محمد الوشيحي


إلى الشقراء… 
تلك

أنا الشرق، أنا العرب، أنا النفط، أنا الثروة، أنا الرفاه، أنا التخلف، أنا الثورة، أنا السفيه في عين حكّامي.

سيدتي الشقراء الأوروبية، يا من تعرفت بك بعد أن قدموكِ إلي «مهندسة ديكور داخلي من السويد» وقدموني إليك «كويتي جورناليست» أو صحافي كويتي، أخطأوا هم في تعريفي، وكذبوا عليك لجهلهم… قالوا جورناليست ولم يقولوا صعلوكيست متمرّديست من الميدل ايست، لا يعيش بلا نساءايست، وفي حضور الجمال قد ينسى التنفس فيموت إن لم يذكّره أحد، لكنه لا يميل إلى اللون الأشقر فافرحي أو احزني…

ماذا أيضاً؟ أحدثك أكثر؟… أنا المتناقضات… أنا الفوضى كما هي حالت هذه المقالة… أنا الشرق، ألا تعرفين الشرق، حيث الشعوذة حقيقة والحقيقة شعوذة؟ حيث تفسير الأحلام يدر دخلاً أضعاف الدخل من الاختراعات الهندسية؟ أنا العرب، حيث الشعوب ملك للحكام يورثونها أبناءهم كالعقار والأبقار؟ أنا من العرب، حيث لا يوفر لنا حكّامنا أطباء فنلجأ إلى العلاج بالبصق، قبل أن نشكر الحاكم ونحمده على جزيل نعمه ووافر فضله… أنا من العرب، حيث لا نرفض أمراً لحكامنا إلا إذا نهضنا لتحيتهم والتصفيق لهم فيأمروننا بالجلوس فلا نقبل… أنا من الشعوب تلك، حيث لا يتحدث حكامنا إلا إلى الفضائيات الأجنبية، وبالتوقيت الأميركي، الذي يوافق موعد نومتنا السابعة، فالمواطن الأميركي هو المخاطب لا نحن.

أنا من مصر الحرة يا سيدتي الشقراء، حيث نجح الضعفاء في كسر أنف أبي الهول… أنا من ليبيا، حيث الحاكم الذي وضع إبهامه وسبابته في رقبة شعبه اثنين وأربعين عاماً، وعندما دفع الشعب يدي الخناق بعيداً عن رقبته، تساءل الخنّاق مذهولاً: «من أنتم؟»، هو كان يخنق والسلام، لم يكن يعرف هوية المخنوق.

من أنا؟ أحدثك أكثر؟… أنا سورية، حيث مقاومة إسرائيل أربع مرات يومياً في نشرات الأخبار تكفي وتفيض. أنا من سورية حيث الطفل «حمزة» أحرج «عطران الشوارب»، حيث استُبدل العلاج بالبصق بالعلاج بالقصف… من أنا؟ أنا درعا لا أمّ لكِ، حيث يعلو صوت الربابة وغناء أمهات الشهداء على دوي المدافع… اخفضي عينيك يا سيدتي إجلالاً وانحني إكراماً فأنتِ في حضرة درعا، حيث الكرم هنا بإراقة دماء أولادنا قبل أن تنبت شواربهم عندما يعتقد الخليجيون أن الكرم يكون بإراقة دماء الأكباش والأنعام ويفاخرون بذلك… أنا من درعا أيتها الشقراء، حيث تخجل الجبال من ثباتي… أنا يا خضراء العينين درعاوي، أنا ابن السابعة عشرة الذي غنّت لي أمي أغنية العرس عندما بلغها خبر استشهادي، وعندما مر بي أصحابي وهم يحملون أشلائي أمام منزلنا، خرجت لهم أمي وأطلقت زغرودة حااااارة رددتها معها السماء… «أوييييييييها ليليليليليش».

من أنا بالتفصيل؟ أنا الكويت، حيث الحرية التي كانت، والريادة التي كانت، والخجل الذي كان، والفن الذي كان، والوحدة الوطنية التي كانت… أنا من الكويت، حيث يُضرب النواب والأكاديميون ويتم سجن المضروب. لا تضحكي، انتظري قليلاً… أنا من الكويت حيث يُطلب من المضروب أن يحمد الله بكرة وأصيلاً لأنهم اكتفوا بضربه وسحله وامتهان كرامته فقط، وآه «لو كنتَ في دولة من الدول اللي بالي بالك»، هكذا نطقوها.

أنا من الكويت لا أبا لكِ، إن كنتِ تعرفين أباك… أنا من الكويت، حيث يحكمنا أسرة نحبها، إلا أن خطاياها تناثرت من «الكيس» في الفترة الأخيرة لكثرتها… أنا من الكويت، حيث تطاير الدستور كدخان سيجارتي، هكذا، هوووووف… أنا يا شقراء يا بنت الأشقر من الكويت، حيث قرر الأحرار ذوو الدماء الحارة استعادة وطنهم رغماً عن أنف الوباء المنتشر في الأجواء.

أنا كل هؤلاء وأكثر… فمن أنتِ؟

احمد الصراف

ماذا قالت وفاء؟ (2/2)

تقول وفاء سلطان: ان المراقب العادي لمجريات الأحداث قد يعتقد أن هذا الهيجان الجماهيري ما هو إلا تعبير عن رفض تلك الحركات للقمع الممارس عليها، الذي طال أمده، ومطالبة بحريات مستحقة منذ أمد، و‎قد يكون في الأمر بعض الصحة، لكنني لا أستطيع هنا أن أميز بين شكل وآخر من أشكال الحرية، فالحرية مهما تعددت أشكالها تبقى واحدة ولا يمكن الفصل بينها، فكيف تطالب تلك الحركات بالحريات السياسية، ولا تطالب في الوقت نفسه بحرية الاعتقاد والتعبير؟ و‎هل يعقل أن ذلك الشاب الذي خرج لتوه من صلاة الجمعة وراح يهتف «الله أكبر» هو في حقيقة الأمر يطالب بالحرية كحق شخصي، وبغض النظر عن شكل تلك الحرية؟ ‎إن كان الأمر كذلك، فلماذا لم نر عبر التاريخ الإسلامي حركات تطالب بإنصاف الأقليات كبشر لهم الحقوق نفسها؟ أو بإنصاف النساء كبشر لهن الحقوق نفسها؟ فتقارير الأمم المتحدة تكشف أن مئات، إن لم يكن آلاف، من النساء المسلمات يقتلن كل عام ‎»دفاعا» عن الشرف، فأين هي الحركات التي ثارت ضد هذا الظلم الذي لا يمكن أن يقابله ظلم آخر؟
‎إن الحرية مبدأ لا يتجزأ، وكما نطالب بتحررنا من قبضة الدكتاتور، كذلك يجب أن نطالب أولا بتحررنا من ثقافة كرست وجود ذلك الدكتاتور، وكرست كره الإنسان لأخيه الإنسان في الوطن الواحد! ولا شيء يبرهن على نضوج الإنسان في فهمه للحرية، إلا إيمانه بحق غيره في أن يمارس تلك الحرية، وبالتالي لا يمكن أن أصدق أن ذلك «الثائر»، وهو يهتف «الله أكبر» يؤمن بحق الإنسان الذي لا يشاطره قناعاته الدينية في أن يستمتع بحرياته؟ وأن هؤلاء النسوة اللاتي يطالبن بحقهن في ممارسة الحرية السياسية، لا يمانعن من أن تمارس وفاء سلطان حقها في حرية التعبير؟ فلم يسمعهن أحد يوما يحتججن على ضرب المرأة في ديارنا أو على أنها ناقصة عقل وليس من حقها الشهادة منفردة وحصتها أقل في الميراث، فما الذي يقنعني بأن استيعابهن لمفهوم الحرية، كمفهوم شامل ومقدس، هو استيعاب ناضج وحقيقي؟
‎ ‎لم يحدث أن تغير مجتمع بشري تغييرا جذريا من خلال ثورة من دون أن يسبق تلك الثورة تطور ثقافي تدريجي، وبالتالي فان هذه الثورات هي في الغالب ثورة جياع ومحرومين وليست ثورة أحرار، وهذا يكسبها أهمية إنسانية أكثر، ولا يقلل أبدا منها، فالجوع والحرمان أشد إيلاما للروح البشرية من القمع، إنها غريزة البقاء التي هي أقوى الغرائز وأقدسها، فقد يُقمع الإنسان ويظل حرا داخل عقله ومحتفظا بمعنوياته، أما أن يجوع أو يجوع أطفاله أمامه، ولا يستطيع أن يفعل شيئا، وخصوصا عندما يجد نفسه محاطا بغيلان تأكل ‎الدجاجة بعظامها والبيضة وقشرتها، فالقهر عندها يسحق نفسه وروحه معا.
المقال طويل ومثير وبإمكان المهتمين البحث عنه في الإنترنت.

أحمد الصراف
[email protected]