تقول وفاء سلطان: ان المراقب العادي لمجريات الأحداث قد يعتقد أن هذا الهيجان الجماهيري ما هو إلا تعبير عن رفض تلك الحركات للقمع الممارس عليها، الذي طال أمده، ومطالبة بحريات مستحقة منذ أمد، وقد يكون في الأمر بعض الصحة، لكنني لا أستطيع هنا أن أميز بين شكل وآخر من أشكال الحرية، فالحرية مهما تعددت أشكالها تبقى واحدة ولا يمكن الفصل بينها، فكيف تطالب تلك الحركات بالحريات السياسية، ولا تطالب في الوقت نفسه بحرية الاعتقاد والتعبير؟ وهل يعقل أن ذلك الشاب الذي خرج لتوه من صلاة الجمعة وراح يهتف «الله أكبر» هو في حقيقة الأمر يطالب بالحرية كحق شخصي، وبغض النظر عن شكل تلك الحرية؟ إن كان الأمر كذلك، فلماذا لم نر عبر التاريخ الإسلامي حركات تطالب بإنصاف الأقليات كبشر لهم الحقوق نفسها؟ أو بإنصاف النساء كبشر لهن الحقوق نفسها؟ فتقارير الأمم المتحدة تكشف أن مئات، إن لم يكن آلاف، من النساء المسلمات يقتلن كل عام »دفاعا» عن الشرف، فأين هي الحركات التي ثارت ضد هذا الظلم الذي لا يمكن أن يقابله ظلم آخر؟
إن الحرية مبدأ لا يتجزأ، وكما نطالب بتحررنا من قبضة الدكتاتور، كذلك يجب أن نطالب أولا بتحررنا من ثقافة كرست وجود ذلك الدكتاتور، وكرست كره الإنسان لأخيه الإنسان في الوطن الواحد! ولا شيء يبرهن على نضوج الإنسان في فهمه للحرية، إلا إيمانه بحق غيره في أن يمارس تلك الحرية، وبالتالي لا يمكن أن أصدق أن ذلك «الثائر»، وهو يهتف «الله أكبر» يؤمن بحق الإنسان الذي لا يشاطره قناعاته الدينية في أن يستمتع بحرياته؟ وأن هؤلاء النسوة اللاتي يطالبن بحقهن في ممارسة الحرية السياسية، لا يمانعن من أن تمارس وفاء سلطان حقها في حرية التعبير؟ فلم يسمعهن أحد يوما يحتججن على ضرب المرأة في ديارنا أو على أنها ناقصة عقل وليس من حقها الشهادة منفردة وحصتها أقل في الميراث، فما الذي يقنعني بأن استيعابهن لمفهوم الحرية، كمفهوم شامل ومقدس، هو استيعاب ناضج وحقيقي؟
لم يحدث أن تغير مجتمع بشري تغييرا جذريا من خلال ثورة من دون أن يسبق تلك الثورة تطور ثقافي تدريجي، وبالتالي فان هذه الثورات هي في الغالب ثورة جياع ومحرومين وليست ثورة أحرار، وهذا يكسبها أهمية إنسانية أكثر، ولا يقلل أبدا منها، فالجوع والحرمان أشد إيلاما للروح البشرية من القمع، إنها غريزة البقاء التي هي أقوى الغرائز وأقدسها، فقد يُقمع الإنسان ويظل حرا داخل عقله ومحتفظا بمعنوياته، أما أن يجوع أو يجوع أطفاله أمامه، ولا يستطيع أن يفعل شيئا، وخصوصا عندما يجد نفسه محاطا بغيلان تأكل الدجاجة بعظامها والبيضة وقشرتها، فالقهر عندها يسحق نفسه وروحه معا.
المقال طويل ومثير وبإمكان المهتمين البحث عنه في الإنترنت.
أحمد الصراف
[email protected]