محمد الوشيحي

الخرتيت

سامح الله أخي وحبيبي شهر يوليو، تأخر هذه السنة، والغائب عذره معه، والكويتيون المحبطون يغزلون النسيج في انتظاره، وأنا أنهض بين دقيقة وأخرى وأطل من الشرفة، علّه أو لعلّه.

وشهر يوليو يختلف عن بقية شهور السنة كما تختلف تلك الصبية عن بقية الصبايا، وآه يا تلك الصبية، وآه يا شهر يوليو، شهر غسْل الأكباد، شهر الهرب من إدارة الدولة بعقليات العرب، عقلية الشيوخ، أو بعض الشيوخ، الذين أصابهم الحول فقرروا إعادتنا إلى زمن «المشيخة»، وتعاملوا معنا بنظام العلف والشعير، وعليك أن تبلع من البرسيم و«تسرط» الشعير، وتثغو حمداً لله وشكراً، ماذا وإلا فستثغو عليك «خرفانهم» التي ربّوها فأحسنوا تربيتها، وتخور عليك أبقارهم التي سمّنوها حتى أصبحت تزحف لفرط سمنتها، ويا ويلك ويا سواد ليلك من كذب خرفانهم وافتراء أبقارهم.

أين أنت يا يوليو؟ تعطرنا لك وتزكرتنا فلا تتأخر كي لا يتلاشى العطر، والعرب تقول «لا تُسرج قبل أن تُلجم» ونحن لفرط شوقنا إليك أسرجنا خيلنا في انتظارك قبل أن نلجمها، ونزار قباني يقول: «اشتقت إليك فعلمني ألا أشتاق»، وها أنذا أحذرك، فإن تأخرت أكثر فلا تلومن إلا نفسك، إذ لم يبقَ إلا أن تتسلم نائبة تسييس السياسة، التي تصرّح وتصفق لنفسها، منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ووزير المالية، كي نكتب في أسفل الصفحة الأخيرة «تمت بحمد الله… الطبعة الأخيرة» ونغلق غلاف الرواية.

تعال بسرعة يا عزيزي يوليو فنحن نعيش في رواية، رواية مسلية، لكنها على عكس النسق المعروف في الروايات التي تبدأ حزينة وتنتهي بفرح، هنا بدأنا بفرح وسننتهي بأختنا المسيسة وزيرة.

عجّل يا يوليو، فقد كمن الذئب الأدعق واختبأ، وبرز «الخرتيت» وتمادى، وبدلاً من أن يهاجم خصمه في وسيلته الإعلامية، كما يفعل غيره، راح يسخر من قبيلته ويعيد التاريخ إلى ما قبل القانون والعلم! وأنت تعلم يا يوليو، بل أنت خير من يعلم، أنه لو كان يعيش في عصر ما قبل القانون، والتقى مع أحد من أبناء القبيلة تلك في «صحصحٍ خالٍ» أو في صحراء، وحدهما، لعرف كلّ منهما حجمه، ولزاول كلّ منهما هوايته، فللذئب هواية وموقف يختلفان كثيراً عن هواية الخرتيت وموقفه.

أيها العزيز يوليو، لقد تكاثر الذباب وتعالى نباح الكلاب، وانتثر الملح على الجرح، وارتدى الخرتيت جلد النمر وراح يصرخ مطالباً بأن يُعاملَ معاملة النمر، وأن يتقدم مسيرة ذوات المخلب والناب، فضحكت الغابة حتى سقطت على ظهرها، وحكّت القردة رؤوسها دهشة، وأخرجت الزواحف ألسنتها سخرية، وصفقت السناجب الكف بالكف حسرة… تباً للخرتيت ما أغباه، وتباً للبرسيم الذي أفقده عقله.

حسن العيسى

قولوا خيراً أو اصمتوا

قدم النواب هايف والطبطبائي والوعلان أكبر هدية لحكومة الشيخ ناصر المحمد باستجوابهم البائس لرئيسها، فليس هناك مادة للاستجواب غير اتهام رئيس الحكومة بالتواطؤ مع النظام الإيراني، بكل ما تحمله هذه العبارة من ظلم وفقدان لأبسط معايير العدالة نحو رئيس الحكومة. فلا يبدو أن المستجوبين على وعي بما تحمله عبارات شائنة مثل «الإضرار بالأمن الخليجي، والإضرار بالعلاقات مع دول مجلس التعاون، والإهمال أمام التغلغل الإيراني…» من اتهامات صريحة لرئيس الحكومة تكاد تقارب تهم الخيانة الوطنية…! وخلط المستجوبون بين «العلاقة الشخصية»، أو أياً كان وصفها، بين رئيس الحكومة وبعض الأفراد، وبين ما هو مستحق فعلاً من مساءلة سياسية وقانونية معاً ضد رئيس الحكومة.

حدثوا العاقل بما يعقل، وحدثونا يا حضرات النواب بالمعقول بشأن «تواطؤ» رئيس الحكومة مع النظام الإيراني، كما جاء بفحوى استجوابكم…! فهل كان من المفروض على رئيس الحكومة أن يبعث بالأساطيل والجيوش الكويتية لنجدة البحرين، وكأن البحرين كانت في مواجهة عدوان خارجي واستيلاء على السلطة هناك؟! أم كان من واجب الشيخ ناصر إعلان الحرب «الاستباقية» على إيران «الصفوية» دون انتظار إشارة قبول من الولايات المتحدة، وذلك كي تكون الكويت متسقة مع مفهوم الأمن الوطني ومنفذة التزاماتها مع دول درع الجزيرة؟! أخبرونا ماذا تريدون؟ ونحن هنا نفترض حيادكم في إعمال حكم القانون، وأنكم لا تقصدون بأي حال فرض الوجه الطائفي البشع على الدولة، حين تصبح إيران وتطلعاتها بالهيمنة تكئه وسبباً لاستصغار شيعة الكويت، وكأن هؤلاء وكلاء رسميون للجمهورية الإيرانية.

ماذا كان مطلوباً من رئيس الحكومة نحو إيران ودول مجلس التعاون الخليجي حتى يثار مثل ذلك الاستجواب المقيت. هناك عشرات ومئات الأسباب لمساءلة رئيس الحكومة والسلطة كلها وأعوانها بمجلس «الخدمات» النيابي على الحالة الكويتية اليوم وبالأمس القريب. إلا أن تصوير رئيس الحكومة بالشخص المتخاذل والمتواطئ مع إيران، كما جاء في استجوابكم، مسألة صعبة ولا يمكن هضمها تحت أي حال، ابحثوا لكم همومنا الكبيرة، وما أكثرها، بداية من غياب أبسط مبادئ حكم القانون في الدولة، مروراً بحفلات الرشاوى السياسية التي تدفعها السلطة إلى أمة الاستهلاك ونوابها المبجلين، مع انتشار وباء الفساد في معظم أجهزة الدولة من غير استثناء، ونهاية باحتقار روح الدستور والمساءلة السياسية من الحكومة وأذنابها، كأن يحذف استجواب سياسي مدة سنة كاملة بحجة «الألفاظ» الدستورية مع تغييب متعمد للمعنى والمقصد الدستوريين! ابحثوا لكم عما ينقذ الوطن من محنته معكم ومع هذه السلطة… من غير أن تضيعوا أعمارنا في تلك الترهات… قولوا خيراً أو اصمتوا.

احمد الصراف

يا وزيري.. ارحمني!!

تقول القارئة عبير انها لاحظت بكل أسف مدى تجاهل الدولة لوضع حساس وذي بعد ديني وإنساني عميق، وهو المتعلق بمجهولي الأبوين، وما تبذله مجموعة صغيرة جداً من السيدات الواعيات في المجتمع من جهد للتفاعل مع مشكلتهم وتقديم يد العون لهم ولمن يرغب في تبنيهم. وقالت انها سعدت لقيامي بالتصدي للمشكلة، وطالبتني بعدم التوقف عن الكتابة عنها بسبب كل التقصير واللامبالاة اللذين تتبعهما أجهزة وزارة الشؤون، سواء ما تعلق بطول فترة انتظار الحاضن أو المتبني لطفل مجهول الأب والأم، التي قد تمتد لأشهر فقط لكي تتفضل باحثة اجتماعية لزيارة منزل طالب التبني لتكملة المعلومات المطلوب ادراجها ضمن الطلب، وهو تأخير غير مبرر، مع كثرة الموظفات في القسم! وقالت انه اضافة لذلك فإن لجنة البت في طلبات التبني أو الاحتضان، لا تجتمع عادة سوى 4 مرات في السنة، واحيانا 3، وعادة لا يسمح لها وقتها، بسبب انشغالها بقضايا أخرى، بالبت في كل الطلبات. وتضيف عبير أن الدولة لا تقوم عادة بمساعدة الحاضن ماديا، خوفا من استغلال المسألة، وهذه تصب في مصلحة الطفل المحتضن أو المتبني لكي تتوافر له فرصة العيش ضمن مناخ طبيعي يعرف من خلاله معاني الحب والحنان وتلبية احتياجاته النفسية التي يفتقدها بشدة في دور الرعاية، التي تعج بأشكال وألوان من المشرفين والعاملين من كلا الجنسين، الذين يتناوبون على «رعايته» على مدى 24 ساعة في ثلاث ورديات يوميا، كل على طريقته ومزاجه، هذا غير حالات التعدي جسديا وجنسيا على هؤلاء، التي تكتشف بين الفترة والأخرى!
وقالت سيدة أخرى، مهتمة بقضية هؤلاء الأطفال، ان الوزارة أوقفت منذ 3 سنوات اعطاء الأوراق الثبوتية لهؤلاء، مثل شهادة الميلاد والجنسية والمدنية، وهذا يعني ببساطة أن الدولة، ممثلة بوزير الشؤون، تساهم في خلق «اطفال بدون»، وتزيد بالتالي من حجم مشكلة البدون، وهذا المنع يصعب كثيرا من سهولة احتضان او تبني هؤلاء الأطفال.
ان وزير الشؤون، المعروف بمواقفه الطيبة، مطالب بتشجيع الاحتضان وتذليل العقبات أمام الحاضنين لاتاحة الفرصة أمام عشرات الأطفال الموجودين في دار الرعاية لأخذ فرصتهم بانتشالهم من بيئتهم الكئيبة، التي يحاول بعض «المسؤولين» بهرجتها لاستمرار استغلالهم أوضاع هؤلاء، فهدف دور الرعاية ليس تكديس الأطفال لديها وتعريضهم لمختلف المؤثرات السلبية في بيئة غير طبيعية، بل رعايتهم لفترة قصيرة ومن ثم تسهيل دمجهم في المجتمع ليصبحوا مواطنين قادرين على العيش بصورة طبيعية كغيرهم. كما أن اضطرار البعض للانتظار لفترة تزيد على 4 سنوات للبت في طلباتهم بتبني طفل عملية غير مجدية، فهذا أدى في حالات كثيرة الى تغيير المتبنين لرغباتهم بعد كل ذلك الانتظار، وبعد أن يصبح الطفل في سن غير ملائمة، ويكون قد تأثر نفسيا وعقليا بصورة سلبية، نتيجة أجواء دور الرعاية غير المناسبة.
فهل يجد هؤلاء عند وزير الشؤون.. والعدل حلا عادلا؟ نتمنى ذلك!
***
ملاحظة:‍ لا أميل للعسكر، فقد نكبنا بما يكفي منهم، ولكن ما يجري على الساحة المحلية في هذه الايام من دعوات للاعتصام في مختلف الساحات وتشكيل المسيرات، التي تقف خلفها قوى تصف نفسها بـ«الشعبية»، يعتبر كارثة امنية وسياسية واقتصادية، وأجد نفسي مجبرا على تأييد اجراءات الداخلية في التعامل مع هذه المظاهر المخربة، التي تهدف الى تحقيق مآرب بعض النواب الذين اختاروا نقل خلافاتهم مع رئيس الحكومة الى الشارع، بعد ان خذلهم زملاؤهم، وندعو هنا الى تعاون الجميع مع القانون وعدم المشاركة في الاعتصامات والتجمعات والمسيرات التي دعت اليها قوى التخلف والردة والتعصب الفئوي.

أحمد الصراف