في راوية أنطوان تشيخوف «الشقاء» كما يشخصه الروائي –وكما أفهمه- هو حالة مزرية تمتطي روح الفرد عندما لا يجد أحداً ينصت إلى شكواه، فالناس يغرقون في شؤونهم الخاصة وفي لهوهم ولا أحد يكترث لأحد، فالحوذي بطل القصة أراد أن يبث همه وشقاءه لمن يصادفهم في عمله، أراد أن يصف لهم كيف مرض ابنه، وكيف تعذب وكيف مات وكيف كانت جنازته، وكيف ذهب إلى المستشفى لاستلام ملابسه فلم يجد من ينصت إليه في كل ما مضى… كان تلاشي المشاركة في الألم من الناس هو الشقاء.
لدينا في عوالم الشقاء العربي صور كثيرة لشقاء حوذي تشيخوف، فالشعوب التي لا تجد من ينصت إلى ظلمها من قبل حكامها المستبدين ولا تفتح لها أبواب الإعلام بشفافية، ويتم «تطنيش» مآسيها على أيدي جلادي النظام الحاكم ثم تتناسى دول الغرب الكبرى حال البؤس لهذه الشعوب تحت ذريعة «البراجماتية» أي النفعية والمصالح الاقتصادية حين تزيح جانبي المثالية ودعوات قيم الحرية والمساواة التي نادت بها تلك الدول في خطاباتها الرسمية تصبح شعوب هذه الدول المنسية أو طائفتها وطوائفها وأعراقها «الإثنية» في أسوأ أحوال الشقاء، هناك شقاء كبير عند أهل اليمن على سبيل المثال، وشقاء آخر لأكراد سورية وشقاء لأهل درعا وبانياس… وهناك شقاء ممتد للشعب السوري في تجاوز تطلعاته للحرية وخواء وعود النظام هناك، وهو شقاء يتسع ويستطيل لكل الشعوب العربية بلا استثناء (قد نتجاوز الحالة التونسية في الوقت الحاضر).
في الكويت لدينا «شقاؤنا» وإن كان أقل درجة من شقاء الاشقاء، (ربما)! فالبدون لهم شقاؤهم. والمحرومون من «الإنصاف» في الوظيفة العامة أو الخاصة يحيون في شقاء، فالتقدير حسب الكفاءة والإنتاج والنزاهة في العمل ليس له مكان حين يفرش السجاد الأحمر لجماعات «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» وينسى غير الشقي.
في النهاية نجد الشقاء عند الكثير من النواب وأصحاب الرأي المعارضين لعودة سمو الشيخ ناصر إلى رئاسة مجلس الوزراء، فهم صرخوا واعترضوا بكل قوة على نهج الشيخ ناصر في الإدارة السياسية، لكن سموه عاد لهم، فأخذوا يتهامسون «تيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي» فثبات «تيتي» هو حالة شقاء سياسي كويتي باميتاز.
كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة