سامح الله أخي وحبيبي شهر يوليو، تأخر هذه السنة، والغائب عذره معه، والكويتيون المحبطون يغزلون النسيج في انتظاره، وأنا أنهض بين دقيقة وأخرى وأطل من الشرفة، علّه أو لعلّه.
وشهر يوليو يختلف عن بقية شهور السنة كما تختلف تلك الصبية عن بقية الصبايا، وآه يا تلك الصبية، وآه يا شهر يوليو، شهر غسْل الأكباد، شهر الهرب من إدارة الدولة بعقليات العرب، عقلية الشيوخ، أو بعض الشيوخ، الذين أصابهم الحول فقرروا إعادتنا إلى زمن «المشيخة»، وتعاملوا معنا بنظام العلف والشعير، وعليك أن تبلع من البرسيم و«تسرط» الشعير، وتثغو حمداً لله وشكراً، ماذا وإلا فستثغو عليك «خرفانهم» التي ربّوها فأحسنوا تربيتها، وتخور عليك أبقارهم التي سمّنوها حتى أصبحت تزحف لفرط سمنتها، ويا ويلك ويا سواد ليلك من كذب خرفانهم وافتراء أبقارهم.
أين أنت يا يوليو؟ تعطرنا لك وتزكرتنا فلا تتأخر كي لا يتلاشى العطر، والعرب تقول «لا تُسرج قبل أن تُلجم» ونحن لفرط شوقنا إليك أسرجنا خيلنا في انتظارك قبل أن نلجمها، ونزار قباني يقول: «اشتقت إليك فعلمني ألا أشتاق»، وها أنذا أحذرك، فإن تأخرت أكثر فلا تلومن إلا نفسك، إذ لم يبقَ إلا أن تتسلم نائبة تسييس السياسة، التي تصرّح وتصفق لنفسها، منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ووزير المالية، كي نكتب في أسفل الصفحة الأخيرة «تمت بحمد الله… الطبعة الأخيرة» ونغلق غلاف الرواية.
تعال بسرعة يا عزيزي يوليو فنحن نعيش في رواية، رواية مسلية، لكنها على عكس النسق المعروف في الروايات التي تبدأ حزينة وتنتهي بفرح، هنا بدأنا بفرح وسننتهي بأختنا المسيسة وزيرة.
عجّل يا يوليو، فقد كمن الذئب الأدعق واختبأ، وبرز «الخرتيت» وتمادى، وبدلاً من أن يهاجم خصمه في وسيلته الإعلامية، كما يفعل غيره، راح يسخر من قبيلته ويعيد التاريخ إلى ما قبل القانون والعلم! وأنت تعلم يا يوليو، بل أنت خير من يعلم، أنه لو كان يعيش في عصر ما قبل القانون، والتقى مع أحد من أبناء القبيلة تلك في «صحصحٍ خالٍ» أو في صحراء، وحدهما، لعرف كلّ منهما حجمه، ولزاول كلّ منهما هوايته، فللذئب هواية وموقف يختلفان كثيراً عن هواية الخرتيت وموقفه.
أيها العزيز يوليو، لقد تكاثر الذباب وتعالى نباح الكلاب، وانتثر الملح على الجرح، وارتدى الخرتيت جلد النمر وراح يصرخ مطالباً بأن يُعاملَ معاملة النمر، وأن يتقدم مسيرة ذوات المخلب والناب، فضحكت الغابة حتى سقطت على ظهرها، وحكّت القردة رؤوسها دهشة، وأخرجت الزواحف ألسنتها سخرية، وصفقت السناجب الكف بالكف حسرة… تباً للخرتيت ما أغباه، وتباً للبرسيم الذي أفقده عقله.