حسن العيسى

لنحذر حرب الطوائف

بسبب كذبة أو حكاية غير مؤكدة عن قبطية اعتنقت الإسلام، بعد أن وقعت في غرام شاب مسلم، وتم حجزها في كنيسة، خرج السلفيون المتشددون وبلطجية الشوارع وأحرقوا كنيسة، وقتلوا عدداً من الضحايا الأبرياء الأقباط، وكان رد الحكومة المصرية أنها ستضرب «بيد من حديد» على مثيري الفتن. ويمكن أن تكون الحكومة المصرية استعارت شعار «بيد من حديد» من التراث السياسي الكويتي في أيام الغيبة الدستورية.
حدوتة القبطية المتيَّمة بعشق الفتى المسلم التي تضحي بحريتها من أجل هذا الحب العذري حتى يأتي الفارس السلفي بصحبة رفيقه البلطجي وينقذها من أهل الكفر، محطماً سجن الباستيل الكنسي تصلح لرومانسيات عربية مستوحاة من ألف ليلة وليلة وروميو وجولييت وبكل الأوهام التي يضج بها العقل المتخلف، لكنه حتماً إن استمر البطل (السلفي) أو البلطجي في صولاته التحريرية لإنقاذ الفتاة من قصر الظلام فسيقود تحرير الفتاة الى مذابح دينية للطائفة القبطية، وللحكومة المصرية كل العذر بالضرب بيد من حديد على «مثيري الفتن» فهي مسألة وجود وطن تهدد بسحق أهل البلاد الأصليين الذين تمكنوا من دفع الجزية عند الفتح الإسلامي ولم يتحولوا إلى الدين الإسلامي بالتالي.
  صورة الفتنة الدينية في مصر ستكون بالغة الضآلة إذا ما تمت مقارنتها بدول عربية أخرى، فمصر هي الدولة الأمة الأكبر في المنطقة العربية، ولها سلطة مركزية قوية تمتد إلى عمق التاريخ، والمجتمع المصري متجانس بصفة عامة رغم وجود أقلية قبطية تمثل 10 في المئة من السكان، فهي في النهاية «أقلية»، والخطر الوجودي للدول لا يكون إلّا عندما تتقارب الأقليات في أعدادها، مثل المسلمين والمسيحيين في لبنان أو الشيعة والسنة في العراق، ولنا أن نقيس بالحالتين اللبنانية والعراقية معظم دول الموزاييك غير المتناسق بالدول العربية. إذن، هناك فتنة صغيرة نسبياً في الربيع العربي بدولة كبيرة مثل مصر، لكنها ستكون فتناً ستقود إلى مجازر وحروب «أهلية» (والأصح تسميتها بالحروب القبلية) في غير مصر، ففي سورية مثلاً هناك احتمال كبير بسحق الأقليات الدينية، رغم تطمينات أقطاب المعارضة السورية، لو تمكنت قوى المعارضة من الحكم، فهناك ثارات قديمة سيتعين الأخذ بها، ولن يكون العلويون  كأقلية حاكمة ومتحالفة مع قوى بعثية ضحيتها فقط، فهناك الدروز وطائفة الروم الأرثوذكس وغيرها ستكتوي بنار التصفيات الطائفية آخر الأمر، فلنا في العراق المحرَّر تجربة، فقد وجد الإرهابيون الأصوليون ضالتهم في إفراغ حنقهم على الكنائس المسيحية من كلدانية وآشورية وغيرها بعد أن عجزوا في حربهم الأهلية ضد الأغلبية الشيعية، وبعد أن استأثرت الأخيرة بالحكم ونحت جانباً الأقلية السنّية.
«فزاعة» الأصوليات التي ستحل محل الأنظمة الاستبدادية كما تروج تلك الأنظمة ذاتها ليست خرافة ووهماً يبرران استمرار حكمة «… امسك مجنونك قبل أن يأتيك الأجنّ منه» بل حقيقة يؤكدها واقع تلك القبائل التي ترفع أعلاماً، إذن لا يوجد حل قريب للاختيار بين البقاء تحت مظلة «حاكم غشوم ولا فتنة تدوم» وفكرة «الفوضى الخلاقة»، التي روّجت لها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة… فلننتظر كيف سيمتد ربيعنا العربي إلى الخريف القادم أو «الثلاثين سنة القادمة»، والعبارة الأخيرة تذكّرنا بالحرب الدينية في أوروبا التي انتهت بمعاهدة وستفاليا 1648، فلنكن هنا في الكويت على حذر ولنقرأ التاريخ جيداً فما يجري الآن من مزايدات مذهبية من نواب ديّنين ليس إلّا لعباً بنار ستحرقنا  جميعاً دون تفرقة.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

مؤتمر الحمام!

ورد في الصفحة الأولى من جريدة المستقبل قبل أيام، وعلى لسان معاذ خالد المسعود ان مركز فهد السالم لحوار الحضارات والدفاع عن الحريات! ومقره مدينة نيويورك، سيعقد مؤتمرا دوليا يركز على الكويت كنموذج ديموقراطي لمجتمع معاصر. وقال المسعود، وهو امين عام المركز ان الكويت ستستضيف المؤتمر من 21 الى 23 مايو، وسيحضره رؤساء دول ومسؤولون سابقون ورؤساء منظمات عالمية تعنى بحقوق الإنسان وحوار الحضارات، وانه سيقام بالتعاون مع نادي مدريد، وسيكون عقده ايذانا بانطلاق مركز فهد السالم لحوار الحضارات والدفاع عن الحريات الى واقع عملي وملموس، وليكون الخطوة الاولى على طريق اعمال المركز الذي لم يمض شهر على تأسيسه(!!)
وأضاف المسعود ان المؤتمر يحظى بأهمية توافقه مع ما تشهده منطقة الشرق الاوسط من متغيرات وحراك شعبي غير مسبوق في تاريخ المنطقة، بهدف إرساء مفاهيم الحرية والديموقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية لهذه الشعوب(!!) مؤكدا ان انعقاده في الكويت يحظى بأهمية خاصة، فالكويت من الدول العربية القليلة، ما لم تكن الفريدة(!!) التي تحتكم في تسيير شؤونها وقضاياها الى دستور ونظام سياسي قائم على تجربة ديموقراطية تعلي من حق المواطن في حرية الاختيار والاختلاف في الرأي (!!). وكرر المسعود، وكرر وكرر، ان المركز سيعمل على ابراز «دور الكويت كبلد ديموقراطي حر ونموذج لمجتمع مدني معاصر متسامح، وان على الدول الاخرى استلهام هذا الدور والنموذج على طريق التغيير الذي تنشده شعوب المنطقة (لا حاجة هنا لوضع اي علامات استفهام)، فالكلام موجه في صورة نصيحة لتونس ومصر وحتى لبنان.
وأنا هنا على استعداد لان اقص يدي اليسرى ان كان السيد المسعود يؤمن بكلمة واحدة مما صرح به، كما انني على استعداد لقص اليد الثانية ان توصل مؤتمره المنشود الى أي إنجاز او اعجاز، وعلى اي صعيد كان بخلاف تنفيع الفنادق وشركات الطيران والتاكسي الجوال، وهذا المشروع لا يختلف كثيرا عن تلك اللجنة او الجمعية التي شكلها، على ما اذكر الشيخ احمد الفهد، لتقوم بمنح جائزة باسم المرحوم الشيخ فهد الاحمد لأفضل جمعية خيرية!
نكتب ذلك ونحن بانتظار ان «تستلهم» شعوب الدولة العربية النموذج الكويتي! وقديما قال المصريون «اللي معاه قرش ومحيره يشتري حمام ويطيره».

أحمد الصراف