها، غالبيتهم من الأبرياء!! يموت هذا الشخص وفي رقبته جريرة موت 15 ألف ضحية، غير الذين قتلهم، هو أو أعوانه، في افغانستان والشيشان، ثم بعد كل هذا يأتي من هم على شاكلة أحد الكتاب الدعاة، ويرسل رسائل «التوتر» التالية: «يفرح بقتله، أي ابن لادن، من انطلت عليه مؤامرات الأميركان أو من خالفه في العقيدة، ومن يظهر الإسلام ويبطن غيره، أما نحن فلا نفرح لقتل كافر لمسلم»! وفي رسالة أخرى يقول: «قد نختلف مع بعض أفكار ابن لادن! ولكن اسأل الله ان يغفر له، ويتقبله في الشهداء، أما الجهاد الشرعي فهو ماض إلى يوم الدين»!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

هل مات التطرف بموته؟!

انتقل أسامة بن لادن إلى ربه.. وهناك سيجد قاضيا عادلا.. فإما أن يكون كما يظن أتباعه، أو يكون كما يظن به الآخرون.. المهم نحن لا يعنينا أين سيكون بن لادن في الآخرة، بل ما يعنينا هو ما ستؤول إليه الأمور بعده.
شخصيا، أعتقد أن تنظيم القاعدة أصابه الشلل في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن فك ارتباطه بحركة طالبان، التي طلبت منه ذلك، وخرج من أفغانستان إلى منطقة القبائل، ثم طلب منه الخروج من منطقة القبائل بعد أن تأذى منه الناس بسبب القصف الأميركي المتواصل الذي ذهب ضحيته مئات الأبرياء من النساء والأطفال.
والدليل على ضعف التنظيم أن عملياته تكاد تكون معدومة وغير ذات تأثير منذ سنوات عدة، بل إن القوة انتقلت إلى حركة طالبان التي بدأت أخيرا بتنظيم صفوفها وزيادة عملياتها ونجاحها في إلحاق الخسائر في صفوف أعدائها.
إذاً، تنظيم القاعدة الضعيف فقد زعيما روحيا، لكنه جسديا ضعيف، وحركته كانت مشلولة بسبب التخفي والمراقبة الدائمة له. لكن، هل هذا يعني أن لا خوف من «القاعدة» بعد اليوم؟!
الجواب طبعا لا.
فمن حيث ردات الفعل لمقتل هذا الزعيم ستكون هناك عمليات انتحارية عشوائية غير منظمة وغير مبرمجة، وهذه ستكون مؤقتة وغير مؤثرة.
أما جسم التنظيم نفسه فيعتمد على ردات الفعل الأجنبية، والأميركية بالذات! فإن استمرت أميركا في سياستها المنحازة لإسرائيل.. والكيل بمكيالين في الشرق الأوسط.. ودعم الأنظمة القمعية، وكذلك الدول الأوروبية.. ان استمرت في سياساتها المعادية للعرب والمسلمين والتضييق على المسلمين في رزقهم وممارستهم لعبادتهم.. أقول إن استمرت الدول الغربية في هذه السياسات المهينة للمسلمين، فمن المتوقع أن يشكل في كل قطر تنظيم مصغر لـ «القاعدة» يحمل فكره ولا يرتبط تنظيميا بغيره حتى يسهل عليه التحرك ولا يضر بالآخرين.
أما إن أعادت أميركا وحلفاؤها الغرب النظر في سياستهم تجاه العرب وقضاياهم والمسلمين ومشاعرهم، خاصة أن الثورات العربية الأخيرة تهيئ لهذا التغيير، فمن المتوقع ألا يكون للفكر الجهادي محل في نفوس العرب والمسلمين، وسيرجع هؤلاء إلى الفكر المعتدل غير المتطرف الذي سيجد الأجواء مناسبة لانتشاره.
إن مما ساعد على انزواء الاعتدال وانتشار التطرف هو التعامل الغربي مع الواقع العربي حتى أن الحكام العرب انحرجوا وهم يدافعون عن السياسة الأميركية في المنطقة، لذلك أجدها فرصة لدعم الاعتدال الإسلامي وكبح جماح التطرف بكل أشكاله بأن توقف أميركا سياستها المتطرفة، وأن يوقف الغرب عداءه المستحكم ضد الظاهرة الإسلامية، وأن توقف الأنظمة العربية والإسلامية الموالية للغرب سياسة البطش بكل منتمٍ للإسلام السياسي.. عندها فقط نقول إننا قضينا على الإرهاب وبؤر التوتر وأسبابه.
للعلم، تم دفن جثة بن لادن في البحر.. مخافة أن يكون مزارا يؤجج مشاعر الكراهية للغرب، وأقول إن بن لادن هو أول من حطم المزارات في أفغانستان، وأتباعه يتأثرون بأفكاره لا بجسد لا روح فيه، فها هم أتباع حسن البنا ما زالوا يتأثرون بتعاليمه بعد ستين عاما من وفاته من دون أن يعلموا أين مكان جثته، وهكذا العظماء يؤثرون بآرائهم لا بقبورهم، لكنه هاجس الخوف عند من نظن أنهم عظماء.

محمد الوشيحي

خوفاً على السجادة

أجمل شعور هو أن تجلس مثلي هكذا، متربعاً، واضعاً يدك على خدك، بانتظار تشكيل الحكومة التي ستكون مسؤولة عن حاضرك ومستقبلك أنت وعشيرتك الأقربين، دون أن يكون لك في اختيارها قرار… وإذا سئلت فـ«رش بخّتين» من أطياب المرشود على غترتك وخلف أذنيك وقل: «نحن في بلد ديمقراطي ولا فخر».
لا أريد أن أقول كلاماً يُغضب الحكومة مني (كنت أريد أن أقول «لا أريد أن أغضب سمو الرئيس مني» لكنني تراجعت لأسباب برمائية غير مرئية)، ومن أنا كي أغضب الحكومة، صعلوك ليس في يده إلا قلم مُحرّم تتفحصه الجمارك بأشعة الليزر وتتناوشه القضايا، صعلوك يقرأ دائماً «الناس سواسية» فيضحك حتى يظهر لسان موته في أقصى بلعومه، أو زلعومه، على رأي اللبنانيين.
عن نفسي، لن أنتظر بلهفة على النافذة تشكيل الحكومة. وجُل من أعرف، إن لم يكن كلهم، مثلي لا ينتظرون على النوافذ، فهُم يعرفون البير وغطاه، وممّ صنع غطاه، وأين.. لذا، تعالوا نضحك ونرقص إلى أن يقرر أصحاب المعالي مصيرنا، تعالوا نطفئ الأنوار بيدنا لا بيد عمرو الحكومي، وندخل تحت عباءة الظلام، ولتنتقوا لنا أغنية تساعد على الرقص وهز الأكتاف وغير الأكتاف… هي خاربة خاربة فعلامَ البكاء والنحيب؟
وتذكرت صديقاً كان تحدث في الديوانية بألم وأسى: «أقسم بالله لن تطأ قدمي أميركا مرة أخرى»، فتساءلنا: «ليش؟»، فأجاب بشموخ ملك إفريقي تحيط به الجواري: «لم أتعرض في حياتي لمهانة كالتي تعرضت لها في مطاراتها»، فتهكّم أحد الأصدقاء: «كان الله في عون أميركا… ستخسرك»، وتهكمتُ مثله وأنا ألتفت إلى القبلة: «ومتى كنت محترماً يا أخا العرب (لم أقل يا أخا الكويت) كي تستنكر المهانة؟… القطعان لا تتذمر»، فشوّح بيده متذمراً: «متى تكف عن الحديث في السياسة؟ ثم يا أخي لمَ لا تعتبرنا قططاً اقتنتها الحكومات وأمعنت في تدليلها»، فأجبته: «لن أكف عن الحديث في السياسة إلى أن تكف أنت عن ادعاء الاحترام، أما حكاية القطط فلن أعلق كي لا تلطخ السجادة».
***
العتب على ذاكرتي المهجورة التي تراكمت فيها الكراكيب فلم أعد أفرّق كركوباً عن آخر، وكم من قطعة ثمينة فقدتها في دهاليز هذه الذاكرة الخربة… عموماً، نسيت أن أنوّه في مقالتي السابقة إلى أنني أود استئذانكم وإدارة التحرير للتوقف بضعة أيام لا تتعدى أصابع اليدين، كي أتفرغ لمتابعة الصحيفة الإلكترونية.

حسن العيسى

فرانكشتين يقتل وحشه

ألف مبروك للإنسانية مقتل رمز التطرف والجنون الدينيين الإرهابي أسامة بن لادن، ولا عزاء لمخابيله وأتباعه من الواهمين بأن التاريخ يمكن أن يرجع إلى الوراء، وأن «غزوة منهاتن» (بتعبير د. عبدالله النفيسي) هي صرخة وامعتصماه التي سيزيل فيها مجاهدو أهل الإبل أهل حضارة المكوك الفضائي وطائرات ستيلث… لننتهي في ما بعد إلى أن العرب والمسلمين هم الذين دفعوا (ومازالوا) الثمن الغالي لجزاري القاعدة، فهم الأكثر ضحايا لجرائم العنف والإرهاب في دولهم، وكان العراق الأرض الخصبة لحثالة «المجاهد الشهيد بن لادن»، وهم العرب الذين امتهنت كراماتهم وتم تصوير الشعوب العربية على أنها مجاميع متخلفة قبلية عنصرية تهوى سفك دماء من لا ينتمي إليهم بالدين (أو حتى الطائفة الدينية)، واستغل الصهاينة تركة بن لادن الثقيلة لكسب الرأي العام العالمي لجانبهم، وكان هذا أعظم كسب للدولة الإسرائيلية وقوى اليمين المتطرف في الغرب.
تذكروا أن بن لادن لم يأت من فراغ، فهو وحش فرانكشتين الذي انقلب على صانعه، وهو نتاج الزواج اللاشرعي بين المصالح الإمبريالية ودول «البترو دولار»، فقد جندته المخابرات الأميركية وعلى نفقة دول الخليج ليجاهد ضد السوفيات في أفغانستان في مطلع الثمانينيات، وقدم هؤلاء الجهاديون أعظم خدمة عجلت بعجلة سقوط الدولة السوفياتية بعد أن أنهكتها مالياً «حرب النجوم» وحروب بن لادن المجنون، أذكر هنا في الكويت أن البعض كانوا يأخذون إجازة مدفوعة كامل الأجر مقابل الجهاد هناك، وكانت لهم ميزات ومنافع أخرى كانت الكويت وشقيقاتها الخليجيات تنظر إليها بعين العطف والرعاية، ثم انتهت حرب الجهاد هناك ليبدأ جهاد آخر ضد دولنا بعد دخول القوات الأميركية السعودية لتحرير الكويت… وانقلب السحر على الساحر وبزغ نجم أسود الجزيرة في الكويت وهم فروع من شجرة القاعدة أصلها ثابث في تراب التخلف النفطي وفروعها تمتد لكل دولنا العربية والإسلامية.
قوى الإرهاب الديني تستمد قوتها وعنفوانها من فشل مشروع الدولة العربية الحديثة، فمن تراب الاستبداد والفساد في الأنظمة العربية وجدت جماعات بن لادن الأرض الخصبة، ومن جهل وحماقات أنظمتنا واستغلالها التدين العفوي لشعوبها بغرض خلق شرعيات الحكم حين غابت الشرعية الدستورية الليبرالية نهض الإسلام السياسي، فلم يعد كافياً في دول القبائل الإسلامية أن تكون مسلماً بل لابد أن تكون «إسلامياً» تمقت الآخرين وتبحث عن فرصة للانتقام من المستعمر الأجنبي الكافر، وانتهوا إلى تكفير حتى المسلمين الذين لا ينتمون إلى وعيهم البائس.
ثورات الربيع العربي ربما تسحب البساط من تحت أقدام أهل الجهاد، لكن لنكن متأكدين أن تلك الثورات ليست مثل الثورة الفرنسية قبل قرنين حين وضعت الحدود الفاصلة بين الديني والدنيوي، وهي ليست مثل ثورات أوروبا الشرقية في العقدين الأخيرين، فتلك دول لها وعيها الحضاري لا قبائل ترفع أعلاماً مع استثناء مصر وتونس والمغرب. مشوارنا نحو تكوين الدولة الأمة سيكون طويلاً، فبن لادن ليس شخصاً أرداه قتيلاً قناص ماهر، بل هو جرثومة تعيش في جسد أنظمتنا الحاكمة ويحيا كالقمل في الرأس العربي، يتغذى من دماء الجهل والفقر وغياب التعليم والثقافة الإنسانيين.   

احمد الصراف

الولدان وحور التربية

أكتب هذا المقال اليوم، ولا أعلم من سيكون وزيراً للتربية.. ستعود معالي الوزيرة، وهذا ما أتمناه، أم سيأتي أو تأتي غيرك؟! ولكن في جميع الأحوال الأمر يتطلب لفت نظر جهة ما، فقد سئمنا من سماع أن مناهجنا لا تشكو من خلل، وأنها مترابطة وتنسجم مع عاداتنا وتقاليدنا، والآن دعينا نقرأ معا ابيات هذه «النشيدة» المدرسية:
«صباح الخير يا وطني ويا أنسي ويا سكني
وتاريـخا مـن الأمجاد مسطورا على الزمن
صـباح الخـير والنور على الأبراج والسور
على اليامال والهولو على الولدان والحور».
هذه النشيدة تدرس لأطفال أبرياء في الصف الأول الابتدائي، الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والسادسة، والنص منقول من منهج اللغة العربية، الجزء 3، كتاب «العربية لغتنا» ص 23!!
قد يكون بامكان المدرسة والأم، دع عنك غالبية الآباء، مع بعض الجهد، شرح ما يعنيه «اليامال والهولو» لطفل أو طفلة صغيرة، ولكن كيف بامكانهم شرح «الولدان والحور» لهم ولبراءتهم؟ تتساءل من ارسلت النص، وهي مربية وأكاديمية فاضلة، ما علاقة «الولدان والحور العين» بالوطنية؟ وما أهميتهما لطفل في الخامسة، وكيف يمكن أصلا شرح ما يعنيه «الولدان والحور العين»؟ وهل ان قلنا لطفلة في الخامسة ان الحور العين هن اللواتي يسعى منفذو بعض العمليات الانتحارية للالتقاء بهن، نكون قد اعطينا الموضوع حقه وفسرنا ما يصعب تفسيره؟ وان تجاوزنا عقبة الحور العين فهل سننجح في تخطي حاجز «الولدان»؟
ألا نستحي ونخجل من انفسنا لسكوتنا عن تضمين مناهج دراسية لأطفال في مثل هذا العمر الغض من مثل هذه المعاني الدينية الشديدة التعقيد والارباك التي تحير حتى البالغ في استيعاب معانيها بطريقة صحيحة؟
نعود ونرفع الصوت ونقول ان كل بلاوينا وتخلفنا وغلونا وتطرفنا الفكري والديني تعود الى ما تم تدريسه لنا من مواد في المدارس، الحكومية بالذات، وهي التي أفسدت العقول والأفئدة بشكل كبير، فيا سيدتي ويا سيدي قوما بفعل شيء ما لوقف سيل التخلف هذا، وان عجزتم فاستقيلوا، فهذا أرحم لكم ولنا ولبراءة وصحة عقول أبنائنا وأحفادنا.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

لا ينطبق على الكويت


لا ينطبق هذا المقال على الكويت ولا أقصدها. أكتبها في أول سطر كي أعزز وأرسخ المعلومة المذكورة في العنوان. ثورة مصر الشبابية انتهت برحيل النظام السابق، الذي وإن كنّا ككويتيين نحمل له من الود والعرفان الشيء الكثير لموقفه الرائع في محنة الغزو العراقي، فإننا لا يمكن أن ننكر سوء الحال التي وصلت إليها مصر وشعبها الشقيق مما كان يستلزم ثورة إصلاحية شاملة أتمنى أن تتحقق بعد رحيل النظام لا أن يسوء الوضع أكثر. على أي حال، وبعيداً عن الثورة وأهدافها وأسباب قيامها وتنظيمها وغيرها من أمور أُشبعت بحثاً وتعليقاً، فإن أكثر ما لفت انتباهي من نتائج تلك الثورة وتبعاتها هو الإجراءات القضائية المتبعة تجاه النظام المصري السابق، فكل الأسماء البارزة من قيادات النظام وفي مقدمهم الرئيس المصري السابق تم توجيه التهم إليهم على مخالفات ارتكبوها في فترة توليهم لمقاليد السلطة كل في موقعه من قبل النيابة وحبسهم وتقييد إقامتهم، وهي إجراءات اتخذت وفق القانون ونصوصه بلا شك. والجدير بالذكر أن الاتهامات معظمها تتمحور حول سوء استخدام السلطة والتكسب غير المشروع والقتل وإهدار المال العام وسرقته كذلك. اللافت في الأمر هو أن الجهاز القضائي المصري برمته حالياً هو نفس النظام القضائي الذي كان يدير هذه السلطة في فترة حكم النظام السابق! وعلى الرغم من أنه نفس النظام فإنه لم يوجه في الماضي أي تهمة أو حتى تحقيق بسيط مع قيادات النظام السابق ممن يقبعون اليوم في السجون أو قيد الإقامة الجبرية اليوم. وهو الأمر الذي يضع ألف علامة استفهام وحيرة بشأن السلطة القضائية المصرية، أو في أحسن الظن فإن تناقض النظام القضائي المصري ما بين الأمس واليوم يجعلنا نوقن بأنه كان أسيراً لسلطة الحكم والحكومة في القاهرة. ذلك يعني أن القاتل من الممكن أن يُبرَّأ خوفا من السلطة، والسارق الأكيد للمال العام والمتعدّي عليه من الممكن أن تحفظ قضيته لعدم كفاية الأدلة لمجرد أنه من عناصر الحكم أو الحكومة. لذا فإن استقلالية القضاء المصري بشكل أساسي وكل الأقطار العربية الأخرى أمر ضروري وحتمي كي لا يفقد الإنسان أبسط حقوقه الإنسانية، وهي العدالة المجردة أو على الأقل التقرب منها قدر المستطاع، وأنا أحدد القضاء المصري بشكل أساسي لأنه رافد مهم في أغلبية الأجهزة القضائية العربية، وإن كان كيانها مهزوزاً هناك في مصر فإن ذلك بلا شك سينعكس على جميع الدول العربية. خارج نطاق التغطية (1): القتل من دون محاكمة عادلة من أي نظام عربي أو أجنبي أمر مرفوض أياً كانت الدولة التي حدث فيها وفي أي بقعة من العالم، ومن يحله في مكان ويستنكره في آخر فهو منافق كاذب لا يستحق أن يكون ذا كلمة تسمع. خارج نطاق التغطية (2): انتهت كل المشاكل في البلاد واطمأن العباد، فبادرت الحركة الدستورية الكويتية «حدس» بتقييم زفاف حفيد الملكة إليزابيث وتحديد ما ينقص بريطانيا! يحدوني الأمل في أن أسمع رأي «حدس» في مباراة برشلونة وريال مدريد في دوري الأبطال.