أكثر ما ينتشر التفاخر الكاذب بين الشعوب القليلة التعليم، الشعوب التي لا تقرأ، أما الشعوب العاقلة فإنها «خصيمة نفسها»… ويذكر المؤرخون أن الألمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية حُرِموا التعليم في القسم الشرقي من بلدهم الواقع تحت الاحتلال السوفييتي، فارتفعت نبرة التفاخر بينهم، رغم حرمانهم التعليمَ واحتلال وطنهم وإذلالهم وإفساد مؤسساتهم، في حين لم يلمسوا هذا التفاخر في القسم الغربي من ألمانيا، حيث التعليم المرتفع والاحتلال «المحترم» بالمقارنة.
هكذا هي قوانين الطبيعة إذاً، أعطني شعباً جاهلاً وخذ تفاخراً لا حد له ولا ند. أعطني فساداً وخذ قنوات سكوبية تخاطب الجهلة ومحدودي التعليم وتخدع جدّاتنا الأميات وتستغفلهن وتمرر رسائلها بين الأغاني الوطنية التي لا تنقطع ولا تسمن ولا تغني من جوع.
كل هذا قد أفهمه وأنا أشوّح بيدي، لكنني لن أفهم كيف استبدل شبان تخرجوا من أرقى جامعات الغرب مقولة «الله لا يغيّر علينا» التي كنا نسمعها من جداتنا إلى مقولة أشد منها وأنكى «أنا كويتي وأفتخر»؟ بماذا تفخر يا أيها الكويتي العظيم الذي لم يُخلَق مثلك في البلاد؟
تفخر بجامعة الكويت اليتيمة غير المعترف بها في الدول المحترمة، الجامعة التي تتشعبط بذيل قائمة الجامعات؟ بماذا تفخر؟ بأرضيات ملاعب أنديتك ومبانيها المتآكلة وأنت في دولة ميزانيتها تكسو الأرض بالحرير، وكل هذا بسبب صراع بين الشيوخ والتجار وحرب «كسر الخشم» التي ندفع ثمنها جميعاً؟ بهذا تفخر؟ أم بمسارحك المنتشرة المجهزة بأحدث التجهيزات؟ أم بنسبة قراء الكتب والمثقفين وإنتاجات المبدعين؟ أم بالطائفية الجميلة التي ازدهرت ونمت وطرحت تفاحها حتى لخبطت «نيوتن»؟
على الأقل عندما كانت جدتي وضحة، رحمها الله، تردد «الله لا يغيّر علينا»، كانت تلحق جملتها الساذجة تلك بجملة تبررها «عايشين في أمان وطمان»، لكن قل لي أنت يا جامعي يا كويتي وتفتخر أين «الأمان والطمان» بعد كل هذه المشاهد الطائفية وندواتها؟
طيب هات أذنك كي أهمس لك بمعلومة تجعلك تفخر بمزاج رائق… هل تعلم أن العراق رفض دخول شحنة تزن 66 طناً من اللحوم الفاسدة، فتم تحويل الشحنة إلى الكويت فدخلت «برداً وسلاماً» إلى الأسواق ومنها إلى بطون الكويتيين العظماء، ولم تظهر نتيجة العيّنة إلا بعد أن تحولت اللحوم إلى «مكابيس ومرق»، ومازال التاجر «السوري» صاحب الشحنة، المسنود بقوة فولاذية، يتمشى متمخطراً في الكويت، ويخرج لسانه لك ولكل الكويتيين المفتخرين.
على ماذا تسبل عيونك زهواً؟ على 1355 شحنة أغذية فاسدة، بمئات أو آلاف الأطنان، راحت كلها في بطنك وبطون أقاربك؟ يا حلوك.
بماذا تفخر يا حماك الله؟ بانحدار الكويت السريع المريع إلى أن أصبحت أكثر دول الخليج فساداً (أكرر، أكثر دول الخليج، لا دول شرق آسيا ولا شمال أوروبا)؟ إذا كنت تفخر بهذا فقل لي وحياة أمك ما الفرق بينك وبين المصري أحمد سعيد، مذيع النكبة المعروف، الذي كان يصرخ: «الله أكبر… دمّرت قواتنا الباسلة تلاتين طائرة معادية وخمساً وسبعين آلية «مقنزرة» أي مجنزرة، وفعلنا وعملنا وقتلنا»، بينما الحقيقة تقول إن الجيش الإسرائيلي كان يعلّم العرب الأدب في تلك اللحظات.
بماذا تفخر وتتفشخر؟ بقياديي مؤسساتك الذين تم اختيارهم على أساس الولاء فقادوك إلى التهلكة؟ بماذا تهايط بكويتيتك؟ بنفطك الذي هو مصدر دخلك الوحيد، والذي بيعت أول شحنة منه قبل نحو سبعين سنة، ومازلتَ تعتمد على الأجانب في استخراجه وبيعه؟ على ماذا تتعنطز؟ على وحدة الصف التي عاث فيها بعض المتنفذين، عبر كلابهم النابحة، فساداً؟
على ماذا تتشيحط؟ على ملياراتك المسروقة أثناء الغزو وأنت مشرد، ولم تستردها إلى الآن؟ وفرحان؟
بماذا تتباهى؟ انزل إلى الأرض أيها الديك فللفضاء نسوره، ولا تحاول أن تنفش ريشك أيها الطاووس الأمرد، فلا ريش لك، ولن ينبت لك ريش ما لم تدرك أنك في وضع مزرٍ فتنهض وتنفض عن جسمك الغبار، وتصرخ بأعلى غيظك: «كفى».
دع الفشخرة الهيروينية المخدرة فهي لا تعالج مرضاً ولا تعقّم جرحاً ولا تزرع شجراً، وتلفّت حولك وقارن نفسك بالشعوب التي تتنافس على المراكز الأولى، في حين تسبح أنت في بحيرة آسنة من الفوضى والتخلف، تحيط بك الطحالب من جهاتك الأربع، وتتلاعب الريح الملوثة بسفينتك وتسيّرها بمعرفتها.
بلاش دلع وخيبة… متى تغضب؟ متى تحتج على الفساد والمفسدين؟ أتعرف متى؟ عندما تصدق مع نفسك وتردد بغضب «أنا كويتي وأفتشل بوضعي الحالي، ولن أسمح باستمراره»، حينها، فقط حينها، ستتنفس الكويت وتموت الطحالب وتتفتح الورود… ويحق لك أن تقول «كويتي وأفتخر».