محمد الوشيحي

كويتي وأفتشل

أكثر ما ينتشر التفاخر الكاذب بين الشعوب القليلة التعليم، الشعوب التي لا تقرأ، أما الشعوب العاقلة فإنها «خصيمة نفسها»… ويذكر المؤرخون أن الألمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية حُرِموا التعليم في القسم الشرقي من بلدهم الواقع تحت الاحتلال السوفييتي، فارتفعت نبرة التفاخر بينهم، رغم حرمانهم التعليمَ واحتلال وطنهم وإذلالهم وإفساد مؤسساتهم، في حين لم يلمسوا هذا التفاخر في القسم الغربي من ألمانيا، حيث التعليم المرتفع والاحتلال «المحترم» بالمقارنة.

هكذا هي قوانين الطبيعة إذاً، أعطني شعباً جاهلاً وخذ تفاخراً لا حد له ولا ند. أعطني فساداً وخذ قنوات سكوبية تخاطب الجهلة ومحدودي التعليم وتخدع جدّاتنا الأميات وتستغفلهن وتمرر رسائلها بين الأغاني الوطنية التي لا تنقطع ولا تسمن ولا تغني من جوع.

كل هذا قد أفهمه وأنا أشوّح بيدي، لكنني لن أفهم كيف استبدل شبان تخرجوا من أرقى جامعات الغرب مقولة «الله لا يغيّر علينا» التي كنا نسمعها من جداتنا إلى مقولة أشد منها وأنكى «أنا كويتي وأفتخر»؟ بماذا تفخر يا أيها الكويتي العظيم الذي لم يُخلَق مثلك في البلاد؟

تفخر بجامعة الكويت اليتيمة غير المعترف بها في الدول المحترمة، الجامعة التي تتشعبط بذيل قائمة الجامعات؟ بماذا تفخر؟ بأرضيات ملاعب أنديتك ومبانيها المتآكلة وأنت في دولة ميزانيتها تكسو الأرض بالحرير، وكل هذا بسبب صراع بين الشيوخ والتجار وحرب «كسر الخشم» التي ندفع ثمنها جميعاً؟ بهذا تفخر؟ أم بمسارحك المنتشرة المجهزة بأحدث التجهيزات؟ أم بنسبة قراء الكتب والمثقفين وإنتاجات المبدعين؟ أم بالطائفية الجميلة التي ازدهرت ونمت وطرحت تفاحها حتى لخبطت «نيوتن»؟

على الأقل عندما كانت جدتي وضحة، رحمها الله، تردد «الله لا يغيّر علينا»، كانت تلحق جملتها الساذجة تلك بجملة تبررها «عايشين في أمان وطمان»، لكن قل لي أنت يا جامعي يا كويتي وتفتخر أين «الأمان والطمان» بعد كل هذه المشاهد الطائفية وندواتها؟

طيب هات أذنك كي أهمس لك بمعلومة تجعلك تفخر بمزاج رائق… هل تعلم أن العراق رفض دخول شحنة تزن 66 طناً من اللحوم الفاسدة، فتم تحويل الشحنة إلى الكويت فدخلت «برداً وسلاماً» إلى الأسواق ومنها إلى بطون الكويتيين العظماء، ولم تظهر نتيجة العيّنة إلا بعد أن تحولت اللحوم إلى «مكابيس ومرق»، ومازال التاجر «السوري» صاحب الشحنة، المسنود بقوة فولاذية، يتمشى متمخطراً في الكويت، ويخرج لسانه لك ولكل الكويتيين المفتخرين.

على ماذا تسبل عيونك زهواً؟ على 1355 شحنة أغذية فاسدة، بمئات أو آلاف الأطنان، راحت كلها في بطنك وبطون أقاربك؟ يا حلوك.

بماذا تفخر يا حماك الله؟ بانحدار الكويت السريع المريع إلى أن أصبحت أكثر دول الخليج فساداً (أكرر، أكثر دول الخليج، لا دول شرق آسيا ولا شمال أوروبا)؟ إذا كنت تفخر بهذا فقل لي وحياة أمك ما الفرق بينك وبين المصري أحمد سعيد، مذيع النكبة المعروف، الذي كان يصرخ: «الله أكبر… دمّرت قواتنا الباسلة تلاتين طائرة معادية وخمساً وسبعين آلية «مقنزرة» أي مجنزرة، وفعلنا وعملنا وقتلنا»، بينما الحقيقة تقول إن الجيش الإسرائيلي كان يعلّم العرب الأدب في تلك اللحظات.

بماذا تفخر وتتفشخر؟ بقياديي مؤسساتك الذين تم اختيارهم على أساس الولاء فقادوك إلى التهلكة؟ بماذا تهايط بكويتيتك؟ بنفطك الذي هو مصدر دخلك الوحيد، والذي بيعت أول شحنة منه قبل نحو سبعين سنة، ومازلتَ تعتمد على الأجانب في استخراجه وبيعه؟ على ماذا تتعنطز؟ على وحدة الصف التي عاث فيها بعض المتنفذين، عبر كلابهم النابحة، فساداً؟

على ماذا تتشيحط؟ على ملياراتك المسروقة أثناء الغزو وأنت مشرد، ولم تستردها إلى الآن؟ وفرحان؟

بماذا تتباهى؟ انزل إلى الأرض أيها الديك فللفضاء نسوره، ولا تحاول أن تنفش ريشك أيها الطاووس الأمرد، فلا ريش لك، ولن ينبت لك ريش ما لم تدرك أنك في وضع مزرٍ فتنهض وتنفض عن جسمك الغبار، وتصرخ بأعلى غيظك: «كفى».

دع الفشخرة الهيروينية المخدرة فهي لا تعالج مرضاً ولا تعقّم جرحاً ولا تزرع شجراً، وتلفّت حولك وقارن نفسك بالشعوب التي تتنافس على المراكز الأولى، في حين تسبح أنت في بحيرة آسنة من الفوضى والتخلف، تحيط بك الطحالب من جهاتك الأربع، وتتلاعب الريح الملوثة بسفينتك وتسيّرها بمعرفتها.

بلاش دلع وخيبة… متى تغضب؟ متى تحتج على الفساد والمفسدين؟ أتعرف متى؟ عندما تصدق مع نفسك وتردد بغضب «أنا كويتي وأفتشل بوضعي الحالي، ولن أسمح باستمراره»، حينها، فقط حينها، ستتنفس الكويت وتموت الطحالب وتتفتح الورود… ويحق لك أن تقول «كويتي وأفتخر».

حسن العيسى

سفه سياسي

في يناير الماضي عقّب تقرير «الشال» على المكرمة الأميرية بصرف ألف دينار لكل مواطن، وتموين مجاني مدة ١٤ شهراً، بأن مبلغ المليار و١٥٠ مليون دينار (قيمة المكرمة) يفترض أن يصرف على صناعة الإنسان تعليماً وتدريباً. وأضاف التقرير، وكأنه كان يؤذن في مالطا: «هذه الأموال ليست حصيلة وعاء ضريبي على دخول وأرباح إنتاج سلعي، وإنما اقتطاع من أصل لا يمكن تعويض أي قطرة منه».

وأضاف التقرير أن «مبلغ المكرمة يكفي لعشرين ألف منحة دراسية، أو توفير عشرين ألف مسكن لطوابير المنتظرين للسكن». وتساءل التقرير: «ماذا ستفعل الحكومة حين يدخل ٥٠٠ ألف مواطن ومواطنة إلى سوق العمل في العقدين القادمين وكيف ستوفر لهم فرص العمل؟».

انتهينا قبل ستة أشهر بدهان السير الحكومي، لنعود من جديد هذه المرة إلى حلبة مباراة شراء الذمم والود بين مجلس الأمة والحكومة، وفي كلا الحالتين هناك إفساد متعمد للمواطنين بتواطؤ بين الحكومة والمجلس؛ فالمجلس أقر زيادة الخمسين ديناراً مع كادر المعلمين ومكافآت الطلبة التي «تقدر كلفتها بـ٦٠٠ مليون دينار سنوياً» كما جاء في مانشيت «القبس»، وأضافت الجريدة أن قيمة الزيادات منذ عام ٢٠٠٥ تصل إلى ٤ مليارات دينار سنوياً.

فماذا حدت منذ ست سنوات إلى هذا اليوم، كيف لامستنا يد حاتم الطائي الحكومي- المجلسي؟ ماذا عن الشوارع الفسيحة التي لا تركب السيارات فيها بعضها فوق بعض، مع أزمات مرور خانقة تعلمنا كل واحدة منها «بالسعر الرسمي» لرخص القيادة، وكذلك الأسعار الرسمية لناطحات الغبار التي ترخص من البلدية من دون مواقف للسيارات… أم يكون الكلام أفضل عن المجاري الطافحة في منطقة مشرف وغيرها، والمزابل والنفايات في الجليب، أم نتحدث عن المدارس والمستشفيات النموذجية التي تباري أفضل مثيلاتها في الدول المتقدمة؟ أم نتكلم عن غياب طوابير الانتظار الممتدة لإنجاز المعاملات الحكومية…؟ أين ذهبت و»تذهب» تلك المليارات من الدنانير في بلد يسير من سيئ إلى أسوأ، وهل فكر أي من المجلس أو الحكومة بكلمتين فقط عنوانهما «تنمية الإنسان» أو «الاستثمار الإنساني» بدلاً من عقيدة التخلف الراسخة بشراء الذمم والإمعان في تدمير الإنسان الكويتي وتهميش قضاياه الحقيقية عندما يغيب وعيه ويدفن قلقه عن المستقبل المجهول الذي ينتظره حتماً… وإلى متى هذا السفه السياسي، ونحن نرى حجم المعاناة التي يدفعها غيرنا في الدول العربية، بينما تقف الحكومة والمجلس ينظران ببلاهة إلى ما يجري، وكأنهما في كوكب آخر!

احمد الصراف

تسونامي الحداثة

للمؤلف وكاتب العمود الاميركي ديف باري، الفائز بـ«بوليتزر»، جملة شهيرة، يقول فيها: «استغرق الأمر مني خمسين عاما لأعرف حقيقة أن الناس الذين يرغبون في أن تشاركهم وجهات نظرهم الدينية، هم في الغالب على غير استعداد لمشاركتي في وجهات نظري الدينية»!
***
بذل ملالي ايران جهودا كبيرة لاستئصال مظاهر الحداثة الغربية من حياتهم وثقافتهم، وبذلوا جهودا اكبر لكي يحلوا مكانها ما يسمى بـ «الحداثة الاسلامية»، وإن على الطريقة الايرانية المشبعة بخصائص المذهب الشيعي، دون غيره. واعتقد هؤلاء أنهم بعملهم هذا يعيدون تطبيقات الشريعة الاسلامية لما كانت عليه، وان عليهم محاربة الحداثة الغربية عن طريق اعادة صياغة فكر المواطن العادي ووعيه من خلال مناهج التربية والتعليم، والتأثير تاليا، وبشكل كامل، على أسلوب حياة الفرد الايراني! وللوصول إلى ذلك قامت القيادة الايرانية في سنوات الثورة الأولى باغلاق أعداد هائلة من المدارس، كما اوقفت الدراسة لفترات متقطعة في المعاهد والجامعات بغية أسلمة مناهجها وكادر مدرسيها، وهذا ادى إلى التخلص من عشرات آلاف المدرسين لمجرد الشك في ولائهم للمشروع الاسلامي، كما تم وقف البعثات التعليمية للجامعات الغربية، واعادة من سبق ان ابتعث خوفا من استمرار تأثرهم السلبي بـ«فضائل الغرب»! كما منع اختلاط الجنسين في المدارس والجامعات، وكلفت ميليشيات رجالية ونسائية بمهمة فرض السلوك الاسلامي في الشارع، وحظر ارتداء الأردية «غير الاسلامية»، ونال الكثيرون الضرب والجلد علنا، وحتى السجن، لمخالفتهم أوامر «المرشد الأعلى». كما بذلت الحكومة الاسلامية جهودا جبارة لمنع المواطنين من مشاهدة القنوات الأجنبية «المفسدة»، وتم تسيير فرق تفتيش للبيوت والشقق ومراقبة أسطح المنازل والبلكونات للتأكد من عدم استخدام الأطباق اللاقطة! كما حظرت مشاهدة أي أفلام أجنبية، وبالذات الاميركية، الا تلك المعادية لأميركا، ومن الطريف أن فيلم Dance with the Wolf عرض في مئات دور السينما لأشهر عدة لأنه كان يظهر الاميركي بصورة قبيحة!
ان كل هذه الاجراءات المتشددة وجيوش نشر الفضيلة الجبرية وأحكام الجلد والسجن والشنق التي تصدرها المحاكم في دول مثل ايران والسودان وغزة وبعض دول مجلس التعاون والتي تهدف إلى تغيير سلوك البشر ودفعهم للتصرف كما تريد قياداتهم لا تختلف عما كانت تنتهجه الأنظمة الشيوعية المتعسفة مع مواطنيها، وكل هذه العقوبات لن تجدي نفعا، فتسونامي الحداثة ومبادئ حقوق الانسان ستجرف كل هؤلاء من طريقها لا محالة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

التكامل الخليجي

ردة الفعل الشعبية من أهل الخليج العربي كانت كافية لإجهاض اقتراح ضم المغرب والأردن الى مجلس التعاون الخليجي، حيث لا منطقية ولا جدية ولا وجاهة في هذا الاقتراح الغريب والمفاجئ، حيث لم يكن مدرجا على جدول الأعمال. ويبدو انها رسالة أريد لها أن تصل الى جهة معينة ولكن تم اخراجها بشكل سيئ أدى الى اجهاضها.
المطلوب اليوم من دول مجلس التعاون المزيد من التكامل في ما بينها، فشعار «خليجنا واحد وشعبنا واحد ومصيرنا واحد» يجب ان يتعدى كونه حبرا على ورق وأناشيد في الأعياد والمناسبات، الى واقع ملموس نشعر به يوميا في حياتنا العملية.
اتفاقية مجلس التعاون تسمح بأن نعلن عن تشكيل جيش خليجي واحد تحت قيادة مشتركة، ولا بأس من اشتراط الإجماع لتحريك هذا الجيش. كما أن دول الخليج اليوم ـــ باستثناء قطر ـــ تنتهج سياسة خارجية واحدة من دون الزام لبقية الدول، فلماذا لا نعلن قيادة واحدة للسياسة الخارجية تحددها مصالح دوله من دون اخلال بالالتزامات القومية والإسلامية؟ وأنا شخصياً اعتقد ان قطر، هذه الدولة الصغيرة، انتهجت سياسة مميزة، وتمكنت من ان تفرض وجودها على أجندة الكبار، فلا بأس اذاً من ان نستفيد من سيرة هذه الدولة في هذا المجال.
وبما ان المصالح النفطية واحدة، ولا مجال للفلسفة في السياسة النفطية، فلذلك أجد ان التكامل الخليجي في هذا المجال سهل المنال، ان لم يكن واقعا اليوم.
فإذا أضفنا المرور بالبطاقة والربط الكهربائي والقطار الخليجي ثم أخيرا وليس آخرا العملة الخليجية الموحدة، كل ذلك يجعل من ايجاد الكونفدرالية أمرا ميسورا وواقعا محسوسا.
القضية التي يجب التأكيد عليها قبل الختام هي ان الخصوصية في إدارة الشأن المحلي سمة النظام الكونفدرالي، فالكويت مثلا تستطيع ان تحافظ على طبيعة النظام البرلماني والرقابي من دون الاخلال بالالتزام بالكونفدرالية. كما ان المملكة العربية السعودية تستطيع ان تحافظ على ظاهرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دون تناقض مع التزامها الكونفدرالي. فإذا أضفنا إلى ذلك ان كل اسرة حكم تستمر في مكانتها وموقعها وحكمها للبلاد من دون تعارض مع هذا النظام فسنجد ان تطبيق الكونفدرالية امر ضروري لحفظ الأمن لهذه الدول، بدلا من ضم دول أخرى تجعل من التكامل الخليجي امرا مستحيلا.

ملاحظة داخلية: نائب رئيس مجلس الأمة عبدالله الرومي يتميز بضيق الصدر، لذلك أسهل شيء عنده لإدارة الجلسات هو الإعلان عن رفع الجلسة، لذلك من لا يرد لهذا المجلس أن ينجز شيئا فكل ما عليه ان «يطفر» بومحمد عندما يبدأ في ادارة الجلسة وسيتحقق له ما يريد.