محمد الوشيحي

خوفاً على السجادة

أجمل شعور هو أن تجلس مثلي هكذا، متربعاً، واضعاً يدك على خدك، بانتظار تشكيل الحكومة التي ستكون مسؤولة عن حاضرك ومستقبلك أنت وعشيرتك الأقربين، دون أن يكون لك في اختيارها قرار… وإذا سئلت فـ«رش بخّتين» من أطياب المرشود على غترتك وخلف أذنيك وقل: «نحن في بلد ديمقراطي ولا فخر».
لا أريد أن أقول كلاماً يُغضب الحكومة مني (كنت أريد أن أقول «لا أريد أن أغضب سمو الرئيس مني» لكنني تراجعت لأسباب برمائية غير مرئية)، ومن أنا كي أغضب الحكومة، صعلوك ليس في يده إلا قلم مُحرّم تتفحصه الجمارك بأشعة الليزر وتتناوشه القضايا، صعلوك يقرأ دائماً «الناس سواسية» فيضحك حتى يظهر لسان موته في أقصى بلعومه، أو زلعومه، على رأي اللبنانيين.
عن نفسي، لن أنتظر بلهفة على النافذة تشكيل الحكومة. وجُل من أعرف، إن لم يكن كلهم، مثلي لا ينتظرون على النوافذ، فهُم يعرفون البير وغطاه، وممّ صنع غطاه، وأين.. لذا، تعالوا نضحك ونرقص إلى أن يقرر أصحاب المعالي مصيرنا، تعالوا نطفئ الأنوار بيدنا لا بيد عمرو الحكومي، وندخل تحت عباءة الظلام، ولتنتقوا لنا أغنية تساعد على الرقص وهز الأكتاف وغير الأكتاف… هي خاربة خاربة فعلامَ البكاء والنحيب؟
وتذكرت صديقاً كان تحدث في الديوانية بألم وأسى: «أقسم بالله لن تطأ قدمي أميركا مرة أخرى»، فتساءلنا: «ليش؟»، فأجاب بشموخ ملك إفريقي تحيط به الجواري: «لم أتعرض في حياتي لمهانة كالتي تعرضت لها في مطاراتها»، فتهكّم أحد الأصدقاء: «كان الله في عون أميركا… ستخسرك»، وتهكمتُ مثله وأنا ألتفت إلى القبلة: «ومتى كنت محترماً يا أخا العرب (لم أقل يا أخا الكويت) كي تستنكر المهانة؟… القطعان لا تتذمر»، فشوّح بيده متذمراً: «متى تكف عن الحديث في السياسة؟ ثم يا أخي لمَ لا تعتبرنا قططاً اقتنتها الحكومات وأمعنت في تدليلها»، فأجبته: «لن أكف عن الحديث في السياسة إلى أن تكف أنت عن ادعاء الاحترام، أما حكاية القطط فلن أعلق كي لا تلطخ السجادة».
***
العتب على ذاكرتي المهجورة التي تراكمت فيها الكراكيب فلم أعد أفرّق كركوباً عن آخر، وكم من قطعة ثمينة فقدتها في دهاليز هذه الذاكرة الخربة… عموماً، نسيت أن أنوّه في مقالتي السابقة إلى أنني أود استئذانكم وإدارة التحرير للتوقف بضعة أيام لا تتعدى أصابع اليدين، كي أتفرغ لمتابعة الصحيفة الإلكترونية.

حسن العيسى

فرانكشتين يقتل وحشه

ألف مبروك للإنسانية مقتل رمز التطرف والجنون الدينيين الإرهابي أسامة بن لادن، ولا عزاء لمخابيله وأتباعه من الواهمين بأن التاريخ يمكن أن يرجع إلى الوراء، وأن «غزوة منهاتن» (بتعبير د. عبدالله النفيسي) هي صرخة وامعتصماه التي سيزيل فيها مجاهدو أهل الإبل أهل حضارة المكوك الفضائي وطائرات ستيلث… لننتهي في ما بعد إلى أن العرب والمسلمين هم الذين دفعوا (ومازالوا) الثمن الغالي لجزاري القاعدة، فهم الأكثر ضحايا لجرائم العنف والإرهاب في دولهم، وكان العراق الأرض الخصبة لحثالة «المجاهد الشهيد بن لادن»، وهم العرب الذين امتهنت كراماتهم وتم تصوير الشعوب العربية على أنها مجاميع متخلفة قبلية عنصرية تهوى سفك دماء من لا ينتمي إليهم بالدين (أو حتى الطائفة الدينية)، واستغل الصهاينة تركة بن لادن الثقيلة لكسب الرأي العام العالمي لجانبهم، وكان هذا أعظم كسب للدولة الإسرائيلية وقوى اليمين المتطرف في الغرب.
تذكروا أن بن لادن لم يأت من فراغ، فهو وحش فرانكشتين الذي انقلب على صانعه، وهو نتاج الزواج اللاشرعي بين المصالح الإمبريالية ودول «البترو دولار»، فقد جندته المخابرات الأميركية وعلى نفقة دول الخليج ليجاهد ضد السوفيات في أفغانستان في مطلع الثمانينيات، وقدم هؤلاء الجهاديون أعظم خدمة عجلت بعجلة سقوط الدولة السوفياتية بعد أن أنهكتها مالياً «حرب النجوم» وحروب بن لادن المجنون، أذكر هنا في الكويت أن البعض كانوا يأخذون إجازة مدفوعة كامل الأجر مقابل الجهاد هناك، وكانت لهم ميزات ومنافع أخرى كانت الكويت وشقيقاتها الخليجيات تنظر إليها بعين العطف والرعاية، ثم انتهت حرب الجهاد هناك ليبدأ جهاد آخر ضد دولنا بعد دخول القوات الأميركية السعودية لتحرير الكويت… وانقلب السحر على الساحر وبزغ نجم أسود الجزيرة في الكويت وهم فروع من شجرة القاعدة أصلها ثابث في تراب التخلف النفطي وفروعها تمتد لكل دولنا العربية والإسلامية.
قوى الإرهاب الديني تستمد قوتها وعنفوانها من فشل مشروع الدولة العربية الحديثة، فمن تراب الاستبداد والفساد في الأنظمة العربية وجدت جماعات بن لادن الأرض الخصبة، ومن جهل وحماقات أنظمتنا واستغلالها التدين العفوي لشعوبها بغرض خلق شرعيات الحكم حين غابت الشرعية الدستورية الليبرالية نهض الإسلام السياسي، فلم يعد كافياً في دول القبائل الإسلامية أن تكون مسلماً بل لابد أن تكون «إسلامياً» تمقت الآخرين وتبحث عن فرصة للانتقام من المستعمر الأجنبي الكافر، وانتهوا إلى تكفير حتى المسلمين الذين لا ينتمون إلى وعيهم البائس.
ثورات الربيع العربي ربما تسحب البساط من تحت أقدام أهل الجهاد، لكن لنكن متأكدين أن تلك الثورات ليست مثل الثورة الفرنسية قبل قرنين حين وضعت الحدود الفاصلة بين الديني والدنيوي، وهي ليست مثل ثورات أوروبا الشرقية في العقدين الأخيرين، فتلك دول لها وعيها الحضاري لا قبائل ترفع أعلاماً مع استثناء مصر وتونس والمغرب. مشوارنا نحو تكوين الدولة الأمة سيكون طويلاً، فبن لادن ليس شخصاً أرداه قتيلاً قناص ماهر، بل هو جرثومة تعيش في جسد أنظمتنا الحاكمة ويحيا كالقمل في الرأس العربي، يتغذى من دماء الجهل والفقر وغياب التعليم والثقافة الإنسانيين.   

احمد الصراف

الولدان وحور التربية

أكتب هذا المقال اليوم، ولا أعلم من سيكون وزيراً للتربية.. ستعود معالي الوزيرة، وهذا ما أتمناه، أم سيأتي أو تأتي غيرك؟! ولكن في جميع الأحوال الأمر يتطلب لفت نظر جهة ما، فقد سئمنا من سماع أن مناهجنا لا تشكو من خلل، وأنها مترابطة وتنسجم مع عاداتنا وتقاليدنا، والآن دعينا نقرأ معا ابيات هذه «النشيدة» المدرسية:
«صباح الخير يا وطني ويا أنسي ويا سكني
وتاريـخا مـن الأمجاد مسطورا على الزمن
صـباح الخـير والنور على الأبراج والسور
على اليامال والهولو على الولدان والحور».
هذه النشيدة تدرس لأطفال أبرياء في الصف الأول الابتدائي، الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والسادسة، والنص منقول من منهج اللغة العربية، الجزء 3، كتاب «العربية لغتنا» ص 23!!
قد يكون بامكان المدرسة والأم، دع عنك غالبية الآباء، مع بعض الجهد، شرح ما يعنيه «اليامال والهولو» لطفل أو طفلة صغيرة، ولكن كيف بامكانهم شرح «الولدان والحور» لهم ولبراءتهم؟ تتساءل من ارسلت النص، وهي مربية وأكاديمية فاضلة، ما علاقة «الولدان والحور العين» بالوطنية؟ وما أهميتهما لطفل في الخامسة، وكيف يمكن أصلا شرح ما يعنيه «الولدان والحور العين»؟ وهل ان قلنا لطفلة في الخامسة ان الحور العين هن اللواتي يسعى منفذو بعض العمليات الانتحارية للالتقاء بهن، نكون قد اعطينا الموضوع حقه وفسرنا ما يصعب تفسيره؟ وان تجاوزنا عقبة الحور العين فهل سننجح في تخطي حاجز «الولدان»؟
ألا نستحي ونخجل من انفسنا لسكوتنا عن تضمين مناهج دراسية لأطفال في مثل هذا العمر الغض من مثل هذه المعاني الدينية الشديدة التعقيد والارباك التي تحير حتى البالغ في استيعاب معانيها بطريقة صحيحة؟
نعود ونرفع الصوت ونقول ان كل بلاوينا وتخلفنا وغلونا وتطرفنا الفكري والديني تعود الى ما تم تدريسه لنا من مواد في المدارس، الحكومية بالذات، وهي التي أفسدت العقول والأفئدة بشكل كبير، فيا سيدتي ويا سيدي قوما بفعل شيء ما لوقف سيل التخلف هذا، وان عجزتم فاستقيلوا، فهذا أرحم لكم ولنا ولبراءة وصحة عقول أبنائنا وأحفادنا.

أحمد الصراف