حسن العيسى

من نادي الملوك إلى نادي الشعوب

لم يجد أحد المعلقين في «بي بي سي» تسمية لمجلس دول التعاون الخليجي غير «نادي الملوك»، وهو بالفعل يشكل نادياً للملوك العرب، لكن هذا النادي يمد يده الآن إلى المملكة الهاشمية والمملكة المغربية للانضمام إليه مع تحفظ الكويت وقطر وعمان، وسواء جاءت مبادرة الانضمام إلى دول المجلس من الأردن والمغرب أم بطلب من «نصف» دول المجلس فلن يغير هذا من حقيقة الواقع بأن الدعوة لا تخرج عن أنها نوع من الاستقواء بهاتين الدولتين لمواجهة التحديات الإيرانية.
ولادة مجلس التعاون الخليجي ذاتها في مايو ٨١ كانت بحد ذاتها رد فعل للثورة الإيرانية، ولم تكن ولادة المجلس ناتجة عن قناعة راسخة لدول المنطقة بضرورة الشروع في الوحدة الاقتصادية ثم السياسية بين دول المنطقة. لم يكن «الإقليم» الخليجي الواحد هو معيار خلق المجلس، فلا إيران ولا العراق ولا اليمن أعضاء فيه، ولم يبد أن مشروع التوحيد الجزئي في البداية ثم نحو الوحدة الأوسع، كما هو الحال مع دول الاتحاد الأوروبي، في بال أصحاب فكرة المجلس. لم يكن المجلس في أفضل أحواله سوى واجهة للتنسيق السياسي والعسكري بين دوله لمواجهة التحديات الخارجية المتمثلة في الدولتين الأقوى في المنطقة وهما إيران والعراق (سابقا)، أيضاً كان تشابه الأنظمة الحاكمة في دوله لأنها ممالك وإمارات، تقوم على تحالفات قبلية واقتصاد ريعي أساسه تصدير النفط، مع اعتماد شبه كامل على العمالة الأجنبية، هما الركيزتان خلف قيام المجلس. على ذلك لم تستطع دول المجلس على مدى ثلاثين عاماً تحقيق أبسط أحلام شعوبها، فتعثرت فكرة السوق المشتركة وانتهت إلى غير رجعة فكرة العملة الواحدة بعد أزمة دبي المالية قبل ثلاثة أعوام، ولا يبقى من «شكل المجلس» غير «كاونتر» الجوازات الخاص بمواطني دول المجلس، ثم تطورت الأمور قليلاً بعد اعتماد التنقل بالبطاقة المدنية…!
أما قوات «درع الجزيرة» فقد كانت أضعف من رد الأخطار عن دول المجلس، وكان الاحتلال العراقي للكويت عام ٩٠ دليلاً على ذلك، ولولا تدخل القوى الكبرى لما حدث التحرير، واليوم لا يظل هناك دور لقوات درع الجزيرة إلا التدخل الشكلي لحماية الأنظمة في دول المجلس، مع إبراز صورة غير واقعية عن الوحدة الموهومة. وليس هناك من عذر لدول المجلس في ضعفها العسكري، فالسؤال الثابت يتلخص في أين تذهب الأموال الفلكية التي رصدت للميزانيات العسكرية لمعظم دول المجلس؟
دخول المغرب والأردن في نادي الملوك لن يغير من الأمر شيئاً، وإن كان هناك أمل كبير أن تتسع مظلة المجلس لكل الدول العربية وحتى غير العربية متى قامت أنظمتها على شرعيات دستورية تضمن الحد الأدنى لمبادئ حقوق الإنسان، وهذا غير متيسر في معظم دول المجلس ولا عند أشقائه العرب حتى هذه اللحظة، وحتى تحين هذه اللحظة ليس لنا غير الحلم بأن تتحول دولنا العربية من نوادي الملوك والرؤساء الملكيين إلى نواد للشعوب.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

من حطم مختارة ماي؟

ربما لم يسمع أحد منا بالباكستانية «مختارة ماي» من قبل، ولكن قصتها جديرة بأن تروى. ففي 2002 شوهد أخوها الأصغر يسير بصحبة فتاة من قبيلة أكثر نفوذا من قبيلتها، ولردع الغير عن التعدي على شرف القبيلة الأخرى الأرفع، ولو بالسير معها في الطريق، قرر حكماء القرية معاقبة الصبي بطريقة شرعية، وذلك بالحكم على شقيقته بالاغتصاب الجماعي من رجال القبيلة، وعلناً، وهذا ما حدث بالفعل.
وتقول «مختارة» إنها شعرت باليأس والمهانة، وكان أمامها أحد ثلاثة طرق: إما الانتحار، أو دفن نفسها بالحزن، وإما أن تواجه الموقف بقوة وتتحدى الظروف، وكان قرارها الأخير هو الذي دفعها لأن تتعلم وتفتتح مدرسة للبنات لتساهم في رفع مستواهن وتعريفهن بحقوقهن المهدورة.
عادت قضية «مختارة» للسطح مؤخرا بعد ان تدخلت المحكمة العليا في باكستان لوقف قرار احدى المحاكم بتبرئة خمسة من أصل الــ 14 رجلا الذين سبق وأن أدينوا بجريمة اغتصابها علنا، وهي الحادثة المأساوية التي أثارت في حينه مشاعر الكثيرين من مناصري المرأة والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم أجمع، ويبدو أننا لم نكن وقتها من هؤلاء، ولن نكون!
وباكستان اليوم بانتظار حكم محكمة الاستئناف بحق مقترفي هذه الجريمة المسيئة للخلق والضمير والنفس البشرية، ويذكر أن الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف سبق ان منع «مختارة» من السفر، ووضعها قيد الإقامة الجبرية، خوفا من أن تغادر باكستان للغرب وتفضح أنظمة بلدها، وعلىالرغم من أنها حصلت على جوازها مؤخرا، لكنها لم تحاول مغادرة وطنها.
لا أدري لماذا نحن بحاجة الى وقوع مثل هذه المآسي المؤلمة لنعرف مدى حاجة مجتمعاتنا لجرعات كبيرة من زيادة الوعي والتعريف بابسط حقوق الإنسان، فما تتعرض له المرأة في المجتمعات المسلمة، وبالذات في المناطق المتشددة دينيا من باكستان وأفغانستان وإيران، هذا بخلاف دولنا الخليجية العامرة، أمر مؤلم ومؤلم جدا.
وفي تصريح للآنسة مختارة، التي تتمتع بوسامة لافتة، قالت إنها تلقت عروضا كثيرة للزواج، وانها قبلتها، مع شرط موافقة زوج المستقبل العيش معها في قريتها والعمل معها في المدرسة، وقالت إنهم هربوا جميعا، لأنهم كانوا يطمعون في ما تملك.. من مال!!

أحمد الصراف