محمد الوشيحي

إلى أن

الله يشهد أنني والتفاؤل كهاتين، الوسطى والسبابة، «إخوان دنيا»، نشأنا معاً، التحقنا بالمدرسة معاً، أدخلنا السجائر إلى الفصل معاً، شدّنا مدرس الجغرافيا من ياقات قمصاننا معاً، تصعلكنا وتلكّعنا معاً، غازلنا الصبايا وناغشناهن معاً، قرأنا رسائلهن وكتبنا إليهن معاً، تشكلت ثقافاتنا معاً، قرأنا أن كبار أثرياء العالم أثناء اجتماعاتهم يتسلّون بتناول الكستناء المشوية في الشتاء، فأشفقنا عليهم وتهامسنا ضاحكين: «مساكين، لم يتذوقوا المرقوقة (1) في الشتاء»، كبرنا ودرسنا في مصر معاً، ودخلنا السجن العسكري في قاهرة المعز كطلبة في الكلية العسكرية مع بداية الغزو العراقي، بتهمة تهديد حياة الطلبة العراقيين، وكدنا نضيع في الرِّجلين معاً، نقلنا معاً «دانات المدافع» أثناء فترة السجن من موقع إلى آخر سيراً على الأقدام عقاباً لنا، وتساقطنا منهكين غير عابئين بصرخات ضباط السجن وتهديداتهم، وكنا نضحك بكل بلاهة التعب… كنا نضحك بصدق، كنا نعاني تخمة في القهقهة، وكلما ارتفع منسوب الكوارث على رؤوسنا ارتفعت معه قهقهاتنا المخلوطة باستهتار. لم تفرقنا مشاغل الحياة، التفاؤل وأنا، كنا نلصق الكتف بالكتف كي لا يتسلل أحد بيننا. تعاهدنا على البقاء على قيد الصداقة.
وجاءت السنوات الخمس الأخيرة، لا حيّاها الله ولا بيّاها، و»سرى بي الجاثوم»(2) وقادني إلى مدينة السياسة، فاستيقظت فإذا بي بين تيارات سياسية كاسدة وتيارات مائية «فاسدة»، لعنة الله على السياسة في هذا الشهر المبارك، وعلى كاتبها وناقلها وبائعها وشاريها. تلفّتّ أبحث عن صديقي التفاؤل فلم أجده، اختفى في بحور الزحام، تباعدَت أكتافنا بعد التصاقها، صرخت بأعلى حنجرتي أناديه بهلع، فطغت أصوات الضجيج على صوتي. تفرقنا، واختفى صديقي «التفاؤل».
رحت أبحث عنه وأمشي وأنا أرفع طرف دشداشتي عن الوحل وأسأل الجموع: «ما كل هذه المياه الآسنة؟»، فبشروني: «هطلت أمطار الطائفية علينا بغزارة أمس»، فغمغمتُ: «اللهم حوالينا لا علينا»، وواصلت مسيري، وأعياني التعب، فتركت دشداشتي «على راحتها» تغوص في الطين، وجلست منهكاً على الرصيف، كل شيء فيَّ كان منهكاً، حتى دموعي لم تقوَ على الهطول فأقعت في مكانها، الغصة وحدها كانت في أوج نشاطها… وفجأة رأيته!
كان يجر أقدامه حافياً، يمشي متثاقلاً… جريت إليه واحتضنته معاتباً: «أين اختفيت سحقاً لك ولعشيرتك الأقربين؟ ما كل هذا اليأس والبؤس على وجهك؟ ما هذه اللحية العابثة بلا تهذيب والشعر المنكوش بلا ترتيب؟ هل غرقت مراكبك؟»، فأجابني وهو يمسح شعر رأسه: «هرمنا يا صديقي… هرمنا». «يااااه يا «أبو فولة» (3)، من كان يصدق أنك ستنكسر؟ ما الذي كسر عظمك؟» سألته فتمتم وهو ينظر إلى لا شيء: «الطائفية… الطائفية يا صديقي تفرق بين المرء وزوجه، والخليل وخليله» وواصل حديثه وهو ينتزع كلماته من بين تنهيداته: «ثمة معركة اسمها معركة الجمل، حدثت قبل نحو أربعة عشر قرناً، يعاد الآن التحقيق فيها»، سألته: «وماذا عن اللحوم الفاسدة التي أغرقت البلد؟»، فشوّح بيده: «كل شيء متوقف الآن إلى أن تنتهي لجنة تحقيق الجمل». قلت: «وماذا عن التشكيل الوزاري ومصالح البلاد والعباد؟»، قال: «مرتبط بنتيجة التحقيق التي لن تظهر، يجب أن يتقاسمها الطرفان»، وأضاف: «على كل حال، ستتشكل الوزارة من العطشى الباحثين عن عصير الفراولة، وسينضب مخزون الفراولة في البلاد، وسيُطبق على هذا البلد جَبَلان من الشرق والغرب، للمساهمة في لجنة التحقيق»! «طيب، والحل؟»، أجاب وهو يرفع شعرات لحيته إلى شفاهه: «أغلق نوافذك واحتضن أطفالك»… قال ذلك وابتعَد.
رحت أجري خلفه وأشده من كتفه: «لحظة لحظة، لم تخبرني… هل وجدوا شهود عيان لمعركة الجمل؟ هل وجدوا بصمات المجرمين وطابقوها؟ هل عاينوا مسرح الجريمة؟ هل…»، فتمتم: «متى ما وصلوا إلى نتيجة فستتوقف نبضات قلوبهم… لذا لن يصلوا أبداً… كل شيء سيتوقف إلى أن…»، واختفى واختفيت.
* * *
 (1) المرقوقة: أكلة خليجية تعمل عمل الأسمنت المسلح في المعدة. تأكلها فتفقد الذاكرة وتشخر قبل أن تنام بنصف ساعة.
(2) سرى بي الجاثوم: لا أعرف ترجمتها. تصرفوا.
(3) أبو فولة: اسم الدلع لصديقي التفاؤل.

سامي النصف

رئيس وزراء كل الكويت

ضمن مفاهيم المرحلة القادمة، نرجو ان يتوقف بعض النواب عن الاساءة للآخرين بأقبح الألفاظ ثم ختم كلامهم بالثناء على سمو الشيخ ناصر المحمد متخذين إياه ساترا لهم في تخندقاتهم وحروبهم التي لا تنتهي مع الآخرين فناصر المحمد رئيس لمجلس وزراء كل الكويت وليس لهم فقط.

لقد تمت تجربة ذلك النهج الخاطئ في الحكومات السابقة فانتهى بالكوارث والأزمات المتلاحقة وإلى زيادة مطردة في عدد الخصوم، والواجب على من يقوم بذلك الفعل كائنا من كان ان يعي اضرار ما يعمل وان يتم الفصل التام بين حروبه الشخصية وبين المكانة السامية والأخلاق العالية التي عرفت عن الشيخ ناصر المحمد وحقيقة انه يقف دائما على مسافة واحدة من الجميع.

من يتحدث عن إلغاء المحاصصة بالتشكيل الحكومي هو أشبه بمن يطلب المستحيل فقد جرب ذلك الأمر في السابق فثار عليه اول من دعا له، المحاصصة مقبولة مادام انه تم اختيار الأفضل والأكفأ من الشريحة السياسية او الاجتماعية المراد تمثيلها في مجلس الوزراء مع ضرورة محاسبة اي وزير يقدم الولاء لشريحته على حساب أنظمة الدولة خاصة فيما يتعلق بالعدالة في التعيينات والترقيات التي لا محاصصة فيها.

مقال الزميل أمين معرفي في جريدة «القبس» عدد الجمعة يستحق ان يكتب بماء الذهب كونه يمثل بحق توجه كل شيعة الكويت كما نعرفهم، فما تمارسه ايران من عدائية سافرة ضد دولنا حسب قوله «سيواجه بسور حديدي من أبناء الطائفة الشيعية التي ستقف بصدورها العارية الى جانب اخوانها من الطائفة السنية»، ويضيف «ان حكامنا هم رموزنا ودولنا الخليجية هي وجودنا فلا نرضى بغيرهم حكاما ولا بغيرها أوطانا».

أعتقد ان الزميلة د.ابتهال الخطيب ابنة الصديق المثقف عبدالعزيز الخطيب قد أساءت فهم رد الجار الشيخ احمد الحمود وزير الداخلية على جريدة «الحياة» السعودية، حيث لم يكن يقصد التنابز بالأصول بل اطفاء نار ملف «الازدواجية» الملتهب الذي يعالج بالحكمة وفي الغرف المغلقة لا بالدغدغة الاعلامية كما كان يحدث سابقا، أرجو ان تعود الزميلة للابتسام في وجه زوجها فالابتسام في هذه الأيام المكفهرة صدقة وان تواصل مد يدها خارج النافذة و«زف» مدبرة منزلها «صفية» وان تسأل والدها عن حكاية خناقته في الاسكندرية وعمها عن كيفية تحمل مشط رجله عبور سيارة فوقه؟!

آخر محطة: ذكرت الزميلة «الوطن» ان وزير المالية مصطفى الشمالي أبدى رغبته في عدم اعادة توزيره، ان صح الخبر فإننا نقول له: بيّض الله وجهك يا بومشعل على دفاعك عن حرمة الأموال العامة ونظرتك كرجل دولة لمستقبل الأجيال المقبلة، وأكثر الله من أمثالك.

حسن العيسى

الأخ الأكبر إلى متى؟

قلع «الأخ الأكبر العربي» من عرشه في تونس، وفي مصر، لكنه يتشبث ويعض على كرسي الحكم بالنواجذ في ليبيا وفي اليمن، ولو نزف الشعبان الليبي واليمني حتى آخر طفل متظاهر. بقية الدول العربية مازال «الأخ الاكبر» فيها يحيا متربعاً على العرش بأمان تحت حراب مصالح استراتيجية نفطية وأمنية للدول الكبار، فهي– تلك الدول الغربية- تفتح عيناً على بعضنا وتغمض الأخرى عن أخينا الأكبر مع بعضنا الآخر، لكننا إن لم نجد لها عذراً «في غض الطرف» فقد نجد لها التفسير وبعضاً من التبرير، فعالم السياسة هو علم الواقع والممكن بفلسفة «هوبز»، والمثاليات تترك للثوار الواهمين والحالمين والذين سينقلبون إلى واقعيين حين ترتخي عضلات مؤخراتهم على وسائد الحكم أو تختطف ثورتهم ليحل «الإخوان» الكبار على عروش الأخ الأكبر الوحيد.
لا تتصوروا أن «الأخ الأكبر» هو عنوان مسلسل أجنبي أو تركي تهفو إلى بطله الوسيم قلوب النساء، هو مصطلح ابتدعه الصحافي والروائي الراحل الإنكليزي جورج أورويل في رواية بعنوان 1984 نشرت قبل وفاته بعامين في نهاية أربعينيات القرن الماضي، وقد اختلفت ترجمة عنوانها في بعض اللغات. الأخ الأكبر يراقبك أينما تذهب كما كانت عيناه تلاحق بطل الرواية «ونستون» وهو يصعد سلم منزله في الدور السابع، وهو يئن من قرحة تنهش ركبته. يجلس ونستون وهو عضو عادي من الحزب القائد على كرسي ثقافة الحزب وعين الأخ الأكبر تراقب ليكرر مع رفاقه كلمة واحدة اسمها «كراهية» مرات ومرات دون تعب، كراهية لعدو الشعب، كراهية لامانويل غولدستين، وكان الأخير من قواد الثورة وأحد أعمدتها ثم اتهم بالخيانة من «الرفاق» ومن الأخ الأكبر واختفى عن الحياة، ربما قصد به العملاق أورويل المنشق تروتسكي، والدولة الشمولية هي روسيا سابقاً. إلا أن وصف عمليات غسل عقول أعضاء الحزب عبر البروباغندا الخاوية تملأ سطور الرواية، وتضج كلمات بها مثل «نيوزبيك» وتعني عند أورويل خطاب السلطة الخاوي الاستبدادي الخالي من المعنى والساذج في الفكر (صورته مطابقة لإعلامنا العربي الرسمي الحكومي وإعلامنا الخاص التابع)، ثم هناك الوزارات، مثل وزارة الحب المحصنة بأسوار عالية وهي المسؤولة عن الأمن، ووزارة الوفرة المسؤولة عن الاقتصاد… وتمضي الرواية في وصف حياة البائس ونستون في دولة «اوسنيا» العظمى، شعار «الأخ الأكبر يراقبك الآن» تجده في كل مكان، ينزل الرعب بقلبك إن أردت أن تعبر عن رأيك أو حتى تكتب بعض كلمات في السر، ونستون بدأ أول كلماته في دفتره الخاص بكلمة 1984.
نشرت الرواية بعد الحرب الكونية الثانية، وكان يقصد أورويل جل النظم الشمولية، لكنه حسب كلماته، وهو الاشتراكي الحر الذي حارب مع الاشتراكيين التروتسكيين في الحرب الأهلية الإسبانية، وأصابت رصاصة من فاشيستي فرانكو حنجرته، أراد بها روسيا الخارجة من الحرب، والتي كان ينظر إليها بقداسة من شيوعيي أوروبا وغير قابلة للنقد لا من هذه الأحزاب ولا من الدول المتحالفة معها في الحرب مثل إنكلترا، ورواية أورويل السابقة «مزرعة الحيوان» تنهض دليلاً على الخنق الفكري لها من وزارة الإعلام البريطانية لبعض من الوقت.
انتهى الأخ الأكبر تقريباً من أوروبا، إلا أن أشباحه المرعبة تهيم في سماء المنطقة تحمل صور صدام مرة والآن لها عدة أسماء وعدة أشكال تسعى، ليس حسني مبارك ولا زين العابدين آخرها، فالقائمة طويلة للأخ العربي الأكبر، فيها رؤساء وملوك وأمراء… وأخطرهم وأمضاهم اسمه التخلف الفكري والجهل الإنساني وغياب العقلانية… أحد إخواننا الكبار اسمه المجتمع الأبوي المتسلط، واسمه العادات والتقاليد المحنطة، واسمه الخرافات، واسمه الخوف من الجديد… أخوك الأكبر عدا أنظمة حكمنا الموميائية هو داخلك يحيا معك في أغوار جوفك واللاوعيك، ويكبر معك وأنت تهرم وتشيخ، أما هو فمثل صورة دوريان غراي لا يشيخ أبداً… هو يراقبك الآن فلا تتكلم ولا تكتب، عش بصمت في دول الصمت.

مبارك الدويلة

هذه المرة.. غير

نعم.. هذه الحكومة يجب ان تكون غير في تشكيلها، لانها تمر في ظروف غير..!
لا أحد ينكر حساسية الظرف السياسي الذي تمر به المنطقة وتتأثر به دول الخليج، لذلك يجب ان تأتي حكومة تستوعب هذا الظرف، وتدرك تداعياته على الداخل وتأثيره على أمن البلد واستقراره، حكومة تبني وتعرف كيف تهندس البناء وتحافظ عليه، حكومة تنشغل بتنفيذ برنامجها وتتعاون مؤسساتها لتحقيق ذلك، حكومة تعمل كفريق واحد برأس واحد وقلب واحد، فهل سمو الشيخ ناصر المحمد قادر على ان يأتي بمثل هذه الحكومة؟ ستواجه سموه مشاكل كثيرة قد تعرقل طموحاته في تشكيل حكومة قوية ومتجانسة، ولعل من أهمها:
ــــ انها الحكومة السابعة..! في أقل من ست سنوات، وهذه كافية لزعزعة الثقة في النوخذة الذي سيدير الفريق!
ــــ الظرف السياسي للمنطقة يجعل مسؤولية النواب كبيرة في تقدير هذا الظرف ومراعاة تداعياته، وبما ان النواب بادروا منذ اليوم الأول للتكليف الى اطلاق قذائفهم الصاروخية تجاه شخص الرئيس المكلف، لذلك نحن على اعتاب بوادر أزمة في نسختها السابعة قد تعجل في عمر هذه الحكومة ان لم يكن المجلس كذلك، لذلك لن تجد متحمسا للمشاركة هذه المرة.
ــــ لا يبدو في الافق اي حل للمشاكل الداخلية لأسرة الحكم، وبالتالي قد يستمر انعكاس آثارها على اداء هذه الحكومة، وبالنظر الى هذه الآثار على الحكومات السابقة نجد انها عوامل قاتلة وكافية لجعل الحكومة مهترئة من الداخل وتنشغل بنفسها عن البناء والتنمية.
ــــ النظرة للديموقراطية على انها مكسب للشعب والدولة يجب ان تسود بدلاً من التعامل مع هذه الممارسة الديموقراطية على انها نقمة ورطهم بها الشيخ عبدالله السالم، هذه النظرة جعلت مبدأ التعاون بين السلطتين مفقوداً وحبراً على ورق، لذلك شاهدنا كيف كانت الحكومة تتمنى فشل المجلس في تحقيق اهدافه وتسعى لافشال كل مشاريعه.
لهذه الأسباب سنجد الاعتذارات عن المشاركة كثيرة، وستكون حال الحكومة مثل راية الشر التي رفعت فانبرى لها اشرارها وابتعد عنها اخيارها، مع اني لا أتمنى ان نصل الى هذه الدرجة، بل أتمنى ان تنزل السكينة على سمو الرئيس ويهديه الله الى تحجيم تدخلات الآخرين من ابناء عمومته، وفي المقابل يتوقف هو عن التدخل في شؤون الوزراء في وزاراتهم، وأتمنى ان يختار الوزير النظيف في سمعته والمشرق في تاريخه والكفوء في تفكيره وادائه، عندها سنقول نحن لنوابنا: كفى.. كفى.. اعطوا هذه الحكومة فرصتها التي نتمنى ألا تكون كسابقتها.

سعيد محمد سعيد

توظيف القضايا المذهبية في الصراع السياسي (1)

 

على مدى السنوات العشرين الماضية، ولنقل منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم، باعتبار أنها مرحلة شهدت تنامياً مقلقاً على صعيد الصدامات المذهبية في العالم الإسلامي، باءت كل محاولات وجهود علماء الأمة (المعتدلين) في صد مخاطر تلك الصدامات بالفشل!

لكن، على أي أساس حكمت عليها بالفشل؟ ولماذا باءت بالفشل؟ والإجابة ترتكز على أن كل المؤتمرات التي عقدت في عواصم عربية وإسلامية للحفاظ على ما تبقى من احترام للمذاهب والأديان بين أبناء الأمة، حطمها تحطيماً ذلك المد المتنامي من قبل جماعات متشددة تؤمن بالفكر المتطرف والتي سعت بشكل احترافي الى توظيف القضايا المذهبية في الصراعات والخلافات السياسية والعكس صحيح، فيما كان بعضها ولا يزال مدعوماً من حكومات وجماعات نفوذ وتمويل داخلي وخارجي… قانوني وغير قانوني.

وتحضرني بضع مقاطع من الداخل البحريني حذرت من هذا الصدام، فوكيل الشئون الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فريد المفتاح هو واحد من العلماء الذي حمل على عاتقه مسئولية الدعوة الى تجديد الخطاب الديني، وعدم الاحتكام الى كتب التاريخ وغيرها، باعتبار أن ذلك هو السبيل لنبذ الفرقة بين المسلمين وتوحيدهم ونشر الإسلام وقيمه، وكذلك، ولأهمية ترميم العلاقات وردم الهوة بين أتباع المذاهب الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية بخطاب إسلامي معتدل، كان خطيب جامع عالي الكبير فضيلة الشيخ ناصر العصفور يحذر بصورة أخرى من تضرر العلاقات بين أبناء الأمة جراء تصاعد موجة الصراع والفتنة الطائفية، إذ تم استغلال القضايا المذهبية وتوظيفها في الصراع السياسي والتجاذبات المحمومة، وخصوصاً بعد الحرب على العراق.

ومع ذلك، وهذه هي النقطة الجوهرية، فإن هناك الكثير من أبناء الأمة، ومنهم من هو على مستوى من التعليم، يحصر نفسه في اتباع فتاوى (الشياطين الخرس)، كما أسماهم الباحث الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي في محاضرة قدمها لهيئة التدريس بجامعة الكويت قبل أيام قليلة مضت… بل وزاد قوله إن أولئك (لا يباعون ولا بفلس) ولا يجب أن نأخذ منهم فتوى! وهو محق في طرحه! ذلك أن الأمة الإسلامية ابتليت بشخصيات تلصق أنفسها بالعلم والفقه والدين، من كل الطوائف والمذاهب، وعلى الخصوص أصحاب الفكر المتشدد، ليبثون سمومهم الفتاكة في جسد الأمة، ومع شديد الأسف، فإن الكثير من الحكومات في العالم العربي والإسلامي، تكشر وجوهها رافضةً هذا السلوك المدمر أمام مرأى الرأي العام من جهة، وتظهر سرورها ورضاها بما يحدث في الخفاء من جهة أخرى.

ما يهمنا هو الوضع في بلادنا، والذي يمكن أن نصفه، بأنه وعلى الرغم من وجود خطاب ديني ناشز قبيح فتنوي، إلا أن من الواجب على الدولة وعلى كل المواطنين، عدم السماح لأي خطاب تفوح منه روائح الموت والتفتيت والتشفي والانتقام، ووفقاً لمتطلبات المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا، فالجميع في حاجة الى أن يجتمع أهل البلاد تحت مظلة التسامح والمحبة والتآخي، وخصوصاً أن جلالة العاهل الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الراعي الأول لهذا التوجه من خلال اللقاءات المستمرة مع علماء الدين الأفاضل كما يعلم الجميع… لكن، ما الذي سيحدث لو استمر وجود نفر من ذوي الخطاب المتشدد في بث سمومهم القاتلة؟

للحديث صلة