مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتجربة الغرب المريرة مع النازية التي سمح بوصولها وتسليحها ثم دفعت البشرية 50 مليون ضحية لخلعها، قرر قادة العالم الحر عدم السماح للتوجهات السياسية المتأزمة والمتطرفة والعدوانية بالوصول لسدة الحكم في العالم، وتم بناء عليه «طبخ» انقلابات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، كما أتى في كتاب مايلز كوبلاند الشهير «لعبة الأمم»، الهدف منها محاربة الشيوعية في أقصى اليسار والتوجهات الدينية في أقصى اليمين.
كانت باكورة تلك الأفكار انجاح انقلاب يوليو 1952 على الملك فاروق، حيث وُجد ان الأنظمة الملكية إنسانية ولا تتميز بالعنف المطلوب لمواجهة تلك التيارات المؤدلجة القوية، لذا كان العمل الأول لذلك الانقلاب هو إعدام العمال الشيوعيين في كفر الدوار أغسطس 1952 ثم تلا ذلك سريعا أحكام الإعدام التي صدرت عام 1954 بحق الإخوان المسلمين، واستمر تصدي النظام العسكري الناصري للشيوعيين والإخوان المسلمين وعمليات قتلهم وإعدامهم (قتل الشيوعي شهدي عطية وسجن صحبه، وإعدام الإسلامي سيد قطب وجمعه) حتى نهاية حكم عبدالناصر عام 70.
تكررت تجربة إعداد وإنجاح الانقلابات العسكرية التي يوصل من خلالها العالم الحر الى لحكم أنظمة عسكرية في منطقتنا، فنجحت انقلابات حزب البعث في العراق وسورية (68 – 70) وتلاها محاربتهم الشديدة للشيوعيين في البلدين والتيارات الإسلامية الشيعية في العراق كحزب الدعوة، والسنية في سورية كحزب الإخوان المسلمين وهو أمر أقر به البعثي العراقي الكبير حردان التكريتي قبل مقتله في الكويت، والبعثي السوري الكبير صلاح البيطار قبل مقتله في باريس.
واستمرت تلك التجربة الناجحة في دول عربية أخرى مثل انقلاب النميري مايو 69 الذي تلاه ضرب الإسلاميين بالطائرات في جزيرة ابا عام 70 وإعدام القادة الشيوعيين ومنهم هاشم عطا وبابكر النور صيف 71 والذي ساعده فيه العقيد القذافي بعد نجاح انقلابه العسكري في سبتمبر 69 عندما أنزل الطائرة التي تقل القادة الشيوعيين بالقوة في ليبيا، ولم تكن اليمن بعيدة عن ذلك المسار ولم يتوقف الرئيس صالح عن محاربة الإسلاميين السنة والشيعة (القاعدة والحوثيين) والحال كذلك مع الحكم العسكري للرئيسين مبارك وزين العابدين واستمرارهم حتى النهاية في محاربة القوى الإسلامية ومن تبقى من القوى اليسارية والقومية.
لقد تسبب سقوط الشيوعية في عدم حاجة العالم الحر لأنظمة قمعية في منطقتنا فتركها تتساقط.
تقرير «النيويورك تايمز» أقر بقيام مؤسسات أميركية ضخمة بدعم عمليات إسقاط الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط وهو أمر استمعنا لمثله من قيادات خليجية بارزة كان اعتقادهم أن ما يشاهد من تحركات تقوم على التكنولوجيا المتطورة وأعمال لوجستية غير مسبوقة، لا يمكن أن يكون عمل مجاميع شبابية صغيرة السن، لذا فإن خلاصة المشهد السياسي بالمنطقة هي ان من عيّن وأعان تلك القيادات العسكرية في السابق يقوم بخلعها هذه الأيام ومن ثم أصبح كشف حساب المجتمع الدولي نظيفا أمام شعوبنا التي أصبح بإمكانها أن تقرر مستقبلها، فإما التحول إلى الأسوأ متى ما اختارت الجهلاء – وما أكثرهم – وإما الى الأفضل متى ما وصل العقلاء… ويا لندرتهم في منطقتنا.
آخر محطة:
بكل واقعية، هناك حرب أهلية قائمة في ليبيا وتوازن قوى خطير ومدمر بين بنغازي وطرابلس لا يسمح بانتصار سريع لإحداهما على الأخرى، لذا فإما أن يسمح العرب بحرب أهلية طويلة تتحول الى حالة «صوملة» كما تنبأ بذلك موسى كوسا، وإما ان تلجأ ليبيا بدعم عربي وغربي لأبغض الحلال وتنقسم الى ليبيا شرقية وليبيا غربية وتتوقف الحرب الأهلية سريعا كما حدث في قبرص أوائل السبعينيات ويتم توفير الدماء والأموال انتظارا لفرصة وحدوية أخرى في المستقبل بعد ان دمر وحدتها الحالية.. الوحدوي معمر القذافي.