لا ينطبق هذا المقال على الكويت ولا أقصدها. أكتبها في أول سطر كي أعزز وأرسخ المعلومة المذكورة في العنوان. ثورة مصر الشبابية انتهت برحيل النظام السابق، الذي وإن كنّا ككويتيين نحمل له من الود والعرفان الشيء الكثير لموقفه الرائع في محنة الغزو العراقي، فإننا لا يمكن أن ننكر سوء الحال التي وصلت إليها مصر وشعبها الشقيق مما كان يستلزم ثورة إصلاحية شاملة أتمنى أن تتحقق بعد رحيل النظام لا أن يسوء الوضع أكثر. على أي حال، وبعيداً عن الثورة وأهدافها وأسباب قيامها وتنظيمها وغيرها من أمور أُشبعت بحثاً وتعليقاً، فإن أكثر ما لفت انتباهي من نتائج تلك الثورة وتبعاتها هو الإجراءات القضائية المتبعة تجاه النظام المصري السابق، فكل الأسماء البارزة من قيادات النظام وفي مقدمهم الرئيس المصري السابق تم توجيه التهم إليهم على مخالفات ارتكبوها في فترة توليهم لمقاليد السلطة كل في موقعه من قبل النيابة وحبسهم وتقييد إقامتهم، وهي إجراءات اتخذت وفق القانون ونصوصه بلا شك. والجدير بالذكر أن الاتهامات معظمها تتمحور حول سوء استخدام السلطة والتكسب غير المشروع والقتل وإهدار المال العام وسرقته كذلك. اللافت في الأمر هو أن الجهاز القضائي المصري برمته حالياً هو نفس النظام القضائي الذي كان يدير هذه السلطة في فترة حكم النظام السابق! وعلى الرغم من أنه نفس النظام فإنه لم يوجه في الماضي أي تهمة أو حتى تحقيق بسيط مع قيادات النظام السابق ممن يقبعون اليوم في السجون أو قيد الإقامة الجبرية اليوم. وهو الأمر الذي يضع ألف علامة استفهام وحيرة بشأن السلطة القضائية المصرية، أو في أحسن الظن فإن تناقض النظام القضائي المصري ما بين الأمس واليوم يجعلنا نوقن بأنه كان أسيراً لسلطة الحكم والحكومة في القاهرة. ذلك يعني أن القاتل من الممكن أن يُبرَّأ خوفا من السلطة، والسارق الأكيد للمال العام والمتعدّي عليه من الممكن أن تحفظ قضيته لعدم كفاية الأدلة لمجرد أنه من عناصر الحكم أو الحكومة. لذا فإن استقلالية القضاء المصري بشكل أساسي وكل الأقطار العربية الأخرى أمر ضروري وحتمي كي لا يفقد الإنسان أبسط حقوقه الإنسانية، وهي العدالة المجردة أو على الأقل التقرب منها قدر المستطاع، وأنا أحدد القضاء المصري بشكل أساسي لأنه رافد مهم في أغلبية الأجهزة القضائية العربية، وإن كان كيانها مهزوزاً هناك في مصر فإن ذلك بلا شك سينعكس على جميع الدول العربية. خارج نطاق التغطية (1): القتل من دون محاكمة عادلة من أي نظام عربي أو أجنبي أمر مرفوض أياً كانت الدولة التي حدث فيها وفي أي بقعة من العالم، ومن يحله في مكان ويستنكره في آخر فهو منافق كاذب لا يستحق أن يكون ذا كلمة تسمع. خارج نطاق التغطية (2): انتهت كل المشاكل في البلاد واطمأن العباد، فبادرت الحركة الدستورية الكويتية «حدس» بتقييم زفاف حفيد الملكة إليزابيث وتحديد ما ينقص بريطانيا! يحدوني الأمل في أن أسمع رأي «حدس» في مباراة برشلونة وريال مدريد في دوري الأبطال.
اليوم: 2 مايو، 2011
المشهد السياسي والأمني وإسلام سلمى!
عرض علي الاخوة القائمون على برنامج «المشهد السياسي» في قناة الوطن استضافتي في حلقة الليلة قبل الماضية واعتذرت لظروف ملحة، وندمت على ذلك الاعتذار بعد مشاهدتي بعض ما جرى في اللقاء والتهجم السافر على نجم الحلقة، وأعني المقدم الشاب علي حسين الذي كان يمثل بحسرته وألمه الصادق رؤى ومشاعر كل المخلصين من أهل الكويت.
أعتقد أن الضيفين الفاضلين أخطآ في فهم معنى الكونفيدرالية والفيدرالية الذي أخذ أغلب وقت البرنامج، فمجلس التعاون الخليجي ليس وحدة كونفيدرالية والتي تستوجب توحد بعض سياسات الدول المنضوية تحتها كالدفاع والخارجية وتوحيد العملة كمثال، المجلس الخليجي في هذه المرحلة هو تجمع لست دول مستقلة كحال تجمع دول شرق آسيا أو الاتحاد الافريقي.. إلخ، كما أن الفيدرالية للمعلومة لا تستوجب وجود ديموقراطية أو دساتير في الدول التي ترتضي بتلك الوحدة التي تقل قليلا عن الوحدة الاندماجية وتزيد قليلا عن الكونفيدرالية، حيث لا يقبل ضمن الاتحاد الفيدرالي إلا بحكومة وقيادة سياسية واحدة.
ما يهم في حكاية سفير الكويت في مملكة بوتان ـ إن صحت ـ هو كيفية وصول سفير لهذا المنصب وهو لا يعلم بديهية وأساسية أنه لا يمثل نفسه فيما يطرح من آراء، بل يمثل دولة الكويت العضو الفاعل في درع الجزيرة التي كان يطالب بطرد قواتها ـ أي قوات بلاده ـ من مملكة البحرين، في الحالة الليبية وغيرها كان يصاحب اعتراض السفراء على سياسة بلادهم تقديمهم استقالاتهم من مناصبهم، لذا فهناك حاجة للنظر في منهاجية الاعداد والاختيار لمنصب السفير، خاصة بعد إنشاء المعهد الديبلوماسي الواعد.
حوادث اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن في المباني وغيرها تحتاج الى «مفاوضين محترفين» كي تنتهي تلك الاشكالات بسلام ولا تترك لاجتهادات شخصية، فاجعة مخفر العدان وقبلها ما حدث ابان توقيف مركب خفر السواحل لزورق الصيد العراقي، تحتاج الى عمليات تدريب متكررة لكيفية مواجهة الأزمات، وأنصح باستخدام أفلام القناة الوثائقية Investigation Discovery التي تظهر كيفية تعامل قوى الأمن الاميركية ومفاوضيها وأطبائها الشرعيين مع الجرائم المختلفة.
أخيرا، حدثني الزميل حسن العلوي عن تفاصيل محادثة صدام له، ومما ذكره أنه كان ساهرا هو وزوجته مع مدير «العراقية» في بيروت وزوجته وطيار عراقي اسمه مازن وزوجته، عندما استقبل المكالمة الشهيرة التي انتشرت على الانترنت وفي التاريخ الذي يحتفل فيه صدام عادة بعيد ميلاده المشؤوم، وقد استرسل في الحديث مع المتصل أمام الشهود ولم يكن الحديث مفبركا، بل كان حقيقيا ـ حسب قوله ـ ويعتقد أبوعمر أن المتصل كان مقلدا بشكل جيد لصوت صدام والغريب ان احدى كبريات الصحف الاميركية طرحت عليه مائة سؤال حول تلك المكالمة، مما يعني أن هناك من لديه شك في عملية إعدام صدام.
ما أعطى تلك المكالمة «الوهمية» مصداقيتها، حقيقة ان عملية إعدام صدام لم تتم في وضح النهار كما يفترض وأمام آلاف الساسة والإعلاميين والمصورين، بل تمت في ليل أظلم وسط أناس مقنّعين وبتصوير سيئ من كاميرا هاتف واحدة أظهرته ورباط أسود يحيط برقبته يمكن له أن يخفي طوقا معدنيا يحمي الرقبة، وينتهي الشريط الرديء بسقوط الطاغية من كوة الإعدام ولا يستكمل التصوير لإظهار موته بعد السقوط لأسباب مبهمة.
آخر محطة:
(1) قام الزميل أسامة أبوالسعود بنشر لقاء في «الأنباء» أجراه مع وزير المالية المصري الكفؤ د.سمير رضوان الذي تحدث خلاله بصراحة تامة عن الأحوال الاقتصادية التي ما توقفنا عن التحذير منها وضرورة الالتفات اليها قبل أن تقع الفاس بالراس.
(2) أعطى الوزير الفاضل تفاصيل رقمية تحرك الحجر ومشاعر البشر، فقد سيّل البنك المركزي 13 مليار دولار خلال شهرين لمنع سعر الجنيه من الانهيار، وقد انخفضت الصادرات بـ 40% وبلغت خسائر السياحة 3 مليارات دولار شهريا، مما خلق حاجة ملحة لملياري دولار لهذا الشهر و10 مليارات دولار لميزانية العام المقبل ستتم محاولة الحصول عليها كقروض ومنح من البنوك والحكومات العربية والأجنبية.
(3) بدلا من الاهتمام بتلك الإشكالات المفصلية والحقيقية، تفرغت أغلب الفضائيات والصحف المصرية لقضية المسيحية ـ المسلمة ـ المسيحية.. إلخ، كاميليا التي ينطبق عليها قول الشاعر «أسلمت سلمى (كاميليا) فما زاد الاسلام ولا نقص النصارى» حالها كحال إسلام حنون الذي لم يزد في الاسلام مقدار خردلة.
عمنا العدساني الكبير
يحظى الكثير من كبار إداريي الدولة بالاحترام والسمعة الطيبة، وربما يأتي على رأس هؤلاء العم عبدالعزيز يوسف العدساني، فبالرغم من طول فترة عمله الحكومي والتشريعي والتنظيمي التي بدأت قبل 40 عاما، عمل فيها عضوا ورئيسا للمجلس البلدي، ونائبا في البرلمان في التسعينات، وكان في 1995 وربما لا يزال، عضوا في المجلس التنفيذي الدولي للمبادرات البيئية المحلية في كندا، كما اختير عام 1997 عضوا مراقبا في المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع للأمم المتحدة، وهو الآن، وقد قارب أو تجاوز الثمانين من عمره المديد، يعمل رئيسا لديوان المحاسبة. المهم هنا أن السيد العدساني كان طوال هذه الفترة، وعلى مدى 34 عاما، أمينا عاما لـ «منظمة المدن العربية»، ولو أخذنا في الاعتبار أهمية الوظائف والمهام الخطيرة الأخرى التي يقوم بها لوجدنا أن من الاستحالة على رجل في سنه أن يقدم جديدا لمنظمة اشرف عليها لأكثر من ثلاثة عقود، وبالتالي نعتقد بأن من الأسلم تسليم الراية لمن هو أكثر نشاطا منه، ولكي يكون لديه الوقت لنقل خبراته لمن يأتي بعده، قبل فوات الأوان.
هذا من جانب، ومن جانب آخر لو نظرنا للمهام التي تأسست من أجلها «منظمة المدن العربية» قبل 44 عاما، لوجدنا أنها، مثلها مثل منظمة د. العوضي الإقليمية للبيئة البحرية، ما غيرها، وبقية الهياكل الهرمة الأخرى، لم تفعل الكثير! فمن أهداف منظمة المدن «الحفاظ على هوية المدينة العربية»! ولو بحثنا في كل زوايا الجهراء والفحيحيل وأم الهيمان عن دور لها لما وجدنا أثرا، فغيابها تام شامل، هذا غير تأثيرها الغائب في العاصمة، فإذا كانت هذه حال دولة المقر، المساهم الأكبر في ميزانية المنظمة، فما هي حال مدينة عضو مؤسس في المنظمة كالقاهرة مثلا، والتي حتما لم تصبح أفضل حالا في ظل إرشادات وتعليمات منظمة المدن العربية؟ ولو استعرضنا بقية أهداف المنظمة من رفع مستوى الخدمات في المدن العربية، نجد أنها انحدرت وساءت أكثر في العقود الأربعة الأخيرة، أما هدفها المتمثل في تعزيز دور السلطات المحلية فهو لا يستحق حتى طباعته في موقع المنظمة أو وجوده ضمن أهدافها. وعليه نعود ونكرر رجاءنا للسيد العدساني ولتاريخه الكبير والجليل التخلي عن هذه المنظمة ليأتي من يقوم بتفعيل دورها أو الاعتراف بالعجز وحلها، فوضعها الحالي والعدم سواء.
***
ملاحظة: ثلاثة كنت أشد الرحال لمحاضراتهم واحاديثهم: المرحوم أحمد البغدادي، والمرحوم خلدون النقيب، ولن أذكر اسم الثالث، لكي لا «يتفاول»! وبالرغم من التفاوت والاختلاف الفكري والسياسي بين الثلاثة، إلا انهم كانوا، ولا يزال الثالث، يمثلون لي ضمير المثقف الجاد والملتزم، وكما صعب تعويض البغدادي سيصعب تعويض امثال النقيب.
أحمد الصراف