احمد الصراف

لحظات السعادة القليلة

ربما من الصعب حصر اللحظات التعيسة أو المؤلمة التي مررت بها شخصيا على المستوى العام، وملايين غيري، في نصف القرن الماضي، بسبب كثرتها، ولكن أعتقد أن من السهل حصر اللحظات السعيدة أو المبهرة، لقلتها. وبالتالي أعتقد أن تحرير وطني من احتلال عراق صدام كان الخبر المفرح الأهم في حياتي وحياة الكثيرين غيري. كما كان العثور على صدام حسين وتنفيذ الحكم شنقا به كمجرم أمرا مفرحا جدا، وثالثا تتالي الثورات العربية التي رفعت من جرعة الأمل في نفوسنا المتعبة من كثرة الهزائم، والآن أتى خبر العثور على الهارب ابن لادن وقتله، فهذا الرجل لم يكتف بإلحاق أفدح الأضرار بممتلكات وأرواح شعوب الدول التي يعتقد بكفرها ولا يتردد في استخدام كل منتجاتها والتنعم بكل خيراتها، بل امتد شره لذويه فحطم السلام الداخلي والخارجي لملايين المسلمين في الغرب، واضر ببني وطنه وامتدت شروره لتشمل الكويت وأندونيسيا وقطر والأردن والصومال واليمن والعراق، التي قتل تنظيمه أكثر من عشرة آلاف من مواطنيها، غالبيتهم من الأبرياء!! يموت هذا الشخص وفي رقبته جريرة موت 15 ألف ضحية، غير الذين قتلهم، هو أو أعوانه، في افغانستان والشيشان، ثم بعد كل هذا يأتي من هم على شاكلة أحد الكتاب الدعاة، ويرسل رسائل «التوتر» التالية: «يفرح بقتله، أي ابن لادن، من انطلت عليه مؤامرات الأميركان أو من خالفه في العقيدة، ومن يظهر الإسلام ويبطن غيره، أما نحن فلا نفرح لقتل كافر لمسلم»! وفي رسالة أخرى يقول: «قد نختلف مع بعض أفكار ابن لادن! ولكن اسأل الله ان يغفر له، ويتقبله في الشهداء، أما الجهاد الشرعي فهو ماض إلى يوم الدين»!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

هل مات التطرف بموته؟!

انتقل أسامة بن لادن إلى ربه.. وهناك سيجد قاضيا عادلا.. فإما أن يكون كما يظن أتباعه، أو يكون كما يظن به الآخرون.. المهم نحن لا يعنينا أين سيكون بن لادن في الآخرة، بل ما يعنينا هو ما ستؤول إليه الأمور بعده.
شخصيا، أعتقد أن تنظيم القاعدة أصابه الشلل في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن فك ارتباطه بحركة طالبان، التي طلبت منه ذلك، وخرج من أفغانستان إلى منطقة القبائل، ثم طلب منه الخروج من منطقة القبائل بعد أن تأذى منه الناس بسبب القصف الأميركي المتواصل الذي ذهب ضحيته مئات الأبرياء من النساء والأطفال.
والدليل على ضعف التنظيم أن عملياته تكاد تكون معدومة وغير ذات تأثير منذ سنوات عدة، بل إن القوة انتقلت إلى حركة طالبان التي بدأت أخيرا بتنظيم صفوفها وزيادة عملياتها ونجاحها في إلحاق الخسائر في صفوف أعدائها.
إذاً، تنظيم القاعدة الضعيف فقد زعيما روحيا، لكنه جسديا ضعيف، وحركته كانت مشلولة بسبب التخفي والمراقبة الدائمة له. لكن، هل هذا يعني أن لا خوف من «القاعدة» بعد اليوم؟!
الجواب طبعا لا.
فمن حيث ردات الفعل لمقتل هذا الزعيم ستكون هناك عمليات انتحارية عشوائية غير منظمة وغير مبرمجة، وهذه ستكون مؤقتة وغير مؤثرة.
أما جسم التنظيم نفسه فيعتمد على ردات الفعل الأجنبية، والأميركية بالذات! فإن استمرت أميركا في سياستها المنحازة لإسرائيل.. والكيل بمكيالين في الشرق الأوسط.. ودعم الأنظمة القمعية، وكذلك الدول الأوروبية.. ان استمرت في سياساتها المعادية للعرب والمسلمين والتضييق على المسلمين في رزقهم وممارستهم لعبادتهم.. أقول إن استمرت الدول الغربية في هذه السياسات المهينة للمسلمين، فمن المتوقع أن يشكل في كل قطر تنظيم مصغر لـ «القاعدة» يحمل فكره ولا يرتبط تنظيميا بغيره حتى يسهل عليه التحرك ولا يضر بالآخرين.
أما إن أعادت أميركا وحلفاؤها الغرب النظر في سياستهم تجاه العرب وقضاياهم والمسلمين ومشاعرهم، خاصة أن الثورات العربية الأخيرة تهيئ لهذا التغيير، فمن المتوقع ألا يكون للفكر الجهادي محل في نفوس العرب والمسلمين، وسيرجع هؤلاء إلى الفكر المعتدل غير المتطرف الذي سيجد الأجواء مناسبة لانتشاره.
إن مما ساعد على انزواء الاعتدال وانتشار التطرف هو التعامل الغربي مع الواقع العربي حتى أن الحكام العرب انحرجوا وهم يدافعون عن السياسة الأميركية في المنطقة، لذلك أجدها فرصة لدعم الاعتدال الإسلامي وكبح جماح التطرف بكل أشكاله بأن توقف أميركا سياستها المتطرفة، وأن يوقف الغرب عداءه المستحكم ضد الظاهرة الإسلامية، وأن توقف الأنظمة العربية والإسلامية الموالية للغرب سياسة البطش بكل منتمٍ للإسلام السياسي.. عندها فقط نقول إننا قضينا على الإرهاب وبؤر التوتر وأسبابه.
للعلم، تم دفن جثة بن لادن في البحر.. مخافة أن يكون مزارا يؤجج مشاعر الكراهية للغرب، وأقول إن بن لادن هو أول من حطم المزارات في أفغانستان، وأتباعه يتأثرون بأفكاره لا بجسد لا روح فيه، فها هم أتباع حسن البنا ما زالوا يتأثرون بتعاليمه بعد ستين عاما من وفاته من دون أن يعلموا أين مكان جثته، وهكذا العظماء يؤثرون بآرائهم لا بقبورهم، لكنه هاجس الخوف عند من نظن أنهم عظماء.